التميز في التمييز.
يسيل كثير من المداد في العالم العربي بخصوص سبل مواجهة الأخطار التي تتهدد الهوية و الثقافة العربية في ظل العولمة و شبح النظام العالمي الجديد. لكن السؤال الغائب في هذا النقاش هو: هل توجد حقا ثقافة عربية واحدة ومنسجمة؟.ألا ينبغي أولا محاربة العنصرية و التمييز في المنطقة العربية قبل الحديث عن أخطار خارجية؟.
موضوع التمييز في العالم العربي يكاد يكون أحد الطابوهات التي يمنع الخوض فيها. لكن الوقائع تثبت هذه الحقيقة بجلاء. و كل ما نسمعه من كلام حول الأخوة العربية و التضامن العربي و المصير المشترك...يبقى مجرد ترديد لشعارات فارغة من أي محتوى. ففي كل بلدان المنطقة من الماء إلى الماء يعامل المواطن الوافد من دولة عربية أخرى معاملة خاصة جدا، حيث يتعرض في المطارات و نقط التفتيش الحدودية لتدقيق كبير في الهوية، وكأنه قادم من كوكب آخر، بينما يجد كل من يحمل جنسية غربية كل الترحيب و الحفاوة الإهتمام. وفي الوقت الذي ينجح فيه الأوربيون في إزالة كل الحواجز التي تعيق حرية الحركة و التنقل بين دولهم، ينجح العرب في تشريع مزيد من القوانين التي تفرض تلك القيود.... و تطرح قضية الإقامة مشكلة خاصة بهذا الخصوص. إذ لا نجد في أية دولة عربية قوانين مرنة لمنح الجنسية لمن يستحقها من المقيمين العرب بسبب الزواج أو طول مدة الإقامة أو غيرها من المسوغات القانونية المعمول بها في الغرب مثلا. لذلك يستطيع المهاجر إلى دول أوربا أو الولايات المتحدة الحصول على جنسية البلد الذي يقيم فيه إذا توفرت فيه الشروط، بينما يعتبر ذلك من رابع المستحيلات في الدول العربية لأن المعني بالأمر يعتبر وافدا. وهو بذلك يتبوأ مكانة من الدرجة الثانية، و لا يتمتع بنفس الحقوق الإجتماعية التي قد يستفيد منها إبن البلد.
مسألة الدرجة الثانية هذه لا تقتصر على هذا المستوى وحده، إذ تظهر أيضا في طبيعة الشعور بالإنتماء إلى العروبة. وفي إحدى المفارقات العربية التي لا تنتهي يصر عرب الشرق على اعتبار سكان شمال إفريقيا عربا مثلهم، لكن ذلك لا يترجم عمليا على أرض الواقع، حيث يحضر سكان شمال إفريقيا في الشعور الجماعي في المشرق العربي باعتبارهم عربا من الدرجة الثانية. و كلما طفت الخلافات السياسية إلى السطح تظهر حقيقة هذا الشعور، فنسمع كلاما يتغنى بفضل العرب القادمين من الجزيرة العربية على برابرة شمال إفريقيا الذين تعلموا اللغة العربية و الحضارة العربية و الإسلام العربي الذي أنقذهم من براثن الوثنية والتخلف و الضلال. و بذلك أدى إلحاق هده المنطقة بالعالم العربي إلى تبني أبنائها للقضايا العربية بقوة شديدة. لكن لا شيء يدل على ارتباط المشارقة بقضايا شمال إفريقيا أو مايعرف ب " المغرب العربي ". إنه تمييز صارخ يصبح أكثر إيلاما في حالات أخرى كالصومال مثلا. حيث يغيب الدور العربي تماما في هذا البلد الذي تمزقه الحرب الأهلية، وهو عضو كامل العضوية في " جامعة الدول العربية".و لا يعرف الموضوع الصومالي نفس النقاش الدي تحظى به القضية الفلسطينية و العراق مثلا. و السبب طبعا هو أن الصوماليين عرب بالإلحاق. وهم لا يستحقون أن يكونوا في صلب الإهتمام العربي رسميا و شعبيا...
التميز العربي واضح إذن. إنه التميز في التمييز. وقبل أن تعلو الأصوات بانتقاد الغرب و اتهامه بالعنصرية يجب أولا تجاوز عنصرية ذوي القربى. وذلك ما لا يمكن بلوغه إلا بتجاوز الخطابات العرقية المهيمنة و الإنتصار للإنسان كقيمة أساسية. محمد مغوتي 16/07/2010.
التعليقات (0)