مواضيع اليوم

التعصُّب من سمات التخلف

محمد بلغازي

2010-10-31 20:40:21

0

 من حق أي إنسان اختيار الدين الذي يؤمن به، سواء كان سماويا أو وضعيا، وهذا الاختيار نابع من اعتقاد القلب والعقل، وليس من السهل تغيير المعتقدات، لأنها تكون راسخة في النفس، وليس من المتقبل إجبار الآخرين على الإيمان بعقيدة معينة. يستطيع الإنسان أن يتظاهر بإيمانه بإحدى العقائد، لكنه في قرارة نفسه يؤمن بأخرى.

لكل إنسان حق اختيار العقيدة التي يراها موافقة لنفسه، لكن ليس من حقه إكراه الآخرين على الإيمان بهذه العقيدة، فلو حاول أتباع دين سماوي دفع أتباع دين آخر إلى الدخول في الدين الأول، فإن هذا يعد نوعا من محاولة امتلاك الوكالة عن الله، رغم أنه سبحانه وتعالى ترك للناس حرية اختيار ما يشاءون، على أن يكون حسابهم يوم القيامة.

والمشكلة أن يعتقد قوم أنهم على حق وأن الآخرين على باطل، وأنهم يجب أن يكونوا على دينهم الذي يؤمنون به، فيناصبونهم العداء. وتخسر البشرية بهذا الصنيع كثيرا، لأن هذا السلوك يؤدي إلى تمزيق الأمم وخسارة الطرفين؛ المعتدي والمعتدى عليه.

لا يقتصر التعصب على الدين فقط، وإنما هناك –أيضا- التعصب الكروي والتعصب العرقي والتعصب الطائفي والتعصب القومي، وغير ذلك من أنواع التعصب الناشئة عن أن كل فريق يعتقد أنه على صواب وأن الآخرين على خطأ، أو أنهم أفضل من الآخرين، وتنشأ الحروب والمعارك نتيجة العداء بين المتخاصمين بسبب التعصب، ولو رجع الناس إلى عقولهم لوجدوا أنه لا فائدة من التعصب وأن خسائره أكثر من مكاسبه، بل أين المكسب الناتج عن الانتصار لفكرة مسيطرة على العقل؟ مثلا، ما الذي يعود على أي دين من انضمام شخص أو أشخاص له بالإكراه، إنه لا يكسب شيئا، لأن المُكرَهين آمنوا بأفواههم، لكن قلوبهم تشتعل كراهية بسبب القسوة في ضمهم لهذا الدين، وربما كانوا من قبل لا يحملون له مشاعر الكراهية.

ليس التعصب ناشئا –فقط- عن محاولات ضم أتباع دين إلى دين آخر، وإنما هناك –أيضا- التصريحات المستفزة من أتباع دين ضد أتباع دين آخر، كأن يحاول طرف أن يسوق الحجج على بطلان عقيدة الآخرين. وهذا شيء طبيعي؛ أن تكون لدى كل طرف حجج على الآخرين، لكن هذه الحجج يجب أن تكون في أروقة الدرس العلمي بين المتخصصين، وألا تخرج إلى غيرهم فتثير الفتن الطائفية، لأن نقصان العلم لدى غير المتخصصين يدفعهم إلى العدوان على الآخرين، ظنا منهم بأنهم يدافعون عن دينهم.

التعصب يقود إلى تخلف الأمم، لأنهم يبددون طاقاتهم في البحث عن وسائل الرد على الآخرين، ويضيعون الأوقات في محاربة المخالفين، وبذلك ينصرفون عن البحث العلمي الذي يدفع إلى التقدم والرقي. يقول إميل شكرالله في مقال بعنوان "التعصب الديني في معادلة جبرية" على موقع إيلاف: "المتابع لحركة التطور الحضاري العالمي يستطيع أن يلاحظ أن الدول التي نبذت كل أشكال التعصب والتمييز الديني والعرقي والمهني والنوعي وغيره قد استطاعت أن تنمو اقتصاديا وتعليمياً وتحقق أعلى معايير الصحة النفسية والجسدية لمواطنيها، وعلى العكس نجد أن الدول التي مازال التعصب متفشياً في مجتمعاتها تحولت إلى دول متخلفة في شتى المجالات تتجه بسرعة نحو الانحدار في هاوية الفقر والبؤس وتحقق أعلى معدلات جرائم الأخلاق والفساد حتى أصبحت عالة على المجتمعات المتحضرة".

الحال يتطلب من العقلاء أن يواجهوا التعصب ويجتثوه من جذوره حتى يتفرغ أبناء الأمة لبناء المجتمع والمشاركة فيما يدفع إلى التقدم ويخرجنا من التخلف الذي يعوق التنمية والتطور.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !