مواضيع اليوم

التطبيع مع الفساد.

محمد مغوتي

2012-07-28 01:35:53

0

     كشفت الحلقة التي استضاف فيها مقدم برنامج "بلا حدود" رئيس الحكومة المغربية على قناة الجزيرة الإخبارية حقيقة الأداء الحكومي بخصوص ملف محاربة الفساد المالي، فقد أكد عبد الإلاه بنكيران بما لايدع مجالا للشك أن حكومته لا تمتلك أية رؤية أو آلية للتعامل مع هذا المشكل. بل إن السيد بنكيران اختار أن يقدم وصفة خاصة لمعالجة المعضلة عندما وجد في " عفا الله عما سلف" الحل الأمثل لطي صفحة هذا الملف الذي يلقى اهتماما خاصا في الشارع المغربي.
    حكومة السيد بنكيران تؤكد يوما بعد يوم أنها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها، ومثل هذه التصريحات  التي تصدر عن رئيسها تثبت صحة الاتهامات التي تعتبر هذه الحكومة فاقدة للبوصلة، لأن الإقرار بصعوبة التعاطي مع ملفات الفساد والمفسدين قد يكون مقبولا إذا صدر عن شخص أو جهة من خارج المسؤولية، أما أن تصدر عن رئيس حكومة يمتلك سلطة القرار ويحظى بالدعم  الكامل من المؤسسة الملكية ( كما يؤكد باستمرار بعظمة لسانه)، فإن ذلك ليس مقبولا بتاتا. ثم إن السيد بنكيران لا يعترف بالتعقيدات التي ترتبط بموضوع الفساد فحسب، بل يعلن انحناءه أمام هذا المارد المخيف، لذلك اختار   التطبيع معه مادام غير قادر على مواجهته ومبارزته، وهاهو يمد يده للمفسدين من أجل العمل معا لبناء مغرب المستقبل، أما الماضي فقد أصبح في ذمة الله…ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فقد عشنا عمليا تجربة مشابهة عندما انخرط المغرب في مسار الإنصاف والمصالحة خلال حكومة التناوب الأولى التي ترأسها عبد الرحمان اليوسفي، حيث تم تجاوز إرث ضخم من  ممارسات سنوات الرصاص من خلال عقد جلسات استماع للضحايا وتعويضهم ماديا، أما التهمة فقد تم تسجيلها ضد مجهول.
   قبل عدة أسابيع استخدم السيد بنكيران تحت قبة البرلمان لفظا يحمل دلالة خاصة، فقد تحدث بالمرموز عن جهات معرقلة للعمل الحكومي  سماها ب" العفاريت"، وهو اليوم يرفع الراية البيضاء في مواجهة عفاريت الفساد والريع الإقتصادي في بلادنا. لكنه كان وفيا للغة الفقهاء الذين يستدعون النص القرآني والنبوي للاستدلال على آرائهم وفتاواهم. وجاءت فتوى السيد بنكيران في هذا السياق بعدم تجريم لصوص المال العام مستندة إلى نفس الخطاب الديني. لكن الآية التي  ضمنها موقفه واعتبرها معبرة عن فلسفة الحكومة في تدبير ملفات الفساد، تعبر عن تناقض صريح في سلوك رئيس الحكومة، فهو يبدو كمن يمتلك سلطة الفعل عندما يعلن "العفو" عما سبق، لكنه يقر بعد ذلك بافتقاد حكومته للقدرة على مواجهة كل من يتحدى هذا العفو: " ومن عاد فينتقم الله منه ". أي أن أمر المحاسبة والعقاب متروك لله على كل حال. وعلى المغاربة أن ينتظروا يوم القيامة لرؤية عدالة السماء تتحقق، وقبل ذلك عليهم أن يسلموا بالنصيب.  أما الحكومة فلا شأن لها في هذا الأمر، لأن" العفاريت "  "مايقدر عليهم غير اللي خلقهم "…
   عبد الإلاه بنكيران خاطب المفسدين في معرض شرحه للسياسة الحكومية المرتبطة بمحاربة الفساد بقوله:" كفى" و"باراكا". وربما فاته - وهو المعروف بقفشاته ولغته العفوية - أن يقول لهم أيضا: " الله يرحم من زار وخفف"، أو : "راكم عيقتوا"… لذلك تقترح حكومته عرضا يستحق النظر لأنه يلبي حاجة المفسدين في الدنيا والآخرة، فهم بهذا سينعمون في حياتهم بما ليس لهم ويضمنون الحماية من المتابعة ولو على سبيل: " من أين لك هذا؟ ". وفي توبتهم رفع للحرج عن الحكومة وقربان إلى الله لعله يغفر لهم. ولله الأمر من قبل ومن بعد…
         محمد مغوتي. 27 – 07 – 2012.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !