مواضيع اليوم

التعليم في إيران…«الحوزة» تحــوز «الثقـة»!

ملف اخضر

2009-03-30 11:18:40

0

التعليم في إيران…«الحوزة» تحــوز «الثقـة»!

 

 


من يقرأ مذكرات الرئيس الإيراني السابق هاشمي رافسنجاني، يقف على جذور الصراع بين التعليم الديني والتعليم العلماني في إيران، تقول المذكرات: «إن والده لم يحبذ إلحاقه وإخوته بمدرسة حكومية، وإنما كان يلحقهم بالصفوف الدينية التي يديرها العلماء مثل كل العوائل الريفية المتدينة التي لم تكن ترغب في إلحاق أبنائها بالمدارس الحكومية، بل تفضل إلحاقهم بالصفوف الدينية التي كانت تنتظم بالمساجد، وكانت مقرراتها تركز على حفظ القرآن وعلوم الدين وعلوم اللغة العربية، وكانت تعرف هذه المدارس باسم «المكتبخانة» ولم يكن معلموها يتبعون للمؤسسات الحكومية، بل يتبعون الحوزة الدينية في قم، وفي مراحل لاحقة قلص الشاه رضا بهلوي ومن بعده ابنه الشاه محمد رضا بهلوي تلك المدارس، ولكن علماء الدين كانوا يواجهون هذه الإجراءات بمزيد من الإصرار على دعم هذه المدارس».

التعليم في إيران ثورة وثروة

حينما وصل العلماء الإيرانيون إلى مواقع السلطة عام 1979، قدر لهم أن يرثوا نظاماً تعليمياً ذا صلة وثيقة بالماضي ولا تتلاءم مع صبغة الحاضر الجديد وآمال المستقبل المنشود، ومن ثم أصبح من الأمور الضرورية السعي إلى إصلاح النظام التعليمي ليفي بمتطلبات النظام الجديد، وذلك من خلال القيام بثورة ثقافية تاق إليها كل فرد في موقع السلطة.
وقد بادر الخميني في شهر إبريل 1980م إلى تحقيق هذه الغاية حينما أصدر مرسوماً رسمياً يدعو إلى تشكيل مجلس للثورة الثقافية. وقد حدد الخميني طبيعة ومهام ومضمون وتوجه هذه الثورة المنشودة في عبارات المرسوم على النحو التالي:
«تمحيص جميع البرامج والمشكلات التعليمية، وصياغة استراتيجيات وسياسات تعليمية على أسس ثقافية إسلامية، وإعداد مناهج علمية في جميع جوانب الدراسة تعتمد على متطلبات واحتياجات المجتمع، وتدريب واختيار هيئة التدريس المؤهلة والملتزمة بقضية الثورة».
ولنقل هذا الأفكار من حيز النظرية إلى أرض الواقع اختار الخميني «هيئة من خبراء التعليم الإسلامي» للإشراف على تجسيد الخطة التي حدد معالمها في المرسوم المذكور، وقد قامت هذه الهيئة، التي أطلق عليها اسم «المجلس الأعلى للثورة الثقافية» على الفور بإجراء إصلاحات هائلة، مازالت مستمرة حتى يومنا هذا في النظام التعليمي.

هيكل النظام التعليمي في إيران

يضم النظام التعليمي الإيراني، في مرحلة ماقبل الجامعة، أربع مراحل رئيسة كالآتي:
1- رياض الأطفال: وهي تمثل المرحلة التمهيدية للمرحلة الابتدائية، وتبدأ من عمر خمس سنوات وتستمر لمدة عام واحد تُدرس فيه مبادئ اللغة الفارسية، وتهدف هذه المرحلة إلى جذب انتباه الطفل للاهتمام بالتعليم.
2- المرحلة الابتدائية: هي المرحلة الإلزامية الأولى، وزادت الثورة الإيرانية السنوات الإلزامية لتصبح ست سنوات بعد أن كانت خمساً في العهد الإمبراطوري، وتبدأ الدراسة من عمر ست سنوات، والتعليم في هذه المرحلة مجاني.
وقد شهد عام 1991 قيد أكثر من 9.5 مليون طالب في المرحلة الابتدائية.
وتركز هذه المرحلة على تعليم التلاميذ المهارات التعليمية الأساسية كالقراءة، والكتابة، والتذكر، والتفكير... إلخ، علاوة على الاهتمام بالنواحي الصحية والبدنية للأطفال.
3- المرحلة المتوسطة: ويطلق عليها المرحلة التوجيهية وتستمر ثلاث سنوات، ويلتحق بها الطلاب من سن 11 إلى 13 عاماً، وتعد هذه المرحلة الجزء الأول في المرحلة الثانوية، وتهتم هذه المرحلة بتنمية القدرات العقلية والابتكارية للتلاميذ، بالإضافة إلى كشف ميول واستعدادات التلاميذ للنبوغ في حالات معينة.
وقد أدرجت وزارة التعليم الإيرانية في خططها إدخال تعديل جديد على المرحلتين السابقتين، ويتمثل في تخصيص سنتين للأطفال ما بين الخامسة والسابعة من العمر لتلقي الأساسيات، على أن تضاف السنتان للمرحلة الابتدائية، وفي المقابل يتم تخفيض المرحلة المتوسطة إلى عامين فقط.
4- المرحلة الثانوية: ومدتها أربع سنوات، وهي ليست إلزامية، لكنها أصبحت مجانية وينقسم التعليم الثانوي إلى ثانوي عام، وآخر فني تقني أو زراعي أو تجاري أو مهني.
وينقسم التعليم الثانوي العام بدوره إلى أقسام الرياضيات، الفيزياء، والعلوم التجريبية، والعلوم الإنسانية، والاقتصاد. ويحق للطالب الانخراط في قسم واحد منها يتحدد منذ العام الأول وفق الدرجات التي حصل عليها في الجزء الأول من المرحلة الثانوية ونعني به المرحلة المتوسطة، وقد سجل عام 1991م التحاق5.6 مليون طالب بهذه المرحلة.
ويجدر بنا أن نذكر أن اللغة الفارسية هي لغة التعليم في جميع مراحل التعليم العام المختلفة.
ويهتم التعليم بالمرحلة الثانوية بتنمية وتطوير إحدى أو بعض المهارات والملكات التي يتميز بها الطالب. علاوة على تهيئة الطلاب للاتجاه إلى نوعية الدراسة الجامعية أو الحياة العملية التي تتفق مع إمكاناتهم ورغباتهم.

استراتيجية التعليم في إيران


كان مهندسو العقل الإيراني في المرحلة الشاهنشاهية يعمدون إلى جعل التعليم مبتدئاً من الحضارة الفارسية، ومنتهياً عند الحضارة الغربية، وناسخاً لكل ما هو إسلامي. وقد كانت المناهج في مدارس الثانوي تلقن الطلاب أن الكون خلق بالصدفة، وأن نظرية دارون في النشوء والارتقاء هي مفتاح الحقيقة في فهم أصل الجنس البشري وتطوره، وأن الدين- مثل الزواج- ما هو إلا ظاهرة اجتماعية أفرزتها حاجة الإنسان الذي عجز عن مواجهة التحدي المعلوم، فاحتمى بالغيب والمجهول.. وهكذا.
وفي ظل الجمهورية الإسلامية تغيرت استراتيجية التعليم في البلاد. فبدأت عملية واسعة لتغيير المناهج والكتب، وتم وضع مناهج تعكس قيم المجتمع، سواء عن طريق إعادة صياغة كتب المناهج القائمة أو عن طريق إضافة مواد دراسية جديدة. ففي المرحلة الثانوية- على سبيل المثال- تمت إزالة آثار السياسة الشاهنشاهية التعليمية، بدءاً بتغيير النظرة إلى فلسفة العلوم وانتهاء بإسقاط هيمنة نظرية دارون، وتم خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الجمهورية تأليف 200 كتاب جديد لطلاب المدارس بمختلف مراحلها، طبع منها في العام الدراسي 84-1985م 85 مليون نسخة.
وبالنسبة للعلوم الإنسانية فقد بذلت وزارة التعليم جهداً كبيراً لصبغها برؤية «الجمهورية الإسلامية»، خصوصاً أن كلاً من علوم الاجتماع، والفلسفة، والأدب، والجغرافيا، والتاريخ، والاقتصاد، تحمل شيئاً من العقيدة، وقد سعت المناهج إلى تغيير البرنامج والمحتوى في كل علم تقريباً.
ففي علم الاقتصاد مثلاً بدأت المناهج الدراسية الجديدة التركيز على مبدأ الاكتفاء الذاتي وغرس الإيمان به، والثقة بالقوى البشرية العاملة، بالإضافة إلى زرع قيم ومبادئ تخدم الخطط التنموية الاقتصادية مثل الوسطية في الاستهلاك وعدم الإسراف في الإنفاق، وتشجيع الادخار، وإبراز حرمة التعاملات الربوية ونظم الفوائد المصرفية.
أما علوم الاجتماع وعلم النفس فأصبحت تزخر بإعلاء قيمة الأسرة والعلاقات الاجتماعية المستندة إلى المعايير الإسلامية، علاوة على ترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص بين المواطنين، وركزت السياسة التعليمية في هذا المجال على تحرير العقل من الأيديولوجيات الغربية من خلال العودة إلى بناء الشخصية الإيرانية المنتمية للحضارة الإسلامية، وأصبحت تلك العلوم تهتم بتفسير سلوك الإنسان وأعماقه من خلال دوافعه العقيدية أو الإيمانية بدلاً من التركيز على النظريات المادية، والغرائز الحسية التي تسقط وجود الله والضمير الإنساني من الحسبان.
وشهدت مناهج علم التاريخ تعديلاً جوهرياً، فقد كانت فيما مضى تركز على القومية الفارسية وتعد الفتح العربي غزواً بربرياً وحشياً، وتغذي الشعور المعادي للإسلام واللسان العربي، وتحفل بنقد العرب وتجريحهم، وقد ركزت المناهج الجديدة على تاريخ الإسلام، والقدر المعقول من التاريخ الإيراني وتاريخ العالم.
وهناك بعض التطورات والمستجدات التي أدخلت على النظام التعليمي في إيران مثل اتباع نظام الفصل الدراسي في جميع المراحل بدءاً من الابتدائية حتى الجامعة. كما أصبحت المواد الدينية أساسية، والنجاح فيها إجباري حتى ينتقل الطالب للسنة التالية، كذلك قسمت المرحلة المتوسطة إلى ثلاثة فروع «نظري- فني - علمي» وسميت بالمرحلة الإعدادية. كما بدأ توجيه الاهتمام إلى أعضاء هيئة التدريس من ناحية الأوضاع الاجتماعية والوظيفية، وتم إنشاء هيكل باسم «المجالس التعليمية المحلية» على مستوى المدن والأحياء بهدف إشراك المواطنين في تسيير العملية التعليمية. كماأنشئت مديريات تتبع الحكومة مباشرة «تابعة رسمياً لرئيس الوزراء» وتتولى هذه المديريات بعض الفروع التعليمية كالدراسات الدينية والمنح ومراكز تعليم الكبار الدينية، ومختلف أنشطة الأوقاف التعليمية والتربوية، ويتبع لها أيضاً المديرية العامة للرياضة ورعاية الشباب ومنظمة الشباب. وأصبح هناك اهتمام متزايد بالتعليم المرتبط بالبيئة المحلية من حيث اللغات واللهجات التي تستخدمها بعض الأقليات، أو نوعية المواد العلمية والمعرفية الملائمة لكل إقليم.

برنامج «كاد»

إن «كاد» الذي يشكل اسمه اختصاراً لكلمتي «كار» و«دانش»- أي : العلم والعمل- هو برنامج لتعريف التلاميذ بالصنائع والحرف.
إن كل تلميذ يشترك يوماً من كل أسبوع في هذا البرنامج، كما أنه خلال السنة الدراسية يصرف من سنته شهراً في تعلم الفنون المختلفة في المعامل والورش؛ وبذلك يتعلم التلاميذ بعد إنهاء دروسهم فناً أو حرفة، لها تأثير في مستقبلهم، وفي الاكتفاء الذاتي للوطن.
الحوز العلمية
الحوزة العلمية تسمية عربية تطلق على المكان أو الناحية، التي تُخصص للدرس والتحصيل. وتبعاً للأصل اللغوي للكلمة، فإن الحوزة يمكن أن تخصص لمختلف أوجه النشاط الإنساني، ولكن الكلمة ارتبطت في لغة الخطاب الشيعي بتلقي العلم، حتى بات مفهوماً تلقائياً أن الحوزة لابد أن تكون علمية.
الحوزة العلمية إذاً ليست معهداً علمياً واحداً كما يتصور الكثير، ولكنها وصف ينصرف إلى مدينة قم كلها، باعتبارها ساحة لتلقي العلم في عديد من المدارس الدينية. والحوز مختلفة المراتب ولا علاقة للدولة بإدارتها أو الإنفاق عليها، إنما هي تحت رعاية رؤوس المذهب الذين يطلق عليهم اسم «مراجع التقليد».
وكانت الدراسة في الحوزة العلمية مقصورة على الشباب دون الفتيات. وفي السنوات الأخيرة دخلت الفتيات الميدان وصار لهن عشر مدارس، وطلب آية الله الخميني توسيع فرصة مواصلة تلقي التعليم الديني أمام البنات، مما وضع اللبنة الأولى «لحوزة النساء» على المستوى الجامعي عام 1986م.
ولاتزال المساجد هي مقر الدراسة، فهناك يلقي الشيوخ على تلاميذهم مختلف الدروس، ولكن المدارس هي مقر الإقامة والمذاكرة. وكان كل طالب- في المدارس القديمة- يحصل على راتب من إدارة المدرسة «حوالي 10دولارت في الشهر لطالب المرحلة الأولى» على أن يدبر أمور معيشته وكتبه بهذا المبلغ بالتعاون مع زملائه، حيث يسكن كل ثلاثة طلاب في غرفة واحدة، وهذا هو الوضع القائم في المدرسة الفيضية- مثلا- التي هي أبرز وأشهر مدارس الحوزة.
وقد اختلف الوضع في المدارس الحديثة، التي بنيت بعد الجمهورية، إذ زودت بالمطاعم للطلاب، ووسائل للتدفئة في الحجرات التي فرشت بأبسطة صناعية «موكيت»، وإن ظل الطلاب ينامون على الأرض باعتبار أن ذلك تقليد إيراني، ليس مقصوراً على الحوزة العلمية وحدها.
ويمر التعليم في الحوزة بثلاث مراحل: سطح المقدمات، وسطح المتوسط، وسطح الخارج ويمكن أن نعرفها باختصار على النحو التالي:
أ- سطح المقدمات: مدته خمس سنوات، وهو بمنزلة دروس تمهيدية في اللغة والبيان والبديع والفقه والأصول وعلم الكلام والفلسفة. ومن الكتب المقررة في تلك المرحلة: ألفية ابن مالك، ومغني اللبيب في كلام الأعاريب، ودروس في نهج البلاغة، واللمعة الدمشقية.
ومدارس الحوزة هي التي تباشر تلك المرحلة، وتجيز للطالب بعد انتهاء دراسته الالتحاق بالمرحلة التالية، علماً بأنه يعفى من الخدمة العسكرية طالما هو ملتحق بالحوزة.
ب- سطح المتوسط: ومدته ثلاث أو أربع سنوات، يبدأ الطالب خلالها في التخصص على يدي أحد المراجع، وتحت رعايته. ولا يقبل المرجع دارساً إلا إذا حصل على شهادة تثبت إجازته من سطح المقدمات. وفي هذه الحالة، يتقاضى الطالب راتبه من خزانة المرجع مباشرة، ويتراوح هذا المبلغ بين 15 دولاراً في الشهر للأعزب و30 دولاراً للمتزوج، فضلاً عن أنه بعد التسجيل يصبح من تلاميذ المرجع، ويقيم في أحد البيوت التي ينفق عليها.
وقد يتخصص الطالب، في هذه المرحلة، في التفسير أو في الفلسفة أو نهج البلاغة«خطب وكلمات تنسب للإمام علي رضي الله عنه»، أو التاريخ، أو الاقتصاد المقارن، إلى جانب مواد أخرى يجب أن يدرسها مثل كتاب الرسائل في أصول الفقه، وكتاب المكاسب المحرمة للشيخ مرتضى الأنصاري.
جـ- سطح الخارج: وهي مرحلة تؤهل الطالب لكي يضع قدمه على أبواب مرحلة الاجتهاد، هي أشبه بمرحلة الدراسات العليا في الجامعات العادية، وليست هناك فترة محددة لإنجازها، فقد تستغرق سنوات محدودة، وقد تستغرق عمر الطالب حتى نهايته.
والدارس في كل مرحلة يُعطى لقباً علمياً، يرفع كلما تدرج في السلم التعليمي، حتى يبلغ ذروته، فإذا كان لايزال في مرحلة سطح المقدمات، فهو إما طالباً وإما مبتدئاً، وإذا انتقل إلى سطح المتوسط فإنه يمنح لقب «ثقة الإسلام»، وإذا التحق بسطح الخارج ثم أنهى دراسته يصبح «حجة الإسلام»، وإذا أجيز للاجتهاد فإنه يحمل لقب «آية الله»، وإذا بدأ يمارس عملية الاجتهاد في حلقات الدرس ويؤسس قاعدة شعبية له في الحوزة، فإنه يصبح «آية الله العظمى»، أما إذا اتسعت دائرة مقلديه وثبت قواعده، بسلوكه وعلمه بين جماهير الشيعة، فإنه يصبح مرجعاً للتقليد، وإن ظل محتفظاً بلقب آية الله العظمى.

برامج تدريب المعلمين

بذلت الحكومة الإيرانية جهوداً مكثفة لبسط سيطرتها الكاملة على برامج تدريب المعلمين، فسعت لجعل هذه البرامج مبنية على أسس عقدية. وأضيفت دورات تهتم بالدين والقرآن الكريم والأخلاق إلى هذه البرامج، وذلك بهدف تعزيز السلوك الأخلاقي للمعلمين.
وتعمد الحكومة إلى اختيار الأفراد المتدينين والملتزمين من بين من يتقدمون للعمل بمهنة التدريس.

برامج محو الأمية (التثقيف)

اعتبرت الثورة الإيرانية نفسها ثورة ثقافية في المقام الأول تهدف إلى التأثير بشكل فعال في قيم الفرد، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، اكتسبت حملة محو الأمية أو ما يطلق عليه حملة التثقيف أهمية جليلة، ففي الوقت الذي يقوم النظام التعليمي الرسمي بمهمة إعداد إنسان جديد بين الطلاب الدارسين، تحاول حملة محو الأمية أن تلعب دوراً مكملاً، مهمته توعية جيل الكبار. ومن أجل تحقيق هذه المهمة، بادر آية الله الخميني على الفور بعد الثورة الإيرانية إلى الإعلان عن تأسيس «حركة تثقيف أو محو أمية إيران» وعُهد إليها القيام بالمهام التالية:
- تقديم التعليم للكبار، ويتضمن هذا الأمر تعليم المبادئ الأساسية للقراءة والكتابة والحساب.
- الارتقاء بالمستوى الثقافي للمتعلمين ونشر الثقافة الإسلامية بينهم.
- تقديم التعليم لمن هم في سن التعلم من الأطفال الذين لم ينخرطوا في النظام التعليمي الرسمي.
- إعداد الكتب والأدوات التعليمية الضرورية التي تتوافق مع الثقافة والنظام العقائدي.
- اختيار الكوادر اللازمة للقيام بحركة التثقيف وتدريبها.
- إثارة الحماس بين الناس وتحفيزهم عبر الوسائل المادية والروحية لجذبهم لفصول محو الأمية.
وعلى الرغم من أن نظام الشاه السابق في إيران قد شن حملة لا هوادة فيها ضد الأمية، إلا أن التقارير الإحصائية الصادرة عن منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) أشارت إلى أن معدل الأمية بين سكان البلاد عام 1976 وصل إلى 63.5%، وقد أشارت بعض التقارير غير الرسمية إلى انخفاض هذه النسبة إلى 38.3% بعد الثورة.
ويكتسب اختيار معلمي هذه المهمة أهمية خاصة بسبب المغزى السياسي لحملة محو الأمية. وتظُهر معايير اختيار معلمي محو الأمية في جمهورية إيران الإسلامية، الاهتمام والتركيز الشديدين على الالتزام الذي يتجاوز حد الكفاءة أو المقدرة. وتتلخص تلك المعايير في الآتي:
- أن يكون مسلماً ومؤمناً بمفهوم «مبدأ ولاية الفقيه».
- ألاّ يقل عمره عن 18 عاماً، ويحمل دبلوم المدارس العليا (وإن أمكن التغاضي عن شرط الدبلوم في المناطق الفقيرة والنائية).
- أن يكون مواطناً إيرانياً ومؤمناً بدستور الجمهورية.
- أن يكون مؤدياً لواجباته.
- أن يكون شخصية مشهورة بالخير والفضيلة.
- أن يكون قادراً على تعليم وإدارة الفصل.
- أن يكون معفياً من الخدمة العسكرية.
- أن يجتاز بنجاح جميع إجراءات الاختبار.
- أن يكون قادراً على قراءة وتلاوة القرآن الكريم.
ويشير آخر تعداد سكاني أجري عام 1986م إلى أن 61.7% من السكان، ممن بلغوا ست سنوات فما فوق، يعتبرون من المتعلمين، وأن المعدل الكلي لمن يجيدون القراءة والكتابة بلغ 70.9% بالنسبة للرجال، 52% بالنسبة للنساء.

تعليم المرأة في إيران

هناك فكرة شائعة مؤداها أن تعليم المرأة شهد انحساراً بعد قيام الثورة الإيرانية، ومع ذلك تشير أحدث الأبحاث في هذا المجال إلى صورة مختلفة للوضع.
بيد أنه يمكن الإشارة إلى بعض الملامح التي اختلفت في تعليم المرأة عن فترة ما قبل الثورة وهي كالآتي:
- من الناحية العملية شهد تعليم المرأة فصلاً بين الطلبة من الإناث والذكور، بعد قيام الثورة بثلاثة أشهر أي في شهر مايو 1979، وذلك في جميع المؤسسات التعليمية باستثناء الجامعات والمدارس الريفية النائية.
- في عام 1980 تم تطبيق الفصل أيضاً على أعضاء هيئة التدريس، بحيث لا يدّرس المعلمون إلا الأولاد والمعلمات إلا في مدارس البنات فقط.
ولا يسمح للطالبات المتزوجات بالحضور النظامي في المدارس العليا، وكذلك مُنع إرسال النساء للخارج في منح حكومية لمواصلة تعليمهن العالي. أما من يرغبن في الدراسة بالخارج على حسابهن فعليهن أن يكن متزوجات ويبرزن ما يفيد موافقة أزواجهن على دراستهن بالخارج.
- تلتزم جميع الإناث، سواء المعلمات أو الطالبات، بارتداء الحجاب بمقتضى الأمر الحكومي الذي يلزم الأنثى من سن السادسة فما فوق بارتداء الحجاب. وفي العام الدراسي 1980-1981 ألزمت وزارة التعليم الطالبات وجميع العاملات بالوزارة بارتداء زي أسود اللون بالإضافة إلى غطاء الرأس. أما معلمات محو الأمية فيلتزمن بارتداء الشادور (حجاب كامل) أثناء الدراسة.
- سعت الجمهورية الإسلامية إلى فصل وتوجيه التعليم بحيث يواكب متطلبات كل جنس على حدة. وقامت وزارة التعليم بإعداد كتب منفصلة للجنسين لدراستها في المرحلة التوجيهية، وشجعت الوزارة البنات على دراسة الحياكة،والتمريض، والتدريس بينما أعدت الطلاب من الذكور لدراسة الحرف والمهن. ويقضي الطلاب في المدارس الثانوية غير المهنية يوماً واحداً في الأسبوع في نشاط عملي في مشروع العمل والمعرفة، والهدف من هذا المشروع تعويد الطلاب على الموضوعات الصناعية والزراعية والعملية.
يكتسب الأولاد الخبرة العملية في المصانع مما يؤهلهم للعمل المهني، بينما تحصل البنات على دورات في الصحة، والتغذية، وتربية الأطفال، والطهي، والحياكة، والتطريز والأشغال اليدوية، التي تعدهن لمواجهة الحياة الحقيقية كزوجات وأمهات.

الأهــداف العـــامة للتعليــم

مع قيام الثورة الإسلامية كان التعليم أحد أكبر التحديات التي أولتها اهتماماً خاصاً، وترجع هذه الأهمية للطابع الغربي الذي اتسم به التعليم الإيراني في العهد الامبراطوري فوضعت الثورة فور توليها مقاليد الأمور أسلمة التعليم كهدف أساس للسياسة التعليمية مما أدى - نتيجة للصعوبات التنفيذية التي واجهت تحقيق هذا الهدف - إلى إيقاف الدراسة بجميع مراحل التعليم لمدة الأربع سنوات الأولى عقب قيام الثورة. وقد استغلت هذه الفترة في عقد المؤتمرات ووضع الخطط التي تكفل إضفاء الطابع الإسلامي وإعادة التعليم الإيراني إلى المرتكزات الثقافية والأيديولوجية للدولة الجديدة وفي الوقت نفسه الاستمرار في مسألة التحديثات والتطوير لنظم التعليم. ثم بدئ بعد إجراء هذه المراحل التخطيطية في إدخال التعديلات الهيكلية والمنهجية التي تم التوصل إليها.
وقد قامت الثورة بتحديد الأهداف العامة للتعليم وفقاً للمجالات المعرفية المختلفة التي تضمها السياسة التعليمية وهي:
العقيدة: ترسيخ مبادئ وتعاليم الإسلام في إطار المذهب الشيعي الاثني عشري.
السياسة: وضع الأشكال والأنماط التي تسير الحياة السياسية وفقاً لمبدأ إطلاقية السلطة لله على العباد، لذا يتولى السلطة الشخص الأقرب للتعاليم الإلهية - وفق الرؤية الشيعية - وهو (الولي الفقيه)، ومقاومة جميع أشكال الظلم والاضطهاد، والدفاع عن المستضعفين في الأرض أفراداً أو شعوباً.
الاقتصاد: التركيز على مبدأ الاكتفاء الذاتي وغرس الإيمان به في القوى البشرية العاملة، وزرع قيم ومبادئ تخدم الخطط التنموية الاقتصادية مثل الوسطية في الاستهلاك وعدم الإسراف في الإنفاق، وتشجيع الادخار.
الثقافة: العناية باللغتين الفارسية والعربية لتثبيت الروابط التراثية للشخصية الإيرانية، ولتحقيق فهم أعمق للقرآن والمبادئ الإسلامية.
الاجتماع: إعلاء قيمة الأسرة والعلاقات الاجتماعية المستندة على المعايير الإسلامية، وترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص بين المواطنين.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !