اوقات تحبس فيها الانفاس تلك التي نعيشها الان ..ومواقف يزداد عندها الترقب وتقسر اعناقنا على الالتفات اليها..امور تجبر المرء على تحسس ادنى الايماءات التي تبدر من هذا الطرف ام ذاك..لما قد يكون لها بالغ الاثر في تشكيل الصورة المتكاملة والملغزة بعناصر مختلفة ومتناقضة ومتباينة قد لا يبدو المشترك بينها جليا..
وبعض هذه العلامات قد تكون اقرب الى كلام العيون او الهمس الخافت او الوشوشة في الاذان..تتطلب اصاخة السمع والعقل لكي نتلمسه ومنها ما يكون اقرب الى التصريح البواح او القول السافر الذي لا يحتاج الى اعمال عقل ولا نقل في استنباط ما يراد بها..
ومنه ما يكون اقرب الى التصريح منه الى التلميح مثل التعديل المفاجيء في مسار جولة الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط ليبدأها بزيارة إلى المملكة العربية السعودية بعد ان كان البيت الأبيض قد اعلن إن القاهرة ستكون أول عاصمة عربية يزورها الرئيس الأمريكي.
هذا التعديل اعاد الحديث وبفورة محمومة من النشاط الى التزاحم المصري السعودي على مقعد السائق في مركبة النظام الإقليمي العربي، والتي يبدو ان الولايات المتحدة بدأت تميل الى القيادة السعودية والتي تعاظمت فرصها وباضطراد منذ مؤتمر مكة ولحد الآن.. مقابل انكفاء دبلوماسي مصري غير مسبوق مصحوب بتثاقل وزهد واضح وابتعاد عن التمسك- بشكل اقرب الى التسليم او فقدان الرغبة - في القيادة.
وزاد من الارباك التعويل الكبير الذي وضعته الدبلوماسية المصرية على زيارة اوباما والقاءه خطاب موجه الى العالم الاسلامي من خلال احد منابرها ..حتى اعتبر بعض المراقبين ان القاهرة سوف «تستعيد دورها» من بوّابة «خطاب أوبـاما»..
ويتجلى هذا التعويل من خلال الترحيب المصري الرسمي الكبير بالزيارة من خلال البيان الرسمي الذي لفت الانظار إلى أن «مصر تمثّل منبراً فريداً لهذا الهدف».مترافقا مع دعوة أطلقها عدد من علماء الأزهر لأوباما لتوجيه خطابه من داخل جامع الأزهر. حيث نقل عن مفتي الديار المصرية، علي جمعة، قوله «هذا التوجّه من الرئيس الأميركي من شأنه أن يسهم في تشجيع ثقافة الحوار بين الإسلام والغرب، وتخفيف حالة الاحتقان بين العالمين الإسلامي والأميركي».
واستغل رئيس تحرير صحيفة «الجمهورية»، محمد على إبراهيم، الإعلان عن أنه «من مصر الأزهر والإسلام والحضارة سيخاطب أوباما العالم الإسلامي». ورأى أن قمتين لمبارك وأوباما خلال 10 أيام هما أبلغ رد على المشكّكين في حقيقة الدور المصري.وذلك طبعاً قبل الغاء الزيارة المقررة للرئيس المصري الى واشنطن .
ويأتي هذا التعديل-وتوقيته- كاعلان عن حسم– ومن رب العمل شخصيا- التنافس المصري ــ السعودي غير المعلن على الزعامة العربية لمصلحة الدبلوماسية السعودية تحت قيادة الملك عبدالله، والتي يبدو انها تتحصل على امكانية مناورة أوسع ودعم اقليمي اكبر مما تمتلكه القاهرة تحت إدارة الرئيس حسني مبارك.والمؤسف ان هذا التنافس هو-فعليا-على الفوز بزعامة اللاشيء مع تآكل الدور الاقليمي العربي برمته لصالح الادوار المتعاظمة للقوى الاقليمية غير العربية مثل ايران وتركيا واسرائيل ..وافتقار الطرفين الى النفوذ اللازم على محركات الصراع الفعلية المتمثلة بايران وسوريا وحزب الله وحماس.
يقول رئيس تحرير دورية «مختارات إسرائيلية» الصادرة عن مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور عماد جاد، إن «النظام الحالي في مصر يريد أن يمارس دوراً يأخذ منه عائداً فقط من دون أن يدفع أي ثمن. وفي الستينيات صنعنا نموذجاً له أخطاؤه ومزاياه، لكن كان له دور. إلا أن مصر الآن ليس لديها ما تقدمه على المحيط الدولي أو الإقليمي، فنحن لا نقدّم أي شيء لا في الديموقراطية ولا في حقوق الإنسان ولا في الشفافية ولا في طهارة الحكم ولا في تداول السلطة»
والملاحظ ان هذه الصفات تنطبق على غالبية الدول العربية وبصورة نموذجية وبامتياز على المملكة العربية السعودية ايضاً...
التعليقات (0)