أعلن ملك المغرب، محمد السادس، عن تعديلات دستورية عميقة وغير مسبوقة في تاريخ المغرب الحديث، وذلك في الخطاب الذي وجهه إلى الشعب المغربي، في أول خروج إعلامي للملك محمد السادس منذ بدء انفجار الأوضاع فيالمنطقة العربية وانطلاق سلسلة من المظاهرات السلمية في عدد من مدن المملكة المغربية ، شاركت فيها مختلف القوى السياسية والاجتماعية رافعة شعارات مطالبة بمحاربة الفساد وإصلاح الدستور. ولم يفت العاهل المغربي أن ينوه، ضمنيا، بتلك المسيرات السلمية، حيث أعرب عن اعتزازه بما يتحلى به الشعب المغربي"بكل فئاته وجهاته، وأحزابه ونقاباته الجادة، وشبابه الطموح..
وأعلن الملك المغربي عن انطلاق توافق تاريخي يشكل ميثاقا جديدا بين العرش والشعب، وأكد على الثوابت الكبرى التي تجمع الأمة المغربية، ممثلة في الإسلام كدين للدولة، الضامنة لحرية ممارسة الشعائر الدينية، وإمارة المؤمنين، والنظام الملكي، والوحدة الوطنية والترابية، والخيار الديمقراطي للبرلمان ورئيس الحكومة، معلناً عن تشكيل لجنة لاقتراح هذهالتعديلات ، وحدد لهذه اللجنة حزيران المقبل من أجل تقديم توصياتها. كما أشاد الملك بتقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية، التي كان قد كلفها في شهر يناير من العام الماضي بإعداد تصور عام لنموذج مغربي للجهوية المتقدمة كإطار لحل نزاع الصحراء وتمتيع مختلف جهات المغرب بالاستقلالية في تدبير شؤونها الداخلية، داعياً جميع أفراد الشعب المغربي للمشاركة والانخراط في النقاش العام لإنضاج ما جاء في تقرير اللجنة، كما أعلن عن تضمين البعد الجهوي في الدستوروطلب العاهل المغربي من اللجنة التشاور معالمنظمات الحزبية والنقابية, ومع الفعاليات الشبابية, ومنظمات المجتمع المدني.
إن الملك محمد السادس بقراره تعديل الدستور يكون قد سبق بعض الأحزاب الرئيسية فيالبلاد والتي كانت تريد تقديم مذكرة حول الاصلاح الدستوري، كما أنه يلبي مطالب شرائح منالشباب باتوا يعرفون في المغرب باسم « شباب 20 فبراير» حيث طالبوا خلال مظاهراتهمبتعديل الدستور.
· برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة «يتبوأ فيه مجلس النواب مكانةالصدارة» وإن التعديل سيمنح البرلماناختصاصات جديدة للنهوض بعمله التشريعي.
· حكومة منتخبة إن التعديلات الدستورية المرتقبة في سترتكز على الأسس التالية:
· منبثقة عن الإرادةالشعبية يتم التعبير عنها من خلال صناديق الاقتراع وتحظى بثقة أغلبية أعضاء مجلسالنواب.
· تعيين الوزير الأول (رئيس الوزراء) من الحزب السياسي الذي يحصل علىالمرتبة الاولى في انتخابات مجلس النواب وعلى أساس نتائجها.
· تقوية وتعزيزالوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومةوالإدارات الحكومية وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي.
· التكريس الدستوري للطابعالتعددي للهوية المغربية الموحدة وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميعالمغاربة, دون استثناء.
· ترسيخ دولة الحق والمؤسسات, وتوسيع مجال الحرياتالفردية والجماعية, وضمان ممارستها, وتعزيز منظومة حقوق الإنسان, بكل أبعادها, السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية, والثقافية والبيئية.
· الارتقاءبالقضاء الى سلطة مستقلة, وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري..
· توطيد مبدأ فصلالسلطات وتوازنها, وتعميق ديمقراطية وتحديث المؤسسات، مع منح اجتماع الحكومة برئاسةرئيس الوزراء صلاحيات دستورية.
· تقوية دور الأحزاب السياسية, في نطاق تعدديةحقيقية وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية والمجتمع المدني.
· تقوية آليات تخليقالحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية الحكومية بالمراقبة والمحاسبة.
· التنصيص في الدستور على هيئات حقوق الإنسان وحماية الحريات. وشدد العاهل المغربي فيقراراته التي يمكن اعتبارها بمثابة « ثورة دستورية» على إن الدستور الجديد، يجبكذلك أن ينص على الجهوية الموسعة ( لامركزية موسعة) في نطاق وحدة الدولة مشيراً الىرؤساء المجالس الجهوية (منتخبون) يجب أن تكون لهم سلطة تنفيذ مقررات الجهة بدلاً منالعمال والولاة (المحافظون)، كما دعا إعادة النظر في تركيبة وصلاحيات مجلسالمستشارين وركز العاهل المغربي على تعزيز مشاركة المرأة في إدارةالجهات.
إن خطاب الملك محمد السادس وما تضمنه منإصلاحات سياسية ودستورية هامة، كان إيجابيا وجاء متجاوبا مع تطلعات الشعب المغربيومطالب الفعاليات السياسية ومنظمات المجتمع المدني في المغرب، بما فيها (حركة 20فبراير) إن خطاب الملك محمد السادس يمثل امتداد واستمرار للمراحل التيشهدها الحوار بين المؤسسة الملكية والأحزاب الوطنية، وخاصة في عهد جلالة الملكالراحل الحسن الثاني والذي انتهى إلى ما عرف في فترة التسعينات بالانتقالالديمقراطي التوافقي.
ان الشعب المغربيرحب بما جاء به الخطاب الملكي ،وينتظر أن يتبلور ما تضمنه هذا الخطاب منإصلاحات في نصوص تطبيقية ، تتولاها اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعةالدستور.
و أن اللجنة التي تضم خبراء قانونيينستستمع إلى مواقف وتصورات مختلف الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني لتقدم نتائجعملها إلى جلالة الملك في يونيو القادم، قبل أن يعرض مشروع الدستور الجديد علىالاستفتاء الشعبي، مشيرا في هذا السياق إلى أهمية التحالف القائم بين الشعب والعرشمنذ فترة الكفاح الوطني ضد الاستعمار .
وبالنسبة ل "الركود" الذي اتسم بهالمشهد السياسي المغربي، قبل سنوات، وتجلى بصفة خاصة من خلال المشاركة الضعيفة في انتخابات 2007، التي قاطعها نحو 63 في من المائة من الناخبين،وهو ما أصاب الطبقة السياسية المغربية بكل توجهاتها بنوع من الصدمة، وتم تفسير ذلكبكون العمل السياسي لم يعد يلبي تطلعات وطموحات الجماهير.
و في سياق ذلك "الاحتقان"، بدأتتظهر بوادر (حركة 20 فبراير) التي وجدت في الانترنت والشبكات الاجتماعية فضاءمناسبا للتعبير عن مطالبها، حيث رفعت شعارات من قبيل، "الشعب يريد الإصلاح، والشعبيريد دستورا ديمقراطيا "
ومن هنا فإن خطاب الملك قد حمل جملة من الإصلاحات، التي جاءت متجاوبة مع تطلعاتالشباب.
إن الخطاب الملكي يعتبر نقلة نوعية ، لعدةاعتبارات منها أن هذا الخطاب شكل لحظة قوية ومؤسسة لما سيعيشه المغرب مستقبلا ،فضلا عن كونه ميثاقا جديدا بين الملك والشعب ، ولكون التعديلات المقترحة في الدستورتهم عدة مجالات ، عكس التعديلات السابقة والتي كانت بالأساس جزئية .
لقد برهن الملك على أن المغربقادر على تقديم أجوبة خلاقة خاصة به ، خارج إطار أي استيراد لتجارب الآخرين .
ونستطيع القول أن النظام السياسي المغربي، يتميز عن غيره من الأنظمة العربية:
أولا :بكون المؤسسة الملكية تبادر دائما إلى الإصلاحات من تلقاء نفسها ولا "تشتغل تحتالضغط ".
و الدليل على ذلك يتمثل في العديد منالمحاولات التي بادر جلالة الملك محمد السادس إلى القيام بها خلال العشريةالأخيرة، والتي ساهمت في وضع أسس الديمقراطية، مبرزا في هذا السياق أن الخاصيةالثانية التي يتميز بها النظام الملكي في المغرب،
ثانياً :كون النظام السياسي المغربي "لا يعاني من مسألة الشرعيةالسياسية في أوساط الشعب والنخب السياسية".
التعليقات (0)