التنوير العربي.. وعصر المعرفة
الأربعاء 25-1-2012
عقبة زيدان
في القرن الرابع عشر، وبعد قرن تقريباً، وصل هذا الاختراع إلى أوروبا واستخدموه.
في منتصف القرن الخامس عشر بدأ عصر النهضة الأوروبية واستمر مائة عام، ليبدأ عصر الإصلاح ويستمر مائة وخمسين عاماً، إلى أن تبدأ الثورة الصناعية وتنتهي في نهاية القرن التاسع عشر. وكانت المدن الإيطالية هي المبادر لوضع القواعد الأولى لعصر النهضة، لتمتعها بالاستقلال السياسي والاقتصادي. ومن ثم فقد تبعتها ألمانيا، وتتابعت الثورات في المجر وإسبانيا، ثم في إنكلترا وفرنسا، وانتشرت ديمقراطية النخبة، ولكن تحت حكم الأمير المستبد المساند للتجار. وبقيت الجامعات قلاعاً للرجعية الفكرية. ولكن ملك فرنسا المستنير فرنسيس الأول، أنشأ عام 1530 الكوليج دي فرانس، لتعليم العلوم الإنسانية، التي تهتم بمصالح الإنسان.
وجد الأوروبي نفسه يعيد اكتشاف العالم من جديد من خلال ما أخذه عن الشرق العربي من معارف وعلوم، وكان عصر النهضة هو عصر دافنشي وكوبرنيكوس الذي غيّر مفهوم الإنسان عن الكون، مؤكداً أن الشمس لا الأرض هي مركز الكون. وتفتحت عبقرية دافنشي عن صنع نماذج الطائرة الميكانيكية والطواحين، ولم تستطع القوانين العلمية حينها أن تجاري عبقريته.
تجرأ الناس - بعد اكتشاف أميركا - على التفكير في وجود عوالم جديدة في السماء. وذهب برونو ضحية هذا التفكير، فأحرقته محاكم التفتيش بتهمة الزندقة. وجاء عالم فلك يدعى تايكو براهي ووضع أسس علم الديناميكا، وألف مساعده كبلر كتاباً سماه (سر الكون)، شرح فيه الحركة الظاهرية للمريخ ودورانه حول الشمس في مدار إهليلجي. وكان العلماء العرب في طليطلة، في القرن الحادي عشر، قد توصلوا إلى هذه النظرية قبله.
وضع غاليلو غاليليه أول مانفستو للعلم الجديد وللثورة العلمية العصرية، عبر كتابه (حوار حول النظامين الأساسيين للعالم البطليموسي والكوبرنيكي)، وبسببه حوكم بتهمة زعزعة بنيان الفلسفة الأرسطية. وهكذا، فقد أصبح السبيل ممهداً لنظرية نيوتن في الجاذبية.
في القرن الثامن عشر، جهد الفلاسفة في شرح نظرية نيوتن، للتوفيق بين مفاهيمها والمفاهيم الاقتصادية والسياسية الجديدة. وقد دعا لوك إلى حكم القانون العلمي لنيوتن. وشك هيوم في معرفة أي شيء على وجه اليقين. أما بركلي، فأنكر وجود العلم وحقيقة العالم المادي. وهكذا فقد تصارعت الأفكار التقدمية مع الأفكار الرجعية، وكان النصر للأولى.
في أواخر القرن الثامن عشر ظهر مفكرون تنويريون، نهلوا من حكمة الصين وفضيلة الهند، فنادى فولتير (شيخ التنوير) باحترام نيوتن، ودعا إلى إيصال نتائج تطور الفيزياء والرياضيات إلى عقول الجميع، لأنه من دون العقل لايمكن تحسين الحياة، ولا يمكن أي تعديل في أنظمة الدولة. وقال إن الحركة التقدمية للعقل، تؤدي مع الزمن إلى انتصار التنوير على الجهل.
نادى جان جاك روسو بالعودة إلى الطبيعة، وفصل علاقة العقل عن الغنى والنسب. وأدت هذه الأفكار إلى إثارة غضب وجهاء وأغنياء فرنسا.
