التمازج النفسي المنتج بديلاً لأوهام الوحدة العربية
مصعب المشرف
23 يناير 2018م
تقدم قناةمصرالفضائيةالرسميةالتابعةللحكومةبرنامج لقاء مكاشفة دوري أو شهري (لست متأكد) . تستضيف مقدمة البرنامج الرئيسالمصريعبدالفتاحالسيسيداخل الأستديو . حيث يستقبل البرنامج مكالماتوأسئلةهاتفيةمسجلة منمواطنينمصريين. ويردعليهمالسيسيمباشرةعلىالهواء.
في حلقة هي الأحدث من حلقات هذا البرنامج . إتصلتمواطنةمصريةشابة حديثة السن تنتقدكثرة تواجد (الأجانب) السودانيينوالسوريينفي بلدها ؛ خاصة في أسواق القاهرة . وإشتكت أيضاً من أنهم قد أصبحوا ينافسون الشباب المصري في أكل عيشه.
بداية نشكر هذه المواطنة المصرية الشابة ، التي لم تحاول أن تستخدم كلمات وعبارات ممجوجة رنانة في وصف مواطني دول عربية أخرى بأنهم (أشقاء) و (حبايبنا) و (مصير مشترك) ، وغير ذلك من كامل أوصاف الهبل والعبط العربي القديم المطبوع . ثم ومسح الجوخ والضحك على النفس والغير في وصف العلاقة بين شعوب الدول العربية ؛ بغير ما ينبغي أن تتوقف عند واقعه المغاير.
ولا شك مطلقاً في أن الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط في حالة عدم العمل على التخلص من هذه "الزندقة" القومية ؛ فإنها لن تتقدم خطوة إلى الأمام .. وستظل العقد النفسية ما بين الجيران تتعمق دون مبررات . وتبقى الخلافات والإحتقانات العربية العربية شغل شعوبها الشاغل.
ونحمد الله أن هناك اليوم كثير في الجانب السوداني من النشء والشباب من أصبح واعياً بهذا الواقع ؛ ويسخر من عبارت وشعارات كاذبة خاطئة لا يلمس على أرض الواقع منها سوى نقيضها.
وأما الجانب الثاني من موضوع هذا المقال . فهي التحية التي ينبغي أن نسوقها للرئيس المصري السيسي على فحوى إجابته على هذا السؤال المشروع من مواطنته الشابة هذه.
أجابها السيسي على سؤالها قائلاً بما معناه: " أن هؤلاء لا يقيمون بيننا عالة علينا . ولكنهم يعملون وينتجون ، ومنهم من ساهم بفتح أعمال وشاركهم مصريون من جهة وأيضا إشتغل معهم مصريين . فساهموا بذلك في خلق فرص عمل لمواطنين مصريين . وأن كل هذه النتائج الإيجابية التي ترتبت على سماح الدولة لهم بالعمل الحر جاءت مثمرة . وأفضل مما لـو كان قـد أبقيناهم عالة علينا يمدون لنا أيديهم".
كلام السيسي ونظريته العملية أجد أنها عين العقل . وأنها تسهم في زيادة رقعة الطبقة العاملة في بلاده . وحيث لاشك مطلقاً بأن هذه الطبقة العاملة الأجنبية العربية الجارة قد جذبت ، وستجذب إليها أعداداً غفيرة من الشباب المصري العاطل عن العمل لسبب أو لآخر ؛ وخاصة السبب النفسي . حيث الذي نعرفه عن الشباب المصري (عامة) أنهم يخجلون من العمل (داخل بلادهم) في وظائف ومهن يعتبرها المجتمع المصري لا تليق بـ "أولاد الناس" ... على الرغم من أنها مربحة وذات مدخول عالي .
ويبدو أن الذي عناه السيسي في رده . وعلى ضوء التقارير المتخصصة التي ترد إلى طاولته ... الذي عناه السيسي هو أن الشباب المصري قد تأثر إيجاباً وعبر الإحتكاك برصيفه السوداني والسوري .... تأثر إيجاباً وعبر الإحتكاك بقناعات إحترام قيمة العمل ، وعدم إحتقار التخصص طالما كان مشروعاً .. فلاح .. عامل بناء .. نجار ... سباك .. إلخ. وبذلك دخلت أفواج من الشباب المصري مجالات مهنية وحرفية حرة منتجة لم تفلح كافة البرامج الإعلامية والمناهج الدراسية في غرسها داخل نفوس هؤلاء الشباب.
وربما كان لمصر أيضاً مبرراتها في الترحيب بهذه العمالة السودانية السورية الشابة .... والسبب واضح .. وحتى يتضح أكثر يمكننا هنا أن نستدعي أهم الأسباب التي ساهمت في حدوث مجاعة سنة 1306هـ المعروفة بمجاعة سنة ستة خلال عهد الخليفة التعايشي .... فقد كان أهم الأسباب هو إنتزاع التعايشي لمعظم الشباب من المزارع والحقول والسواقي للعمل في جيوش المهدية خلال حربه ضد أثيوبيا من جهة. و حروبه الجهوية لإخضاع القبائل التي خرجت عن البيعة بعد وفاة الإمام المهدي .... واليوم تواجه مصر نزيف حاد في شبابها ؛ بسبب حاجتها إلى إبقاء كافة الجبهات العسكرية والأمنية داخلها ، وعلى حدودها في حالة إستنفار دائم بما يلبي طوارئها.
الإنسان كائن إجتماعي يؤثر في غيره ويتأثر بهم .... ويظل عامل اللغة الواحدة هو الأهم في تسهيل نقل الأفكار بين الشباب .. كما أن التقارب العمري وتشابه الظروف يفلحان كثيراً في صهر الأفكار ودمجها ؛ بحيث تصبح منهجاً عملياً يحتذى طالماً ظل بمنآى عن التأطير السياسي الفوقي.
وفي دول النفط العربية يلاحظ غير العرب في أطفال الشعوب العربية هذه الظاهرة لجهة التفاعل فيما بينهم . ويطلقون عليها كلمة minglingوتعني الإمتزاج . ويعزونها إلى اللغة الواحدة بين أبناء الشعوب العربية.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي و99.9% من حكام العرب اليوم ولله الحمد تخلصوا من عقدة الناصرية ولا يقدمون أنفسهم ولا تقدمهم أجهزتهم الدعائية "زعماء" للشعوب العربية قاطبة .....
نأمل أن يشهد الحاضر على يد الشباب السوداني خاصة والعربي عامة التخلص من أغلب الأفكار العتيقة والأوهام .. وبذلك نكون قد تخلصنا ولعقود طويلة قادمة من عقدة الوحدة و الزعامة والعنصرية .. وبما يحول دون الإستغراق في الحساسيات وعقدة التفوق التي يظنها كل شعب عربي في نفسه دون الآخر ... وبما يتيح أن تلتفت هذه الشعوب إلى واقع وزمان جديد .
التعليقات (0)