قطعت الكلمات التي ادلى بها وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي قول كل خطيب..وانهت تصريحاته التي تحدث فيها عن أن "بلاده اتفقت مع السعودية على رفع مستوى العلاقات" ايام من التعليقات الحذرة التي ملأت وسائل الإعلام العربية في محاولة لمقاربة وقائع الاستقبال الذي تجاوز المستوى البروتوكولي المعتاد,والذي خصت به المملكة العربية السعودية الرئيس الايراني أحمدي نجاد اثناء مشاركته في اعمال اجتماع منظمة التعاون الاسلامي التي انعقدت في مكة المكرمة قبل ايام..
ولكن رغم وضوح العبارات التي ادلى بها السيد صالحي والآمال التي تبعثها صورة الرئيس الايراني يشارك العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز استقبال القيادات المشاركة في الاجتماع,الا ان كل ذلك يبدو ليس كافيا للتغطية على الغليان الذي يستعر في المنطقة على وقع النزاعات السياسية العضال المموهة باطار ملتبس من الخلافات المذهبية والمعتقدية والتي كان-وما فتأ-للبلدين اليد الطولى في اذكاءها وتسعيرها وتحميل وزرها,ووزر من عمل بها, لشعوب المنطقة دما وارواحا ومقدرات..
وهذا ما قد يجعل الحديث عن أن "العلاقة بين طهران والرياض استثنائية ومثالية"و تزامن تلك المؤشرات مع الحديث عن تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية في الرياض،لا يكون معبرا بأمانة عن طبيعة الاشتباك السياسي والامني المحتدم بين البلدين في اكثر من ملف وأزمة والذي غالبا ما يدفع الى اتهام النظامين بانهما السبب المباشر وراء جل التعقيدات التي ترزح تحت اثقالها شعوب المنطقة, وقد يحيل الامر الى محاولة فرض مدلس لزعامات سياسية مأزومة على مرجعيات فلسفية مذهبية وشرعنة اللبوس الديني الزائف الذي لطالما تقنعت به التقاطعات السياسية ما بين طهران والرياض..
لسنا في صدد الدخول في النوايا,ولكننا لا نرى الامر الا ضمن العديد من القرارات السعودية الكثر التي قلما يخلو منها خطاب للقيادة السعودية والتي تمتاز على الاغلب بكونها انعكاسات لقراءة سريعة للاحداث ورد فعل مبني على دراسة ملتبسة للمعطيات الواقعية على الارض,وهنا بالذات,قد نستطيع ان نحيل الامر برمته الى التراجع الكبير للسياسة السعودية في اكثر من جبهة لصالح الشريك القطري الاكثر مرونة وتخففا من الالتزامات الايديولوجية التي تثقل من خطى المملكة الدبلوماسية في سباقها اللاهث على النفوذ في دول الربيع العربي ومنطقة الخليج,أي اننا امام تدعيم مواقع سياسية اكثر من كونه حوار افكار ومعتقدات.
وهنا قد يكون من نكد الدنيا بان تجد المملكة -منقطعة الانفاس من تسارع الاحداث- نفسها تبحث عن اعتراف من ايران بدورها القيادي في المنطقة,مقابل الاقرار بدور ايراني مشوش ضخمته وسائل الاعلام الخليجية نفسها..
كما انه بحسابات البيدر فان التأكيد الخليجي المكثف واللجوج –والمجاني-بولاء العرب الشيعة لطهران لا نجد ما يقابله من واقع او دعوات او حتى تنظير –خارج اطار افتتاحيات الصحف السعودية-لتصدر او قيادة سعودية لاهل السنة والجماعة وان حتى التيارات الراسخة في التأسلف لا تدين-خارج التمويل والاعلام- للمؤسسة الدينية السعودية..وهو نفس ما ينطبق واقعيا على الشيعة العرب –خارج الاعلام-بالنسبة لايران,مما يجعل مثل هذه الدعوات تخرج من اطارها الصحيح في اشاعة الالفة والتقارب وتغليب المشتركات بين اهل القبلة الواحدة الى امتطاء الاجتهادات الفقهية والفكرية لتأكيد زعامة ملتبسة خارج اطار العرف والمنطق.
والاكثر ارباكا ان هذا التغير في المواقف جاء دون رصد أي تغيير جوهري-او حتى في الجزئيات- لسياسات طهران ان كان في تعاطيها مع الشأن السوري او بقية الملفات الإقليمية,ان لم يكن هناك ما يشي باصرارها المتماوت على خياراتها السياسية والامنية,والدفع باستثمار تلك الملفات كنقاط تفاوضية في مسلسل نزاعها الطويل مع الغرب لنيل الاعتراف بنفوذها الإقليمي,مما لا يبدو معه انها ستهتم كثيرا لاي مركز للحوارات بين المذاهب الا من خلال-وكما الاطراف الاخرى-الجانب الدعائي المطلوب في هذه المرحلة..
لاشك أن دعوة الملك عبدالله آل سعود للابتعاد عن الفرقة هي دعوة موفقة ولكنها يجب ان تكون ضمن سياقها الصحيح الهادف الى تغليب المصالح العليا على للشعوب على السياسات الفئوية الضيقة ,وان الاستجابة الايرانية محمودة بالتأكيد ولكن ليس ضمن هذا التصعيد الخطير على الارض في اكثر من مكان,كما ان الرغبة في لم شمل الامة الاسلامية لا يتم عن طريق تغييب العراق او تجاهل مصر او استبدال الحملات الصحفية المنظمة تجاه ايران بالهجوم على لبنان او "عرب الشمال"..والاهم هو القدرة على ترجمة هذه الشعارات على الارض بما يحفظ امن المسلمين وكرامتهم ويحقق لهم الحرية والعدالة الاجتماعية المنشودة..
التعليقات (0)