دائما ما كانت سياسة وتحركات هذه التنظيمات السرية مواكبة للأحداث في الواقع الحياتي ، فمع تنامي القوة الإسلامية في الشرق في القرون الوسطى انصب تركيز عمل هذه التنظيمات السرية على سر هذه القوة وهو العقيدة الإسلامية السليمة
كانت الفعاليات الأساسية لهذه التنظيمات تركز على إفساد العقيدة الإسلامية استكمالا لطريق الذي بدأه مؤسسهم عبد الله بن سبأ ، وذلك من خلال التعمق في علم الكلام للخوض في المحتوى العميق للعقيدة الإسلامية ، فخاضوا في الذات الإلهية وتكلموا في القدر وتناقلوا كتب الفلاسفة الإغريق ، ونشروا البدع وفرقوا الأمة الإسلامية شيعا فاسدة وفرقا بائدة
ومع محاولات ثانوية للتغلغل داخل البلاطات السلطوية بهدف تدعيم أفكارهم وعقائدهم داخل المجتمع بقوة السلطان ، استطاعت هذه التنظيمات بالفعل الوصول بشكل متكرر لرأس الهرم السياسي كما حصل في عهد الخليفة العباسي المأمون وأخيه المعتصم ، فقد كان هذين الخليفتين تحت تأثير هذه التنظيمات فاستطاعوا نشر الفكر الاعتزالي المخالف للعقيدة الإسلامية بقوة داخل المجتمع
عند إلقاء النظرة على الجهة المقابلة في الغرب نجد أن أوروبا ما زالت تعيش قرونها الوسطى تحت استبداد هذه التنظيمات ، التي استطاعت ضخ بعض أفرادها ضمن هرمي السلطة والدين على مراحل متدرجة تاريخيا
وبذلك عملت هذه التنظيمات على توجيه سلطتي الحكم والدين في مسار غريب ، كانت أهم ملامحه إغراق أوروبا في الجهل المطلق على المستويين العلمي والعقائدي ، حيث كانت التنظيمات السرية تعتقد بأن العلم وسيلة للمعرفة التي ستقيد سلطتهم وتحجم دورهم القيادي داخل المجتمع
نتيجة لذلك عاشت أوروبا قرونا طويلة في الظلام الدامس ، ولا يخفى على أي باحث في هذا السياق مظاهر الجهل الغريبة العجيبة ، فقد أحرقت كتب العلم والفلسفة واعتبر الخوض في العلوم جريمة شنيعة تعاقب الكنيسة مرتكبها بالقتل ، وانتشرت صكوك الغفران الغبية والكثير من مظاهر الجهل التي لا مجال لذكرها
ولكن ما لفت انتباهي بشكل غريب ما ذكره المسلمون في الأندلس عن خصومهم الأوروبيين في معاركهم ، فقد ذكروا أنهم وجدوا الأوروبيين في حالة يرثى لها ، فقد كانوا بالكاد يسترون عوراتهم ، لقد كانوا شعوبا ما تزال تعيش في العصور الحجرية البعيدة
وبالرغم من نجاح هذه التنظيمات في تحقيق سياساتها في المجتمع إلا أن الصورة لديهم لم تكن متبلورة بما فيه الكفاية ، فقد اعتقدوا أنهم بنجاحهم في هذه الممارسات التعسفية تجاه الشعوب قادرين على نقل المجتمع المسيحي للمرحلة الوثنية الممهدة لحكمهم الأبدي ، ولكن ذلك كان له نتائج عكسية عليهم
في الواقع رغم كل نجاحاتهم كانت ما تزال الهوة العقائدية والفكرية بينهم وبين المجتمع كبيرة جدا ، ونتيجة لذلك اعتبرت ممارساتهم الإباحية وطقوسهم الوثنية العلنية في القرن الحادي عشر بمثابة إعلان الحرب عليهم
انقلب السحر على الساحر ومثل إعلان تشكيل تنظيم فرسان الهيكل عام 1099 نقلة نوعية في تاريخ هذه التنظيمات ، فقد خاف الملوك من هذه النقلة النوعية ومالوا للشعوب وأضحى أعضاء هذه التنظيمات ملاحقين ومطلوبين للإعدام في جميع أنحاء أوروبا ، فاختل التوازن وبدأت مرحلة جديدة مثلت ما يعرف بالنشأة الدموية للتنظيمات السرية حيث دخلت هذه التنظيمات في مرحلة صراع طويلة مع الكنيسة كما سنذكر في المقالات القادمة إن شاء الله تعالى
التعليقات (0)