مواضيع اليوم

التقنيات الفنية والجمالية المتطورة في القصة القصيرة

hassan ghrib

2014-04-21 22:06:17

0


التقنيات الفنية والجمالية المتطورة في القصة القصيرة

 

حسن غريب أحمد

 

 

لقد تطورت القصة القصيرة عبر العقود الماضية فلم يعد أحد يجهل أنها مرت بمراحل متعددة ، وفي كل مرحلة كان لها اتجاهات متعددة ، من ذلك مرحلة الريادة التي برز فيها ثلاثة أعلام هـــــــــــم : موبسان وتشيكوف وإدجار ألان بو ، وأن هذه المرحلة ترسخت فيها القيمة الفنية الأساسية التي نهضت عليها كفن جمالي له مقوماته الخاصة ثم تعددت أطوارها بعد ذلك ، فالإرهاصات الأولى تمثلت في تلك المحاورات التي ظهرت في روما في القرن الرابع عشر ، حيث كان يتردد على إحدى حجرات الفاتيكان نخبة من رجال البابا يتسامرون ويقصون الحكايات المخترعة مما دعا كثيرا من الأهالي إلى التردد على هذه الحجرة التي كانت تسمى " مصنع الأكاذيب " . كان أشهر رواد الحجرة " بوتشيو " الذي دون طرائفه ونشرها في كتاب أسماه " الفاشيتيا " وقصص " الديكا ميرون " أو " المائة قصة " التي ألفها الكاتب الإيطالي " بوكاتشيو " وغيرها من المحاولات التي ظهرت قبل هذا التاريخ في الأدب العربي القديم وعمل على دراستها الدكتور الراحل " شكرى عياد " تحت عنوان " فن الخبر " ، وقد نصبت دراسته على كتاب " المكافأة وحسن العقبى " لأحمد بن يوسف أو غير ذلك مما عرض له فاروق خورشيد في كتابه " في الرواية العربية – عصر التجميع " . فمن المعروف أن للعرب باعاً طويلاً في هذا المجال فظهر ما سمي " بالقصة الخبر " و " القصة التاريخ " و " النادرة " و " الحكاية الشعبية " و " قصص الحيوان " و " القصص الفلسفية " وظهرت ما يشبه المجموعات القصصية المعاصرة مثل كتاب " البخلاء " للجاحظ ، و " الفرج عند الشدة " للتنوخي ، و " مصارع العشاق " لابن سراج ، وما إلى ذلك مما أشار إليه يوسف الشاروني في كتابه " القصة القصيرة نظرياً وتطبيقياً " كذلك فإن شكل المقامة القصصية يوحي بأنها الجذور الأولى للقصة العربية . ويكاد ينعقد الإجماع على أن القصة القصيرة فن محدث وأن " إدجار ألان بو " هو أبو القصة القصيرة ، وأن له ما يميزه في الجانب الجمالي من قصصه حيث كان يقوم على وصف المناخ الهادي الذي ينطلق فيه إلى عالم صاخب حافل بالتوتر والبؤس مما يوحي بالغموض والرعب ، ويعمل على تنمية الفكرة إلى أن يصل إلى النقطة الحاسمة ، فهو يرى أن المغزى يجب أن يظل خافياً مستوراً ، ولا يرى ضرورة مطابقة الفن للواقع بل إنه ينبغي أن تتجه نحو تحقيق هذا الأثر وألا تستخدم حكمه إلا إذا كانت موظفة في هذا الاتجاه ، لذا كانت وحدة الانطباع مناط التحقق الفني للقصة القصيرة ، من هنا كان " بو " يولي مسألة الصيغة أهمية كبيرة ، ويؤكد على أحكام البناء ووحدته العضوية ، ويجب على كاتب القصة القصيرة أن يصمم معماره الفني قبل أن يبدأ ، ولم يكتب " بو " سوى سبعين قصة .