أصدرت جماعة العدل والاحسان التقرير السياسي للمجلس القطري للدائرة السياسية لنهاية ولاية 2009 و2012 ومما جاء فيه أن هذه المدة عرفت حالة انهيار لكل السياسات العمومية مقابل تصاعد اليقظة الشعبية التي كشفت محدودية العمل من داخل مؤسسات، وواكب كل ذلك اشتداد الأزمات الاجتماعية، والتراجع في مجال حقوق الإنسان بالعودة إلى الانتهاكات الجسيمة والممنهجة، واستشراء الفساد في جل القطاعات. بصفة مجملة، لا تخرج هذه الولاية عن سابقاتها، لأنها تميزت بانسداد الأفق والعبث اللذان ميزا التدبير الرسمي للشأن العام ووصول السياسات العمومية المتبعة إلى حافة الانهيار، وهو ما فضحته الاحتجاجات الشعبية وارتفاع حدة المطالب من أجل بناء مغرب جديد أساسه الحرية والكرامة والعدل.
وظلت الجماعة حاضرة ومنشغلة بتنزيل برنامجها الذي يستهدف بالأساس الإنسان تربية وتأطيرا وتوعية... وبقيت الجماعة قريبة من المغاربة ومعبرة عن مطالبهم من خلال توسعها المتزن في جل المناطق ووسط مختلف شرائح المجتمع، ومن خلال مسارعة أعضائها إلى الخدمة، سواء في محو الأمية أو التوعية أو التأهيل المجتمعي للمغاربة أو المواساة في المناسبات أو التعبير عن مطالب الناس، وبقيت الجماعة مدرسة لتعليم مبادئ الإسلام الوسطي ومؤسسة لتخريج الدعاة المخالطين للناس ونشر الدعوة بعيدا عن الغلو والتحريف...
(...) وتميز العمل الحكومي بترسيخ الإعاقات البنيوية التي تحد من انبعاث عمل حكومي مسؤول يدبر الشأن العام، فالحكومة محكومة بقواعد "لعبة" تسحب بشكل مستمر صلاحياتها التنفيذية لفائدة مراكز سلطة أخرى غير منتخبة ومنزهة عن كل محاسبة.
صوريا تحتكر الحكومة جزءا مهما من صناعة السياسات العمومية، إلا أنها واقعيا لا تتوفر إلا على هامش صغير جدا
كما أن استبطان القوى السياسية المختلفة الممثلة داخل البرلمان لممارسة السلطة بهذا الشكل ساهم في صعوبة توفر الحكومة على السلطة الكافية لتدبير الشأن العام، ممل جعل العديد من الملفات الكبرى تدرس ويقرر بشأنها بعيدا عن السلطة التنفيذية، ونذكر هنا على سبيل المثال: الملف الاجتماعي وملف الصحراء والسياسة الخارجية والسياسة الأمنية و"الشأن الديني"...
ورغم أن المغرب يتمتع بموقع استراتيجي بين أوروبا وإفريقيا، فإن سياسته الخارجية سوف تنحصر في الدفاع عن قضية الصحراء، وسوف يهمش بناء سياسة خارجية حقيقية تعزز من دور المغرب القاري والدولي، وبسبب ما سبق فإنها سياسة دفاعية يتم تقييم العلاقات الخارجية مع الدول على أساس موقفها من قضية الصحراء مما يحجم من التحرك المغربي على مستوى العلاقات مع من يتخذ موقفا مغايرا للرؤية المغربية من قضية الصحراء.
ولا شك أن غياب المغرب عن الاتحاد الإفريقي يعمق من ضعف سياسته الخارجية، ويزيد في ذلك توجه المغرب نحو أوروبا والتخلي عن عمقه الإفريقي مما يزيد من عزلة المغرب على المستوى القاري، والأمر نفسه ينطبق على الغياب المغربي عن الساحة العربية والإسلامية.
ويشهد المغرب في السنوات الأخيرة مسلسلا احتجاجيا مستمرا، حيث أضحى الاحتجاج الاجتماعي نشاطا شبه معتاد لساكنة تلاحظ يوما بعد يوم تخلي الدولة عن دورها وتهميش الفئات الفقيرة وتركها تواجه مصيرها وحيدة، خاصة أن الوسطاء السياسيين والاجتماعيين تخلوا عن دورهم في الدفاع عن الجماهير التي أصبحت مضطرة إلى الخروج إلى الشارع العام للاحتجاج كلما سنحت لها الفرصة...
