تعرف مدينة العيون هدوءا نسبيا عقب أحداث الاثنين الأسود، التي راح ضحيتها عشرات القتلى و مئات الجرحى من رجال أمن و مدنيين أبرياء، كما أسفرت عن تخريب منشآت عمومية و إحراق سيارات من طرف شباب غاضب متهور و كذا سرقة و نهب دكاكين تجارية و منازل لأسر كردة فعل مضادة.
إفساد من جانبين، و فتنة نائمة أيقظتها أطراف أخطأت الحسابات، لينتقل المخيم من ورقة اجتماعية اقتصادية لعب على حبلها المنتخبون و بعض المسئولين و المستنفذين في العيون و كذا اللجان المؤطرة للمخيم إلى فتيل نار أحرق العيون و المخيم، مشهد أثار الإعلام العالمي، و استنهض همم الأطراف: الجزائر و البوليساريو و اسبانيا لمواكبته بطرقها الخاصة و التي طبعا لن تعجب المغرب لأنها في نظره لن تكون محايدة بل مؤججة و مغلوطة. على هذا الأساس انتقل المشكل من أزمة داخلية ذات بعد اجتماعي كما كان الإعلام الرسمي يروج لذلك داخليا، إلى أزمة سياسية متداخلة و متشعبة الخيوط، فالمغرب يتحدث عن عملية إنقاذ لآلاف المحاصرين من طرف مجرمين ذووا سوابق و آخرين ذووا أطروحات انفصالية، و البوليساريو تتحدث عن عملية اقتحام مسلح لمخيم النازحين و مجزرة نتج عنها مقتل العشرات و جرح المئات و فقدان المئات كذلك، تلتها عمليات مداهمة لمنازل من طرف الأمن و من تسميهم هي بالمستوطنين، و لأنها حرب إعلامية تغيب عنها الموضوعية و المصداقية يبقى لكل طرف وجهة نظره و معطياته التي يروجها من أجل كسب الرهان في حين تبقى حقيقة الوقائع حبيسة لدى من شهد الحدث أو تأذى منه مباشرة.
أحداث مخيم أكديم أزيك طرحت الكثير من التساؤلات، خاصة لدى بعض المنابر الإعلامية المغربية و التي تريد توضيحا معقولا لجسامة الخسائر التي تكبدتها الدولة و للأسباب الكارثية التي جعلت الأمور تنزلق إلى هذا المستوى، فهل حقا ما وقع إنما هو ردة فعل شباب غاضب ضد تدخل السلطات أو تخريب مجرمين و ذووا سوابق أم أنه فعل مدبر من طرف المخابرات الصحراوية و الجزائرية نفذه انفصاليو الداخل و شارك فيه بعض العائدين الجدد، فالبعض يستغرب للطريقة الاحترافية في قتل الجندي المرحوم أو في تفجير العبوات و إحراق المؤسسات الحساسة في سرعة فائقة، هل يمكن لشباب عادي أن يقوم بهذه الأعمال بسرعة و تنسيق؟ من جهة أخرى، و بالنظر إلى ما أفردته بعض الصحف المغربية عن مشاركة جزائريين تشاديين في أحداث الاثنين، ألا يحق لنا نتساءل: أين كانت السلطات و المخابرات المغربية حين دخلت أطراف جزائرية و انفصالية إلى داخل العيون و من ثم المخيم لتتوغل في لجانه؟ هل كانت الدولة تحاور ضباطا جزائريين؟ هل كانت تحاور انفصاليين؟ هل كانت تحاور مجرمين و ذوي سوابق؟
حقيقة إن ما اقترفه البعض من قتل لجنود أبرياء و التنكيل بهم أمر مرفوض شرعا و أخلاقيا، كما أن إحراق المؤسسات العمومية فعل غير متحضر، فهذه مؤسسات للشعب قبل أن تكون للدولة، كما أن التنكيل و الهجوم على المنازل وضرب الشيوخ و النساء و نهب المتاجر أمر كذلك مرفوض و مستهجن، والظاهر من التغطية الإعلامية لأحداث العيون أنها تغاضت عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين القاطنين للمخيم أو ساكني الأحياء التي هوجمت من طرف القوات أو من طرف بعض المواطنين الداخليين.....
هذه الأزمة أظهرت حقد البعض ضد ما هو صحراوي، و النظرة العنصرية التي تكن ضد الصحراء و أهلها، فالكثير من رواد المواقع الإخبارية و أصحاب التعليقات لا يكادون ينتهون عن وصف أهل الصحراء بالرعاع المرتزقة الآكلين للغلة السابين للملة ......، كما يتحدث بعض المعلقين و الصحفيين عن سياسة الكيل بمكيالين التي تتهجها الدولة مع الصحراويين و المغاربة .....ففي أريري صاحب أسبوعية الوطن الآن مثال على ذلك فقد أفرد مقالا صحفيا متحاملا و عنصريا و مغلوطا بعنوان "إلى متى يظل المغاربة عبيدا لمرتزقة العيون" فمن يقصد بالمرتزقة؟ المقال يحمل بعض الأرقام الغير موثقة عن ثروات الصحراء القليلة و عن نسبتها في الناتج الإجمالي و عن ميزانية الصحراء و مصاريفها التي تنهك الدولة و جيب المواطن المغربي حسب رأيه، و هو حين يتبجح بهذه الأرقام الغير موثقة إنما ليحرض و يستدرج القراء مخاطبا فيهم العاطفة ضد الصحراويين، و هو بذلك قد يكون طرفا في تأجيج مشاعر الغضب و الانتقام ضد ا أي صحراوي في مدينة ما من مدن المغرب.
ثروات الصحراء التي يستقلها الكاتب هي التي تقف وراء الصراع الحالي، و هي التي من خلالها يعيش الآلاف من البحارة المغاربة و الصيادين و كذا جنرلات الجيش.... و الصحراء التي يهاجمها الكاتب هي التي استقبلت آلاف المغاربة الهاربين من الجفاف أو الباحثين عن عمل حتى صاروا أغلب ساكنيها فاشتغلوا فيها و في مدنها و في موانئها ففتح الله عليهم و رزقهم بأكثر مما كانوا سيجدونه في بلدانهم.
التعليقات (0)