سبق لى أن كتبت تحت عنوان : - هل أعتذر لأصحاب نظرية المؤامرة ؟ - وذلك إثر موقف الدول الغربية من قيام الشعب المصرى بالثورة على حكم الإخوان المسلمين ووقوف الجيش بجانبه , ذلك لان هذا الموقف كان هزة فكرية لقناعاتى حيث كنت دائما أنعى على ثقافتنا السائدة أنها تعلق كل أسباب فشلنا وتخلفنا على رقبة الغرب وبسبب مؤامراته التى تستهدف عرقلة مسيرتنا والنيل من تراثنا وحضارتنا , ولكن بعد موقف الغرب من تنحية التيار الاسلامى عن السلطة ودفاعه عن بقائه فيها باسم ديموقراطية الصندوق أخذت أراجع موقفى لأن الغرب أول من يعلم أن هذا التيار فى أبجدياته الفكرية يعادى هذه الديموقراطية ويعتبرها كفرا صراحا , كما أن الهدف الخامس من برنامجه أنه بعد أن يؤسلم المنطقة سوف ينطلق بآليات جهاده لأسلمة العالم الكافر , ولما طرحت موقفى المتعجب على بعض الرفاق كان تعليلهم أن الغرب يرى أن التطرف الاسلامى هو المكون الرئيسى لثقافة الشعوب وأنه بدون تمكين الاسلاميين من الحكم ستظل الشعوب فى حالة عدم استقرار وسيتزايد الإرهاب الذى سوف يطال الشعوب الغربية , ولكن حينما يحكم الاسلاميون سوف ينحصر تطرفهم فى أوطانهم وستتلاشى حدة تعصبهم ويأمن العالم شرهم . وهنا أحب أن أرد على هذا المنطق المغلوط فى نقطتين : الاولى هى أكذوبة ان التطرف الاسلامى جزء من مكونات العقلية العربية والإسلامية بالدلائل الآتية -1- أين كان هذا التطرف والشاعر كعب ابن زهير ينشد أمام الرسول قصيدته الشهيرة والتى يقول فيها : يانت سعاد فقلبى اليوم متبول * متيم إثرها لم يًفد مكبول ُ* / وما سعاد غداة البين إذ خطرت * إلا أغن غضيض الطرف مكحول ُ/ هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة * لا يُشتكى قصر منها ولا طولُ . هذا وصف حسى لمحاسن تضاريس جسد المرأة وقد سمعه الرسول ولم يعترض عليه احتراما لفن العرب الرهيف الحس حيث كانوا يبدؤون أغراضهم الشعرية بالغزل , وأنا واثق أن أيا من شيوخنا سيثور لو تحدث أحد أمامه عن امرأة بأنها : عجزاءمدبرة -2- أين كنت ثقافة التطرف حينما قال أبو نواس فى وصف الخمر : دع عنك لومى فإن اللوم إغراءُ * وداونى بالتى كانت هى الداءُ ولم يطالب احد بجلده , -3- وأين كانت هذه الثقافة وقصور الخلفاء فى الدولة العباسية مليئة بالقيان والمغنيات وآلات العزف والطرب -4- وأخيرا أين كانت هذه الثقافة حين كان زى النساء المسلمات من كابول إلى طهران إلى القاهرة لا يختلف عن مثيلاتهن فى أوربا , وحين كتب كاتب مصرى كتابا تحت عنوان - لماذا أنا ملحد ؟ ولم يهدر أحد دمه وإنما رد أحد اشيوخ بكتاب عنوانه : لماذا أنا مؤمن ؟ . أخلص من كل ذلك إلى أن الغرب يريد أن يغسل يديه من المسؤولية الأخلاقية والتاريخية عن تبنى التطرف الإسلامى ورعايته وخلق أسبابه فى المنطقة . وذلك فى الخطوات التالية -1- اقامة دولة فى المنطقة على أساس دينى هى إسرائيل مما استفز المشاعر الدينية عند المسلمين ودفعهم لاستعادة تاريخ الصراع بين الأديان -2- فى الوقت الذى صدر لنا الغرب مخترعاته العلمية إلا أنه لم يصدر لنا الثورة الثقافية بل تبنى أنظمة حكم استبدادية استعانت بالدين لتكتسب شرعيتها لدى شعوبها المقهورة -3- فى حرب الغرب ضد الشيوعية العالمية وضد الاتحاد السوفيتى أخذ يشجع ويمول الحركات الاسلامية على أساس أنها تحارب الشيوعية الملحدة وقد بلغ الأمر ذروته بتجنيد الآلاف من شباب المسلمين وتدريبهم على القتال والزج بهم فى صحارى وكهوف أفغانستان ليحاربوا الشيوعيين الملاحدة . من كل ما حدث تم قيام البنى التحتية لفصائل الإرهاب الإسلامى وتم تكوين كوادره وقياداته وتم غرس وتغذية أفكاره وفتاواه . تلك هى الحقيقة التى تنفى وتبرئ العقل الاسلامى من من كونه يحمل جينات التطرف أو التعصب أو ثقافة العنف , ولكنها ثقافة زرعها الغرب فى بعض عقول شباب المسلمين وقد بدأ يحصد الثمار المريرة لخطيئته وبدلا من أن يعترف بهذا الخطأ ويأخذ بيد الشعوب العربية والإسلامية إلى سلم الحضارة والتقدم إذا به يرتكب نفس الخطأ بل نفس الخطيئة فيما يشبه غيبوبة الفكر والضمير
التعليقات (0)