أنتهت أحتفالات العالم بذكرى الحادى عشر من سبتمبر 2001 ، يوم الإعلان العالمى المزدوج من جانب الجماعات الإسلامية بقيادة جماعة القاعدة بالجهاد العالمى ضد الكفار أينما كانوا وعلى الجانب الأخر أمريكا التى أعلنت هى الأخرى الجهاد ضد الإرهاب .
يوم أستيقظ العالم على صباح جديد من الإرهاب قادته الجماعات الإسلامية بتنظيماتها المختلفة ، وأندفع إليه الشباب بغيرة كبيرة فى الأنتقام من أعدائهم ، وبدأت أمريكا تحاول إرهاب الإرهابيين لتحمى مصالحها ولتحمى نظامها الجديد التى شرعت تؤسس له فى العالم كله ، ذلك النظام الدكتاتورى الأمريكى الذى قد نختلف أو نتفق معه والذى توافرت له سبل القيام بهذا الدور التاريخى فى عصرنا الحاضر .
بدأت أمريكا حملات المطاردة للإرهابيين ولم تأتى بنتائج إيجابية ، لأنها مطاردة لأشباح يعيشون فى كل مجتمع وفى كل أنظمة الحكم العربى والإسلامى ، هذا الشبح الذى ينشر تعاليمه تحت سمع وبصر كل العالم وفى مجتمعاتنا خاصة حيث الأنبهار به يزداد بأستمرار .
من مميزات الحادى عشر من سبتمبر أنه أخرج إلى سطح الواقع الأيديولوجيات الإسلامية التى تسعى بكل طاقاتها إلى الوصول إلى الحكم وللهيمنة العالمية وللقضاء على الكفر والكفار ، تلك العقيدة تداعب وجدان المؤمنين منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا ، وأصبحنا نرى مجتمعات بأكملها تنافق ربها ودينها ومواطنيها ، بنفس اللسان تخرج الكلمات تمجد الإرهاب والمجاهدين فى سبيله وبنفس اللسان تخرج الكلمات تنهى عن المعصية وعدم قتل النفس إلا بالحق ، نفس اللسان الذى يدعو للحوار والتسامح والرحمة ، نفس اللسان يدعو إلى التحزب والقتال والعداء والبغضاء للآخر أو للكافر .
ظهر واضحاً أن على وسادة الإجتهادات يتراشق ويتسابق المفكرين العرب فى طرح الفكر الجهادى الأنتحارى ، ذلك الفكر الذى يؤمن بقضية واحدة هى القضاء على الكفار ، ولم يعد هناك فرق كبير بين تعاليم السماء وتعاليم الأرض ، لأن كل شئ تمت برمجته لصالح الأهداف السياسية التوسعية ، وتم توحيد السماء والأرض فى جهاد الكفار وإرادة الإنسان تم فرضها على إرادة الله ، وتحول وجه الله من وجه الرحمة والعدل والسلام إلى وجه غضوب حاقد يتطاير الشرر من عينيه والسيف جاهزاً فى يديه لقطع رقاب العباد .
على وسادة العارفين بالدين جلست المصالح والنزعات والطموحات الزمنية ، ووضعوا تعاليمهم على أفواه البنادق وعلى أسنة الرماح والسيوف وعلى جدران القنابل والقلوب الإنسانية وتلاشى الحق وتقهقر الوجود الحقيقى لإله يحب البشر وينتظر رجوعهم وتوبتهم إليه عن أعمال القتل والإرهاب والكراهية .
تم تخدير عقول الملايين بأفكار تقول أن الغرب الكافر يريد تخريب مجتمعاتنا ويريد تغيير تعليمنا ويحيك المؤامرات ضدنا ، يريد الغرب غزونا فكريا وعلمياً ، صدقنا أكاذيب الهويات الدينية والقومية العروبية وكأن العرب هم كنز الكنوز ودرة الله فى عالمه الأرضى والسمائى، إن العرب وضعوا أنفسهم فى قفص الأتهام بتغليبهم للأفكار الدينية على ممارساتهم السياسية وشحنوا عقول أجيال من البشر بأن العرب خلقهم الله حتى يحكموا العالم بسلطانهم وخلافتهم الدينية .
بعد مرور ثلاثة سنوات من حادثة الحادى عشر من سبتمبر ، هل أحتفل العرب مثلما أحتفل العالم به ؟
نعم للأسف هذا ما حدث ، أكتفى العرب بالبرامج التلفزيونية والمقالات الصحفية والكلمات الخطابية التى لا طائل منها ، ولم يحاول كل عربى أن يسأل نفسه ماذا أعددنا للإحتفال بهذه الكارثة التى أنجزتها أنظمتنا التعليمية والدينية التى أعاقت عقول الناس بتلقينها قيم الكراهية والحقد وأعتبار الآخرين أعداء ينبغى بغضهم وقتالهم إلى الأبد .
بعد مرور تلك السنوات الثلاث مازالت الأنظمة العربية المجتمعية تفرز نفس المفاهيم العقيمة التى تطيح بكل ما يقف أمامها لأنها مفاهيم أسطورية تتعامل مع أصنام جاهلية يتوارثها الملايين دون الوقوف أمامها لقراءة ما كتب عليها وليتعقلوا معانيها ومقدار فائدتها لخدمة البنيان الإنسانى .
مازال التعليم العربى ينتج إرهاب وعنصرية ، مازال ينتج أنتهاكات حقوق الإنسان تحت مظلة الشرعية الدينية ، مازلنا نتنافس فى جدل عقيم للعثور على دواء ناجع لأمراضنا المستعصية والبحث عنه فى تراث خيالى ، ولم يستطيع المفكر العربى أن يخلع عنه الثوب الدينى المذهبى الذى يفرضه فرضاً على عالمه الخاص ويحاول فرضه على عوالم الآخرين ، ذلك الثوب المذهبى الذى يخلق أسياد وعبيد وحقوق إنسانية أولاً للمسلمين وثانياً لغير المسلمين أهل الذمة أو الكفر ، هكذا يفتح العرب الأبواب المذهبية لأنتهاكات حقوق البشر بالشرعية الدينية ، هكذا تهدر ثروات الشرق العربى فى التناحر المذهبى الذى يعتمد أعتماداً كلياً على الغرائز والسلوكيات الإنفعالية طبقاً للمحفوظات الدينية الأستفزازية .
إن حالة الإنسان العربى يلزمها القيام بعملية قيسرية لإجهاض ذلك الحمل الغير طبيعى الذى سيستمر فى تفريخ إرهاب دينى يفوق الحادى عشر من سبتمبر وما يحدث من خطف وقتل ، ويفوق ما حدث فى بيسلان من قتل أطفال بريئة لأن مذهبية القيم الدينية تبيح لهم التخلص من الآخر عملاً بمبدأ " الغاية تبرر الوسيلة " ، وما أفظعها من وسيلة تنعدم معها أبسط قيم الإنسانية.
متى يفهم العرب أن هناك إله سيقضى بالعدل بين الناس وسيجازى كل واحد حسب أعماله لكن ليس فى هذه الدنيا بل فى يوم الدينونة ؟
2004 / 9 / 18
التعليقات (0)