إعادة تنظيم الدوائر الانتخابية في عدد من الضواحي الـ 54 المحيطة ببروكسل العاصمة البلجيكية تتحول إلى صراع لغوي مرير ومعقد وغير مفهوم للكثير من البلجيكيين، وذلك أن هذا الصراع قد نشب بفعل تقوية عناصر التعدد اللغوي بين الفلامانيين والفرنكفونين الناطقين باللغة الفرنسية، حيث تولد عن تعزيز عناصر التعدد اللغوي إلى صراعات عنصرية تحترق بنارها أعضاء الاتحاد الأوربي.
ومعلوم أن الدول الأوربية ظلت على الدوام تشجع على التعدد اللغوي في الدول العربية وخاصة المغاربية، حيث تحتضن فرنسا الأكاديمية البربرية وتتبرع بأعطيات سخية لدعم الأمازيغية، وتحريض عدد من المواطنين لمنازعة اللغة العربية في المغرب العربي.
والحق أن فرنسا وهي تدعم التعدد اللغوي في عدد من الدول لدعم لغتها بهذه البلدان، سبق لها أن اعتبرت مشروع قانون يقر 6 لغات إلى جانب الفرنسية محاولة لبلقنة فرنسا.
ويعاني البلجيكيون من مشاكل سياسية عميقة وعويصة اليوم تهدد وحدة البلد بسبب التعدد اللغوي، الذي تحول إلى صراع بين الناطقين باللغة الفلامانية واللغة الفرنسية، وقالت معلمة مدرسة بلجيكية، "أن الأزمة هي "قصة قديمة بين بين الفلامنكيين والوالونيين، مع أنها ليست بين الناس العاديين بل بين السياسيين".
وكان حزب الليبراليين الفلامنكيين (Open VLD) قد هدد بإسقاط الحكومة بعد انهيار المحادثات منتصف الليلة الماضية.
ويتركز الخلاف حول منطقة متنازع عليها تعرف باسم بروكسل، هالي، فيلفورد (BHV)، التي توسعت في الماضي بعد أن رسمت حدود بلجيكا على طول الخطوط التي تفرق بين المجتمعات المتحدثة بالهولندية (الفلامنكيين) وتلك المتحدثة بالفرنسية (الوالونيين) عام 1963. يذكر أن هذه القضية برزت على السطح مرات عديدة في السنوات الثلاث الماضية عندما اختلف السياسيون حول إصلاحات في اقتسام المنطقة بين القوائم الانتخابية الفلامنكية أو الوالونية.
لكن المسألة باتت بمثابة حجة لبعض السياسيين المحليين لتعزيز فكرة الفصل العنصري الواقع في بعض البلديات. فبعض البلديات المتحدثة بالفرنسية مُنعت مؤخرا من شراء العقارات في المدن الفلامنكية في الفصل الأخير من المسرحية القومية البلجيكية.
"سوف أحارب حتى النهاية" بهذه العبارة تتوعد أليكسيا فليبارت دي فوي Alexia Philippart de Foy والتي قوبل عرضها لشراء منزل في منطقة فلامنكية بالرفض من قبل السلطات الفلمنكية. "لا يعقل أن يمنع مواطن بلجيكي من شراء منزل في موطنه".
بدأ الصراع يتغلغل تدريجيا في قرية خويك الخلابة والهادئة، والتي تقع جنوب العاصمة بروكسيل الثنائية اللغة. السكان الناطقين باللغة الفلمنكية يتحدثون عن غزوة الناطقين بالفرنسية لقريتهم ويتوجب إيقاف هذه الغزوة. "نريد الحفاظ على الطابع الفلمنكي لبلدتنا" كما يقول ميشال دومست عمدة خويك.
يعتمد دومست على مساعدة سكان البلدة البالغ 11 ألف نسمة والذين يشعرون بالامتعاض من تدفق الناطقين بالفرنسية. أوضح رجل متقدم في السن أن الفلامنكيين يشعرون بالضغط عليهم، الأشخاص الذين يأتون من بروكسيل للسكن هنا لا يرغبون بالتكييف مع عاداتنا وتكلم الفلامنكية. وقالت امرأة كانت تقف خارج احد المقاهي وبدا عليها الغضب "لماذا لا يتركوننا وشأننا؟ هذه منطقة فلامنكية ويجب أن تبقى كذلك."
سلم ايف لوترم رئيس وزراء بلجيكا استقالة حكومته، إلى ملك البلاد صبيحة الخميس، وسيتعين انتظار تقدير الملك فيما إذا كان سيقبل هذه الاستقالة. انهيار الحكومة في بروكسل جاء بعد حوالي خمسة أشهر على تأليفها، وجاء انهيارها غداة سحب الحزب الفلمنكي الحر تأييده للائتلاف الحاكم الذي يضم 5 أحزاب.
"أنها أزمة سخيفة، يدفعها الغرور وصراع السلطة، ونحن البلجيكيون لا نفهم القضية". هذا ما يراه إيتيني ديسي Etienne Decie والذي يعمل كمحام في بروكسل.
وأخذ عمدة دومست زمام الأمر بيديه، وفرض آليته الخاصة لردع المتحدثين الفرنسيين من الدخول. "لدينا نظام تحفيزي يعطي الأسبقية للناس الذين لديهم صلة واضحة بهذه المجموعة. نعم هذا يعني الفلاميين." وحتى السكان الذين يعرضون مساكنهم للبيع يتم تشجيعهم لبيعها لمشترين من أصول فلامية.
في أحد الشوارع في "رودس سانت غينيس" تأخذ الإجراءات الردعية شكلا رسميا أكثر حيث ابتدعت السلطات سياسة سمتها "السكن داخل المنطقة" وهي سياسة تضع شروطا واضحة للمشترين المحتملين. توضح الكسيا فيليبارت دو فوي "يقرر المرسوم أنه لا يمكنك شراء منزل ما لم تكن تعمل أو تسكن في المنطقة لمدة اقلها ست سنوات، أو لك صلة واضحة بها. أنا أعمل في جميع أنحاء بلجيكا ولكنني اسكن هنا منذ سنتين مع شريكي الذي يعمل هو الأخر هنا أيضا، بنتنا تذهب للمدرسة هنا، ولكن كل هذا لا يكفي بحسب الشروط المفروضة".
لقد مل البلجيكيون من المسائل التي تدور في الخفاء للدرجة التي كادت تدفعهم إلى تقسيم البلاد بشكل نهائي بين الستة ملايين فلامنكي والأربعة ملايين والوني، وذلك منذ ثلاث سنوات مضت. يطلقون بشكل ساخر علي بلجيكا اسم (عبثستان)، ويترقبون إن كانت هذه المعضلة ستحل ذات يوم كصدى لهذه الأحاسيس العامة. قال أحد الناطقين بالفرنسية: "معظمنا لا يزال قادرا على التعايش مع الآخر بشكل جيد على المستوى الشخصي. ولكنه لأمر محزن أن تصل الأمور بيننا لهذه الدرجة. فما هي فرص تحقيق وحدة أوربية إذا كنا في بلجيكا لا نستطيع التعايش مع بعضنا؟"
التعليقات (0)