التنظيم السري
تلقيت اتصالا من المؤرخ المتميز الدكتور حمادة حسني عضو هيئة التدريس بجامعة قناة السويس صاحب أول دراسة وثائقية عن علاقة عبد الناصر بالقضاء، وبالتالي أول دراسة عن التنظيم السري في القضاء وهو كتابه "عبد الناصر والقضاء: دراسة وثائقية" الذي قدم له شيخ القضاة المستشار يحي الرفاعي، وستكون لنا معه وقفة. ومن الواضح أن دولة التنظيم السري التي تتحكم بمصر: السلطة والمجتمع وشرائح واسعة من المعارضة وتمسك بمفاصل الإعلام والثقافة وصناعة الرأي العام كانت تلح على ذهن الكثيرين معتبرين أنها من أهم أسباب الأزمة الخطيرة التي تعيشها مصر، وأن إخراج دولة التنظيم السري من السراديب المظلمة ضرورة من ضرورات الإصلاح.
وأول ما لفت نظري في الظاهرة أنها نشأت من أعلى، فصلاح نصر يشير إلى تنظيم سري أنشأه عبد الناصر مبكرا داخل مجلس قيادة الثورة. لكن ما نحن بصدده الآن تنظيم سري ينشئه الرئيس الذي يحكم بسلطات مطلقة!!
فلماذا يحتاج من يملك "سلطات مطلقة" إلى تنظيم سري؟. لا توجد إجابة يمكن أن تقنع أي اقل إلا وجود "أجندة سرية"، أجندة لا يمكن إعلانها، وهذه كارثة ثانية فالنظام الجماهيري الذي يتمتع – ولو بمجرد الادعاء – بالتفاف الجماهير حوله لا يستطيع أن يعلن أجندته الحقيقية لهذه الجماهير، وصدق جلال كشك عندما أطلق عليهم المغفلين!
الحقيقة في دولة التنظيم السري إذن ليست في الأوراق ولا الوثائق بل هي "وديعة" تسلم يدا بيد من سابق إلى لاحق. وهذا هو السبب الحقيقي في استحالة أن تشهد مصر انتخابات رئاسية أو برلمانية نزيهة في مصر، وحتى يمكن التصرف في الوديعة دون مصادمة مشاعر "المغفلين" فلابد من "السيطرة" التامة على الدولة والمجتمع، فلا سلطة تشريع ولا قضاء مستقل ولا صحافة حرة يمكن قبول وجود أي منها. ويجب أن يكون "حامل الوديعة" قادرا على التصرف في كل المقدرات كبيرها وصغيرها بمطلق الحرية وعلى إسكات أي صوت، حتى لو كان رضا هلال.
وللحديث بقية
ممدوح الشيخ
التعليقات (0)