التطرف الإسرائيلي: الجذور والأسباب
بلال الشوبكي
إنّ ما ميّز إسرائيل عن كثير من الدول هو إتساع دائرة العسكر فيها على حساب المجتمع المدني، فقانون الخدمة العسكرية يجبر الإسرائيلي على العمل لفترات ضمن قوات الجيش، وفي الوقت ذاته فإن عدد العاملين النظاميين في الجيش تعتبر كبيرة نسبة إلى عدد الإسرائيليين. أي أن كل إسرائيلي وجد أو سيجد طريقه لممارسة العنف والإعتداء في إطار مؤسسة تابعة للدولة وهو ما أزاح عنه صفة الإرهاب والتطرف لفترة طويلة جداً. اليوم؛ يقف الفلسطينيون على عتبات مرحلة جديدة لم يعد فيها الإسرائيلي مقتنعاً بأن جيشه يلبي حاجته لمزيد من العنف والتطرف والإرهاب.
بداية، في هذا المقال لن يتم الفصل بين الجيش أو غيره في إسرائيل، فالكل في العنف سواء. ولذلك سيتم تحليل أسباب وأشكال التطرف والإرهاب الصهيوني دون أي اعتبار لكون معظم العنف الذي مورس ضد الفلسطينيين قد أتى من مؤسسة لا تصنّف دولياً كجهة إرهابية.
أولاً: التطرف جزء من الثقافة الصهيونية وليس وليد هذه الأيام، فالتطرف حسب معجم اللغة العربية المعاصرة هو: المغالاة السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الفكرية. أي أن أصحاب الفكر المتطرف لا يقبلون بالوسطية ويتعمّدون العزلة، فالعزلة هي أساس التطرف وخصوصاً حين تكون اختيارية نابعة من حالة نرجسية. بالنسبة للصهيونية التي نشطت في أوروبا قبل قيام إسرائيل، فإنها كانت تلعب دوراً مهمّا في تكريس العزلة اليهودية في أوروبا من خلال التركيز على تعاليم تدعو إلى الاستعلاء على كل من ليس يهودياً وتصنيفهم تحت مسمّى "الأغيار".
وقد كان واضحاً أن حاخامات اليهود وأثريائهم في ذلك الوقت قد دفعوا عامة اليهود إلى العزلة وشجعوهم عليها فسكنوا أماكن مغلقة عرفت "بالجيتو" حتى بات اليهودي منبوذاً في أوروبا، وهو مبتغى قادتهم آنذاك، حيث كان الهدف الحقيقي وغير المعلن آنذاك هو خلق حالة من الاغتراب لدى اليهودي في أوروبا وتعزيز شعوره بأنه مهددٌ فيها حتى يكون على كامل الاستعداد لتركها والرحيل إلى مكان آخر متى قررت الصهيونية ذلك. إن من أهم الدلائل على أن التطرف الإرهابي كان صنيعة صهيونية منذ بداية ما عرف بـ "المسألة اليهودية" أن قيادات يهودية في أوروبا قد عقدت اتفاقية سرية اسمها "هعفاراة" مع هتلر تنص على محاربة اليهود في أوروبا والتضييق عليهم من قبل النازية كي يدفعوهم للهجرة منها، وتحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية للصهيونية.
ثانياً: عدم التجانس داخل المجتمع الإسرائيلي
إن من أهم عوامل زيادة التطرف الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين هو حالة التنافر المتزايدة بين شرائح المجتمع الإسرائيلي، فمنذ قيام إسرائيل لوحِظ وجود أكثر من مسبب للإنقسام، فهناك انقسام ديني علماني، ويساري يميني، وشرقي غربي، بالإضافة إلى تقسيمات فرعية كثيرة داخل هذه التصنيفات العامة. وقد كان لانقسام المجتمع إلى يهودي شرقي ويهودي غربي تأثير كبير على الحياة العامة في إسرائيل فقد سيطر الغربيون على معظم مفاصل الحكم ولم يحصل الشرقيون سوى على بعض المواقع في حالات استثنائية. كما أن وجود أقليات غير يهودية داخل المجتمع الإسرائيلي ساهم في تكريس هذه الحالة من الانقسام، ورغم وحدتهم في الولاء لإسرائيل بقي اليهودي الشرقي والإسرائيلي الشرقي إجمالاً في موقع غير الموثوق به.
هذه الحالة من شعور الشرقيين بأنهم في مرتبة أقل في سلم الدرجات الإسرائيلي، وفي ظل حالة الحرب المتجددة بين إسرائيل والعرب، دفعتهم لاختيار التطرف طريقاً لإثبات ولائهم لإسرائيل، فتجد أن أكثر الآراء تطرفاً تصدر عن القيادات الشرقية في المجتمع الإسرائيلي، ليس لأن الغربيين أقل تطرفاً وإنما لحاجة كامنة داخل الشرقيين بأن يظهروا ولاءً مضاعفاً لإسرائيل من خلال الكره المضاعف لغيرها. هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى الميداني فالصورة أكثر وضوحاً، حيث يجد عابرو الحواجز الإسرائيلية أن قسوة الجنود تزداد كلّما كان الجندي من درجة اجتماعية أقل داخل إسرائيل، ومردّ الأمر إلى مرض اجتماعي نفسي أساسه شعورٌ بالنقص مقارنة باليهود الغربيين.
ثالثاً: الحياة العسكرية كمتطلب سابق للحياة السياسية
تسود في المجتمع الإسرائيلي حالة من الشعور بالتهديد الداخلي والخارجي، فهم مقتنعون تماماً أن النظرة إليهم في المحيط العربي والإسلامي كجسم غريب ما زالت قائمة رغم كل الاتفاقيات ومفاوضات السلام، كما أن وجود أكثر من مليون فلسطيني داخل إسرائيل يزيد من الإعتقاد اليهودي أنهم مهددون من حيث غياب التماسك في البنية المجتمعية. هذه الحالة دفعت إسرائيل لتكريس الوجه العسكري لها، وبات الوصول إلى قمرة القيادة السياسية يتطلب العبور من بوابة العمل العسكري أو الأمني في معظم الأحيان، بل إن الأمر يتطلب التميّز في العمل العسكري والأمني حتى تتحقق ثقة المجتمع بأي قائد، وبنظرة سريعة على معظم القيادات الإسرائيلية يمكن القول أن تطرفهم وممارستهم للإرهاب المنظم أثناء خدمتهم العسكرية كجنود وقيادات كانت تأشيرة دخولهم إلى عالم السياسة.
رابعاً: عدم وجود رادع فلسطيني وعربي
إن كل العوامل السابقة مرتبطة بشكل أساسي بالفكر الصهيوني وبظروف المجتمع الإسرائيلية وطبيعة تكوينه الإجتماعي، إلا أن هناك عاملاً آخر لا يرتبط بالمجتمع الإسرائيلي وقد ساهم كما العوامل السابقة في ارتفاع وتيرة العنف والإرهاب الإسرائيلي، وهو غياب الرادع العربي أو الفلسطيني. فقد اعتاد الطرف الإسرائيلي على أن لا تتجاوز ردود الأفعال العربية حد الصراخ والتظاهر والتعاطف والدعوة للمقاطعة دون تطبيقها، وكل ذلك لفترة وجيزة تتلوها فترة من طرح المبادرات السلمية وإبداء حسن النوايا فتدوسها إسرائيل بقدميها لتعيد الكرة مرة أخرى لكن بتطرف وعنف أكبر. أما فلسطينياً فالأمر أكثر بؤساً، فالتهاون الفلسطيني تجاوز بكثير تهاون دول عربية عديدة، إلى الحد الذي أصبح فيها لوم أي طرف عربي في ظل الحالة الفلسطينية فيه نوع من عدم الحياء. أخيراً نقول: ربما ليس باستطاعة الفلسطيني أن يردع إسرائيل عسكرياً، لكنه ليس مجبراً على تقبيل اليد التي تصفعه!
مجلة القدس المصرية
التعليقات (0)