التكريم والمحاباة.. أمران لا يلتقيان
خليل الفزيع
من السنن الحميدة أن يكرم كل من قدم للمجتمع أو للوطن أو لبني جنسه أو أمته، أو للبشرية بصفة عامة، خدمة تسهم في خدمة وتقدم الإنسان، وتفتح امامه أبواب الأمل في أن الدنيا لا زالت بخير، وأن هناك من نذر نفسه لخدمة الآخرين تطوعا أو من خلال واجب وظيفي، وكل من أحسن عملا هو بحاجة للتكريم اعترافا بفضله، وتشجيعا لغيره، ودفعا لليأس أو سوء الظن بأن عمل الخير لن يذكر ويشكر، مع أن أجره عظيم عند الله، وهو سبحانه الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.
ومن من أوجب الواجبات أن يقال للمحسن أحسنت كما يقال للمسيء أسأت، ومن أجل ذلك وجدت الجوائز التشجيعية والجوائز التقديرية، كما وجدت حفلات التكريم وشهادات الشكر والتقدير، وجميعها تعني شيئا واحدا هو أن التكريم وسيلة حضارية وإنسانية سامية، للاعتراف بالفضل لأهله، وغالبا ما يتم اختيار المكرمين وفق ومقاييس ثابته، تحكمها قواعد وشروط محددة، تؤهل للتكريم من قبل لجان أو هيئات أو مؤسسات معنية، وغالبا ما تكرم الدول أبناءها اعترافا بما قدموه من جميل الأفعال، أو ما قاموا به من جهود لدعم الأنشطة التي تخدم مجتمعهم، وكذلك من يرفعون اسم الوطن عاليا بين الدول، من خلال منجزاتهم الفكرية او الأدبية أو الفنية أو الرياضية، أو غير ذلك من الأنشطة العامة التي تشرف الوطن.
كل ذلك أمر مقبول ومعترف به، بل هو مطلوب كواجب وطني لا بد منه، ويحظى بالقبول الحسن من المواطن والمسئول.
لكن من غير المقبول ولا المعترف به، هو أن تتسرب المحاباة لأي نوع من انواع التكريم، فالمحاباة تجعل التكريم يذهب لغير أهله، والمحاباة تحجب التكريم عن من يستحقة، وهو أمر يبعث على الإحباط، وقد تتسرب من خلال هذا الإحباط اللامباة وعدم الاهتمام، فالموظف الذي يكد ويكدح ويكون التقدير من نصيب زميله المهمل والمتسيب، هذا الموظف سيجد نفسه في النهاية غير مهتم بعمله، مادام التكريم يذهب لمن لا يستحقه، وما ينطبق على المجال الوظيفي ينطبق أيضا على العمل الإبداعي مهما كان حقله، والعمل التطوعي مهما كان مجاله، خاصة إذا تولى الإشراف على التكريم أشخاص تحكم تصرفاتهم المحاباة وربما المجاملة أو المصالح الشخصية، وفي هذه الحالة لا يكون التكريم في غير محله فقط، بل تنتج عنه مظاهر سلبية تنعكس على انخفاض مستوى الإنتاج في الوظيفة، وكذلك عدم الرغبة في تطوير الذات من خلال الأبداع والتفوق، ومع أن الإنسان يعمل ويتفوق ليثبت جدارته بالمهام المسندة إليه، ولترسخ قدمه في ميدان تفوقه، لكنه في النهاية بحاجة إلى الدعم الإيجابي لبلوغ مرتبة أفضل في مجال نشاطه الوظيفي وغير الوظيفي، ومن أدوات هذا الدعم التكريم المبني على أسس موضوعية وليست عاطفية، وأسوأ ما يمكن بالنسبة للتكريم هو اعتماده على المحاباة والمجاملة أو تبادل المصالح على طريقة (شيلني واشيلك) وهذا التوجه ينضح من منابع الجهل وعدم الوفاء للأمانة المهنية، بل وعدم الاحساس بالمسئولية.
لذلك سيظل التكريم على عداء سافر مع المحاباة، فهي عدوه اللدود الذي يشوه سمعته، ويفرغه من معانيه الجميلة وأهدافه السامية، التي من أجلها وجد هذا التكريم، وبسببها وجد أولئك المكرمون، فالتكريم والمحاباة.. أمران لا يلتقيان.
التعليقات (0)