كمثل موسى حين ضرب بعصاه البحر فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ..
ضربت التعديلات الدستورية باستفتائها قلب مصر.. فانفلقت إلى فريقين ..
كل فريق منهما للفريق الآخر خصيم مبين .. !!
وقد وقفت نبضات مصر ..وتوقفت أنفاسها بين الفريقين .. تتحسس الطريق إلى السلامة والنجاة في ظل هذا الخضم الهائل من التضارب والاختلاف والارتجال ووسط تلك الغيمة الضبابية .. والغيبة الاستقرارية التي تعيشها هذه الأيام ..
وكانت البداية مع صيحة (الشعب يريد اسقاط النظام ) وهي صيحة تمثل النفخ في بوق المعجزة والتي ما إن بدأت تتحقق بوادرها حتى انتقلت إلى التفرد والتخصيص والعنادية فصارت ( الشعب يريد إسقاط الرئيس) ..
وبالفعل تنحى الرئيس أو تم إسقاطه أو خلعه لا فرق الآن في التوصيف .. وباسقاط الرئيس .. وإسقاط النظام .. تبع ذلك حتماً أو حتفاً .. سقوط الدستور ..والمجالس النيابية .. وسقوط مصر في يد الحكم العسكري .. وعلى بعد خطوة منه درك أو هاوية الفراغ الدستوري والتشريعي الذي خشينا وحذرنا منه ..وقبلنا على مضض بقاء مبارك في السلطة بضعة أشهر لتفادي هذه النتيجة المروعة ..
ولنبقى الآن في الواقع .. والواقع أن الحكم العسكري كان أكثر وطنية وإخلاصاً لمصر بآلاف المرات من توقعات الجميع .. فقد استبان زهد قادة الجيش في الاستئثار أو الاستيلاء على حكم مصر . وتلاشى طمعهم في البقاء على رأس السلطة ..وبدا تطلعهم بأقصى جهدهم إلى تسليم السلطة للحكم المدني والحرص على العودة إلى الثكنات اليوم قبل الغد ..
ومن ثم فقد عبر المجلس العسكري وطائفة الفقهاء الدستوريين فوق نظرية السقوط الحتمي للدستور بسقوط الرئيس ..وجنحوا نحو إجراء (تعديلات دستورية) هي أقرب لعملية جراحية لتوسعة القنوات (المرارية) أو بالأدق "المرورية" المسئولة عن شروط الترشح لرئاسة مصر ومجالسها النيابية التشريعية بما يسمح بوصول رئيس مدني من الشعب إلى السلطة تمهيداً لإنشاء دستور جديد دائم يتوافق عليه الشعب في ظل استقرار البلد وبعد تسليم السلطة مباشرة .. وعودة الجيش إلى ثكناته.. وعودة الحياة في مصر إلى طبيعيتها ..
ومن هنا كانت السرعة في إجراء وتحديد موعد بعد غد السبت للاستفتاء على تلك التعديلات بالموافقة أو بالرفض ..
ومن عجب ..ومن الغريب ألا يكون اختلاف الناس على (مضمون) التعديلات الدستورية وكنهها .. بل الكارثة كانت في انقسام الناس واختلاف على التعديلات من حيث المبداً ..
الفريق الذي يؤيد التعديلات الدستورية يقيم حجته (باختصار) على أساس أننا لسنا بحاجة للدستور سوى على قدر ومساحة التعديلات في تلك المواد المتعلقة بنظم وشروط انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء المجالس النيابية باعتبارها عاجلة وكافية لنقل السلطة سريعاً من الجيش إلى السلطة المدنية وعودة الجيش إلى ثكناته كما سبق أن قلنا .. وبعد ذلك يتم إنشاء دستور كامل وجديد في خلال ستة أشهر على الأكثر دون بقاء نبض مصر قيد التوقف .. ويكفينا ما تعانيه مصر الآن من نزيف الخسائر وتوقف الإنتاج وهذا الوضع المضطرب والذي يمكن أن ينقلب في إي لحظة إلى فوشى عارمة وربما فتنة أو حرب أهلية نتيجة هذا التشتت .. وهو ما حدا بهم إلى حشد الحشود لتحفيز الناس إلى الخروج للإستفتاء غ ليقولوا نعم للتعديلات ..
أما حجة الرافضين للتعديلات الدستورية فمختصرها أن الدستور بأكمله قد سقط بسقوط النظام .. وأننا يجب أن لا ننتقل إلى ثمة انتخابات رئاسية أو تشريعية إلا بعد أن ننشئ دستوراً جديداً كاملاً نضع فيه كل آمالنا وطموحاتنا .. لأن القبول بالتعديلات الدستورية معناه- في رأيهم- بقاء غالبية مواد الدستور "الساقط " سارية وهو ما لا نقبله ولن نقبله (أقصد الرافضين ) .. وهذا ما حدا بهم إلى الإعلان عن (مظاهرة مليونية) غداً الجمعة بميدان التحرير بعنوان (مليونية "لا" للتعديلات الدستورية) ..
ولكن الأجمل والأروع والأظرف والأطرف من هذا كله حينما نتعرف (معاً ) على تشكيلة كل من الفريقين المؤيد أو المعارض ..
ففريق المؤيدين للتعديلات الدستورية يضم أولاً الجيش وقياداته ممثلاً في المجلس العسكري الحاكم طبعاً ..وثانيا : غالبية الهيئات القضائية والتي طلبت من القضاة شرح مضمون التعديلات في المحاكم .. وثالثا : بعض الرموز الإعلامية الثقيلة أمثال الدكتور محمد سليم العوا والدكتور يحيى الجمل والمستشار الخضيري .. رابعاً : حكومة عصام شرف .. رابعاً .. وخامساً .. وهذان هما الأهم .. جماعة الأخوان المسلمون والحزب الوطني الحاكم "سابقا" .. وهنا مربط الطرافة . أن يجتمع الضدان والمتناقضان على رأي واحد وفي أسرع إجراء بعد الثورة .. وهنا نتمثل بقول عمنا مجنون ليلى ( وقد يجمع الله الشتيتين بعدما .. يظنان كل الظن أن لا تلاقيا ... !!!
أما فريق المعارضين للتعديلات الدستورية فهو يضم أولاً : محمد البرادعي .. ثانيا: عمرو موسى "مرشحا الرئاسة" .. ثالثاً : المخرج خالد يوسف ..رابعاً : غالبية المسيحيين .. خامساً : بعض الحقوقيين .. سادسا: الفنانين والممثلين .. سابعاً: وبالطبع الكثير من شباب ميدان التحرير الذين سينظمون مليونية (لا) غداً ..
ومفاجأة المفاجآت..
أن الذي.. أو أن التي تدعم فريق معارضي التعديلات بل وتقودهم بل وتسوسهم هي (ماما) أمريكا .. نعم يا بركة .. أمريكا أعلنت رفضها للتعديلات الدستورية ..
آه والله .. بل ربطت بين قطع المعونة .. وبين الموافقة على التعديلات الدستورية ..
لذلك لا غرو ..ولا ملامة ....ولا عذل .. ولا عتب على من يتهم الموافق على التعديلات الدستورية بالخيانة ..
وكذلك أيضاً لا غرو ..ولا ملامة ..ولاعذل .. ولا عتب على من يتهم الرافض للتعديلات الدستورية بالعمالة ..
واحد يسأل .. وإيه علاقة (أم ) أمريكا بمداولات شعب مصر ونقاشاته حول تعديل مواد دستوره وتسيير أموره ؟!!!
واحد تاني يسأل .. أوليست هذه (أمريكا) التي استخدمت سلاح المعونة ضد مبارك إذا لم يستجب لرغبات الشعب في التنحي عن الحكم ..
فلماذا تعود نفس "أم" (أمريكا) لتستخدم الآن سلاح المعونة ضد الجيش المصري والمجلس العسكري المصري الحاكم والحكومة المصرية وجميع فريق المؤيدين للتعديلات الدستورية إذا وافق الشعب على التعديلات الدستورية للخروج من هذا المأزق وجبل الركام الجاثم فوق صدر مصر ؟!!!!
هنا أقول لك الإجابة في المقال الجاي .. يا مواطن يا بَــرَكـــَة ...
التعليقات (0)