أما " جي دي موبسان " فيعتمد في تشكيله للقصة القصيرة على الوصف القائم على الملاحظة الدقيقة ، ونماذجه الإنسانية في قصصه في مجملها فلسفة متوترة مقهورة ، وهي تنتمي إلى تلك الطبقات المسحوقة ، ويؤكد في آرائه النظرية على تتبع الحدث بحيث يفضي إلى الإبهام بالواقع ، ويميز بين الحقيقة الواقعية والحقيقة الجمالية الفنية المتطورة ، لذا كانت الأخيرة قائمة علي الاصطفاء واستبعاد التفاصيل التي لا طائل تحتها ، وهو يبدأ بعرض المكان ، ثم يموضع شخصياته داخلها محدداً سمات كل منها وموقعها من الخريطة الاجتماعية وملامحها النفسية والأخلاقية ، ثم يسلسل الحدث مضمناً إياه بعض المفاجآت ، ويجعل منطق الشخصيات إشارة إلى طبيعتها التكوينية وينتهي بالحدث إلى نهاية مأساوية غالباً ، وهو ذو رؤية تشاؤمية تتلخص في قوله " نحن جميعاً في صحراء ما من أحد يفهم أحداً " . وقد أخذ على " موبسان " اهتمامه المفرط بالشكل وعنايته الفائقة بالأسلوب ، ولكن لا أحد ينكر قدرته الفذة على الوصف ، فقصصه تعتمد على حاسة الإبصار في الدرجة الأولى فهو " يأكل العالم بعينيه " وقد ينصب وصفه على جزئية هامشية يلفت إليها الأنظار بقوة ، وعرف عنه عنايته بالطبقات الدنيا وسخريته من الطبقات الراقية ، واختياره للحدث يقوم على العزل والتحديد ، ولكي يفجر هذا الحدث يجعل منه عالماً فسيحاً ، والحدث عنده خط واحد غير متعرج ولا مزدوج ، فهو يبدأ من اللحظة التي تكون فيها الشخصية قد وصلت إلى ذروة التوتر ثم يمضي بها إلى التفجر وكل كلمة فيها تدفع باتجاه النهاية المقصورة ، وتتمحور قصصه حول رؤية جوهرية لذا تأتي متماسكة مترابطة ، ومنذ الجملة الأولى يقودنا إلى ظروف القصة وإلى الشخصية الرئيسية وموقعها متجهاً إلى لحظة التنوير ، فالهدف إحداث صدمة للقارئ عن طريق مفاجأة غير متوقعة ، أو حدث ليس في الحسبان أو بضع جمل جافة قاسية ، فقصصه لها شكل الهرم ، وقد استقى معظم قصصه من واقع الحياة والحوادث اليومية التي تنشرها الصحف ، وهي تضع المتلقي في مواقف مثيرة للقلق ، فقد كان للأساطير والحكايات الخرافية المنتشرة في " نورماند " موطن الكاتب دور في خلق المناخ المخيف . أما " أنطون تشيكوف " الرائد الثالث من رواد هذا الفن فمميزاته أنه بارع في تشخيص الأفكار الغامضة وتحويلها إلى حقائق صارمة مقلقة ، ويعمد إلى الكشف عن ظواهر جديدة في الحياة ، وتشكيله للشخصيات يقوم على التمثيل لا التقرير ، فكل حركة لها مغزاها ودورها في الكشف عن طبيعة الشخصية ، وهو يتعاطف مع شخصياته ميال إلى الدعابة ، وشخصياته بسيطة ليس لها أي سمات بارزة واهتماماتها حقيرة ، وهذا ما جعله نزاعا إلى السخرية " يصور غباء العاطلين والخيانات وارتشاء رجال الشرطة وبخل التجار " مركزاً على الجوانب السلبية المدمرة ، وهو صارخ الصراحة لا يتكلف ولا يتصنع يفهم الواقع النفسي لشخصياته . لم يهتم تشيكوف بالمقدمات الطويلة أو التحليلات النفسية والمنطقية أو الصور الفاقعة ، بل ترك نماذجه تفضي بخصوصيتها في المواقف بعفوية تامة ، وعمد إلى التقاط المناظر الطبيعية بصورة خاطفة ، واتكأ على التلميح دون التصريح ، ولا يكتمل الأثر في قصصه إلا باكتمالها مع آخر جملة فيها . وقد عمل النقاد والدارسون على استنباط الأصول الجمالية التي أرساها هؤلاء الرواد ، وحاولوا صياغة نظرية فنية للقصة القصيرة ، وكان من أبرزهم " أوكونور " في كتابه " الصوت المنفرد " الذي أعتمد عليه بصورة أساسية النقاد العرب المعاصرون خاصة الدكتور الراحل " شكري عياد " في كتابه المهم " القصة القصيرة في مصر " الذي أشار إلى وحدة الانطباع وعدم تعدد الشخصيات والأمكنة وأن القصة فن الوحدة والعزلة معللاً ذلك بأن كاتب القصة القصيرة فيه قوة الشعر في الإحساس بالدراما لأنه فنان شديد الفردية ، فنان تغلب عليه انطباعاته ، ولا تفرغ نفسه لتسجيل التفاصيل ، وأن كل قصة قصيرة تعتبر تجربة جديدة في التكنيك ، وعناصر القصة القصيرة التقليدية كما خلص إلى ذلك عدد من النقاد مثل الدكتور " رشاد رشدي " في كتاب " فن القصة القصيرة " والأستاذ فؤاد قنديل في كتاب " فن كتابة القصة " .والدكتور " الطاهر مكي " في كتاب " القصة القصيرة " و " دراسات ومختارات " و " يوسف الشاروني " في كتاب " القصة القصيرة نظريا وتطبيقياً " و" على شلش " في كتابه " في عالم القصة " وغيرهم . إن ذلك يتمثل في الحدث الذي ينشأ من موقف معين ويتطور حتى يبلغ الذروة ثم ينتهي إلى ما يسمى " لحظة التنوير " التي يكتمل الانطباع باكتمالها ، وذلك في نمو مطرد عبر هذا المثلث الذي يطلق عليه عادة " المثلث الأرسطي " ورأس المثلث ليس من الضروري أن يكون بارزاً وظاهراً بل هو مفترض في الغالب ، وقد يأتي على شكل بؤر على منحنى نصف دائري ، وربما اندفع الحدث نحو النهاية كاندفاع حمم البراكين من الأعماق . الحبكـــــةأما العنصر الثاني فهو الحبكة التي تتضمن العقدة ، وهناك من لا يميز بين الحبكة والعقدة ، ويعتبر أنهما معاً يمثلان النظام الذي اتبعه الكاتب في ترتيب الحدث بحيث يكون قائماً على عنصر السلبية وتجيب على سؤالين مهمين هما : - مـــــــاذا نعـــــــد ؟ - و لمـــــــــاذا ؟وهناك من يرى أن العقدة هي النقطة التي توجد فيها بؤرة الصراع .الشخصيــةوالشخصية " العنصر الثالث " ترتبط بالحدث ارتباطاً وثيقاً ، وللشخصية أبعادها المتعددة : الجسمية والنفسية والفكرية والاجتماعية وما إلى ذلك ، ولكن القصة القصيرة لا تحتمل البحث في هذه الأبعاد جميعاً بل يتركز فيها الضوء على بعد أو أكثر وفقاً لنوع الانطباع الذي يرمي إليه كما أن الحديث عن الشخصيات الرئيسية يدخل في باب الحديث عن الرواية وليس في باب القصة القصيرة لأنها تنهض أساسا على عدد قليل من الشخصيات . البدايـــةوالبداية في القصة القصيرة بالغة الأهمية لأنها تحدد منذ البدء الحركة في القصة ، والبداية الوصفية الساكنة كثيراً ما تؤدي إلى قتل القصة في مهدها ، ويري تشيكوف أن القصة الجيدة هي التي تكون بلا مقدمات ، أما " بو " فعوّل على بداية القصة بوصفها هي التي تحدد نجاحها أو فشلها . النهايــةوالنهاية التي يطلق عليها لحظة التنوير هي التي يكتمل بها الأثر ويتشكل المعنى ، وتضيء القصة مفجرة طاقة الانطباع فيها ، والنهاية المفاجئة التي لا تمهد لها الأحداث تكون دخيلة ، فالمهم ليس تلك النهايات الصاخبة أو غير المتوقعة ولكن كل كلمة في القصة لها دورها ويجب أن تقود إلى النهاية على نحو طبيعي . المتن النصيأما ما نطلق عليه " النسيج اللغوي " الذي يشمل الحوار والسرد فهو المتن النصي للقصة الذي يجسد الحدث ويشكل الشخصيات ويتنامي بهما في اتجاه تحقيق الأثر الكلي ، من هنا يتحتم على الكاتب أن يولي أهمية كبرى للغة ومستوياتها وقدرتها على التصوير بحيث تكون بالغة التكييف والتركيز والاقتصاد بحيث توحي كل لفظة بالمعني المطلوب ، ولا تكون هناك أي مفردة لا ضرورة لها . البنائيـــةوقد نهض الشكلانيون الروس بمهمة تحديد الخصائص البنائية للقصة القصيرة والتي أعمد إلى الاستفادة منها في استخلاص ثلاث خصائص أساسية هي ( وحدة الأثر ، لحظة الأزمة ، اتساق التصميم ) وتتمثل وحدة الأثر في ما تتركه القصة القصيرة من انطباع نتيجة خلوها من التراخي والاستطراد وتعدد المسارات والزوائد والتكرار وهذه قد أكدها الرعيل الأول من كتاب القصة القصيرة ، ولكن التركيز على تعاقب المفارقات وجدل النقائض وتراكم الإيحاءات وما إلى ذلك من التقنيات يبدو أثراً من آثار الشكلانيين .لحظة الأزمةأما لحظة الأزمة فهي اللحظة التي يتكاتف فيها التوتر وينطوي عليها الاكتشاف ، وهي نابعة من اتساق التصميم وهو يقود بالضرورة إلى دراسة الملامح التي تمثل العناصر الأساسية للقصة ، فترتيب هذه العناصر لابد من منطلق يربط الأحداث بعضها ببعض في سياق يستجيب لجملة الإشارات التي يطلقها الكاتب في القصة ، و ينهض الزمن بدور رئيسي في اتساق التصميم وعملية التتابع الذي يتمثل في عدة أشكال تتفق جميعاً في إنها تثير مجموعة من التوقعات والاحتمالات ومنها التتابع السببي أو المنطقي ، والتتابع النوعي أو الكيفي والتتابع التكراري ، والأول يتم في مسار أفقي تدريجي من المقدمات إلى النتائج .أما الثاني فهو لا يعتمد على التوقعات المحكومة بالمنطق بل بالحدس والتخمين لأنه يتكئ على الإيماءات والإشارات ، والثالث يستلزم إغناء النص من خلال إعادته بصورة جديدة بتوسيع أفقه والإضافة إليه . الظواهر الفنية المتطورةوقد برزت ظواهر فنية جديدة في القصة القصيرة الحديثة تتمثل في : أولا : ظاهرة التفتيت وتمسي هذه الظاهرة " البعثرة المنهجية " وتعني تعمد تشتيت السياق السردي ، وتشكيل الشخصية القصصية على نحو تبدو معه ، كأنها مجتمعة من الملامح لا انسجام بينها ، تتداخل العوالم وتتشابك الأحداث وتتسرب الشخصيات في مسالك شتى ، وأصبح الترابط يعتمد البنية العتيقة التي تتجاوز الشكل الظاهري ، وقد بدت هذه الظاهرة في البناء المقطعي للقصة القصيرة وتجزأتها إلى وحدات ، تبدو كل وحدة وكأنها صورة منفردة مصغرة للبناء الشامل ، وتصبح " بنية فنية تنقل سلسلة محدودة من الأحداث أو الخبرات أو المواقف وفق نسق متوافق يخلق إدراكا كلياً خاصاً به " ، ولا يقتصر التفتيت على الحدث بل يشمل اللغة ، حيث تتسع دائرة الدلالة إلى درجة تسمح بجمع أعناق المتناظرات وتعني المعنى ونقيضه ، ويتمثل التفتيت فيما يسمى اللغة الصامتة أو اللغة اللامنطوقة التي تعتمد على الرموز والأحلام والرسم والموسيقي ، وهناك التكثيف والتركيز وهو رديف للصمت الدال العميق ، وقد نجم عن ذلك شيوع الشاعرية حيث أصبحت اللغة هى مادة القص وغايته بدلاً من أن تكون وسيلته ، وكان النقاد يعبرون عن اللغة المقصودة لذاتها في الشعر بالزجاج الملون ، واللغة الوسيلة بالزجاج الشفاف في القصة ، وفي السرد الحديث تداخلت اللغتان معاً ، فليس ثمة تقرير بل تشكيل .والمفارقة في لغة القص جزء من ظاهرة التفتيت ، وهي التي عنينا بها الدلالة على الشيء ونقيضه ، وهذا يعكس لونا من ألوان العبث ، وهذه الرؤية تبرز عدمية العالم عند الشخصية ، عندها يتساوى لديها الشيء ونقيضه . ثانياً : تراسل المدركات حين تتراكم الصور عبر المشاهد دون أن تخضع لمنطق السببية ، حيث تضطرب حالات الزمن وتتداخل على نحو متشابك وحيوي يعتمد على التداعيات عبر تيار الوعي الذي ينتظم جملة من الترابطات النفسية التي تضمن معنى ما ، فتأتي الوحدة هنا من خلال التعدد الذي يصب في مجري الصورة الكلية التي تبدو أقرب إلى الصورة الشعرية بعناصرها المتكافئة الموحية ، ولم تعد الصورة وصفية جامدة بل متزمنة بزمن ومتحركة ودينامية ، فهي سلسلة من المتناقضات المتداخلة والمتماثلة . وقد أصبحت الصورة تعتمد على التشخيص والتجسيد وتراسل مدركات الحواس . ثالثا : الزمان والمكان لقد توسل كتاب القصة القصيرة بالزمان والمكان فجعلوا منه وسيلة للإفضاء بالرؤية من خلال نظام تتابعه غير المألوف إذ تشكل النقلات الزمانية والمكانية ، وأسلوب الوصف منظوراً فكرياً يحدد موقف الكاتب ، فتداخل الوحدات الثلاث للزمن وتشابكها على نحو خاص يفضي إلى رؤية معينة . رابعاً : التقانات السينمائية استثمار التقانات السينمائية كالتصوير السريع والبطيء والمونتاج الزماني والمكاني والقطع والاختفاء التدريجي وما إلى ذلك ودخول التراث كعنصر جمالي ، وترميزه والمزج بينه وبين العناصر المعاصرة ، ودخوله في التشكيل البنائي ، ويتصل بذلك مسألة إعادة إنتاج الدلالة من خلال الرمز الذي يتولد من التشكيل الصوري . خامساً : أعماق اللا شعور الإتكاء على الحلم والكابوس وما يتصل بهما من غوص إلى أعماق اللاشعور واستثمار معطيات علم النفس التحليلي خاصة الرؤية الفرويدية للحلم كما جاءت في كتابه " تفسير الأحلام " والرؤية التأويلية لدى السلف في هذا المجال . ونتيجة للتجديد المستمر في " التكنيك " لم يعد من الممكن استخلاص قواعد محددة لفن لم يعد من الممكن استخلاص قواعد محددة لفن القصة القصيرة ، وأصبحت كل قصة قصيرة جديدة تشكل تجربة جمالية ، وأفضى ذلك إلى شيء من الغوص ، وبدا فن القصة القصيرة فناً مراوغاً ، ومغامرة غير مأمونة العواقب . إنه لواقع جمالي أمثل هذا الذي تدرج فيه القصة القصيرة في مصر خاصة والوطن العربي عامة واقع جمالي تتألف فيه الأصوات القصصية المختلفة دلاليا ، لتعبر عن فيوض اختلافاتها التقنية والرؤيوية والأسلوبية ، التي تميز قاصاً عن قاص ، ومرحلة عن مرحلة وسرداً عن سرد .