محمود المصلح
2009 / 2 / 9
بداية لا بد من الاعتراف باننا كأمة عربية قد فقدنا قدرتنا على الحياة منذ اكثر من خمسمئة عام ، لما آلت اليه الامور من نواحي عديدة ، وهذا يستدعي طرح السؤال الصارخ التالي : ماذا قدمنا كامة عربية للعرب والانسانية منذ زمن بعيد ؟ الم نعد عالة على الانسانية بما تبدع وتصنع وتنتج وتزرع ؟ الم نكن كقطيع بلا راع منذ ذلك الزمن البعيد ؟ثم ما هي صورتنا كعرب في عيون العالم عموما ، وفي عيوننا نحن خصوصا .
تعد المناهج المدرسية فضلا عن الجامعية في عالمنا العربي من أهم عوامل التخلف ، ذلك التخلف الذي اودى بنا الى مهاوي الردى ، والى النكوص في كل الميادين ، فلم تؤكد مناهجنا على خصوصيتنا العربية ، ولم تركز على تطوير العقل العربي ، من العقل المتلقي ، الى العقل المفكر، القادر بالتالي على الانتاج والابداع الذي يفضي الى الآفاق الرحبة للعقل الذي لايحده حد ولا يقيده قيد . تماما كما فشلت في خلق مواطن عربي منتمي لوطنه وامته العربية ، بعد ان تمكنت قوى ليست بخفية على احد ، من تدمير الروح المعنوية الوثابة عند انساننا العربي ليبقى اسير موروثات جامدة بليدة ، ويتغنى بأمجاد عفى عليها الزمن ، ولا يدري المنظر والمعد والمصمم للمناهج المرسية والجامعية اننا دخلنا عصرا باتت فية التكنولوجيا هي المتحكم في العالم بشكل او بأخر . فهذا ملجأ العامرية في بغداد يقصف بطائرة 52 B من سالونيك في اليونان او من مكان أخر لعله مانيلا في الفلبين لست اذكر .. بينما كنا لا نزال نتمترس ببندقية كلاشنكوف عند اسوار بغداد ننتظر قدوم الاعداء ليموتوا على الاسوار كما تمنى العرب ذات يوم .
نعم تمكنت المناهج العربية من خنق الروح المتطلعة عند ابناء الجيل ، وتمكنت من تقليص وتقزيم الاحلام العربية ، الى الحصول على غسالة بالاقساط او ثلاجة ، بل اكثر من ذلك ربما كان الحصول على دجاجة من الجمعية او كيلو من اللحم المجفف او المجمد يعد انتصارا يستحق الاحتفال عند البعض ، تشاركت المناهج من قوى غريبة غير مجهولة من التلسط على عقل الطالب وابقته اسير الحفظ الغيبي لنصوص مختلفة ، او اداء فروض كتابية ، ابعدته عن المختبر والبحث والاستقصاء ، اخذته بعيدا عن الواقع الذي نعيش ، وجعلته يحلق في عوالم خيالية بعيدة اما في سحيق الزمن أو في دوائر ومتهات من النصوص المختلفة .
ان الأنسان العربي وهو يعيش هامشيا مهمشا على الهامش من الحياة المعاصرة ، ينظر الى العالم يتقدم من حوله ويصب عليه من الانتاج على مختلف الاصناف يشعره بالضئالة والتقزم ، فلربما كثير منا لا يتمكن من التعامل مع الكثير من المنتجات العصرية والتي باتت تشكل عصب الحياة ، فمعرفتنا القاصرة تنسحب على حياتنا القاصرة .
فالى ان يتم تغيير المناهج بما يخدم الامة ، مناهج تطوع المعرفة ، وتسخر التقنيات ، وتوظف التكنولوجيا والاقتصاد المعرفي ، ضمن هذا السيل المتدفق الجارف من
المعرفة ، والى ان تدخل المناهج طلابنا الى المختبر والمزرعة والمصنع ، وتوظف الواقع لخدمة المستقبل الى ذلك اليوم سنبقى في هذه الدوائر المغلقة من الضياع الذي لن يفضي الا الى ضياع اكبر .
التعليقات (0)