التعـديل في الجهاز السياسي للدولة أصبح ضرورة
في كل الدول وعلى مر الزمان؛ تلجأ الأنظمة السياسية على مختلف أشكالها ومسمياتها إلى إجراء تعديلات للوجوه في كوادر أجهزتها . وقد يصل التعديل أحيانا إلى مناصب وزارية أو تغيير وزاري شامل كلما إستدعت الحاجة ودعت الضرورة ، وفرضت الأحداث والمستجدات نفسها .... وبما يتماشى مع الأهداف الإستراتيجية والخطط التكتيكية المعلنة ..... هكذا يجري الحال للإصلاح أو لتحقق الحكومات رؤيتها وتفرض سياساتها للمرحلة الآنية بوجه خاص ....
ولكن الذي نلاحظه في حكومة المؤتمر الوطني أنها لايجري فيها تعديل أو تغيير وزاري بالمرونة المطلوبة . التعديلات الوزارية وفي كوادر الجهاز السياسي ليست عيباً ولا مسبّـة أو مؤشر ضعف ... ولكن يفترض أنها ضرورية لتلبية متطلبات كل مرحلة . وبوجه خاص "هنا" مرحلة ما بعد أم روابة وأب كرشولا ..
مواطن مدني أعزل ذبحة المتمردون من قوات الحركة الثورية في أب كرشولا ..... ما هو المعنى والهدف"
لقد أفصحت أم روابة وأب كرشولا عن كثير من الثغرات ونقاط الضعف والدروشـة وعدم المواكبة .. وأثبتت أن هناك إسترخاء ولا مبالاة وحالة إطمئنان زائفة في غير محلها ... وبرهنت أن عوامل عدم الإستقرار القادم لن تكون مظاهرات طلبة وحرق لساتك ، وإحتجاجات سلمية بسبب غلاء الأسعار وتردي الخدمات ؛ بقدر ما ستكون موجات من غزوات الدفع الرباعي الجهوي المسلح المدعوم من دولة جنوب السودان وإسرائيل.
حالة التشبث بالمنصب فطرة يدركها الجميع ويفهمها ... وبالطبع لايرغب أحد في قطع الأرزاق ووقف السبّوبات .... ولكن لايعقل أن يُترك البعض في مناصبهم طالما لم تثمر جهودهم فيها . وليسوا على قناعة أو قدرة على النهوض بمتطلبات المرحلة الحالية ... ومن غير الحكمة ترك هؤلاء على كراسيهم طالما أنهم لن يستطيعوا تقديم مفيد بقدر ما سيصبحون المثبط للهمم والمعرقل للتوجهات المعلنة والسياسات المرسومة . وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى وصم نظام الحكم القائم بالتهريج وعدم المصداقية والإفتقار إلى الجدية.
وإذا لم يكن إحالة للمعاش وإقالة ؛ فليكن نوع من التبديل وتغيير المواقع بحيث يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ... ويبقى بعد ذلك القول أنه قد آن الأوان لقطع الطريق على أحلام زلوط الداخل . وإيقاظ بعض "عُطَلاءَ الدولة" مدمني المفاوضات والحل السلمي من الإستغراق في أحلام اليقظة ؛ التي نراها ممتدة على ذات الوتيرة من الفشل منذ تاريخ ابوجا الأولى وحتى صباح اليوم ..
لانتوقع إنسانا يستطيع السير بالإتجاهين في ذات التوقيت ... ولانظن أن يكون الإنسان بهلوانًاً وقادراً على تغيير جلده ما بين عشية وضحاها ... أو أن يلبس لكل حالة لبوسها بهذه الآلية المبسطة ..... كل إناءٍ بما فيه ينضح ... والطبع يغلب التطبع ... والعرجاء لمراحها .. نحن نعيش زمان التخصص ..... ولم يجعل الله لرجل من قلبين في جوفه ..... ومن ثم فلدى أهل التفاوض والحل السلمي تركيبتهم النفسية والذهنية ، ورؤاهم التي لن يستطيعوا التخلي عنها . أو كما يقول المثل "يموت الزمار وأصبعه يلعب" .. ثمّ ولأهل الصلابة والقوة والفروسية واليد الحديدية صولتهم وجولتهم التي ينبغي تقديمهم لها وإبرازهم في ساحاتها ؛ طالما إتخذت القيادة العليا خيارها مؤخراً بمجابهة القوة بالقوة ؛ والغدر بالحسم .. وحيث لايفل الحديد إلا الحديد.
متحرك من الجيش السوداني في الطريق لتطهير أب كرشولا من اامرتزقة
إذن وبعد أحداث أم روابة وتطهير أب كرشولا .. وبعد أن توصلت الحكومة إلى قناعة بمدى خطورة المؤامرات التي تحاك ضد وحدة البلاد . وأن ضرب أم روابة وإحتلال أب كرشولا قد كان بإيواء وغطاء ، وتحريض وتشجيع ودعم لوجستي ومالي ، وتدريب ورعاية كاملة من دولة جنوب السودان .. وأن جوبا لم يعد لها خيار الآن سوى المضي إلى نهاية الشوط في علاقتها بالجبهة الثورية والحركة الشعبية قطاع الشمال لتحقيق هدفها من قلب نظام الحكم في الخرطوم بالقوة المسلحة . وتغيير التركيبة السياسية والإجتماعية رأساً على عقب ، بما في ذلك حل الجيش السوداني وإشاعة الرعب والخوف وسط السكان المدنيين وتصفية حسابات على أساس إثني قبلي ... إلى غير ذلك من مخططات عنصرية دموية المنهج ؛ أصبحت معلومة التفاصيل لدى كافة أبناء السودان بعد مذابح وإغتصابات أب كرشولا ونهب أم روّابة ..... الآن لم يعد لدى حكومة الخرطوم من خيار سوى المضي هي الأخرى حتى نهاية الشوط نحو التشدد وصلابة المواقف .. ومن منطق أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في الإتجاه والقوة ..
قطعاً إستفاد النظام الحاكم بشكل أو بآخر من آثار الإعتداء على أم روابة واحتلال أب كرشولا ... ويتلخص ذلك في عودة الشعب للإتحاد خلف قواته المسلحة والمسيرة في تيار واحد رافض لأطروحات ومقررات تحالف كاودا وتبعات إعتداءتها العسكرية الموجهة ضد أمـن المواطنين المدنيين. وتدمير ممتلكاتهم ومكتسباتهم من مشاريع التنمية والخدمات الأساسية . وهو ما يمنح النظام الحاكم ورقة موقعة من الشعب على بياض ليتخذ ما يشاء من ردود الأفعال والمبادرات على حدٍ سواء.
السيف أصدق انباءاً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
صلابة الموقف الذي تقتضيه هذه المرحلة التاريخية المصيرية من تاريخ البلاد ومسيرة الشعب السوداني ، تقتضي أول ما تقتضي أن يقف على رأسها ويتقدمها أهل الحسم وأولي العزم من الرجال والنساء .. وأن يتم إبعاد كل خوّار جبان تخيفه بندقية الأعداء وترهبه خناجرهم ، ويدفعه أزيز الرصاص إلى التبوّل والإسهال في ساقيه.
نتوقع إذن تعديل وزاري ينفي شبهة الخنوع ويبعد كل متردد عن مراكز إتخاذ االقرار والإستشارة ؛ وأن يلبي هذا التعديل مطلب الشارع السوداني الآني ؛ الذي تؤكد كل الإستطلاعات أنه يرغب في موقف حاسم تجاه جوبا . وأن تترك المفاوضات جانباً . وأنه يقف إلى جانب قرار الحسم العسكري النهائي للتمرد والمرتزقة والعملاء قبل نهاية هذا العام وبما يحول دون تفتت البلاد.
كسر شوكة التمرد ضرورة أمنية قصوى .. وضرب إقتصاد دولة جنوب السودان في مقتل يظل هدف إستراتيجي حتى وإن كان غير معلن .... فطالما ظل الجنوب فقيراً فإنه لن يستطيع دعم غيره من المتمردين في السودان ... وحيث لامصدر لمداخيل هذه الدولة الكسولة الموغلة في التخلف والظلام الدامس سوى من هذه ألـ 300 ألف برميل التي يصدرونها عبر بورتسودان .. وحيث لاتملك دولة جنوب السودان من طعام لشعبها سوى ذلك الذي يذهب به إليها الجلابة من السودان .... هؤلاء الجلابة الذين يقفون بقوة خلف المصفوفة . والذين هم على إستعداد لبيع أمهاتهم في سبيل جني الأرباح ورفع أرصدتهم النقدية وإقتناء المزيد من الممتلكات العينية..
إذن المطلوب الآن سياسة مكشوفة تخنق إقتصاد دولة جنوب السودان حتى يسيل الزبد من فمها وترتجف مفاصلها ، وتضرب مصادرها المالية في مقتل حتى نهاية المطاف... فإما أن نكون بعد اليوم أو لانكون طالما أنهم يستهدفوننا ... العين ُ بالعين والسنّ بالسن والبادي أظلم. وعلى جوبا تدور الدوائر.
إن إتفاق المصفوفة التي يتباكى عليها البعض من الجبناء والجـلابة المنتفعين لم يستفيد منه عامة الشعب شيئاً .. ولم يؤدي سوى لغلاء أسعار السلع الضرورية والتموينية التي بدأ التجار (الجلابة) تجفيف أسواقنا منها ، وتصديرها للجنوب طمعاً في الأرباح الخرافية .. وهم الذين يقفون الآن في جانب رفد وتحريض البعض للتباكي على قرار الخرطوم بإغلاق أنبوب النفط .. هذا النفط الجنوبي الشؤم الذي دخل علينا دخول إبليس على آدم وحواء في الجنة.
النفـــط .... جاء شــؤمــاً علينـــا ..... وهكذا تأتي الثروات في أفريقيا السوداء المظلمة على عكس ما يتمنى الناس ويرجون
إن الذين يدفعون بأن إغلاق أنبوب تصدير النفط قبل فترة في مواجهة دولة جنوب السودان لم يثنيها عن مد يد الدعم والمساندة لحركات التمرد السودانية .. على هؤلاء أن لايكونوا على هذه الدرجة والنحو من قصر البال والنظر ..... فالزمن ومرور السنوات كفيلان بأن يأتي مثل هذا القرار أكله . ويفلح في تركيع وتكسيح الجنوبي حتى الزحف على البطون. ثم أن إغلاق الأنبوب في وقت سابق لم يكن لأسباب تتعلق بأمن السودان الحيوي الإستراتيجي وحياة شعبه ؛ بقدر ما كان خلافاً على رسوم العبور .... أما الإغلاق اليوم فهو مرتبط بالأمن .. وحيث لاتوجد مساحة بعد أمن البلاد ووحدتها يمكن الوقوف فيها والتفاوض والبيع والشراء والمساومة بشأنها.
بل ويظل القرار ضروريا بإبعاد الذين لاتطيب أنفسهم إلا مع الإستسلام والخنوع ، والجنوح إلى التردد وخيار التفاوض مع الجنوبي المتربص الحاقد . أو السوداني الجهوي المتمرد العميل والمرتزق على حساب مقدرات الشعب وحضارته .
لايفهم الشعب الحكمة من إصرار أصحاب العراريق المعصفرة والسراويل المكبرتة من جوقة مدمني التفاوض والحل السلمي على فتح النوافذ على البحري ، وإبقاء الأبواب مشرعة في وجه المرتزق وممتهن النهب المسلح الذي لايعرف غير الذبح والإغتصاب . ومن أصبح التمرد بالنسبة إليه مهنة ...... ويكفي أن معظم من تم أسرهم في أب كرشولا كانوا مرتزقة مساديد لايعرفون أسباب هجومهم على أم روابة ؛ ولماذا إحتلوا أب كرشولا . وضد من وفي مواجهة مَنْ جاءوا يقاتلون؟
غريب أن يظل البعض في الخرطوم ، وبعد كل ما جرى وتكشّف للشعب في أم روابة وأب كرشولا : يظل يناشد الناس التفاوض مع من لايفهم التفاوض ولا يعيه. ولايملك المؤسسات التي تؤهله أصلاً لوضع ما يتفق عليه موضع التنفيذ . كما لايمتلك الآلية للسيطرة على قياداته المتفلتة في جوبا وأبيي.
ثم وأن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ؛ على أي بنود يرغب هؤلاء في التفاوض؟
إذا كان تحالف كاودا قد أقر في آخر إجتماع له أن الهدف هو إسقاط النظام في الخرطوم . ووضع وثيقة السودان الجديد قيد التنفيذ .. فعلى ماذا يفاوضهم حزب المؤتمر الوطني الحاكم؟ ..... حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي تؤكد أمانته أنها جاءت للحكم تعبيراً عن رغبة الشعب .... فهل يعقل أن الشعب السوداني قد جاء (كما يقولون) بحزب المؤتمر الوطني كي يقوم بتسليم السلطة لتحالف كاودا الجهوي القبلي . ويكرس بنود وثيقة السودان الجديد التي أبسط ما فيها تفتيت السودان لدويلات قبلية ؛ ولمصلحة أن يذهب دينكا نقوك بأبيي على طبق من ذهب وتنام جوبا في العسل؟
إذا كان البعض قد شغل الناس دهراً في الدوحة يفاوض ويتنازل . ثم إتضح فيما بعد أنه كان يفاوض الطرف الخطأ ، ومن ليس بمؤهل أو معنِي بالتفاوض أصلاً .. ثم لم تلبث الأيام أن جاءت حبلى بما أثبت هذا "الغِـش السياسي" .. وحيث لم يجني هذا الطرف الخطأ في المعادلة سوى فقدانه وقيادته لحياتهم في لمح البصر داخل الأراضي السودانية . والتسبب بذلك في حرج بالغ لحكومة الخرطوم وجهاز مخابراتها ... كان ذلك على الصعيد الداخلي.
مؤتمر المانحين في الدوجة .... وعـــــــــد إبلــيـــــــس و مواعــــيد عرقـــــــــــوب ...... وكلام ليل يمحــوه النهــار
ثم ماذا كانت ثمرة إتفاق الدوحة على الصعيد العالمي وما سمي وقتها بمؤتمر المانحين؟ ..... من السخرية بمكان أن هذا المؤتمر لم يحضره كممثلين ومناديب من الدول العربية والأجنبية سوى بعض الأفندية والكتبة وموظفي الإستقبال في سفارات بلادهم بالدوحة .... ؛ ولم يلتزم بالسداد منهم أحد سوى حكومة الخرطوم ودولة قطر بوصفها الراعية للإتفاق.
كان سلام الدوحة فضيحة تعـري striptease بكل المقاييس .. ويبدو أنه قد فات على البعض من مدمني التفاوض الكاذب ؛ أن العالم لم يعد كما كان على أيام جعفر نميري في بحر السبعينات من القرن الماضي . فقد إجتاحت أعاصير ثورة المعلوماتية كل الأمكنة . وكشفت كل التقارير والأضابير ... ولم يعد هناك ما يمكن إخفاؤه أو تغليفه بإدعاءات ود نفّاش ، وقناعات جحا . وأكاذيب الجاك ، والبطولات التلفزيونية الوهمية.
في إنتظـار المــانحين .. موت يا حمار لحدّي ما يجيـلك البرسيـــم
منذ أبوجا الأولى مروراً بنيفاشا ، وأديسات أبابا ، ودوحات دارفور. وحكومة الخرطوم على يد مفاوضيها تفاوض وتحاور وتفاوض ، وتتعرى وتتوسل وتتسـوّل وتتنازل دون جدوى وبلا نتائج مثمرة ... حتى إتفاق نيفاشا أثبت ويثبت كل يوم أنه لم يكن الحل الأسلم ... ولعلنا هنا ننعش ذاكرة البعض بأن السيد محمد عثمان الميرغني قد شهد أنه كاد (عشية إنقلاب عمر البشير) أن يتوصل مع جون قرنق (تحت ظل بندقية القوات المسلحة) إلى إتفاق في أسمرا ينهي مشكلة الجنوب وقتها بشروط أفضل بمليار مرّة من نيفاشا التي منحت الجنوبي أكثر مما كان يرجو ويحلم ويتوقع وقتها بمراحل .
والشاهد من حديث السيد الميرغني إذن أن السيف يبقى دائما أصدق انباءاً من الكتب في حدّه الحد بين الجد واللعب .. وحيث لايفهم هذا الجنوبي المتخلف سوى لهجة القوة ولغة السلاح . ولاسمع إلا هدير المدافع وطلقات الرصاص ..... وعلى ذات النهج يظل المرتزقة والعملاء والعواطلية في كاودا.
الطرطــور سيلفاكيــر ... لايعرف الحديث إلا والعلم الأمريكي خلفه
غريب أن يأتي البعض الخانع المتراجف يتذلل ويتباكى لأجل حفنة دولارات . ويتشهّق ويتجرّس ويتعرّى ويتشحتف ؛ يتوسل عدم إغلاق الأنبوب الناقل لنفط دولة جنوب السودان ؛ على الرغم من أن رئيس هذه الدولة " الطرطور سيلفاكير" نفسه قد إعترف وهو يزهو من الفخــر قائلا: أنه لايملك من الأمر شيئاً حيال موقف المتشددين من قيادات حكومته بعدم التخلى عن دعم كاودا بكل أذرعتها ، توطئة لوضع مشروع السودان الجديد موضع التنفيذ والخروج من ذلك بالحريات الأربع وكامل أبيي.
عن أي مشروع سودان جديد يتحدث هؤلاء الأجانب في دولة جنوب السودان ؟؟ السودان الذي إنفصلوا عنه بكامل إرادتهم (وإنشاء الله في ستين) .... ولم يعودوا مواطنين فيه ، ولا يحق لهم بالتالي التدخل في شئونه أو تحديد مستقبله . خاصة وأن المجتمع السوداني يتباين ويختلف عنهم في تركيبته الإثنيه وعقيدته الإسلامية الغالبة ، وكذا تاريخه وحضارته الإنسانية عن الشعب الجنوبي الغارق في ظلام التخلف والجهل ويكاد يماثل إنسان العصر الحجري.
التعليقات (0)