التعامل مع النجاح والفشل
إن قضية النجاح والفشل والربح والخسارة غالباً ما تكون أهم اهتماماتنا , وهي تشمل :
تعريف النجاح والفشل . ما هي أسباب النجاح والفشل ؟ . إذا كان الشخص فاشلا كيف يتغلب على فشله ؟ . ما هي أنواع الفشل والنجاح . متى يكون الشخص ناجحا ومتى يكون فاشلا ؟ . كيف نتعامل مع الفشل وكيف نتعامل مع النجاح .
ما هو النجاح وما هو الفشل ؟ النجاح والفشل هما قضية تختلف من إنسان لأخر , والنجاح والفشل مرتبطتان بتحديد الخطأ والصواب والهدف ألمعتمد أو الدافع والغاية التي يسعى لتحقيقها .
كيف نقوم النجاح والفشل , وطريقة وأسلوب ومنهج التقييم , هل هو عاطفي , أم تقليدي , أم عقائدي , أم فكري منطقي . قياس وحساب وتقييم النجاح والفشل . النجاح والفشل الواقعي والوهمي . تأثير الفشل بعد النجاح أو الخسارة بعد الربح , وتأثير النجاح بعد الفشل أو الربح بعد الخسارة .
إن الشعور بالربح والخسارة أو بالنجاح أو الفشل له عدة أسباب وآليات ، ويمكن أن يتضاعف الشعور بالخسارة أو الشعور بالربح في بعض الحالات ، وكذلك العكس فيمكن أن يتناقص في بعض الحالات الأخرى، وذلك حسب ما يقوم به العقل من تقييم , ويمكننا إيراد الكثير من الأمثلة الواقعية لتوضيح ذلك . فالشعور بالخسارة أو الربح, بالفوز أو الهزيمة, بالظلم أو بالعدل, بالمفيد أو الضار, بالخطأ أو بالصواب هو راجع دوماً لتقييم استجابة أو فعل أو عمل أو مشروع يقوم بها الدماغ القديم والدماغ الحديث , ألأول يهتم بالممتع والمؤلم , والثاني يهتم بشكل أوسع بالمفيد والضار والخطأ والصواب والخير والشر بالإضافة إلى الممتع والمؤلم . ومن هذا المنظور نجد أن كافة التقييمات والأحكام الأخلاقية وغيرها تابعة للعقل - خصائصه وقدراته وذاكرته و معلوماته - والمعالجات التي يقوم بها .
يجب أن يكون تقييم النجاح أو الفشل واضحاً ودقيقاً لكي لا يحدث إحباط أو عدم ثقة بالنفس .
والإنسان عندما يكون ناجحا ينعكس هذا النجاح على شخصيته ونفسيته , وكذلك إذا كان الانسان فاشلا فإن ذلك يؤثر على نفسيته وشخصيته .
إننا مدفوعون لتحقيق الكثير من الدوافع ، كما أنه تنشأ لدينا وبشكل مستمر دوافع جديدة ، ونحن نشعر بالسعادة عند تحقيق دوافعنا ونشعر بالألم والإحباط عند عدم تحقيقها . والقضية الأساسية التي تسبب الفشل والإحباط هي محاولة تحقيق مجموعة دوافع في نفس الوقت مع أن هذا شبه مستحيل ، لأن بعض هذه الدوافع متضارب ومتناقض مع بعضها أي لا يمكن تحقيقها جميعاً في نفس الوقت ، ونحن لا نتبين أو لا نعي أو ندرك ذلك لأنه غير واضح لدينا .
