الأرض والتربة لها مكان ووضعية خاصة جدا في نفوس الكوريين. رغم أن الزراعة ما عادت تتمتع بنفس الأهمية القديمة في الأسواق الرأسمالية ومنها كوريا إلا أن الكوريين قد منحوا تقليديا الأرض والفلاحة أولوية في حياتهم قبل التجارة والصناعة. الأرض والتربة كانت دوما في كوريا القديمة هي أساس وسر الحياة. كيف هي وضعية الأرض التي اعتمد عليها الإنسان لفترة طويلة. سؤال في حاجة للإجابة.
يتم دفن النفايات في الأرض كل يوم. وكما أن البشر يعودون للأرض من أجل الدفن بعد الموت، يكون كذلك مصير هذه النفايات. وحتى نمنع أرضنا الطيبة عن الموت لا بد من المحافظة عليها من خلال منع تلوث الماء والهواء. وتلوث الأرض وتلوث التربة هما أمران خطيران ،فتلوث الأرض سيؤدي لتلوث البيئة والنظام الإيكولوجي ويؤثر سلبا على الحياة البشرية نفسها.
الأرض تضم فيما تضم مواد ضارة مثل الأوساخ والنفايات والمبيدات والأسمدة الكيميائية ولكنه كل هذه الأشياء قد تؤدي لتلويث التربة والغذاء الذي يعتمد عليه الإنسان من أجل الحياة. تلوث الأرض هو مصدر ومصير كل الكوارث الطبيعية والبيئية.
أجريت مؤخرا تجربة لتحديد مستوى التلوث في التربة الكورية في سبتمبر 2008.
بدأت كوريا أبحاثها في مجال تلوث التربة للمرة الأولى عام 1987. هناك الآن مؤسسات بحثية حكومية وأهلية متخصصة تجري مثل هذه الأبحاث كل عام.
برز التلوث الأرضي كمشكلة بيئية خطيرة في اليابان ففي العام 1955 تأثر نحو ألف شخص بالوباء الذي عرف باسم"إتاي إتاي" وهو وباء سام سببه استهلاك المواد الجوفية والأرز وقد مات بسبب المرض 119 شخصا. يتسبب المرض في تليين العظام وفي الفشل الكلوي. في الولايات المتحدة ظهر ما يعرف بحالة love canal accident عام 1970 وقد كانت مأساة ما يزال يتذكرها الكثيرون. وقعت الحادثة عندما قامت مواد كيمائية سامة بتلويث قنال الحب والمناطق المحيطة به بالقرب من شلالات نياجرا مسببة أخطارا صحية وبيئية رهيبة. وفي كوريا برز تلوث التربة كموضوع خطير عندما بدأت مواد معدنية من مصانع تكرير نفط ومن مناجم مهجورة ومن مدافن للنفايات في التسرب في الأراضي المجاورة. التلوث الأرضي ظل دوما قضية بيئية خطيرة يتصدي لها الأسرة الدولية وهي بحاجة للتصدي والمعالجة الجادة في كل وقت.
قرية موندانغ –نموذج للقرية الزراعية
قرية موندانغ في هونغ-دونغ-ميونغ في إقليم هونغسونغ في جنوب شنغشيونغ يمكن الوصول إلها من خلال قيادة السيارة لمدة ساعتين ونصف من سيئول. إنها نموذج للقرية الزراعية في كوريا وهي موطن لنحو 200 من السكان و90 من البيوت.بدأت براعم الأرز تتخذ اللون الذهبي وبدا المزارعون منهمكين بالتحضير لموسم الحصاد. صوت الحشرات المحلقة فوق الحشائش هو ما أول يستقبل الزوار عند وصولهم القرية. ووجود كل هذا العدد الهائل من الحشرات يعني أن الأرض صحية ومعافاة ونابضة بالحياة. بجانب الحشرات والضفادع يمكننا أيضا رؤية الكثير من العمال وهم يجمعون الصفق والأوراق والحشائش .
الأسمدة الكيمائية لا تقتل الأرض وحدها ولكنها قد قتل البشر كذلك. جوو هيونغ طفح به الكيل وقرر عمل شيء من أجل معالجة المشكلة. طلب من بقية المزارعين ترك الاعتماد على الأسمدة الكيمائية والاعتماد فقط على السماد الطبيعي. وتمكن جوو بعد فترة من تطوير منهجية زراعية ممتازة لا تعتمد على أي مواد كيمائية. في 1993 توصل للمنهجية التي أسماها الزراعة بالبط من أجل زراعة الأرز.
