• التحولات في مفهوم القوة في عصر العولمة:
إن المتغير الرئيس عبر التاريخ في بناء القوة شهد تحولاً هائلاً،فقد كانت الملكيةهي معيار القوة، وكانت السلطة تاخذ الاشكال التالية :
المرحلة الأولى بيد ملاك الأرض والجنود ولكنها سلطة متدنية النوعية وذات مضمون سلبي.
المرحلة الثانية تمركزت القوة بيد أصحاب المصانع الذين شكلوا سلطة مبنية على الثروة وهي سلطة متوسطة النوعية وذات مضمون مزدوج سلباً وإيجاباً.
المرحلة الثالثة التي نعيشها فهي مرحلة المعرفة وتتمركز بيد العلماء وهي سلطة ذات مضمون عال في نوعيته ويتسم بالإيجابية,و اصبح"التصادم بين القوى التي تجعل المعرفة أداة سلطتها و بين قوى الثروة هو الذي يحدد مستقبل السيطرة على الدولة.
هذا التحول للمسارالذي بدأ بالتبلور مؤخراً قد بدأ بتغيير مفهوم القوى الذي تجلى قي فلسفة نيتشه في إرادة القوة والذي غادرته الرسمالية ، وفي فلسفة صراع الطبقات والعنف عند ماركس, والذي وصل إلى نهايته الحتمية.
وإذا كان التعريف الكلاسيكي لقوة الدولة هو قدرتها على فرض إرادتها فإن تعريف القوة الحديث ليس في ذلك بل في إيجاد خيارات كثيرة لمنع اكراهات الاخرين وفرض إراداتهم على قوة الدولة .
وقد تحولت القوة كحالةٍ متطورة لنظام الهيمنة،و باتت في ممارسة النفوذ دون الحاجة للقوة,وبات واضحاً في النظام العالمي الجديد ان القوة اصبحت تجسيدا ًلإرادة الضبط على حساب إرادة الإكراه .وان هذا التحول يعني مفهوم جديد لفلسفة القوى,وهو الاكتفاء بالتهديد بالقوة بدلاً من استخدامها.
ان غياب إرادة القوة لايعني شيئاً في نهاية المطاف إلا تحاشي الرغبة في تحمل نتائج القوة.و لتفادي عدائية العالم المباشرة والكلفة البشرية العالية لسياسات التدخل الخارجية. وتجنّباً لنتائج استعمالها المحتمل والهدف الاساسي هو حماية الامتيازات والابقاء عليها وليس توسيعها وتكبيرها لأن هناك وسائل أخرى كفيلةٌ بتحقيق ذلك.
وقد تغير المعنى المطلق لمفهوم القوة واصبح المفهوم النسبيً للقوة هو المسيطر والذي يعني ان مقياس القوة ليس بمقارنتها بما لدى الاخرين بل بما ما يترتب على امتلاكها من نتائج.
امامقياس القوة فهو بالأثر المترتب عليها، أي أن مقياس القوة هو في نتيجتها فهناك القوة المنتجة والقوة العقيمة.
وهناك تحول دلالات مفهوم القوة،وبروز "مفهوم الاعتماد" المتبادل الذي يجعل من الترابط عنصر قوة اضافية ،والذي يعني ظهور ترابط بين الكيانات الذي يتحول إلى أحد مقومات القوة كالترابط البيولوجيً (مساهمة خصائص معينة لدى الأطراف لإنجاز خاصية جديدة على غرار مساهمة مجموعة من الجينات في بناء خاصية وراثية مميزة) أو الترابطً النظاميً (على غرار تسلسل الذرات في جزئ معين) أو الترابطً الميكانيكيً (على غرار انتقال الحركة في نظام آلي).
على أن تحولاً آخر في مفهوم القوة المعاصرة قد تترتب عليه سلسلة من النتائج،وهو الانفصال التدريجي بين القوة العسكرية والقوة الاقتصادية،ولعل اهم مثال على ذلك اليابان.
التعليقات (0)