حسين علي الحمداني
إن التطور العلمي والتكنولوجي الحاصل في العالم استثمر بشكل إيجابي من قبل كافة دول العالم في تطوير عملية التعليم والتعلم لتلاميذ المدارس بكافة مراحلها حتى بات استخدام الوسائل التكنولوجية من البديهيات التي يجب أن تتوفر في المعلم إضافة إلى إسناد عملية التعليم بوسائل أخرى غير الكتاب المدرسي.وأتيحت لي فرصة الاشتراك في دورة لمنظمة اليونيسيف واطلعت كغيري من الذين اشتركوا في الدورة على كيفية تخطيط وتصميم البرامج وأيضا الإطلاع على أحدث استراتيجيات التدريس وأهمية وسائل الإيضاح وتكنولوجيا المعلومات في عملية التعلم واكتساب المهارات ونمو شخصية التلميذ وتعزيزها، إضافة إلى دروس في المواطنة وحقوق الإنسان وحقوق الطفل.
وأن أهم أهداف الدورة كانت إعداد قادة للتدريب ليدربوا معلمي ومعلمات الصفوف الأول والثاني والثالث على طرائق وأساليب التدريس الحديثة وينقلوا إليهم ما توصل إليه العالم في مجالات التربية والتعليم وأهمية ذلك في بناء المجتمع العراقي الجديد بعد حقبة السنوات الماضية . كذلك أتيحت لي فرصة استقراء أفكار المعلمين الذين كلفنا بتدريبهم فيما بعد ووجدت من الضروري جدا أن أوظف ما عندي في إجراء بحث عن أهم المعوقات التي تحول دون استخدام طرائق التدريس الحديثة في مدارسنا ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها ، وبما أن العملية التربوية لا تقف عند المعلم وحده بل هنالك جهاز متكامل هو الجهاز التربوي الذي يلعب دوراً خطيراً في تربية أجيالنا ، وتوجيههم الوجهة الصحيحة ،وإشباعهم بالمفاهيم الديمقراطية ، العملية التربوية بكل جوانبها تتطلب منا اليوم العمل وبأقصى سرعة ، وبكل ما نستطيع من جهد لمعالجة هذا الخلل الخطير في جهازنا التربوي إذا شئنا أن نخلق أجيالاً جديدة قادرة على التواصل مع العالم وسد الفجوة العلمية .
ومن أجل تحقيق هذا الهدف الهام الذي نسعى إليه علينا أن نخطو خطوات مهمة وسريعة ومدروسة في نفس الوقت من اجل تلافي المزيد من الخسائر التي يمكن أن لا تحصل خاصة وإننا خسرنا بما فيه الكفاية.
كيف يتم إعداد المعلم ؟
إن إدراكنا لعظم الرسالة التي يحملها المعلم، ومدى عمق التأثير الذي يحدثه في نفوس التلاميذ ،هذا التأثير الذي يحدد بدوره مستقبل الجيل الناشئ، وبالتالي مستقبل الأمة ، يفرض علينا أن نحدد الشروط الواجب توفرها فيمن يروم الانخراط في هذا المسلك ، وحمل هذه الرسالة بأمانة وإخلاص ، كي نستطيع أن نخلق جهازاً تربويا قادراً حقاً على أداء الرسالة . فما هي الشروط التي ينبغي توفرها لدى الراغبين بهذه المهنة ؟
يمكننا أن نحدد ، على ضوء التجارب التي مررنا بها مجموعة من الشروط الواجب توفرها في المعلم ومنها:-
- توفر الرغبة الصادقة والحقيقية لمهنة التعليم.
- الإيمان برسالة المعلم والقدرة على حملها.
- الإيمان بالمثل الإنسانية العليا.
- الثقافة الواسعة.
إن من المسلَّم به أن كل إنسان لا يمكنه أن يحقق نجاحاً تاماً في عمله ما لم تكن له الرغبة الكافية فيه ، لأن الرغبة عنصر حاسم في دفع المعلم إلى التتبع والدراسة ، بغية الوقوف على أحدث الأساليب التربوية من جهة ، والإخلاص في أداء الواجب من جهة أخرى . كما أن الاندفاع والرغبة تنعكسان بكل تأكيد على التلامذة الذين يتولى تربيتهم وتعليمهم ، فتدفعه لتحضير مادة الدرس ،ووسائل الإيضاح اللازمة ،ويتعب نفسه من أجل إيصال المادة لهم ، ويهتم بالواجبات البيتية والصفية ،وتصحيحها ،وبذلك ينشّط التلامذة ،ويجعلهم يقبلون على الدرس بجد واشتياق . ولو أننا أمعنا النظر في جهاز التعليم بوضعه الحالي ،وكيف أقبل المعلمون على هذه المهنة ، وأجرينا إحصاءاً دقيقاً بصدد الذين جاءوا لهذه المهنة عن طريق الرغبة لهان لنا الأمر ،ولأدركنا أي خطر يهدد المدرسة ، ولأدركنا أسباب الفشل الحقيقية فيها . إن معظم الطلاب الذين سدت في وجوههم أبواب الكليات قد وجدوا أنفسهم أمام الأمر الواقع الذي اضطرهم إلى اللجوء إلى الدورات التربوية ، ومعاهد المعلمين ذات السنة الدراسية ، أوالسنتين ،ودون رغبة منهم ، ليصبحوا بين عشية وضحاها معلمين تسلم لهم الرسالة وهم على مستوى من الضحالة لا تؤهلهم للقيام بها على الوجه الصحيح . غير أنه لا يمكن أن يكون هذا الحكم شاملاً ، فثمة آلاف من أولئك المعلمين قد اكتسبوا كفاءة مدهشة ،واستخدموها في تعاملهم مع مهنتهم وتلاميذهم ،واستطاعوا بجدارة أن يكونوا نموذجا جيدا لصانعي الأجيال . إن عدم الرغبة ،والعزوف عن هذه المهنة له بالطبع عوامل ومسببات لابدَّ لنا من دراستها ،والوقوف عليها ومعالجتها ،وإذ ذاك نستطيع تهيئة الآلاف المؤلفة من المثقفين الشباب الذين سيندفعون إلى الانخراط بهذه المهنة المقدسة . خاصة وان نسبة كبيرة جدا من المعلمين ألان لا يمتلكون المهارات المهنية التي تؤهلهم لهذه المهنة.
وهنا علينا ان نحدد الإطار الفكري للمعلم الحديث وتتمثل بمايلي:-
- مهارات التعلم المستدامة وتتمثل بالتحصيل الدراسي بما لا يقل عن الإعدادية
- المعرفة العامة والثقافة الواسعة وهي انه يعرف شيء عن كل شيء.
- المجال المعرفي الواسع ويعني انه يعرف كل شيء عن شيء.
- التخصص الدقيق ويتمثل بالتفوق في جانب معين كأن يكون متفوقا في مجال
- ( الرياضة - الفنون – الرياضيات .. الخ )
- معرفة المبادىء التربوية.
- تطبيق المبادىء التربوية.
وهذه الأطر تؤكد أن المعلم عليه أن يوجد الظروف التعليمية المناسبة لتلاميذه ويركز على العقل والروح والتفكير بكل أنواعه ويثير حوافز التلامذة ليساعدهم في البحث عن الحقيقة والوصول إليها كي يكون المثال الأعلى لهم. يتصور البعض ان رسالة المعلم هي ايصال المعلومات للتلامذة وتعليم التلامذة المهارات في القراءة والكتابة ولكن رسالة المعلم الحديث تقول ان من أهم واجبات المعلم (( تعليم التلميذ كيف يتعلم)) من هنا يمكننا أن نستنتج ان العملية التربوية التي كانت سائدة لدينا يكون محورها المعلم أما ألان فان عملية التعلم يكون محورها الرئيس هو التلميذ وان مهام المعلم هي تنشيط المتعلمين وتحريك كل حواسهم واشراكها في كسب المهارات المطلوبة وعلى المعلم ان يضيف أهدافا جديدة للدرس تتمثل في بناء شخصية التلميذ وتوظيف المعرفة المكتسبة في صقل شخصيته. من هنا يتضح لنا ان رسالة المعلم تتمثل بأعداد مواطن صالح يميز بين الأشياء وبعبارة أدق (( مواطن مثقف)) ومن البديهي ان المجتمع الذي يحتاج للطبيب والمهندس يحتاج أيضا إلى المهن الأخرى شريطة ان يمتلك صاحبها مؤهلات ثقافية تجعله يعرف كيف يتعامل مع الاخرين. وامتلاك الثقافة للآخرين من صلب واجبات المعلم وبالتأكيد فان المعلم الناجح هو الذي يجعل من الكتاب المدرسي احد مصادر التعلم وليس المصدر الأساسي والوحيد .من هنا يتضح لنا إننا في فترات وسنوات ماضية لم نرتكز على أسس صحيحة في اختيار من وكيف سيكون المعلم وربما اعتمدنا ضوابط غير تربوية في مجالات تربوية وهذا ما انعكس سلبا على الأداء والنتائج خاصة وان الإحصائيات والأرقام تشير إلى تدني واضح في مستوى التعليم في العراق ليس هنالك مستويات دولية أدنى منه وهذه حقيقة لا يمكن ألا أن نستنتج منها أن المعلم العراقي يحتاج إلى تطوير شامل وجذري.فما هي الحلول المطروحة؟ قبل أن نبحث عن الحلول لنر معا ما هي مشاكل المعلم والمعوقات التي تحول بينه وبين تطبيقه لطرق التدريس الحديثة.
