التنوير كم نحتاج لطه حسين
التنوير عملية معقدة تشغل المفكر العربي منذ مدة طويلة , الثورة الفرنسية الكبرى شكلت للعقل العربي نموذج تحفيزي لإطلاق عملية التفكير في كل شيء والمفضية للتنوير في نهاية المطاف , التنوير سيخرج المجتمعات العربية من منطقة الجهل والتجهيل والغباء والدروشة إلى منطقة النمو والازدهار واحترام الأخر والتعددية والتعايش وإعمال العقل ورفض التبعية وتأجير العقل وهذا ما يٌخيف البعض ممن يقتات على الجهل والتجهيل ويمارسه على نطاق واسع ؟
الثورة الفرنسية الكبرى أخرجت المجتمع الفرنسي من قيود الكنسية المتشددة والتبعية لرجال الدين والإقطاعيين وبالتالي فهي تٌشكل المثال الناجح للمفكر العربي المؤمن بالتنوير كقضية وعملية نهضوية , في القدم كان هناك مفكرين حاولوا النهوض بالمجتمعات لكنهم فشلوا أو بالأحرى أفشلوا بقدرة قادة من بين أولئك المفكرين المفكر التنوير العربي طه حسين الذي لم يستسلم للعمى الذي جعل منه شخصية لا ترى شيئاً فتمرد في البداية على عمى البصر مطلقاً العنان للبصيرة لترى كل شيء بوضوح , أربعون عاماً وزيادة مرت على رحيل طه حسين فروحه ماتت معنوياً ولم تمت حسياً فهو قبلة يهتدي إليها كل من يحاول إعمال عقله والسير بطريق التنوير الشائك الذي لا يسلكه سوى من يمتلك قوة العزيمة والصبر وتحمل الأذى بأنواعه المختلفة وقوة الحجة وصمود الفكرة , تعرض طه حسين للكثير من الأذى في سبيل قضيته قضية التنوير فأخرج للمجتمعات فكراً وحيوية وروحاً جديدة لعل وعسى تكون سبباً في حياة مجتمعات ومحفزةً لها لأن تتمرد على واقعها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي المٌظلم والمتهالك , شهد القرن التاسع عشر ثورة للعقل الغربي أشد من السابق وشهد القرن العشرين ولادة التنوير بالعالم العربي ولادة لم تستمر رغم بعض المحاولات الشخصية من أفراد ومؤسسات فطه حسين رائد التنوير فاضت روحه في يوم أشد ظلاماً و تحول بعض رفاقه للدروشة بعد أن فشلوا في تسويق مشروعهم التنويري ومستسلمين لغباء المجتمعات , المجتمعات من طبيعتها مقاومة كل ما هو جديد في البداية ويتعاظم الأمر إذا وصل إلى العقل والتفكير فالمجتمعات العربية تعيش منذ قرون عدة في ظل ثقافة نقليه تقدس الفقيه والتراث المنقول والماضي الكئيب في بعض أحداثة وشخوصه مجتمعات تخاف من الاختلاف وتعيش على وقع الخلاف تقدس الطاغية وتمجده بعد موته وتلعنه في حياته وهذا هو الواقع !.
التنوير ليس ضد الدين وليس بتغريب كما يظن آخرون فمعارضوه يرونه خطراً على الدين وعلى المجتمعات ويمكن تقسيم المعارضين لفئتين الأول الفئة التي تخاف من ضياع نفوذها والفئة الثانية فئة تتبع وتقلد الفئة الأولى دون وعي أو إدراك , الفئة الأولى تستفيد من غباء الفئة الثانية فتخرج لها أقوالاً تستهدف التنوير والعقل رغبةً منها في بقاء الفئة الثانية على غبائها وعصبيتها لتحارب الحقائق ومحاولات التنوير , هدف الفئة الأولى هو البقاء على النفوذ فغباء الجماهير وعنصريتهم وحماستهم الغير منضبطة جعلت من تلك الفئة " الفئة الأولى " فئة متصدرةً للمشهد ثقافياً وسياسياً واجتماعياً ودينياً فكل شيء لا يمر على المجتمعات الإ بإذن الفئة الأولى فعلى الرغم من خفوت دورها في بعض الأوقات الإ أنها ما تزال متصدرةً المشهد تتشكل وتتغير تبعاً للظروف والمواقف واللعبة هنا معقدة يشترك فيها السياسي والغير سياسي تبعاً للمصالح المشتركة فيما بينهم .
الربيع العربي أخرج الشيطان من كينونته فالمجتمعات خرجت متمردةً على كل شيء على القهر والفقر والاستبداد والجهل والتجهيل المتعمد , على الرغم من مرارة الأحداث وأعداد الضحايا والصراعات الطائفية والعنصرية والمذهبية والدينية بين أفراد المجتمع الواحد الإ أن ذلك طبيعي فالجهل والتجهيل المتعمد وسطوة التيارات الدينية والأحزاب السياسية المصلحيه على المشهد جعل من تلك الصراعات حقيقةً بعد أن كانت مجرد تكهنات وأحاديث وروايات ببطون الكٌتب فالذي يحدث اليوم نتيجة طبيعية لتراكمات الماضي ولما تم بذره في التربة العربية من أفكار وأراء وحبيبات احتقان وغضب وعصبية وسقيا تلك البذور والحبيبات بماء التجهيل المٌتعمد !.
لكل مرحلة هدف ولكل هدف وسائل ونتائج , اليوم نحن كعالم عربي في أمس الحاجة إلى التنوير القضية التي أشغلت مفكرين ومثقفين منذ القدم والقضية التي جعلت من بعض أفراد المجتمعات تعيش على وقع نظرية المؤامرة الخيالية الناجمة عن عدم ثقة في النفس والفكر وأفراد المجتمع , التنوير هو الذي أخرج فرنسا وأوروبا من الظلام وهو الذي حولها لبلدان حضارية في كل شيء في تعاملاتها وتعايشها ونزاعاتها الإنسانية المختلفة , اليوم والأمس والغد يحتاج العالم العربي من محيطه لخليجه إلى التنوير كحاجته للماء والشراب فالتنوير دواء ناجع ومفيد لمشاكل المجتمعات العربية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية " الصراع الطائفي والمذهبي " وبغيره يبقى الحديث عن النهضة والتنمية والتعددية الشاملة والتعايش والعدالة ضربٌ من الخيال والجنون فكم سنة نحتاج انتظاراً لولادة طه حسين أخر وكم سنة نحتاج لتعميم أراء طه حسين الراحل وتطبيقها وتطبيق غيرها من الأفكار والآراء التنويرية على أرض الواقع أظن أننا نحتاج لقرون وليس لسنوات ؟.
التعليقات (0)