القصة القصيرة تشهد اليوم زخماً كبيراً في أبداعيتها وفي تلقيها تجارب الذات ، وتجارب العالم بشكل جديد ، يستغني عن الثرثرة والاستطراد والتعبيرات الخيالية المحومة ، ليقدم لغة قصصية تحتفي بالتكثيف ، والمكاشفة ، واستبطان تفاصيل الواقع ، وقراءة الأشياء قراءة جمالية ، لغة ترنو إلى قراءة الذات وانعكاساتها على الواقع ، لا العكس انعكاس الواقع عليها ، لغة فيها مزيج من الغناء والدراما والبكاء والوصف والرصد والتتبع ، لغة تمزج فيها الوقائع سردياً ، وتتجوهر فيها الشخوص وتتعدد الأمكنة .لقد خطت القصة القصيرة في الوطن العربي خطوات واسعة خلال نصف قرن من الزمان ، شهدت أجيالا عدة ، وانتقلت من مرحلة البدايات التأسيسية إلى مرحلة التأسيس الفعلية والتجريب ، إلى مرحلة اكتشاف الذات والهوية ، إلى مرحلة قراءة المكان وتجلياته الذي هو بالضرورة شكل من أشكال الهوية . إيقاعات ورؤى جماليات القصة القصيرة القصة عموماً عمل إبداعي محض ينضده خيط السرد المحكم وبراعة القاص المنصهر في هموم مجتمعه ، ولكل منا قصته التي يرويها في هذه الحياة بكل طعومها ، وقد دخلت القصة القصيرة مجتمعنا على استحياء لتزاحم هذا العالم الزاخر بالشعر المتسيد ، تبحث عن مكان لها فلا تجده إلا في عفوية الطرح والتكثيف المضغوط بحميمة حس القاص . والقصة القصيرة مخلوق زئبقي يروغ بين يدي المبدع في صراع مرير حتى يتمكن منه ، فإذا تطابقت لغته مع فكرته أمكن القاص أن يجسده في عبارات مقتضبه هى الحد الأعلى في عملية الطرح ، على أن تكون النصوص شهيدة عصرها تعالج قضايا لم تفقد الصلاحية لتدب فيها الحياة ولا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى كيف سيكون طعم الحياة بلا قص ، فهي تشعر متعاطيها بقمة السعادة دون أن تنساه من سويعات ألم لذيذ يسبق ولادتها ، والقصة القصيرة وجبة غنية إذا توفر لها طاه ماهر وكانت لديه الرغبة للتقيؤ على الورق ، وغالباً ما تأتي هذه اللحظة على مشارف الموت حين يلقي القاص بنفسه في بركة من القطن ويكف عن العوم ، وكما أن أفضل الوجبات ما جاءت دون تكلف فكذلك الحال مع القصة القصيرة فهي وجبة غنية بتلقائيتها ما تلبث أن تحط على مدرج الواقع حتى تبحث عن قارئ تسكنه في محاولة جادة منها للتحرر من قصة المبدع ، وكم يخذلها الحال عندما لا تجد في المتلقي ذلك الميدان الذي وجدت من أجله ، فترتد كسيرة لتصيب القاص بالإحباط والمجتمع بالتأخر ، ويظل الإنسان يتخبط في صحوه ومنامه باحثاً عمن يقول قصته . والحوار في العمل القصصي من أبرز جمالياتها فهو يتعلق أثناء السرد الحكائي ولا يشبهه إطلاقا لأن السرد من خصوصيات القاص ، والحوار من خصوصيات البطل بكل مكتسباته فلا ينبغي في نظري أن يتم الحوار بلغة القاص التي يفترض فيها إنها مثقفة جداً ، وهنا تنشأ إشكالية الحوار بالعامية أو الفصحى على أنني أري أنه من خصوصيات