المعوقات والمشاكل
المعوقات هي مجموعة المشكلات أو الصعوبات الفنية والإدارية والمادية والإشرافية التي تحول دون استخدام المعلم لطرائق التدريس الحديثة في المواقف التعليمية المختلفة.وبما أن الموقف التعليمي يتطلب من المعلم أتباع أكثر من طريقة وأسلوب في الدرس الواحد فأن ثمة صعوبات تواجه المعلم وربما تكون صعوبات من نوع خاص قد لا تكون موجودة بالضرورة في كل مدارسنا ولكنها بالتأكيد موجودة في أغلبها.ونحاول الآن إيجازها على لسان عدد من المعلمين في مدارس مختلفة منها في الريف وأخرى في مراكز المدن.
.1 كثرة أعداد التلاميذ في الصف الواحد ويتجاوز عددهم (50) أحيانا
.2 قلة الوسائل التعليمية الفعالة في المدارس وانعدامها في الكثير من المدارس الأخرى
.3 سوء توزيع الدروس على المعلمين من قبل إدارة المدرسة وخاصة في الصفوف الأولى إذ ان المعلم يعطى أوتوماتيكيا (( عربي + رياضيات )) رغم إنهما علمين لا رابط بينهما ، إضافة إلى سؤ التوزيع هذا فأن الكثير من المعلمين والمعلمات يحرصون في هذه الصفوف على تنفيذ مفردات المنهج للغة العربية على حساب الرياضيات.
.4 كثافة المنهج الدراسي يحول دون استخدام طرائق التدريس الحديثة إذ ان المعلم يلجأ إلى طريقة المحاضرة لغرض إكمال المنهج الدراسي.
.5 قلة الدورات التطويرية للمعلمين ومن قبلهم لإدارات المدارس التي ينبغي لها ان تعرف طرائق التدريس الحديثة لكي تكون على علم ودراية بها وتسعى إلى تطبيقها وتوفير متطلباتها قدر الأمكان.
.6 وقت الدرس البالغ (40) دقيقة غير كاف للتعلم من قبل التلميذ إضافة إلى ضغط الدوام ليصل إلى (6-7) حصص يوميا يجهد التلميذ في الصفوف المتقدمة من المرحلة الابتدائية، يجهده بالتحضير اليومي لخمس مواد على أقل تقدير بما يشتت فكره وتركيزه.
هذه بعض المعوقات التي تم الإطلاع عليها من قبل المعلمين والمعلمات أنفسهم وما لم يتم الإفصاح عنه والذي يمكن أن يستنتجه أي مطلع على واقع المعلم لدينا لأكتشف ما يلي:-
.1 عدم رغبة المعلم في تطوير مهاراته وكفاءاته المهنية لاعتقاده بأنه لا يحتاج إلى تطوير.
.2 عدم إطلاع المعلم على مفردات المقرر الدراسي الذي يقوم بتدريسه والأهداف العامة والخاصة المطلوب تنفيذها من قبله وإيصالها للتلاميذ.
.3 ثقافة المعلم وإطلاعه الخارجي غير متكاملة وابتعاده عن التواصل مع مهنته بالشكل الذي يجعل الكثير من أعضاء الهيئة التعليمية لا يحملون أية ثقافة خارجية.
.4 غياب التواصل بين المعلم وولي الأمر.
.5 عدم التفاؤل الموجود لدى بعض أعضاء الهيئات التعليمية حيال طرائق التدريس الحديثة ويمكن القول بأنهم غير قادرين على (تغيير مفاهيمهم القديمة).
.6 رفض المعلم قيادة المجتمع في المرحلة الحالية والمراحل القادمة إذ كما يعلم الجميع ان القائد الوحيد في المجتمع هو المعلم وان الظروف في السنوات الماضية أجبرت المعلم على تسليم مقود قيادة المجتمع وبناءه لغيره إلا ان الملاحظ ألان أن بعض المعلمين يرفضون تحمل هذه المسؤولية وهذا الرفض له أسبابه التي تتمحور في إننا لم نحسن اختيار من سيكون معلما وهذا ليس بذنبنا آنذاك بل ذنب الحاجة التي دفعتنا الىذلك.
تلك هي أهم المعوقات والمشاكل الميدانية التي تواجه العملية التربوية في العراق وليس المعلم وحده وإذا ما استطعنا تشخيص المعوقات نستطيع إيجاد الحلول المناسبة لها ومعالجتها بسرعة.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=2579
التعليقات (0)