وهناك قضية أخرى يمكن أن تسبب الألم نتيجة حدوث الفشل , وهي اختيار دوافع يصعب تحقيقها أو أن احتمال تحقيقها منخفض نظراً لإمكانياتنا أو ظروفنا , لذلك يكون من المهم تنظيم الدوافع واختيارها بعد دراسة , وتوقيت تحقيقها , لكي نتمكن من خفض نسبة الفشل والإحباط إلى أقل حد ممكن ، بالإضافة إلى الاهتمام بتحقيق أكبر قدر من دوافعنا الأساسية, ولكن كيف نحدد هذه الدوافع الأساسية ؟
أغلب الناس في الوقت الحاضر لا ينتبهون لذلك ، فهم يضعون أو يخلقون كثيراً من الدوافع غير المناسبة لهم ، أوهم يدفعون لتحقيق دوافع لا يستطيعون تحقيقها .
إن رجال الدين الناجحين و المؤمنين الحقيقيين هم مثال على الناس الذين نجحوا في اختيار وتنظيم وتحقيق دوافعهم ، لذلك هم الذين يحصلون على أكبر قدر من السعادة ، نظراً لأنهم يحققون غالباً أكبر قدر من دوافعهم ويتعرضون لفشل وإحباط أقل.
أن الدوافع متنوعة وكثيرة ، ويمكن أن تتضارب مع بعضها لكثرتها وتنوعها, لذلك كان تنظيم تحقيقها ضرورياً جداً، ولتنظيمها لا بد من معرفة المستقبل أو التنبؤ له لكي يتم تحقيق أكبر قدر من هذه الدوافع وبطريقة فعالة . والتحكم بالدوافع والرغبات يحقق الكثير من النجاحات ويقلل من الفشل , وبالتالي السعادة , ويجعل الشقاء والألم أقل . فالأديان والعقائد قامت ببناء ونشر أفكار ومناهج للتعامل مع الواقع تحقيق التوافق بين الدوافع والرغبات مع ما هو متاح وما يمكن تحقيقه .
يفرض المجتمع على الأفراد أمور كثيرة فتأثير العلاقات الاجتماعية ودور العقائد والتقاليد الاجتماعية وما يقدمه الأهل والأصدقاء هام وفعال في مساعدة الفرد على تحمل الأوضاع القاسية . فهي تكون إيجابية فتساعد الفرد وتدعمه في تحمل الخسارات والأزمات الكبيرة , وهي أيضاً تفرض علية التنافس والصراع مما يؤدي لتعرضه لضغوط ومعانات كبيرة .
إن تأثير النجاح على الإنسان كبير وهام ، فعندما يفوز إنسان بلعبة أو صراع أو تنافس أو مشروع ، يظن بأنه سيطر على الأوضاع ، وبأنه يستطيع إعادة ذلك بسهولة متى أراد , إنه يكتسب ثقة بنفسه، وإذا تكرر نجاحه تأكدت ثقته بنفسه وازدات , والنجاح يصعد قدرات الإنسان وينميها . ولكن النجاح والفوز الذي يحققه أي إنسان لم يحدث بقدرات وتأثيرات ذلك الإنسان فقط ، لأن كل نجاح أو فوز ناتج عن تفاعل عناصر وظروف كثيرة جداً ، ولكن الإنسان يختصر ويختزل تأثير تلك العناصر والظروف ويبقي تأثيره هو فقط ويعتبر بأنه هو السبب الأساسي في ذلك النجاح ، وهنا يكون التقييم غير دقيق.
إن النجاح من المرة الأولى - أو إصابة الهدف من المرة الأولى - لا يكسب مهارة النجاح في المرات التالية المماثلة ، فإصابة الهدف في المرة الأولى أو المرات القليلة الأولى حدث لأن العوامل والمؤثرات المتحكمة في إصابة الهدف كانت مناسبة ، ولكن المطلوب تحقيق إصابة الهدف في كافة الظروف .
فإذا لم تحدث العوامل والمؤثرات المحتملة لإعاقة إصابة الهدف فكيف لنا أن نحدد آليات التحكم في معالجتها عند حدوثها ، وهذا يعني أنه كلما كثرت العوامل التي تعيق إصابة الهدف واستطعنا معالجتها والتحكم بها كلما اكتسبنا مهارة أكبر في تحقيق إصابة الهدف أو النجاح في المشروع وزادت نسبة احتمال تحقيقه مهما كانت الظروف , فالنجاح بعد الفشل الكثير المتكرر بسبب الأوضاع والظروف إذا تم تحقيقه في النهاية , يكسب مهارات كثيرة تسهل تحقيق النجاحات المماثلة ، بالإضافة إلى معرفة المستلزمات , العناصر والظروف والقوى لتحقيق نجاح معين.
فإذا أراد الإنسان أن يحقق القدرة على التقييم الدقيق لنجاحه في مجال معين يجب أن يلاحظ ويدرس كافة مقومات وعناصر وظروف ذلك النجاح ، ثم يقارنها مع الواقع الموجود بشكل مجرد وموضوعي ودقيق , وهذا يكون صعباً على الكثير من الناس , لأن الواقع يفرض على الإنسان التفاؤل والثقة بالنفس أو العكس فيفرض عليه الإحباط وعدم الثقة بالنفس ، وبالتالي التحيز وعدم الدقة والواقعية , وهناك الكثير من الأمثلة على الثقة بالنفس المبالغ بها , وتأثير النجاح أو الفشل ، فالمهندس الذي أشرف على حفر قناة السويس - دولي سيبس ,اعتبر نفسه بأنه حقق المعجزة بقدراته الخاصة ، واعتبر بأنه يملك القدرة على حفر قناة بنما ، وقيم الأوضاع لحفر قناة بنما وقدراته المتاحة بطريقة غير موضوعية فارتكز على نجاحه في قناة السويس ، وقد فشل فشلاً ذريعاً عندما حاول فتح تلك القناة , وهناك الكثير من الأمثلة .
وهذه الظاهرة تنطبق على الجماعة كما تنطبق على الأفراد ، فعندما يصدر مجموعة أفراد حكم أو تقييم لنجاح حققوه فإن تأثير الغرور والثقة بالنفس الكاذبة يمكن أن يزداد بتأثير الإيحاء وانتشار التأثيرات الانفعالية بين الجماعة.
وقد أصبحت هذه الظاهرة ( ظاهرة المبالغة في تقييم النجاح ) لدى الشعوب المتقدمة ضعيفة التأثير فالنجاح الذي تحققه هو نجاح مدروس بشكل جيد، ومتنبأ به بموضوعية . بينما المجتمعات المتخلفة ما زالت على حالها فهي تستخدم تقييمات غير دقيقة وغير مناسبة , فتكذب على نفسها وتصدق هذا الكذب ، فهي تعطي أو تنسب لنفسها أو للأوضاع خصائص وقوى غير موجودة فعلاً ، وتبني تنبؤاتها على واقع غير موجود فتكون تقييماتها منخفضة الدقة بدرجة كبيرة ، وأغلب هؤلاء يريدون الربح والفوز والنجاح بأية طريقة كانت , فالمهم بالنسبة لهم الشعور بالفوز والنجاح .
كيف نتعامل مع الفشل :
أن الفشل والمعاناة جزء من هذه الحياة وأمر طبيعي وتجارب تمر على كل شخص في هذه الحياة حتى المشاهير والأغنياء والناجحين وأصحاب النفوذ والقوة.
نحن نسعى دوماً لأبعاد الفشل عن حياتنا , الجميع يحاول النجاح.. ولكن الكثير يفشل.. ما تفسير ذلك؟
وغالباً الخوف من الفشل يؤدي إلى الفشل , وكان سبباً لمعظم الناس من عدم تحقيق النجاح في الحياة .
للأسف التعامل مع الفشل لا يدرس في المدارس أو الجامعات.. يجب أن نتعامل مع الفشل على انه جزء طبيعي من الطريق .
التعامل مع الخسارات الكبيرة القاسية كموت أبن أو أم أو شريك أو فقد ثروة كبيرة أو مرض شديد . . .
هذه الخسارات يكون التعامل معها بفاعلية عندما يكون الشخص مؤمن بالله أو بعقيد إيمان قوي وحقيقي , وعن طريق هذا الإيمان و كيفية التعامل مع هذه الأوضاع , يستطيع هذا اشخص التعامل مع هذه الأوضاع القاسية بفاعلية وأفضل الممكن , والذي يسمح بتحمل وتجاوز هذه الخسارات القاسية . وغالباً مرور الزمن يخفف من تأثيراتها ولكن إلى حدود معينة , فمهما حاول الإنسان نسيانها فستظل في ذكرته يتكرر تذكرها , ولكن ألمها يكون غالباً محتمل .
وأهم الأمور التعامل مع الخسارة الحقيقية واستيعابها والسعي لتخفيف تأثيراتها الضارة والسلبية .
هناك مفهوم الروح الرياضية الذي يعتمده غالبية الرياضيين وبعض الأشخاص , فالروح الرياضية يقصد بها التعامل بحكمة وفاعلية مع الخسارة والربح الذي كثيراً ما يتعرض له اللاعب أو الفريق أثناء تنافساته مع الآخرين . وهم يحققون أكبر فاعلية وتكيف مع الفشل أو النجاح .
ومن وأهم تأثيرات الخسارة الضارة والمعيقة هو الندم ولوم الذات المتكرر.
وهذه بعض الملاحظات التي تفيد بالتعامل مع الفشل والخسارة وتخفف من حدوثهم :
1 – حاول تخفيف لوم نفسك أو الندم قدر الإمكان .
2 – حاول تقبل الخسارة بروح رياضية , واتخاذ الإجراءات المناسبة لاستيعاب الخسارة .
3 - ضع الأهداف والمشاريع التي تكون قدراتك الجسمية والفكرية والمادية المتاحة لتحقيقها .
4 – ابتعد عن المشاكل والصراعات غير المجدية التي يفرضها عليك الآخرين ولا تناسبك وتحاشاها قدر الإمكان .
أن تحويل ما يدفع الناس إلى اليأس إلى شيء يدفعهم إلى الأمل هذا نجاح ، وأن النظر إلى الجانب المنير من الفشل الذي ندعوه بالتجربة لنستفيد منها متجاوزين وحذرين من الوقوع في فشل متكرر ، فهذا نجاح أيضاً.
التجربة الفاشلة أمر طبيعي، فهي لا تشكل عائقاً عن الإبداع ، ولكن النجاح في التعامل مع الفشل هو التميز.
إن لكل إنسان نظرة وتقييماً لمعاني الفشل ، وما يعدهُ البعض فشلاً ربما يكون نجاحاً
فلا يشترط في النجاح الوصول إلى المثالية ، بل ربما كان الفشل في ذاته نوعاً من النجاح لما فيه من أثر تربوي . فمجرد تحويل التجربة الفاشلة إلى درس نتعلم منه ونكتسب خبرة ، فهذا يعتبر نوع من نجاح يغفل عنه الكثيرون.
إن مشكلة التعامل مع الآلام الناتجة عن الخسارة أو الفشل من أهم المشاكل بالنسبة لكل منا , فالألم واللذٌة هما المتحكمان والموجهان لأغلب استجاباتنا وأفعالنا . والألم واللذة الجسمية في بداية حياتنا شامل لكافة تعاملاتنا مع الوجود , ثم ينشأ بعد ذلك ونتيجة التعلم والتربية , الألم النفسي أو الفكري الذي يحدث دون مؤثر مباشر على المستقبلات الحسية.
فالتعامل مع الألم واللذة الجسمي يكون بالاستجابة والفعل المناسب في أول الأمر بتحاشي الألم والسعي للذة , و التعلم يحقق التحكم بهما في حدود معينة . أما التحكم بالآلام الجسمية بشكل فعال فهو يتم عن طريق المخدر والعقاقير .
أما الآلام وكذلك اللذّات النفسية فهي تبدأ في التشكل نتيجة الحياة والتربية , فتربط الكثير من الاستجابات المحايدة , باللذة أو الألم , فالتوبيخ والشتيمة والاستهزاء والتحقير , وكذلك الخسارة والهزيمة . . . , تنتج الكثير من الآلام النفسية للذي تعلٌّم معانيها . وكذلك المديح والافتخار, والربح والفوز. تنتج اللذة والسعادة .
إن المنشئ والمتحكم بالآلام واللذات النفسية هو النتوء اللوزي ويساعده المهاد . فهو عندما يقرر نتيجة تقييم مثير ما , أنه ضار , يطلب أيضاً توليد إحساس ألم نفسي مرافق , فهو بذلك يحول الضار إلى مؤلم , مثلما يحول المفيد إلى ممتع , فهو كما يقولون منشئ أحاسيس العواطف والانفعالات .
فالدماغ القديم ومن ضمنه النتوء اللوزي هو الذي يعتمد التقييم وإنتاج النجاح والفشل أو الربح والخسارة وبالتالي الشعور باللذة أو الألم , والممثل بالغرائز والانفعالات الموروثة وما تم تعلمه في بدايات الحياة , غالباً يكون سلبي ومعيق , لأنه برمج في ظروف قديمة مختلفة عن غالبية الظروف والأوضاع الحالية , فهذه البرامج وما تنتجه من استجابات يمكن أن تكون غير فعالة ومعيقة .
كيف نتعامل مع الآلام النفسية
يمكن بالتعلم والتربية بناء الإشراطات والارتباطات المناسبة لتخفيف أو إلغاء تشكل الآلام النفسية .
أما التعامل مع هذه الآلام بعد تكونها , فيكون بتعلم جديد , وذلك بتعديلها بإشراط جديد , وهذا يكون غالباً صعباً , و صعوبته تتناسب مع قوة الإشراط ( التعلم) الذي تم , وكلما طال عمر الإنسان صعب عليه تنفيذ ذلك , لأن بناء إشراطات جديدة يصبح صعباً.
ويمكن اعتبار غالبية العقد الفرويدية هي بمثابة آلام نفسية .
والطريقة المتاحة والسهلة للتعامل مع هذه الآلام هي استعمال باقي خصائص وقدرات الجهاز العصبي , والتي يمكن أن تؤثر على هذه الآلام النفسية , مثل التشتيت , والتداخل , والتعديل العام لها , أو بوضعها في صيغة شاملة لها تعدل تأثيراتها النهائية , فعندما ترافقها أحاسيس أخرى ضعيفة أو قوية يحدث لهل تشتت وضعف وهذا ما يفعله أغلبنا .
أو تناسيها بإبعادها عن ساحة الشعور ما أمكن ذلك , إذا لم نستطع حل أسبابها . ويمكن تعديل هذه الآلام بالتفكير والمعالجات الفكرية المتطورة , ولو أن تأثيرها يكون بطيء وضعيف غالباً .
والمهم جداً هو ما يدخل إلى ساحة الشعور , فهو الذي يعالج ويقيم وينتج الاستجابات والتصرفات , ففي كثير من الأحيان يكون المهم غير مدرك أو غير منتبه إليه أو غير معروف , ثم يظهر وينتبه إليه وتجري معالجته ويحدث تأثيراته , وعندها يحدث الندم ويتضخم الشعور بالخسارة والفشل . وهنا يظهر الدور الهام للتمهل والتروي والتفكير العقلاني المنطقي بالأمور لاعتماد الاستجابات والتصرفات المناسبة والمجدية .
لقد لوحظ وجود علاقة بين التفكير والأحاسيس والانفعالات من جهة , والمزاج من جهة أخرى - وأقصد بالمزاج الوضع الكيميائي والكهربائي للدماغ , فعندما تكون فسيولوجيا الدماغ , وهي تتأثر بحوالي مئة مادة وغالبيتها ينتجه الدماغ أثناء عمله والباقي يصل إليه عن طريق الدم- في وضع معين تؤثر على التفكير والأحاسيس بشكل مختلف عنه فيما لو كانت في وضع أخر .
إن للوضع الفسيولوجي للدماغ علاقة أساسية بآليات المعالجة أو التفكير والتذكر , والاستجابات العصبية والانفعالية , فعمل الدماغ العصبي الكهربائي يتم التحكم به بالمواد الكيميائية والتي يتم إنتاجها أثناء عمله, وكذلك نتيجة تفاعله مع باقي الجسم وخاصةً الغدد الصم.
وبناء على ذلك يمكننا التحكم بتقييماتنا وأحكامنا واستجاباتنا إذا غيرنا انفعالاتنا من الحزن إلى الفرح أو من الإحباط إلى الضحك , أو من الخوف إلى الشجاعة,......الخ .
والإنسان أثناء تطوره استخدم- طبعاً دون وعي منه- هذه الخصائص بشكل كبير, فأخذ يضحك في أو ضاع خاسرة لكي يحول دون إفراز المواد التي تجعل مزاجه سيئاً , لأن الضحك يؤدي إلى جعل المزاج جيداً , فهو- أي المزاج الجيد واللذة والسعادة- كان ينتج بشكل أساسي عند الفوز والنجاح والنصر, فعندما يضحك الإنسان على خسارته أو فشله - شر البلية ما يضحك - كانت استجابة فعالة في التعامل مع الأوضاع السيئة الخاسرة, فإنه بذلك يحول فشله إلى نصر ولو بشكل كاذب لتلافي النتائج المزاجية السيئة الناتجة عن الفشل أو الخسارة , فالنكات تزدهر في الأوضاع السيئة والصعبة لما تحقق من فاعلية في التعامل مع هذه الأوضاع.
فالمزاح والفكاهة والتنكيت لهم تأثير فسيولوجي هام وفعال في رفع طاقات ومعنويات الفرد وزيادة قدرته على امتصاص تأثير الصدمات والتوترات الانفعالية الشديدة, فالمزاح يجعل تهديدات الذات, من قبل الآخرين ضعيفة التأثير, ويمكن التعامل معها بسهولة لأنها لا تحدث انفعالات قوية تستدعي إستنفاراً كبيراً لقدرات الجسم والجهاز العصبي والتي ليس هناك داع لها وتعيق التصرف, ولأن أغلب هذه التهديدات شكلية, وحتى لو كانت هذه التهديدات جدية, فالتعامل معها بروية وهدوء وعدم انفعال زائد وبمعنويات عالية أفضل وأجدى .
إن مراكز التقييم في الدماغ التي توجه وتتحكم بغالبية استجاباتنا وأفعالنا وعواطفنا , والمهم هو كيف نؤثر على هذه المراكز لنحقق أفضل تكيف مع الأوضاع الموجودة ونحقق في نفس الوقت أهدافنا الأساسية في الحياة بفاعلية وكفاءة, ولا نجعل الأمور غير الهامة أو البسيطة تتضخم وتسبب لنا المشاكل التي ليس لها داع .
أن البناء الدرامي للقصص والروايات , وإضرام الانفعالات والعواطف بواسطتهم يعتمد بشكل أساسي آليات وطرق تعاملنا مع النجاح والفشل , والربح والخسارة , بالإضافة إلى التقمص والتعاطف وعواطف الحب والكراهية وباقي الانفعالات .
وكذلك المراهنات والمقامرة تأثيرهم الكبير ناتج عن تعاملهم مع الربح والخسارة والنجاح والفشل بشكل سريع ومؤثر وكبير . وكافة أشكال اللعب والمنافسة تعتمد الربح والخسارة أو النجاح والفشل .
التعليقات (0)