أحدثت اكتشافات قانون الطاقة في الفيزياء على يد هلمهولتز وكارنو، ومن ثم نظرية داروين في علم الأحياء، صدعاً كبيراً في النظرة إلى العلم الكلاسيكي، إذ أكد داروين على ميكانيكية الانتخاب الطبيعي، التي قضت نهائياً على علل أرسطو الغائية. وبانتصار داروين عاد العلم ثورياً من جديد.
لم يقف الإسلام في وجه التقدم العلمي والفكري. وانطلق المفكرون المسلمون يبحثون في ثقافة اليونان، وينهلون من كل المعارف التي سبقتهم. وفي العصر العباسي، بدأت حركة ترجمة كبرى للعلم الإغريقي إلى اللغة العربية، وكان الأمراء والخلفاء يدعمون هذه الحركة، حيث أسس المأمون مكتبة كبرى أطلق عليها (دار الحكمة)، فيها أصدر حنين بن اسحق وثابت بن قرة النسخ العربية لأعمال أرسطو وبطليموس، وتمت ترجمة أعمال الفلاسفة الهنود والفرس. وبعد فترة، اضطر الغرب أن يأخذ معرفته بالعلم الإغريقي عن العرب. وهكذا فقد أعاد العرب العلم الإغريقي إلى الحياة من جديد، بعد هضمه ومزجه بالثقافة الإسلامية.
برز علماء وفلاسفة مسلمون كبار، كالكندي والرازي وابن سينا، أرادوا تنقية الكيمياء مما يعلق بها من الغيبيات. وتقدم العلماء المسلمون في الحساب والهندسة، وخطوا خطوة كبيرة، عندما أدخلوا الأرقام الهندية والصفر الهندي في علم الحساب. وكان السوريون يعرفون ذلك، ولكنهم عجزوا عن استخدامه.
ألف الفرجاني أكبر موسوعة في الفلك، وأقام علماء الفلك مرصداً كبيراً في حران. ولولا بحوث العرب في الفلك والرياضيات، لتأخر علماء الغرب كثيراً عن القيام بنهضتهم. ووضع العرب أساس الجغرافيا الحديثة. واعترف الغرب بأن العرب هم واضعو أساس علم الكيمياء، وهو الأساس الذي ظل قائماً في القرن الثامن عشر. ويعد جابر بن حيان أبا الكيمياء، ومكانته فيها تشبه مكانة أبوقراط في الطب. وظل كتاب (القانون) لابن سينا في الطب، وكذلك كتاب ابن رشد (الكليات)، إضافة إلى أعمال ابن خلدون، تدرس في جامعات أوروبا حتى القرن السابع عشر.
انحلت الإمبراطورية الإسلامية، وتفتتت إلى نظم إقطاعية متخلفة اقتصادياً وثقافياً، وأخيراً دمر التتار والترك هذه الإمبراطورية، وبقي الإسلام كعقيدة وفكر وحضارة، لكنه لم يكمل قفزته العلمية المذهلة التي حققها في عهده الذهبي من القرن التاسع إلى القرن الحادي عشر، ثم أسلم الشعلة إلى العلم الإقطاعي في أوروبا، التي أخذت بعد ثلاثة قرون تبشر بميلاد عصر جديد.
توقف ما يمكن أن نطلق عليه (التنوير العربي)، حتى بداية القرن التاسع عشر، وذهاب بعض المثقفين العرب إلى الغرب للدراسة، وجلبهم لأفكار التنوير الأوروبية. وأطلق على المرحلة الجديدة (عصر النهضة)، التي كان أول أعمدتها رفاعة الطهطاوي، الذي أرسله محمد علي للدراسة في الغرب. وجاهدت حزمة من المثقفين العرب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، من أمثال محمد عبده وقاسم أمين وعبد الرحمن الكواكبي، لطرح أفكار التنوير الغربي، بغية تغيير الواقع العربي البائس، ولكن دون أن يحدث شيء يذكر
التعليقات (0)