صدر حديثاً عن "مؤسسة الفكر العربي"، التقرير العربي الثاني للتنمية الثقافية، للعام الثاني على التوالي. وهو "الإصدار العربي الأول المعني برصد الحراك الثقافي على مستوى الدول العربية وتحليله وتشخيصه للتعرّف إلى حجم الإنجاز، والوقوف على مواطن القصور، وتقويم التطوّر الحاصل في آليات صناعة الثقافة ومخرجاتها، ثم طرح النتائج، وخصوصاً بين أيدي أصحاب القرار الثقافي"، على قول رئيس "مؤسسة الفكر العربي"، الأمير خالد الفيصل.
يتألّف التقرير من خمسة ملفّات. في الأول: "المعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية"، طرحٌ للعلاقة الوثيقة التي تجمع بين المعلوماتية والتنمية الثقافية. في العالم العربي الذي يبلغ عدد سكّانه 342 مليون نسمة، يوجد 203 ملايين خط هاتف، محمول وثابت، و55 مليون شخص يستخدمون الإنترنت، وعشرة من كل 100 عربي لديهم جهاز كومبيوتر. وقد احتلت الإمارات العربية المتحدة المركز الخامس من حيث اعتبار تقنية المعلومات والاتصالات أولوية حكومية. فيما حلّ المغرب في المرتبة 111 عالمياً. أما قطر فقد احتلّت المرتبة الأولى عربياً وفي المرتبة السادسة عشرة عالمياً في مؤشّر جودة النظام التعليمي وقدرته على دعم احتياجات التنمية القائمة على المعلومات والمعرفة. وفي مؤشّر حرية الصحافة، احتلت الكويت المرتبة الأولى عربياً، والتاسعة والخمسين عالمياً.
يلفت الملفّ الثاني، "التمويل واستقلالية الإدارة في التعليم العالي"، إلى أن لبنان يفتقر الى هيئة مشرفة على التعليم العالي. وتعاني الجامعات الحكومية العربية، ضعف الاستقلالية الإدارية والمالية. ويُطرح في هذا الصدد شحّ تمويل الحكومات العربية للجامعات. يشار إلى أن الولايات المتحدة مثلاً، تتصدّر تمويل التعليم العالي من طريق الأوقاف، إذ بلغ حجم وقفيات جامعة هارفرد 36.9 مليار عام 2008. في هذه الجامعة، سُجِّل 20.320 طالباً في خريف العام الفائت، ويوجد 4409 أساتذة من المتفرّغين.
"الخطاب الثقافي في وسائل الإعلام" هو عنوان الملفّ الثالث الذي يرد فيه أن العلاقة بين الثقافة والسلطة في العالم العربي شديدة الالتباس. من جهة أخرى، تتبدّى ملامح الخطاب الثقافي عبر البرامج الثقافية التي تُبثّ على القنوات التلفزيونية، وتعنى بثلاثة موضوعات رئيسية: الفكر، العلم، والفن. يذكر التقرير أيضاً أن باحثين يابانيين في المقلب الآخر من العالم، يدقّون ناقوس الخطر من سيطرة الولايات المتحدة على التجارة العالمية لبرامج التلفزيون، في ما يسمّونه "الغزو الثقافي". مع العلم أن اليابان لم تستورد في التسعينات إلا 5.2 في المئة من البرامج على قنواتها التلفزيونية.
يعالج ملفّ "الإبداع" في الفصل الرابع من التقرير، موضوع الأدب، نثراً وشعراً، والترجمة، فضلاً عن السينما والتلفزيون، والمسرح. يصل التقرير إلى أن الرواية لم تصبح "ديوان" العرب على حساب الشعر. إذ تساوى الاثنان حضوراً في الحياة الأدبية خلال 2009، وإن تمكّنت الرواية من تخطّي الشعر على الصعيد الكمّي، أي في حجم النشر أو العدد. ويشير التقرير إلى أن الرواية تغري اليوم الكتّاب على تفاوت أعمارهم، لأنها قادرة أكثر من أي نوع أدبي آخر على استيعاب الأزمات التي تشهدها المجتمعات العربية. هذا وقد خاض شعراء كثر غمار الرواية، واستحقوا عن جدارة تسمية "روائي". ويقول إن "ما من جائزة عربية عرفت السجال الذي عرفته "الجائزة العالمية للرواية العربية"، المعروفة بجائزة "بوكر" العربية. وهي الشقيقة العربية لجائزة "بوكر" البريطانية التي تُعدّ من أرقى الجوائز الأدبية في العالم". ويلفت التقرير إلى أن تأهّل 120 رواية للترشّح إلى "البوكر" العربية خلال عام واحد، هو دلالة صارخة على أن "الرواية العربية في حال من الازدهار لم تعرفه سابقاً".
من ناحية أخرى، يسمّي التقرير عام 2008 "عام الشعر"، لافتاً إلى أن "الشعر الحر لا يستطيع أن يحلّ محلّ الشعر التفعيلي مهما بلغ عدد التفاعيل، مثلما لا يقدر أيضاً أن يلغي قصيدة النثر التي تختلف عنه تماماً". هذا ولا يزال نزار قباني، بحسب التقرير، الشاعر العربي المعاصر الأكثر مبيعاً على الرغم من تراجع مبيعات كتبه في السنين العشر الفائتة، خلال معارض الكتب العربية.
وعن الترجمة يشير التقرير إلى أن "المدهش أن بعض الروائيين العرب الجدد أصبحوا يُقبلون على كتابة روايات "صالحة" للترجمة، واضعين نصب عيونهم القارئ الأجنبي وذائقته". وفي مجال السينما، يرد أن عدد الأفلام الطويلة المنتجة في لبنان بلغ 12 فيلماً خلال 2007، بينما شهد عام 2008 إنتاج نصف هذا العدد من الأفلام. ويضيف أن المسلسلات الأجنبية المدبلجة ليست ظاهرة جديدة بالنسبة إلى العرب، غير أن "العنصر التركي هو الجديد هنا".
"الحصاد الفكري السنوي" هو الملفّ الأخير من التقرير، يرد فيه: "الأعمّ الأغلب من الإنتاج الفكري الرصين إنما هو إنتاج من تخرّجوا من حقبة تعليمية وثقافية سابقة (تقع زمانياً بين الأربعينات وبدايات السبعينات)، علماً أن جمهوراً غير يسير منهم تلقّى تعليمه العالي في جامعات غربية!"
التعليقات (0)