مرة أخرى يعود التنظيم السري في القضاء موضوعا لتحذير من واحد كبار القضاة، فالمستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض رئيس نادي قضاة الإسكندرية يشير إلى ممارسات حكومية تقوم بها وزارة العدل تستهدف إحياء هذا التنظيم مرة أخرى و"تجنيد" قضاة. وهذا التنظيم الذي كان صفحة سوداء من تاريخ مصر أنشأه الزعيم خالد الذكر في كل أجهزة الدولة وفي كتابه المهم "عبد الناصر والقضاء: دراسة وثائقية" يقدم المؤرخ الدكتور حمادة حسني نماذج للممارسات الخطيرة لهذا التنظيم قبل أن يوجه له الرئيس السادات ضربة قاضية. ولعل الأهم في كتابه الوثائق التي ترسم صورة تفصيلية ربما لو لم يرسمها كتابه لظن البعض أن في الأمر مبالغة، وربما لو لم يقرر السادات وهو في قمة هرم السلطة أن يوجه ضربة قاضية لهذا التنظيم الأخطبوطي لما أدركنا درجة تغوله والخطر الذي يمثله وجود "دولة خفية" داخل الدولة، وهو تنظيم لم يتردد قادته في السعي الفعلي للإطاحة برئيس الجمهورية في مؤشر على درجة القوة التي كان يتمتع بها هذا التنظيم، والشراسة التي يتعامل بها مع خصومه، حتى لو كان خصمهم رئيس الجمهورية!
والدولة الخفية سلاحها الأقوى "الخفاء" وقدوتها إبليس الذي يستمد قوته من أنه "يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم"، والدرس الذي ينبغي تعلمه من هذه التجربة أن يصبح تجريم انتماء الموظف العمومي وشاغل المنصب السياسي لأي محفل سري مطلبا يتبناه المطالبون بالإصلاح، فليس كل من انتمى لتنظيم سري تنشئه السلطة يكون ولاؤه في النهاية لأجهزة الأمن أو حتى الرئيس بل أحيانا يكون التنظيم نفسه مجرد حلقة في بناء تنظيمي "أكثر خفاء" تمسك بخيوطه أطراف خارجية.
ويبقى سؤال عن المسئولية الدستورية والقانونية والأخلاقية التي يتحملها الزعيم خالد الذكر عن وضع هذه البذرة الخبيثة في الدولة المصرية؟ وهل هذا من أخطائه أم من خطاياه؟
وللحديث بقية
ممدوح الشيخ
التعليقات (0)