التنظيم السري في مصر
ممدوح الشيخ
في كتابه عن محمد عبده يقول المفكر والمؤرخ الكبير الدكتور عثمان أمين إن الجيل الأول من قيادات الأحزاب السياسية المصرية في مطلع القرن العشرين كانوا أعضاء بمحفل الشرق الأكبر الماسوني الفرنسي، وهي ملاحظة مهمة تصبح أكثر أهمية لصدورها عن هذا الأكاديمي الكبير. وهذه العبارة جرتني لأخرى أكثر دلالة وردت في يوميات الدكتور بطرس غالي "بانتظار بدر البدور" وهو بطبيعة الحال لا يحتاج إلى تعريف، يقول الدكتور بطرس حرفيا: "باريس – الثلاثاء 5 شباط فبراير 2002. محاضرة عن الفرنكفونية بدعوة من محفل الشرق الأكبر الفرنسي. إنها المرة الأولى التي أقيم فيها صلة بالماسونية، التي منعت منذ عدة سنين في بلادي، في حين أن غالبية الطبقة السياسية المصرية، قبل الحرب العالمية الثانية، كانوا ماسونيين"، ثم يضيف الدكتور غالي: "أمتنع عن إخباره بأن جدي كان معلما كبيرا داخل الماسونية"، وفي ختام هذه (اليومية) يقول نقلا عن المضيف الماسوني: "الأهداف التي تسعى إليها الفرنكفونية وهي السلام والديموقراطية التنمية هي أهداف الماسونية أيضا".
تذكرت هذه الحقائق وأنا أقرأ الكتاب الجاد الذي أصابني بالرعب واستفز أقصى رغبة في الاستمرار في تتبع ظاهرة دولة التنظيم السري، إنه كتاب الأستاذ عبد الغفار شكر "منظمة الشباب: تجربة مصرية في إعداد القيادات"، فمن يتصفح الأسماء يكتشف أولا أن المشهد السياسي الرسمي الحالي بمخازيه وخيباته تشارك في صنعه بنصيب وافر كوادر "منظمة الشباب" التي أنشأها الزعيم خالد الذكر، ويضاف إلى ذلك أن عددا لا يستهان به ممن يسمون مجازا "المعارضين" خرجوا من التنظيم نفسه. وكأن هناك من قرر منذ عهد المستبد الأكبر محمد علي أن "تصنع" الدولة مجتمعها ولا تسمح له باختيار رموزه أو إفرازهم بأية صورة طبيعية، ومنها أو برعايتها تناسلت تنظيمات بعضها سري وبعضها شبه علني بدءا من: "اليد السوداء" مرورا بمحفل "الشرق الأكبر" و"الحرس الحديدي"، وصولا إلى "التنظيم الطليعي". "تعددت التنظيمات والاستبداد واحد"!
وللحديث بقية
ممدوح الشيخ
التعليقات (0)