منهجية البط مستوردة من الخارج ولكن حتى الجدود والأسلاف الكوريين استعملوا وسائل تقليدية مشابهة. اضطر المزارعون عدم استعمال هذه الطريقة في هذا العام خوفا من انتشار مرض أنفلونزا الطيور ولكنهم استبدلوا البط بقواقع وحلزونات الطين. هذه القرية اتبعت أيضا وسيلة الزراعة العضوية بشكل طبيعي ودون اعتماد على الهندسة الوراثية. يستعمل المزارعون فضلات وروث الأبقار لعمل السماد الطبيعي.
أمنا الطبيعة لا تبخل علينا بالدروس العظيمة والمفيدة ومن أهم الدروس أن من زرع حصد. لقد احتاج أهالي قرية موندانغ لثلاثة سنوات حتى يبثوا الحياة من جديد في حقولهم الملوثة المريضة. كان الأهالي أول شهود المعجزة. وما أن توقفوا عن استعمال الأسمدة الكيمائية حتى عادت جيوش الحشرات والديدان للحقول وعادت الحيوية والنضار للمحاصيل واستطاعوا تسويق منتجاتهم الصحية الطبيعية عند الراغبين في المحافظة على الصحة والطبيعة وبأسعار عالية.
وإذا كان استعمال المبيدات والكيماويات هو من أسباب تلوث الأراضي الزراعية فإن الإفراط في التنمية والنفايات هي أسباب التلوث في الأراضي الحضرية. هذه المزبلة ليست الأكبر في كوريا وحدها ولكنها من بين الأكبر في العالم أجمع حيث تبلغ مساحتها زهاء 20 متر مربع. كل أنواع النفايات والأوساخ من مخلفات نحو 20 مليون شخص أو نصف سكان كوريا الجنوبية موجودة هنا. يمكن لك أن تتصور جم الضرر الذي يعاني منه الناس هنا . عندما تم استصلاح منطقة ساحلية لبناء هذه المزبلة فقد الكثيرون من السكان موطنهم.
التقنية الكورية للتخلص من الأوساخ والنفايات تصدر الى بلدان العالم
اكتسبت فاعلية التقنية الكورية للتخلص من الأوساخ والنفايات بعدا عالميا. ففي سبتمبر 2008 منحت كوريا 25 براءة في هذا المجال. أثبتت التقنية أنها تقنية عالمية فعالة بالنسبة لتقليص حجم النفايات. وحسب تقرير لمنظمة التعاون الدولي والتنمية فإن كوريا الجنوبية هي الآن الدولة الأولى في العالم من حيث فاعلية إدارة النفايات وقد أبدت العديد من الدول في العالم رغبتها في نقل التجربة الكورية والاستفادة منها. في العام 2007 قام نحو 900 أجنبي بزيارة سيئول للوقوف على تجربة التخلص من الأوساخ.
وتنوي كوريا تصدير تقنيتها الخاص بالتخلص من الأوساخ ل15 دولة أخرى حول العالم بمن فيها فيتنام. وتنوي كوريا أن تكون الدولة الأولى في العالم من حيث الإصحاح البيئي.
ولمنع التلوث الأرضي أصدرت كوريا قانون حماية التربة والبيئة للعام 1995 وهو يحتوي على مادة تنص على أن أي شركة تتسبب في تلوث بيئي ستكون عرضة للعقوبة. المهتمون بالأمر يقولون أن القوانين وحدها ومهما كانت رادعة لن تكون فعالة.
سياسة تقييم الأرض والبيئة
وأعلنت وزارة البيئة عن خطتها لبذل كافة الجهود للمحافظة على البيئة الأرضية. إحدى أهم خططنا هي تطبيق سياسة قومية شاملة خاصة تحت اسم سياسة تقييم الأرض والبيئة.
تحلل الأوساخ والنفايات في التربة أمر قد يستغرق مئات السنوات. كل شخص يعيش على ظهر هذه البسيطة مسئول عن المحافظة عليها وتجنبيها كل الأخطار والمهددات. التوعية والتعليم تلعب دورا رئيسا جدا في هذا المجال.
حديقة كأس العالم في سانغام في سيئول كانت مزبلة حتى العام 1992 قبل أن تتحول لحديقة إيكولوجية نابض بالحياة والحيوية والتنوع.
بيئة صالحة صحيحة خالية من الأضرار هي بركة ونعمة لا تقدر بثمن وعلينا أن نورثها للأجيال القادمة صالحة صحيحة. تعافي الأرض والتربة من التلوث البيئي أصعب كثيرا من تعافي الماء والهواء من التلوث وقد تحتاج لوقت طويل جدا قد يصل إلى مئات الأعوام. الأرض الملوثة تعني الطعام الملوث والحياة الملوثة ولذا فإن حماية الأرض من التلوث تعني حماية الحياة والإنسان من التلوث. فالأرض الطيبة هي الحياة وكلنا جئنا من الأرض وإليها نعود.
التعليقات (0)