مواضيع اليوم

التعصب .. نار تحرق الإنسان

محمد بلغازي

2010-10-14 22:03:48

0

 المعنى الأصلي لكلمة "التعصب" في اللغة يرتبط بإخفاء الحقيقة، فالعصابة التي توضع على عيني الشخص تحجب عنه رؤية ما حوله. جاء في معجم الغني أن"تَعَصُّب الفَقِيهِ" معناه وَضْعُ العِصَابَةِ عَلَى رَأْسِه.ِ وذكر المعجم أن عبارة "أَظْهَرَ تَعَصُّباً لِصَاحِبِهِ" تعني أنه كَانَ مُنَاصِرًا لَهُ بِشِدَّةٍ. وهذه المناصرة الشديدة لا تنبع من وقوف بجانب الحق، وإنما لأجل فكرة تسيطر على العقل دون نظر إلى الموضوع من جميع جوانبه، فالمتعصب لصاحبه تغلب على ذهنه فكرة الانتصار له، ولا يفكر إن كان الصاحب ظالما أم مظلوم.

يرى بعض علماء النفس أن الإنسان يولد متسامحا، في حين يرى آخرون أنه يولد متعصبا، والحقيقة أنه لا يولد متعصبا أو منحازا، وإنما تجمع فطرته بين السلوكين معا، وهذا ما ذكره خالق الإنسان والأعلم بفطرته، حين قال في كتابه الكريم: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)، منح الله الإنسان العقل ليتدبر به المواقف، ويعرف الحق من الباطل، ويلتزم بميزان العدل والحق، وينأى عن الجور والظلم، لكن النفس البشرية تميل إلى الهوى، فتنسى الحق وتسير في طريق الضلال.

تلعب عدة عوامل دورا كبيرا في انحراف الإنسان عن فطرته السوية، وتدفعه إلى التعصب، وأهم هذه العوامل التنشئة الاجتماعية التي تحدد مسار حياة الفرد، فالظرف الاجتماعي يفرض على الشخص الالتزام بسلوك معين، وإلا فإنه يكون خارجا عن سياق الجماعة التي ينتمي إليها. يشير علي عبدالرحيم صالح في مقال له على موقع "الحوار المتمدن" إلى أن التعصب "سلوك مكتسب ومتعلم من الوالدين أو من المجتمع". حين ينشأ الشخص وسط مجتمع يفرق بين أفراده حسب الطبقات الاجتماعية، ولا يضع اعتبارات للمواهب والقدرات، فإن الشخص يظل سائرا في إطار هذا القيد طوال حياته، وعندما ينشأ الطفل وسط أتباع دين يكرهون أبناء الديانات الأخرى فإنه يستمر في رفضه للآخرين، إلا إذا أتاح للعقل فرصة مراجعة الذات وفحص الأفكار.

التعصب ليس قاصرا على أهل الجهل، وإنما يمتد إلى أصحاب المقامات الرفيعة ومن حققوا قدرا كبيرا من المعارف، والفرق يكمن في النزول من علياء النفس والاعتراف بالحق وإنصاف الآخرين، أو على الأقل الامتناع عن مناصبتهم العداء. في مقال بعنوان "نقد التعصب, والتعصب الديني" للكاتب زكي الميلاد على موقع "المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية" ذكر أن التعصب "يصدر من الإنسان مهما كانت عقيدته وانتماؤه الديني, وبغض النظر عن المستوى المدني والحضاري للإنسان, وبالتالي فإن التعصب لا ينبغي أن يتحدد وينحصر بدين معين, ولا بمستوى حضاري أو علمي أو اقتصادي محدد".

من أهم سمات الشخص المتعصب أحادية الرأي، إذ يرى أن رأيه صواب دائما وأن الآخرين يكونون على خطأ حين تكون آراؤهم مخالفة لرأيه، ولا يتوقف عند هذا الحد، بل يحاول تفنيد الآراء المخالفة بكل السبل، حتى لو وصل الحال إلى إعلان الحرب على الآخرين، وهذا ما وضح جليا في موقف الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الذي قسم العالم إلى معسكرين: فريق مع أمريكا، وفريق ضدها.

لو أتاح الناس للعقل فرصة تدبر الأمور وعدم الميل إلى الهوى، ما كان للتعصب أن يتمكن من أفراد المجتمع، ويحرق الجميع، لأنه يبدد الطاقات في معارك يخسر فيها الكل، ويكسب فيها –فقط- فريق ثالث من المتربصين الذين يستفيدون من خلافات الآخرين، فيستولون على خيراتهم أو يبيعون لهم السلاح الذي يزيد الأوضاع اشتعالا.

إبراهيم عبدالمعطي

iabdelmoaty@gmail.com

  




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !