الدعوات الى التظاهر في العراق التي تحفل بها الانترنيت هذه الايام بتاثير النجاحات التي تحققت في تونس ومصر باسقاط النظامين الحاكمين هناك تنطوي على سوء فهم من البعض وسوء نية من البعض الاخر لتوظيف هذه المظاهرات لخدمة اغراض سياسية لجهات تضررت مصالحها في العراق بعد سقوط النظام السابق فتحاول ادراج الوضع العراقي في سياق مقارنات غير دقيقة مع اوضاع الانظمة العربية الاخرى. فالنظام في العراق هو نظام منتخب في انتخابات حرة ديمقراطية شاركت فيها الغالبية الساحقة من الشعب العراقي على اختلاف انتماءاتها العرقية والدينية والسياسية ولم تزل هذه الحكومة قيد التشكل اذ لم تستكمل التشكيلة الحكومية االى الان بالرغم من مرور مايقارب السنة على اجراء الانتخابات نتيجة لمظاهر الاختلاف بين الكتل السياسية بتاثير التعدد والتنوع الاثني والطائفي والارث الاجتماعي وعدم الثقة الذي خلفه العهد الدكتاتوري من خلال ممارساته وحروبه طيلة سنوات حكمه التي نافت على الثلاثين سنة.
وسواء شئنا ام ابينا اتفقنا مع النظام ام لم نتفق لكن يبقى هو محصلة خيارات العراقيين الحرة من خلال صناديق الاقتراع وكل من يعيش في العراق او شهد الانتخابات يشهد بانه لم يكن هناك اي ضغط او اكراه ضد اي مواطن لاختيار ممثليه
اذن السؤال هو اين الخلل؟ ولماذا يتظاهر العراقيون في مختلف انحاء العراق ضد الحكومة التي اختاروها وفق ارادتهم الحرة؟
الخلل في الواقع هو في هذا الاختيار الحر نفسه !
الخلل في الاستعجال في تطبيق النظام الديمقراطي بدون استكمال شروطه الموضوعية التي من اهمها الوعي السياسي والرؤية الواضحة التي تشكل قاعدة للاختيار السليم لممثلي الشعب في الحكومة . ان عدم وضوح اسس الاختيار والخلط بينها وبين الولاءات الدينية والمواضعات العشائرية هو ما اربك المواطن العراقي الذي اهدر حقه الانتخابي في اختيار ممثليه على اساس الكفاءة والخبرة لصالح ميول طائفية وعرقية وهكذا فقد اوصل الى الحكم اشخاص لا يمتلكون المؤهلات اللازمة لقيادة الدولة خاصة في هذا المرحلة التي من المفترض ان تكون سباقا مع الزمن لتعويض الخراب والدمار الذي تعرض له العراق قبل 2003 وبعدها!لقد اعادت بعض مجالس المحافظات اكثر من سبعين في المئة من ميزانيتها التي من المفترض ان تصرف في تطوير البنية التحتية الى ميزانية الدولة وهذا مؤشر واضح على عدم القدرة على التخطيط والتنفيذ الذي هو حاصل الكفاءة والخبرة والقابلية القيادية.
اذن ما العمل ؟ ان يسكت الناس ويرضوا بمصيرهم المحتوم الذي اختطوه لانفسهم بما كسبته ايديهم ام يرفعوا اصواتهم لاصلاح الوضع قبل ان يرتكس الى ما هو اسوا والعياذ بالله!
ان المطلوب تحقيقه كثير لا يمكن التطرق اليه في هذه المقالة المختصرة ولكن بشكل عام يمكن الاشارة الى مسالتين يمكن من الان البدء بهما بدون تاخير، الاولى عاجلة وقصيرة المدى وهي القيام بالتظاهر والاحتجاج على سوء الخدمات المقدمة وعلى الفساد الاداري المستحكم بمفاصل الدولة المختلفة وفضح مختلف الممارسات التي تتنافي مع الحقوق الدستورية للمواطن العراقي من خلال مظاهرات سلمية حضارية لا تسيئ استخدام الحقوق التي منحها الدستور للمواطن كحرية التظاهر والتعبير عن الراي وحرية الاعتقاد والابتعاد عن تسييس هذه المظاهرات او اعطائها صبغة دينية او طائفية اوعرقية وتجنب العنف واثارة القوات الامنية المسؤولة عن حماية الممتلكات العامة والخاصة من خلال استخدام مظاهر التعبير السلمية المتمثلة في اللافتات والشعارات والهوسات والقصائد ومختلف وسائل التعبير الفنية والادبية والاجتماعية.
والمسالة الاخرى التي يتحتم القيام بها دون تاخير هي القيام بحملات توعية ثقافية ذات طابع تنويري موجهة للغالبية من الشعب العراقي بمختلف طوائفه وقومياته بهدف تغيير اتجاهاته الطائفية والعنصرية والعشائرية باتجاه ثقافة المواطنة والمساواة واحترام قناعات الاخر واراءه واعلاء شان الهوية الوطنية باعتبارها الضمان الحقيقي للتعايش السلمي بين ابناء الوطن على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم الدينية والاثنية .ان هذه المهمة الاخيرة هي رسالة حقيقية ينبغي على النخبة المثقفة الاضطلاع بها من خلال خطاب واضح ومفهوم يسخر مختلف ادوات واساليب التعبير السياسية والثقافية والادبية والفنية للوصول الى مختلف مستويات الشعبية وخاصة تلك التي فاتتها فرص التعليم بفعل ظروفها القاسية والتي هي بلا شك غالبيه لايستهان بها قادرة على احداث التغيير متى شاءت!
التعليقات (0)