التغيرات المناخية ... نقمة أم نعمة أم بين بين ؟
الاحتباس الحراري له جوانب مشرقة !
بقلم : حنان بكير
طلاسم الكون وما يحيط به من ألغاز، كان وما زال شاغل العلماء والعامة من الناس. وقد بدأ الحديث منذ مدة عن الاحتباس الحراري، وتغيير المناخ وتأثيره على كوكبنا. وتنشغل بلاد الشمال الاوروبي وروسيا وأمريكا، بالتغييرات المناخية أكثر من غيرها من دول العالم، رغم ان التغيير المناخي سوف يطال الكرة الأرضية بأسرها.
فالقطب المتجمد الشمالي، الذي طالما أثار مخيلتنا بعوالمه الخرافية، تنذره الطبيعة بتغييرات نوعية لا أحد يدري الى أين تقوده، وما هي انعكاساتها على الحياة المدنية، لكنها في كل الأحوال تحمل الكثير من المخاطر، مع ارتفاع درجة الحرارة، وذوبان الكتل الثلجية.. اذ قال أحد العلماء" ان خطر التغييرات المناخية أخطر من الارهاب".
الجوانب المشرقة لتغير المناخ
تحمل التقارير العلمية بعض الجوانب الايجابية لهذه الظاهرة، ربما للتدليل على بدابة التكيّف مع هذا التغير، بحسب ما رشح عن المؤتمر العالمي للتغير المناخي الذي انعقد منذ مدة في المدينة القطبية النرويجية "ترومسو"، اذ حملت التقارير يومها بعض الجوانب الايجابية، سيما في الجانب الاقتصادي، على الرغم من توقع حدوث نتائج كارثية للأرض.
يرى الباحث " جان غونار"، وهو مدير المؤسسة القطبية النرويجية، بأن هناك فوائد كثيرة لهذا التغيير على صعيد الزراعة، الملاحة، الغاز والبترول وقطاع التعدين، في تلك المناطق الشمالية التي يتوقع ذوبان الكتل الجليدية فيها. ويرى بأن الدول الغنية في الشمال، سوف تكون الرابح من تلك التغييرات، بينما الدول الفقيرة في الجنوب ستكون الخاسر.
ومع ارتفاع درجة الحرارة، فان الأعمال الزراعية سوف تزدهر مع تمدد الأراضي الصالحة للزراعة، حتى يصبح بالامكان الزراعة في مناطق مثل سيبيريا وشمال كندا.
كما يتوقع ازدهار عمليات صيد الأسماك في الشمال مع تمدد وارتفاع نسبة مياه البحار. أما سمك الرنكة والتونة والسردين، فسوف تهاجر تدريجيا نحو أقصى الشمال في المحيط الأطلنطي. أما الأسماك القطبية والتي تعتبر مصدرا طبيعيا في بحر البارنتس، فسوف ترحل صوب الشمال والشرق بعيدا عن مرمى الصيادين.
وسينتج عن تلك التغييرات أيضا نمو الصناعات المتعلقة بالحراجة، حيث تساعد الحرارة في نمو الأشجار على مرتفعات خطوط العرض. أما السياحة الصيفية، فسوف تزدهر في دول اوروبا الشمالية، في الوقت الذي سترتفع فيه درجة الحرارة في دول مثل اليونان واسبانيا وايطاليا، في شهري تموز وآب، تلك البلاد التي كانت مركز السياحة في الصيف.
أما في فصل الشتاء، فان الأجزاء الشمالية في فنلنده والنرويج والسويد، فقد تصبح مركزا لاستقطاب هواة التزلج، فيما الألب والبرينيس، سوف تتحول الى مناطق خضراء..
ويتوقع أن تنتج بعض الدول التي لم يعرف عنها تصنيع النبيذ،صناعة نبيذ متقدم، ويتوقع ان تصنع بريطانيا نوعا جيدا من النبيذ الأبيض، بسبب تحسن نوعية العنب، فيما تقل جودة نبيذ "بوردو" بسبب الحرارة.
على صعيد التجارة البحرية والملاحة، فسوف تزدهر مع تقلص طبقة الجليد وتختصر المسافات، فالرحلة في السفينة من روتردام الى اليابان، عبر المحيط القطبي، فسوف تختصر عشرة ايام أقل من رحلتها عبر قناة السويس.
لكن الموضوع الأهم يبقى هو ازدياد نسبة الوصول الى منابع الغاز في القطب الشمالي، بسبب ذوبان الجليد وارتفاع نسبة درجة الحرارة، اذ تحتوي المنطقة القطبية على ربع مخزون احتياطي النفط، وذلك طبقا لمسح جيولوجي أمريكي.
أما شركة الغاز الروسية " غاز بروم"، فقد بدأت بتطوير عمليات البحث عن الغاز والنفط ، في شمال سيبيريا وبحر البارنيتس، بما فيها حقول شتوكمان، أكبر حقول النفط وأبعدها عن الشاطىء. هذا وقد دعت المسؤولة في شركة( ستات أويل) النرويجية، "هيلغا لوند" الشركات السويدية على التعاقد مع شركات البترول النرويجية وتقديم خبراتها في هذا المجال، للبحث عن البترول في بحر البارنيس.
أما الدول التي من المتوقع أن تتضرر بشكل كبير، من جرّاء ذلك التغيير مثل غرين لاند، فقد بدأت بالاستعداد للمواجهة الاقتصادية، باستخراج المزيد من النفط والغاز والمعادن، مما سيحقق لها نوعا من الاستقلالية عن الدنمارك، وايجاد فرص عمل محلية للسكان، وذلك بحسب تصريح للعالم " اسكلد لوند سورينسن"، حيث يتوقع أيضا استخراج كميات من الذهب والألماس، وكان قد بدىء باستخراج الذهب قبل سبعة اعوام، وهذا ما سيعوّض بعض الخسائر الناتجة عن ارتفاع درجة الحرارة، مثل صعوبة الصيد، كما يتوقع العلماء ارتفاع نسبة البحار بشكل دراماتيكي في العالم.
تغير نمط الحياة
يهدد الاحتباس الحراري بتغيير نمط الحياة في القطب الشمالي. حيث يعيش هناك مئات الآلاف من الناس، حياة بدائية فطرية، متكيّفة مع المناخ الجليدي البارد، هذا النمط من الحياة مهدد بالتغيّر مع ارتفاع درجة الحرارة، لأن ثقافة الصيد الذي يعتاشون منه يقوم أساسا على البرد. وبحسب اجماع العلماء، فان درجة الحرارة ترتفع في القطب الشمالي ضعفي ارتفاعها في كل أنحاء العالم. وهناك مخاوف من تهديد ارتفاع الحرارة للتقاليد والأنشطة المعتمدة على الثلوج والجليد، كالصيد والاعتناء بحيوان الرّنّة، ويواجه صيّادو الدببة القطبية والفقمات مشاكل بسبب عدم كثافة الطبقة الثلجية- التي تبدأ في الخريف وتنتهي في الربيع- حيث يسجل حالات وفاة جراء ذلك.
ويحث العلماء الناس على التكيّف مع هذا التغيير. وتشير الباحثة" شايلا وات كلاوتير"، بأن الصيادين في تلك المناطق على درجة من الحنكة والفطنة، ما يجعلهم يميّزون أي الطرق الثلجية آمنة وأيّها غير آمنة، ويدّخرون المؤن أثناء ترحالهم. لكن الباحثة ترى ان امكانيّة التكيّف هذه لها حدود، ولأن ثقافة الصيد تعتمد على الثلوج والجليد، فان عملية الذوبان، سوف تدمر أساس نمط تلك الحياة والثقافة، وترى ان ارتفاع درجة الحرارة هو عنف موجّه لحقوق الانسان، فهي تدمر وتحط من حقوق الناس في الصيد والصحة والثقافة والممتلكات والشعور بالأمان، وهي الحقوق التي نصّ عليها اعلان الامم المتحدة عام 1948.
ولعل أكثر المتضررين هم الصامييون، وهم أقليّة تسكن شمال النرويج واسكندنافيه وروسي وشمال سيبيريه، مما يهدد نمط حياتهم وعاداتهم، وذلك بحسب كلام " يوهان مايكل ساره"، نائب رئيس البرلمان الصامي، والذي أضاف بأن هناك أكثر من مائة ألف صامي يعيشون على رعاية حيوان الرنة، ويعتمدون عليه في أسباب معيشتهم.
يعيش حيوان الرنة عادة في الشتاء في السهول الداخلية المرتفعة في شمال اسكندنافية، وتهاجر في منتصف شهر نيسان الى سواحل البارينتس، حيث ترعى هناك حتى شهر تشرين الأول. لكن مشكلة التغيير المناخي جعلتهم يؤخرون موعد الهجرة الى الساحل، شهرا كاملا، حتى يعتدل المناخ، حيث ان الأنهار والبحيرات غير متجمدة بشكل جيدا لتسمح بعبورهم. وقد اعتمد الرعاة على ركوب دراجات خاصة، لكنهم الآن مضطرون لاستعمال الشاحنات لنقل الرنة، التي تواجه صعوبة في ايجاد طعامها، اضافة الى ظهور حشرات تهدد ذلك الحيوان
تبقى الاشارة الى ان الدّب القطبي الأبيض، والذي يشكل رمزا للقطب المتجمد مهدد بالانقراض، نتيجة الذوبان وارتفاع الحرارة، ومثله طائر البطريق.
لا يمكن التنبؤ بالمستقبل، ولكن اذا استمر الحال هكذا، فان نمط الحياة التقليدي قد يتغير، ولا تعد هناك القدرة على التكيف، فيغير الناس نمط الأعمال التي تكسبهم رزقهم، وقد ينتقلون الى المدن الكبيرة لايجاد فرص عمل جديدة، تتناسب ونمط حياة جديدة يفرضها الواقع الناتج عن الاحتباس الحراري.
التعليقات (0)