يعتبر وجود المعارضة السياسية من أهم مظاهر العمل الديمقراطي في الأنظمة الحاكمة اليوم وهي تشكل وجها رقابيا مباشرا على أداء الحكومة ومؤسساتها المختلفة، ولا يخفى أن هذه المعارضة تنبثق من المساحة الجماهيرية التي تقف ورائها وبالتالي هي تكسب الشرعية بشكل يتناسب وحجم تمثيلها للجماهير.
وتعمل معارضات الدول المتقدمة والتي أمضت عقودا طويلة في مسيرة التكامل الديمقراطي وإدارة الدولة وتداولها بشكل سليم وحضاري على أداء الدور الرقابي والتقويمي الساند والداعم لممارسات السلطة التنفيذية والوقوف إلى جانبها بغية الوصول إلى أفضل الأساليب لمواجهة التحديات التي تواجهها سواء كانت داخلية أم خارجية، إلا إننا وللأسف لا نرى مثل هذه الممارسات الحضارية في دول حديثة العهد مع النظام الديمقراطي ومنها بلدنا العراق، إذ يشكل الشعور بالخيبة وعدم الفوز بالانتخابات المنطلق الأساس للكثير من فعاليات الجماعات والأحزاب والمنظمات في مرحلة ما بعد الانتخابات وباسم (المعارضة)، ومحاولة إلصاق كل ما هو مشين وغير منظم وفوضوي بهذا الاسم حتى أضحت كلمة المعارضة اسما مخيفا ومرعبا وغير مستساغ جماهيريا فضلا عن منظومة الحكومة ومن يمثلها.
وفي محاولة للقفز على مشروعية المطالب الجماهيرية واستغلالها حاولت بعض الجهات السياسية الظهور بمظهر المدافع عن تلك المطالب والتي كانت في وقت سابق غائبة عن ساحات العمل البنّاء لتطوير الواقع الذي أفضى سوء حاله إلى بروز الحالة العفوية في إظهار المطالب متمثلة بالمظاهرات والاحتجاجات وفي بعض الأحيان الاعتصامات، ولم تقف (المعارضة) عند هذا الحد حتى سعت للإيحاء بوجود عناصر مشتركة وصور متشابهة بين تظاهرات الجماهير العراقية والجماهير العربية الأخرى والتي استطاعت بكل فخر إسقاط رموز الدكتاتورية في بلدانهم، ناسين أو متناسين أن بلدنا غادر مرحلة إسقاط الحكم منذ سقوط الطاغية الأول في البلاد العربية والإسلامية (صدام)، أن سعي بعض الجهات لتسييس المطالب العفوية والبسيطة للجماهير ما هو إلا تنفيذا لأجندات مغرضة تسعى لإيجاد الفتنة وإبعاد الشارع عن الوصول إلى أهدافه المشروعة وبناء الحياة الحرة الكريمة، كما أنها وبالتأكيد لا تمثل لسان حال الشعب الذي يطالب بالإصلاح لما فسد في دوائر الدولة ومؤسساتها ومحاسبة المقصرين فيها.
لقد نبهت التظاهرات الحكومة إلى جملة من المطالب التي كانت قد غفلت عنها طيلة السنوات الماضية من عمر التجربة الديمقراطية ومنها:-
1- أن الجماهير قد تصبر ولكنها لا تستسلم كما عبر الشهيد الصدر الأول (قدس سره) عن ذلك.
2- أن الجماهير قادرة على التغيير إن أرادت وهي التي تمسك بزمام الشرعية.
3- التظاهرات نبهت الحكومة إلى بعض مواطن الفساد التي كانت غائبة عن الأعين وكذلك إلى بعض الشخصيات التي اتخذت من المنصب غطاء لتمرير مآربها الفاسدة.
4- استطاعت التظاهرات إفشاء ثقافة الإقالة والاستقالة والمحاسبة والمتابعة وهذا ما كان جليا في إجبار محافظ البصرة على الاستقالة ومحافظ بابل وكذلك أمين العاصمة وآخرين في مواقع متقدمة.
5- إظهار الوجه الحضاري في ممارسة إحدى مفردات الديمقراطية وهي التظاهرات السلمية وطرح المطالب بأسلوب شفاف بعيد عن الأساليب المتشنجة والعنيفة.
6- التظاهرات وضعت الحكومة وجها لوجه أمام تحمل مسؤولياتها في حماية أبناء الوطن وهم يطالبون باستحقاقاتهم الوطنية وهذا ما حدث في اغلب التظاهرات حيث قامت القوات الأمنية بحماية المتظاهرين، إلا في بعض الحالات الضيقة والتي عملت بعض الجماعات المغرضة على استفزاز العناصر الأمنية مما دفع بعضها إلى ممارسة حق الدفاع عن النفس وعدم السماح لاستغلال فضاءات الحرية الممنوحة والمكفولة دستوريا.
7- التظاهرات فسحت المجال أمام الحكومة لتجاوز مرحلة المجاملات على حساب مصالح الشعب، والعمل على محاسبة المقصرين والمفسدين.
8- التظاهرات أسست لمرحلة جديدة لظاهرة الترشح لشغل أي منصب حكومي صغيرا كان أم كبيرا فقد أفهمت الكل أن غير الكفء والمتساهل في أداء واجباته تجاه شعبه لا يمكن له أن يكون ممثلا حقيقيا له وعليه أن يرحل ليفسح المجال للمخلصين لتقديم الخدمة.
وهذا ما دفع الحكومة لاتخاذ بعض الإجراءات في طريق الإصلاح السياسي والإداري منها:-
1- الدعوة لتشريع قانون يحدد رئاسة الوزراء بدورتين فقط.
2- العمل على تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث وكذلك النواب والوزراء ومن هم بدرجاتهم والتي كانت تشكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة فضلا عن التمايز الطبقي والمعاشي.
3- العمل على إيجاد لجنة برلمانية تختص بدراسة مطالب المتظاهرين في كافة المحافظات.
4- إطلاق التعيينات في اغلب وزارات الدولة مما يساعد على امتصاص حالة البطالة وتوظيف طاقات الشباب.
5- الدعوة لتشريع قانون يقلل سن التقاعد من 63 سنة إلى 61 سنة مما يتيح المجال للطاقات الشابة في العمل ضمن مؤسسات الدولة.
6- إطلاق المنح والقروض البنكية التي تساعد على إنعاش السوق وحركة العمل وبالتالي رفع المستوى المعيشي للمواطن.
7- دعم مفردات البطاقة التموينية والعمل على تسليمها بشكل كامل للمواطن.
كل هذا يأتي في إطار إشاعة ثقافة المطالبة بالحقوق ضمن الطرق الدستورية والسلمية وجعلها ثقافة جماهيرية وحالة رقابية تساهم في تقويم المسارات.
التعليقات (0)