إن ممارسات فرسان الهيكل خلال الحملات الصليبية تؤكد لنا أن هدفهم الجديد القديم هو محاربة العقيدة السليمة ، فعلى الرغم من كفرهم بالمسيحية وقتلهم للحجاج النصارى ، إلا أنهم كانوا أشد ما كانوا على المسلمين ، علما منهم بصفاء العقيدة الإسلامية وخوفا من قوتها وتعاظم أمرها
ولذلك تجدهم قد ارتكبوا أفظع الجرائم والمجازر في حق المسلمين وقتها ، ولذلك فإن صلاح الدين الأيوبي لما انتصر في معركة حطين صفح عن جميع النصارى ، إلا فرسان الهيكل هؤلاء فقد أنزل فيهم حكم القاتل لا المقاتل وقتلهم جميعا ، وأخذهم بمن قتلوا من المسلمين
ولأن الصورة لديهم لم تكن مكتملة بعد انتقلوا للمرحلة العلنية ، وقد استهجنها العامة من النصارى لما فيها من الوثنية البعيدة كل البعد حتى عن المسيحية المحرفة ، وكان ذلك بمثابة إعلان الحرب عليهم
ولهذا عملت هذه التنظيمات على تشكيل توازن في المنطقة وقتها ، حتى يتمكنوا من السيطرة على الوضع والتغلغل داخل السلطات المختلفة ، فقد حاولوا التفاهم مع حامية دمشق الإسلامية سنة 1148م ، وسلموا حصنا إلى الملك نور الدين زنكي سنة 1166م ، وتواصوا مع الإسماعيلية لتشكيل تحالفات مختلفة
ولكن حين جد الجد وعلموا أن القدس ذاهبة من بين أيديهم اجتهدوا في قتال المسلمين ، وقاتلوا في المعارك أشد القتال ، ومع اندحارهم من القدس وانكشاف سياساتهم بين العامة والخاصة ، وجدت هذه التنظيمات أن تغيير السياسة أمر ضروري لا بد منه
ولعل تعاليم الكابالا وما وجدوه في حفريات الهيكل كان الأهم ، فقد اختلفت سياساتهم جذريا ، فعادوا من جديد للسرية إلا القليل منهم ، وصاروا أكثر تنظيما من السابق ، حيث شكلوا جناحا عسكريا لهم يضم فرسانا مدربين على أعلى المستويات ، وتغلغلوا من جديد داخل الدولة والفاتيكان ، وعملوا على بناء الكاتدرئيات والكنائس كغطاء لممارساتهم وطقوسهم ومقرا لاجتماعاتهم السرية ولذلك أطلق عليهم من وقتها بالماسونيين (البناؤون الأحرار) ، وبذلك صار لهم فروع في مختلف أنحاء أوروبا
كما اهتموا بالتعاملات المالية اهتماما شديدا ، فأحرزوا الأملاك الضخمة ، وحازوا أموالا عظيمة ، ولعل ما يدل على تعاظم قوتهم أن كنائسهم حول أوروبا أصبحت فروعا بنكية للتعاملات المالية والتحويلات المصرفية ، فكانوا بذلك أول من اخترع فكرة البنوك والتحويلات المالية ، وأصبح لا داعي لأن يخاف رجال الأعمال على أموالهم من قاطعي الطرق ولصوص البلاد ، فقد حافظوا على أموالهم من خلال إيداعها في كنائس فرسان الهيكل ، وقد مكنهم ذلك من السيطرة على رؤوس الأموال وتوطيد العلاقات الاقتصادية
ولقد بلغوا من التعاظم والقوة حتى خشيهم الملوك والبابوات على ما بين أيديهم ، فلقد أصبحوا دولة داخل الدولة ، وقد دفع هذا الملك الفرنسي فيليب والبابا كلمنت الخامس إلى تحريم إتباع هذه الطريقة نهائيا ، وتم إلقاء القبض على معظم أتباعها المعروفين وعلى رأسهم أستاذهم الأعظم سنة 1307م ، وقد اعترفوا خلال محاكمتهم بكفرهم بالعقائد السماوية جميعها ، فأعدموا عام 1314م فانفرط عقدهم وتراجعت قوتهم في أنحاء أوروبا ، ولكنهم استطاعوا النهوض من جديد كما سنجد في المقالات القادمة إن شاء الله تعالى
التعليقات (0)