ورغم أن الحكومة الحالية حاولت الاقتراب، في شعاراتها الانتخابية، من هموم الفئات الفقيرة والمهمشة، إلا أن أحداث تازة وبني بوعياش واحتجاجات سكان أحياء الصفيح في عدة مدن، وقرار الزيادة في أسعار المحروقات وقمع الوقفات الاحتجاجية السلمية واتباع سياسة الإفلات من المحاسبة والتلكؤ في إصلاح صندوق المقاصة أبانت عن سلبية كبيرة في أول اختبار للحكومة التي قيل أنها جديدة من حيث الأشخاص والمنهجية والشكل والإطار السياسي والدستوري الذي تشتغل وفقه. ويضاف إلى ذلك الاحتجاجات غير المنقطعة لحاملي الشهادات العليا الذين أهينوا مرتين الأولى في عهد حكومة عباس الفاسي والثانية في عهد حكومة بنكيران الذي دمر آمالهم بعدما انتزعوا من سلفه مرسوما بالتوظيف المباشر لصالح خريجي سنة2011 وما قبلها، ولكن سرعان ما امتنع رئيس الحكومة الحالية عن تنفيذ مقتضياته.
وما تزال السمة الغالبة على الاقتصاد المغربي هي الجمع بين السلطة والثروة واستغلال النفوذ والإثراء غير المشروع والإفلات من المساءلة واستفحال الفساد والتوزيع غير العادل لثروات البلاد وسيادة اقتصاد الريع وغياب الشفافية في الصفقات وعدم احترام قواعد المنافسة، وهذه اختلالات بنيوية يعاني منها الاقتصاد المغربي وهي نتيجة لسياسات عامة تقود إلى اغتناء فئة قليلة على حساب إفقار شرائح واسعة من المواطنين وإلحاق الطبقة المتوسطة بالفقراء وإغراق البلاد في المديونية ورهن توجهاتها بإملاءات المؤسسات الدولية المقرضة، ولذلك نجد الحل الأمثل دائما لمواجهة أي وضعية صعبة هو اللجوء إلى الاستدانة، كما فعلت حكومة عباس الفاسي سابقاوتفعل حاليا حكومة ابن كيران.
ويكفي التذكير بأن عجز الميزانية تفاقم خلال ال 11 شهرا الأولى من السنة الماضية إلى 32.8 مليار درهم، مقابل 20.8 مليار درهم سنة قبل ذلك، بسبب ارتفاع النفقات العادية للدولة وتزايد تكاليف المقاصة وتطور كتلة الأجور وارتفاع مخصصات خدمة الدين، وارتفعت مديونية المغرب في الستة أشهر الأولى من السنة الجارية بنسبة11 في المائة مقارنة مع السنة الماضية لتصل إلى 385 مليار درهم، وهو ما يعادل 45 مليار دولار، تمثل منها نسبة الديون الخارجية ما قيمته 11,7 مليار دولار في حين تجاوزت قيمة الديون الداخلية 34 مليار دولار، وتقلصت مداخيل العملة الصعبة ولا يتوفر المغرب إلا على احتياطي أربعة أشهر من العملة على أقصى تقدير وهو احتياطي غير مطمئن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن البلاد عرفت خروج مبلغ 30 مليار درهم ما بين دجنبر 2011 ويوليوز 2012 فقط بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة التي بلغت 45 مليار درهم لتساهم بحوالي 80 في المائة في تفاقم العجز التجاري وبسبب ارتفاع سعر الدولار وأسعار المواد الأولية وتداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها منطقة اليورو، وسجلت واردات المغرب ارتفاعا ب 6.2 في المائة لأن واردات الطاقة والحبوب وحدهما تشكلان 70 في المائة من مجموع واردات المغرب، والطلب الخارجي على صادرات المغرب في تراجع، وخاصة الحوامض والصناعات الإلكترونية والنسيج، وعائدات السياحة تعرف انخفاضا كبيرا حيث فقد المغرب خلال الستة أشهر الأخيرة 135 ألف ليلة مبيت، وكذلك الشأن بالنسبة لتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج التي تراجعت بنسبة 5 في المائة في الشهور الأخيرة. ونتيجة لكل ما سبق كان طبيعيا أن لا تتجاوز نسبة النمو 2.6 في المائة في نصف السنة الجارية من عمر حكومة بنكيران، والتوقع المنطقي أن لا تتعدى النسبة خلال السنة 2.7 في المائة، وحتى الرقم الأكثر تفاؤلا فهو الذي تضمنه تقرير المركز المغربي للظرفية ولن يتجاوز حدود 3 في المائة،. وهو ما يشكل فرقا شاسعا مع نسبة 5.5 في المائة التي توقعها التصريح الحكومي و7 في المائة التي وعد بها البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية. وفي مجال الاستثمار، أكد بنك المغرب تراجع الاستثمارات الخارجية المباشرة ب14 في المائة نهاية نونبر من سنة 2011، مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، حيث سجلت 23,4 مليار درهم. وكل هذه الأرقام تبرز الاختلالات العميقة التي يعاني منها الاقتصاد المغربي والتي تجعله في أمس الحاجة لتمويل قدره 28.4 مليار درهم يغطيها بالأساس الدين الداخلي.
التعليقات (0)