التكفير.. لغة العاجرين عن الإقناع
خليل الفزيع
هل واجهك يوما أحد الذين يريدون فرض رأيهم عليك بالقوة؟ وهل وجدت في حديثه أكثر من منفذ لإقناعه ومع ذلك فهو لا يقتنع؟ هذه حالة قد تتكرر مع كثيرين يواجهون من لا يرضى إلا بفرض رأيه مع أن الآراء تعرض ولا تفرض، هذا في الحياة العامة، لكن هناك ما هو أخطر، وهو ما يتعلق بعقيدة الإنسان ومعتقده الديني، عندما يتصدى لك أحد المتشددين ليفرض عليك رأيا في مسألة خلافية، ناسيا أو متناسيا أن في اختلاف الأئمة رحمة بالمسلمين، فإذا لم تسلم بكل أقواله جملة وتفصيلا، فلا أقل من أن يرميك بالكفر ظلما وبهتانا، إن لم يكن أمامك فمن خلفك، ويتطاير شرر هذا الظلم والبهتان ليشمل آخرين كل ذنبهم أنهم أصدقائك أو من أبناء طائفتك، ويكون نصيبهم مثل نصيبك من الاتهامات الباطلة التي لا تقوم على دليل ولا تستند على برهان، حتى أصبح التكفير سلاحا يشهر في وجه كل من يختلفون معه في الرأي في مسائل غير قابلة لحسم، مع أن المنطق يفرض الالتفاف حول القضايا الإجماعية، من الثوابت التي لا جدال فيها، بينما تترك المسائل الخلافية للفرد أو الجماعة كل حسب معتقده المستمد من ثقافته وانتمائه المذهبي أو الطائفي، وذلك أجدى من الحجر على عقول الناس، وإرغامهم على اتباع ما لا يريدون اتباعه، ما داموا متفقين على الثوابت التي لا خلاف حولها.
والتكفير لغة سهلة لكنها لغة العاجز عن إقناعك بالتي هي أحسن، فلا أسهل عليه من أن يرميك بالكفر أو الزندقة لمجر اختلافه معك في المذهب أو في بعض وجهات النظر حول الأمور القابلة للجدل في المسألة الدينية، وقد يستعدي عليك غيره لمجرد محاولتك إقناعه بخطل رأية، وفساد منهجه، وخطأ أسلوبه في الإقناع، وقد يهون الأمر قليلا لو كان وحيدا في ساحة الحوار، لكن المفاجأة المذهلة أن تكتشف أن وراءه جيش من الأتباع، الذين يساندونه في الرأي، وفي الموقف العدائي منك، وفي مجابهتك بالقوة، مستخدمين أشد أنواع الأسلحة الفتاكة في أي حوار، ومنها التشكيك في عقيدتك، وربما وصل الأمر إلى الكفير الذي يرميك في دائرة المنبوذين في مجتمعك وربما أقرب الناس إليك، وقد تتحول هذه اللغة إلى فعل إرهابي شنيع.
ولا يقتصر الأمر على الحالات الفردية، بل يصل الأمر إلى ما يسمى بالجماعات المتشددة التي لا تجد في الآخرين إلا الوجه الذي تريد أن تراه، ولا تتردد في اللجوء إلى العنف في التعامل مع غيرها، يتساوى أمامها الأفراد، والمجتمعات والدول، وهذه الفئات الضالة أو المضللة، ارتكبت أعمالا يندى لها الجبين، عندما اتخذت من الإرهاب وسيلة لفرض آرائها التخريبية ومعتقداتها الفاسدة، ضاربة بعرض الحائط كل معاني الخير والأمن والسلام التي حفلت بها التعاليم الدينية، وفرضها الشارع عبر منظومة الأنظمة والقوانين التي تسير أمور الدول، وتضمن لمواطنيها أمنهم واستقرارهم وسلامة أرواحهم وممتلكاتهم، فجاء التكفيريون لينسفوا كل هذه القيم والمبادئ والأعراف الإنسانية، ليحيلوا أمن الناس إلى خوف، ومنجزاتهم الوطنية إلى خراب ودمار، وليدفع الوطن والأمة وسمعة الدين، ثمن هذا الغلو الأرعن الذي يقود إلى الإرهاب في أبشع صوره وأسوأ معانيه.
التكفير بأنواعه سلاح تستخدمه فئة باعت نفسها للشيطان، واختارت الانحياز للشر، ونذرت نفسها لتعكير صفو الحياة، ولم يسلم من شرها لا الإنسان ولا الممتلكات العامة ولا القيم السامية النبيلة، مما استوجب التعامل معها بشيء غير قليل من الحزم الذي قزمها إلى حد كبير، ولم تعد لها تلك السطوة الطاغية التي كانت لها في السنوات الماضية بعد سقوط معظم رموزها وانحسار مد غلوها، وافتضاح أمر مخططاتها الإجرامية. وفي نهاية الأمر.. يظل التكفير هو التكفير، سواء للأفراد أو الجماعات أو الدول، لغة لا تجلب سوى الدمار والخراب للناس وما أنجزوه، من خير وازدهار وأمن وسلام.
التعليقات (0)