الشخوص فحديث الإنسان الأمي غير حديث المثقف والدارس ، والأبناء غير الآباء ، وقد وصلت عندنا إلى مصاف التجارب العربية والعالمية بعد أن تجاوزت عائق تحديد الهوية . وهذا عامل سببه القاص بالدرجة الأولى حين غرقت بداياته في المحاكاة والاندهاش بالآخر ، ومن أبرز سمات القصة المكان والزمان والحدث فبغيابها في القصة القصيرة والقصيرة جداً على وجه الخصوص يعطي صورة غير مثالية للبطل ، فتلاشي الزمان وغياب المكان وانحسار السرد وتقنياته تحت وطأة التقتير يفقد العمل أحلى ما فيه مخلفاً قطيعة بين المتلقي والنص يذهب ضحيته الراوي ( البطل ) وتكف الساعة عن النبض ويتلاشى الزمان ويغيب الحدث ويتوارى السرد فتكون المحصلة حياة أشبه بالموت وبالتالي يأتي الجنين مشوهاً في أغلب الأحيان ، وإن احتفظ بجينات القص .. ربما تكون التجارب الكتابية الأولى عشوائية كما القراءة ، ولكن مع الخوض في الحياة الدراسية والندوات الأدبية والأمسيات الشعرية بدأ التوجه الفعلي لكتابة خاصة ، وكانت علاقتي بالشعر منذ بداياتي الكتابية الأولى لذا فقد وجدت أنه من اللائق أن أقوي علاقتي بالسرد من خلال لغتي الشعرية الخاصة بي . بدأت أقرأ فعلياً أعمالا متميزة وأبحث عن السبب الذي جعلها متميزة ، فكرت بالشكل والمضمون وبدأت أتوقف عند كل نص أكتبه وأضعه في ميزان المقارنة مع ما هو منشور للكثير من كتاب القصة في العالم وكنت أتساءل هل هذه حقاً قصة قصيرة ؟ وهذا ليس بالسؤال السهل لأنه في حالة اقتناعك بأن ما كتبته يعد عملاً قصصياً جيداً تصاب بداء التكلس فتفقد القدرة على التجاوز ولكن عند اقتناعك بأن العمل الجيد هو ما ستكتبه سيكون ذلك دافعاً للتجاوز ولقد حملت شعاراً " لن تكتب إذا لم تقرأ " . ومع مرور الزمن أضفت بعض الكلمات على ذلك الشعار ليكون " لن تكتب عملاً جيداً إذا لم تقرأ كتاباً جيداً ومفيداً " .تذكــــــرة :1. فاروق خورشيد ، ( فن الرواية العربية ، عصر التجميع ، دار العودة ، بيروت 1979 م ، ط 3 2. راجع فيما يتصل بجماليات القصة كنموذج نصي الروائي القدير : محمد الراوي قصة " فيرا – امرأة كالفراشة – صحيفة " أخبار الأدب " المصرية العدد 477 بتاريخ 1 من سبتمبر 2002 م 3. دكتور / رشاد رشدي " فن القصة القصيرة " دراسة تحليلية لفن كتابة القصة مع شروح لقصص كاملة – مكتبة الأنجلو المصرية ط 1 . د . ت ص 3 وما بعدها .4. ادوار الخراط ، مختارات القصة القصيرة في السبعينات ، مطبوعات القاهرة 1982 م .5. على شلش ، عالم القصة ، مطبوعات الشعب ، القاهرة يناير 1978 م 6. محمد صبري حافظ / خصائص الأقصوصة البنائية وجمالياتها، فصول ع 4 ، م 2 ، 1982 ص19 7. إبراهيم الخطيب ( ترجمة ) ، نظرية المنهج الشكلي " نصوص الشكلانيين الروس " الشركة العربية للناشرين المتحدين ، مؤسسة الأبحاث العربية لبنان 1982 م . 8. راجع فيما يختص بأسلوب موبسان القصصي مقالة نادية كامل ، الموباسانية في القصة القصيرة ، فصول ع4 ، ع2 ، 1982 م




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات