السلام عليكم
التفسير الصحيح لحُدُوث الوسواس القهري
اعْلَمُوا أنَّ مواضيعنا تدور حول مصطلح هو مفتاح اﻷمراض التي نتناولها، والمصطلح هو الـ"رَّوْت"، والـ"رَّوْت" مادة تنفرز في اﻷعصاب، وهي تنفرز آنَ الغضب بكثرة؛ وذلك ﻷنَّ الفكرة الغضبية تجعل صاحبها يرتفع إلى اﻷعلى من كثرة الـ"رَّوْت" في الأعصاب - وكذلك الترو في الدم -، ولكن آنَ الحزن فإنَّ الـ"رَّوْت" ينفرز ببطء؛ وذلك ﻷنَّ الفكرة الحزنية تجعل الـ"رَّوْت" ينفرز ببطء - وكذلك الترو في الدم -.. موضوعنا هذا لن يكون استثناء عن مواضيعنا التي يكون الـ"رَّوْت" فيها مركزا أو أحد المراكز.
عندما يتوتر اﻹنسان بشدة؛ فإنَّ الفكرة التي تدور في رأس المتوتِّر تُبْطَأ، أي تصير بطيئة، إلى أنْ يأتي حال يُكَرِّر المتوتِّر فكرة مفردة؛ ذلك أنَّ التوتر جعل الفكرة التي تلي الفكرة المفردة بطيئة؛ وهذا يعني أنَّها تتأخر عن الدخول إلى مكانها في المخ لكي يَشْعُر الذي يفكر بها بوضوحها، ومن الممكن أنْ تَدْخُل إلى المكان الصحيح لتُعالَج، ولكن لكثرة الروت في نفس المكان؛ فإنَّها لا تكون واضحة، فالروت يُشَوِّش عليها؛ ولهذا يضطر الذي يفكر أنْ يُكَرِّر الفكرة السابقة.
لِنُوَضِّح الكلام السابق أكثر:
لنفترض أنْ شخصا اسمه حالم لا يعاني من أي مرض من الأمراض التي نتناولها، وطلبنا منه أنْ يتكلم بالكلمات التي في الاقتباس التالي: "ذهب خالد إلى الحانوت ليشتري كتابا."، ولكن قبل أنْ يتكلم حالم بقليل عرَّضْناه لتوتر شديد، وبعد أنْ تَعَرَّض لتَوَتُّر شديد بدأ حالم يتكلم.
سؤال كيف سيكون حال الكلمات التي سيتكلم بها حالم؟
دون أدنى شك أنَّ إحدى الكلمات أو اكثر سَتَتَكَرَّر مرة أو أكثر، وعلى افتراض أنَّ الكلمة التي تكررت مرة هي خالد، فستكون الجملة السابقة كالتالي:
"ذهب خالد خالد إلى الحانوت ليشتري كتابا."
هذا بشأن تكرار الكلمة، ولكن ماذا عن بقية الكلمات؟
دون أدنى شك سَيَحْدُث فيها تأتأة، والتأتأة هنا - هي - مُقَدِّمَة لتَكْرير كلمة أو كلمات، أو حروف.
مدى تكرير الكلمات يتوقف على شدة التوتر، فكلما اشتد التوتر الذي يُسَبِّب تكرير الكلمات؛ فإنَّ عدد تكرير الكلمات يرتفع، فيمكن أنْ تكون الجملة السابقة على الشكل التالي:
"ذهب خالد خالد إلى الحانوت الحانوت ليشتري كتابا كتابا."
أرجو أنْ تنظروا إلى البرامج التلفازية التي يَحْدُث فيها توتر لتروا كيف يَحْدُث التكرير مباشرة.
لنفترض أنَّ حالما لا يريد أنْ يقول أين خالد، ولكن تحت الضغط تكلم إلى أنْ وصل إلى الحرف إلى، ولم يُكْمِل، بل بقي يُكَرِّر الحرف إلى، أي أنَّ الحملة التالية:"ذهب خالد إلى الحانوت ليشتري كتابا خطيرا."، ستكون كالتالي:"ذهب خالد إلى إلى إلى إلى إلى."، هذا على افتراض أنَّ الحرف قد تَكَرَّر خمس مرات، ولكن هل التكرير هنا من الوسواس القهري؟ لا، رغم التوتر، فقد كان بإمْكَانه أنْ يُكْمِل الجملة، ويُكَرِّر، أو يُتَأتِئ تحت التوتر الشديد، ولكنه لم يفعل.
تكرير الكلمات يمكن أنْ يَحْدُث في أصحاب الذاكرة الضعيفة، ونحن لا نتناول هذا الموضوع هنا، على الأقل حتى هذا الوقت.
تناولنا حُدُوث تكرير الكلمات لدى إنسان لا يعاني من أي مرض من التي تُسَمَّى بالخطأ نفسية، وهي رَوْتِيَّة كما أكَّدْنَا في مقالاتنا أكثر من مرة.. أمَّا اﻵن فلننتقل إلى حُدُوث تكرير الكلمات لدى إنسان يعاني من المرض الذي تناولناه في مقالاتنا السابقة:
إذا كان المريض الذي نطلب منه أنْ يتكلَّم بالكلمات التي في الاقتباس التالي يعاني من مرض خفيف، أي يوجد في جسده روت خفيف - وخصوصا في المواطن العلوية (الرأس..) -، وفي نفس الوقت عَرَّضْناه لتوتر؛ فإنَّ التوتر يَحْدُث بسرعة؛ وذلك ﻷنَّ الجسد فيه روت من اتجاه، ويُنْتَج فيه روت من اتجاه آخر؛ وبهذا فالتوتر الذي يَحْدُث يكون شديد، وهذا توتر مرضي (وُتَار)؛ ولهذا فإنَّ تكرير الكلمات يَكْثُر، فالجملة التي في الاقتباس التالي:"ذهب خالد إلى الحانوت ليشتري كتابا." قد تصير كالتالي:"ذهب ذهب خالد إلى إلى الحانوت الحانوت ليشتري كتابا كتابا."، ولكن هذا يَحْدُث في حال توتري، وإلا فإنَّ المريض لا يكرر الكلمات خارج اﻷحوال التوترية الشديدة، ولكن لو كان المريض يفكر بمرضه كثيرا، ويبقى فكره يدور حول مرضه، فإنَّ الروت المرضي (رُوَات) يَكْثُر، عبر توتر بطيئ؛ وبهذا فلو فَكَّر المريض في شيء يهمه كثيرا؛ فإنَّ الفكرة تبقى تدور في ذهنه لمدة طويلة، فإذا أراد أنْ يوقفها وتوتر؛ فإنَّها تُزاد تَشَبُّثَا وتبقى تدور؛ ولهذا لا بد من الهدوء إذا أراد أحد القضاء على فكرة تتكرر في الذهن كثيرا.
أحيانا يَشْعُر المريض بشيء يجعله يتنفس بقوة (فُسَان..)، وهذا يجعله يظن أنَّ الموت مُقْبِل عليه؛ فيخاف من الموت، والخوف حال توتري، والتوتر يزيد الروت المرضي، بحيث يتفاعل الروت المرضي مع الروت المنفرز آنَ الخوف؛ ليشتد الروت المرضي؛ وهذا يجعل فكرة الخوف من الموت تتكرر كثيرا، ولمَّا كان الروت المرضي الذي يجعل المريض يتنفس بشدة لا يزول بسرعة – على اﻷقل حتى هذا الوقت -؛ فإنَّ فكرة الخوف من الموت تُسَيْطِر على المريض، وتبقى تتكرر في ذهنه، ولكي يتخلص من تكرير فكرة الموت عليه أنْ يَعْلَم أنَّ الهواء الذي يستنشقه - عندما يشهق بشدة – لا يحتاج إلا إلى جزء قليل منه؛ ﻷنَّ الذي سبَّب التنفس الشديد هو روت مرضي مُتَمَكِّن في اﻷعصاب التي في المواطن الوسطى (قشرة البطن والصدر والظهر والعنق)، وهو لا يؤدي إلى الموت إلا في العجزة الذين لم تبقى فيهم أدنى قوة، وبهذا لا بد أنْ يزول الخوف من المريض بعد أنْ يَعْلَم الحقيقة بشأن تنفسه الذي يخيفه، وعندما يزول الخوف؛ فإنَّ تكرير فكرة الموت يزول.
في بعض اﻷحيان يكون الروت المرضي كثير جدا، بحيث لا يحتاج إلا إلى توتر قليل جدا، ليَحْدُث تكرير كلمات؛ ولهذا نجد المرضى الذين يعلمون جيدا سلوك المرض، لا يتكلمون وهم في هذا الحال ما استطاعوا إلى ذلك سبيل، خوفا من تكرير الكلمات؛ وبهذا يتحاشون الحرج الذي يمكن أنْ يَشْعُرُوا به وهم في هذا الحال.
المرضى الذين لا يجعلون اﻷفكار تتكرر في أذهانهم، ولكن أجسادهم ملئية بالروت المرضي، يصابون بهيذ مرضي (هُيَاذ) وهو التكلُّم بكلمات غير مرتبة ولا تعني شيئا، حيث يكون المريض على علم تام بأنَّه قالها ومتى قالها، وفي أي حال كان آنَما قالها، وهذا الحال قريب من حال تكرير اﻷفكار تكريرا مرضيا؛ ولكن ﻷنَّ المرضى هنا يفصلون المرض عن الأفكار التي يمكن أنْ تتعلق بالمرض، وذلك للخبرة التي اكتسبوها وهم مرضى؛ فإنَّهم لا يصابون بالتكرير المرضي لفكرة معينة.
التعليقات (0)