مواضيع اليوم

التناسي.. والجحود المذموم

nasser damaj

2010-10-25 04:44:14

0

التناسي.. والجحود المذموم
خليل الفزيع

تبرز بين آونة وأخري أسماء لشخصيات تحدث وهجا حين ظهورها في أي مكان، وبريقا حين حضورها علي أي صعيد ، لكن ذلك الوهج وهذا البريق لا يلبثان أن يتضاءلا، حتى يتلاشيا نهائيا، ويغيبا عن ذاكرة الناس، وضمور هذا الألق يرجع إلي أسباب منها أن تلك الشخصيات لا تملك من الجدية في تنفيذ العمل ما يتيح لها الاستمرار، فانحسرت عنها الأضواء، أو أن يكون مشروعها مجرد وسيلة للوصول إلي هدف بعينه، فإذا تحقق هذا الهدف تواري صاحبه في الظل غير عابئ بالأضواء، أو أن يكون الهدف في الأساس هو البحث عن الشهرة والبريق الإعلامي، دون مقومات تتيح لذلك البريق الاستمرار، أو الصمود أمام التحديات، وباستعراض هذه الحالات السلبية نكتشف السر الذي يضمن التألق لبعض الشخصيات، وفي مجالات مختلفة، وأبرز أولويات هذا السر هو الإصرار والشجاعة والقدرة علي إنجاز العمل بأعلى درجة من الإتقان، وتحمل المسؤوليات المترتبة علي ذلك العمل بكل إيجابياته وسلبياته، والوعي بأهمية العمل الهادف للمصلحة العامة مع توفر الأدوات التي تتيح إنجاز ذلك العمل علي أفضل وجه. حتى لا يتعذر العمل الجاد في غياب أدوات التنفيذ.
لكن المؤسف أن يطال هذا النسيان أناسا أفنوا أعمارهم في خدمة المجتمع، وقدموا له الكثير، في وقت عز فيه العطاء، وندرت فيه الكفاءات، يوم كانت الأيام مدلهمة، والليالي حالكة السواد، حتى إذا انفرجت أسارير الزمن، أصبحت تلك التضحيات نسيا منسيا، وأصبح أصحابها في عالم النسيان، لا يلتفت إليهم أحد، ولا يسأل عنهم من كان بالأمس تابعا، يلتمس منهم العطف والشفقة، وسبحان مغير الأحوال.
وحتى لا تتفشى هذه الظاهرة وترمي بغيومها السوداء على الأجيال القادمة، وما يعنيه ذلك من تنكر لجهود من أعطوا فأجادوا العطاء، وعملوا فأحسنوا العمل، لابد من تدارك هذه الحالات من النسيان أو التناسي التي تجتاح بعض المجتمعات كالأمراض المستعصية، والأوبئة الخبيثة، خاصة في مجتمع (كان) ديدنه الوفاء، وسمته الاعتراف بالجميل لأهله، وطبع أفراده إرجاع المعروف لأهل المعروف، ولو بحثنا في سجلات الوعي لوجدنا أعدادا لا حصر لها من الأسماء التي لا يليق أن تغيب عن ذاكرة الأيام والناس حتى وإن غابت عن الحياة، فالحياة الحقيقية هي أعمالهم التي يستمدون منها البقاء في ذاكرة الأيام والناس.
الاعتراف لمن أعطوا بتقدير عطائهم هو دليل التحضر، لذلك فإن معظم الأمم والشعوب تحيي ذكري أبنائها الذين سجلوا عملا بارزا في أي ميدان من ميادين العمل علي اختلاف مجالات النشاط الإنساني والجهد البشري في أي مكان أو أي زمان.
لقد سجلت الأيام ومضات مشرقة من تاريخ صناع التاريخ، وبهم اقتدى اللاحقون، واستفادت الأجيال من إنجازاتهم على اختلافها، ولكل أمة رموزها المعروفين على امتداد التاريخ، ولكل دوله أعلامها البارزين على تعدد الدول، وما أولى أولئك الرموز والأعلام بالتكريم والخلود في الحياة، بعد أن يطويهم التاريخ في سجلات الغيب، ومن النكران للجميل تناسي تلك الشخصيات الفذة التي تركت بصماتها في حياتنا كأفراد أو كمجتمع، فهم نعمة من الله لعباده، ومن الجحود والكفر بالنعمة أن نرى من يحاول النيل من مكانتهم أو ذكرهم بسوء، وهذا السلوك المعيب ليس فيه من المروءة أي شيء، ولن تقوم قائمة أمة تسيء إلى ماضيها بالإساءة لرجال ذلك الماضي، أو نسيان فضلهم على من أتى بعدهم.
أن نتناسى التاريخ فتلك كارثة، لكن الكارثة الأكبر أن نتناسى من صنعوا هذا التاريخ، أولئك الغائبون بأجسادهم، والحاضرون بإنجازاتهم التي يستفيد منها جمع الناس أين ما كانوا وفي أي زمان وجدوا.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات