التطاحنات السياسية في وزان "تشل" كل مشاريع التنمية في المدينة
تعرف تراجعا في البنية التحتية وتدهورا في المكتسبات التي حققتها سابقا
تبدو مدينة وزان، اليوم، «شبه مشلولة»، فكل المشاريع التي أشرف على تدشينها الملك محمد السادس، منذ أكثر من أربع سنوات، لتأهيل المدينة، متوقفة. وقد دفع هذا «الشلل»حزب العدالة والتنمية إلى طلب حل المجلس والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وجاء في بلاغ للحزب في المدينة أنه بسبب «حالة الشلل الذي تعيشه المدينة على مستوى التسيير الجماعي، الناتج عن سوء التسيير واستغلال المال العام في الأمور الشخصية وعن التحالفات المشبوهة»، يطالب الحزب بإطلاع الساكنة على تقارير لجن التفتيش التي حلت بالمدينة وبتقديم المتورطين في نهب المال العام وسوء التدبير للمحاكمة».
أزمة وزان.. أزمة نخبة
يبلغ عدد سكان وزان، وفق الإحصاء العام للسكان لسنة 2004، ما يقارب 57 ألف نسمة. وتغادر نسبة كبيرة من الأشخاص الحاصلين على الإجازة وما فوق المدينة في اتجاه مدن أخرى، للبحث عن العمل. ويعطي محمد العابدي، رئيس جمعية «جذور» للتنمية البشرية، مثالا دالا على أن وزان مدينة «حالة خاصة»، بكل المقاييس، إذ يؤكد أن الإحصائيات تشير إلى أن 98 في المائة من خريجي الاقتصاد يعيشون خارج مدينة وزان، وهذا -في نظره- يؤثر بشكل سلبي على عملية تجديد النخب، القادرة على التسيير والتدبير داخل المدينة. ولا يوجد حاليا في المدينة إلا شخصان حاصلان على الإجازة في الاقتصاد...
أنشئت جمعية «جذور» في ماي من عام 2005 على يد شبان من المدينة، حصل بعضهم على شهادة الإجازة وبعضهم الآخر على الدكتوراه. تتوفر الجمعية على قطب تربوي وقطب اجتماعي وآخر اقتصادي ورابع رياضي. وقد استطاعت الجمعية أن تشكل فريقا لكرة اليد تحت اسم «الترجي الرياضي الوزاني»، استطاع، في ظرف وجيز، أن يحقق أول إنجاز رياضي في تاريخ المدينة بصعوده إلى القسم الأول، رغم حداثة الجمعية ورغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهه من قبيل غياب الدعم المالي أو هزالته وعدم صلاحية الملعب أو حتى الضغوط التي تتعرض لها الجمعية من بعض «الجهات»...
ويعدد رئيس الجمعية أمثلة أخرى تدل على أن وزان هي حالة «فريدة»، مقارنة مع باقي المدن المغربية. وزان مدينة تاريخية، وهي مدينة الشرفاء، ومع ذلك، فهي في نظر محمد العابدي، تعد من أفقر مدن المغرب. كانت مدينة وزان من المدن القلائل في المغرب التي تتوفر على ملعب معشوشب في بداية الاستقلال، لكن البنيات التحتية فيمها تراجعت، فالمعلب البلدي صار أقربَ إلى أرض مهجورة وكذلك المسبح البلدي، الذي كان متنفسا للساكنة، خاصة خلال فصل الصيف. وحسب العابدي، دائما، فإن الأزمة التي تعيشها مدينة وزان، منذ سنوات، هي أزمة نخبة.
مدينة غضب عليها الحسن الثاني
وزان مدينة تاريخية، غير أن أصولها غير واضحة وغير معروفة بشكل دقيق، فالبعض يرجعها إلى الرومان، غير أن هذا الأمر غير مثبت تاريخيا. ومدينة وزان، هي أيضا، مدينة الشرفاء والقديسين. وتحكى الروايات التاريخية أن القديس اليهودي عمران بن ديوان حل بهذه المدينة ويوجد قبره في منطقة «أسجن»، التي تبعد بعدة كيلومترات عن المدينة. كما تحكي الروايات التاريخية، أيضا، أن مولاي عبد الله الشريف، أحد كبار المتصوفة والذي ينتسب إلى المولى إدريس الثاني، قد حل بهذه المدينة، وهو الأمر الذي جعل من مدينة وزان «مدينة مقدسة»، فقد أقام فيها هذا «الشريف»، سنة 1727، زاويته الشهيرة المعروفة بـ«الزاوية الوزانية»، والتي أصبحت خلال القرن الـ18 والـ19 من أهم المراكز السياسية والدينية في تاريخ المغرب، وأصبحت مدينة وزان منارة للعلم ومحجبة لمريدي المعرفة.
لا يُعرَف، بالتحديد، أصل اسم مدينة «وزان»، ويظل هذا الأصل غامضا، إذ هناك ثلاث روايات، تفيد أولاها أن اسم المدينة هو من أصل لاتيني، إذ يقال إن امبراطورا رومانيا أطلق على المدينة اسم ولي عهده، الذي كان يسمى «أوزينوس».
أما الرواية الثانية فتقول إن اسم مدينة وزان مستوحى من اسم نهر كان يطلق عليه واد الزين، نظرا إلى أنه كان يضفي على المدينة بهاء وجمالا، بينما ترجع الرواية الثالثة أصل اسم المدينة إلى الكلمة العربية وزّان، التي كانت تطلق على شخص كان يلجأ إليه تجار المدينة من أجل وزن بضاعتهم، فأطلقوا عليه اسم وزان، وفي ما بعد، أصبحت المدينة تحمل اسم ذلك الشخص...
يعتقد عدد كبير من الوزانيين أن الملك الراحل الحسن الثاني كان «غاضبا» على المدينة، ولذلك تُرِكت لحالها، «عقابا» لها، وهذا من الأسباب التي تفسر تراجع المدينة بشكل كبير على مستوى البنيات التحتية. ويتذكر هؤلاء الوزانيون مقولة ترسّخت في أذهانهم وما زالت راسخة إلى حد الآن، مفادها «اتركوا أهل وزان في وزانهم، يفعلون ما يشاؤون»...
ويحكي أحد الوزانيين لـ«المساء» أنه كان يتحدث مع وجهاء وزان على حال المدينة، فرد عليه أن حالها وزان لن يتغير ما لم ترض عنها السلطة...
عندما وصل الملك محمد السادس إلى سدة الحكم سنة 1999، عمل على تجاوز سلبيات الماضي، فأعاد الاعتبار إلى مناطق كانت في العهد السابق مهمشة ومقصية و«مغضوبا عنها»، مثل منطقة الريف، التي «غضب عليها» الحسن الثاني منذ انتفاضة 1958، وأطلق فيها الملك محمد السادس عددا من المشاريع التي تتوخى تأهيل المدينة وإعادة الاعتبار إليها وإخراجها من التهميش الذي عانت منه لعقود من الزمن. وكان أهم قرار اتخذته الدولة المغربية هو إحداث عمالة خاصة بوزان، بعدما كانت في السابق تابعة، ولسنوات طويلة، لجهة الغرب، وعين على رأسها محمد طلابي كأول عامل على المدينة.
«مشاريع» موقوفة التنفيذ...
ما زالت المشاريع التي افتتحها الملك محمد السادس في المدينة، منذ سنوات، على حالها ولم تتقدم الأشغال في مجمل المشاريع، مثل تهيئ الحدائق والساحات العمومية والمحطة الطرقية والمركّب التجاري والمركز الثقافي وتهيئة وتقوية شوارع المدينة، خاصة شارعي محمد الخامس والمسيرة الخضراء، وغيرها من المشاريع، التي قد تعيد إلى هذه المدينة التاريخية، والتي تعرضت للإهمال، وهجَها وتألقها.
ويتبادل الفرقاء السياسيون داخل المدنية التهم، فالرئيس الحالي للمجلس البلدي، محمد الكنفاوي، الذي ينتمي إلى حزب الاستقلال، يؤكد أن هذه المشاريع توقفت قبل أن يُنتخَب رئيسا للجماعة، فيما يرى معارضوه، الذين ينتمون إلى أحزاب العدالة والتنمية وقسم منهم إلى التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة، أن سبب تعثر تلك المشاريع الملكية يتحمل مسؤوليتَه الكنفاوي نفسُه.
إلغاء صفقة طريق السوق الأسبوعي الجديد؟
من بين المشاريع المتوقفة في مدينة وزان هناك السوق الأسبوعي الجديد، الذي أنجزه المجلس البلدي في ضواحي المدينة، بسبب عدم إنجاز الطريق المؤدي إلى السوق. ويتم تبادل التهم بين رئيس المجلس البلدي محمد الكنفاوي ومعارضيه ومناوئيه، فالمعارضون يتهمون رئيس الجماعة بإلغاء صفقة طريق السوق الأسبوعي الجديد، رغم توفر الدراسة ورغم نشر الإعلان عن الصفقة أثناء ولاية المجلس البلدي السابق، الذي كان يديره رئيس من حزب التجمع الوطني للأحرار.
ويقول معارضوه إن هذا الرفض لا يعدو أن يكون نتيجة رغبة من الرئيس الحالي للمجلس في تغيير الطريق إلى مسار يحاذي عقاره، من أجل تحقيق منفعة شخصية.
ويعتبر الرئيس الحالي للمجلس أن هذا الاتهام لا أساس له، على اعتبار أن أي مسار لم يُحدَّد للطريق، إذ كان الاختيار بين مسلك طريق عمومي من الملك العام الجماعي يربط المحطة الطرقية الجديدة، عن طريق الشاون، بالسوق الأسبوعي الجديد، من جهة، وبين طرق أخرى عديدة مبرمجة في إطار تصميم التهيئة، الجاري إلى غاية 2012، من جهة ثانية. ويقول رئيس المجلس إن كلا الاختيارين ليس بالسهل، لأن الحل الأول يفترض قرار تصفيف وإفراغ الطريق العمومي، رغم وجوده وثبوته بالوثائق العقارية الرسمية، من الأشخاص الذين يحتلون العقار، أما الحل الثاني فيتطلب مسطرة إصدار قرار تخلٍّ صادق عليه المجلس البلدي في دورة يوليوز الماضي. ويقترح رئيس المجلس البلدي أن تكون للسوق الأسبوعي الجديد أكثر من طريق تؤدي إليه.
كانت كل النماذج عن المشاريع المتوقفة في مدينة وزان، والتي لم يتم التطرق إلا إلى جزء منها، محور عمل لجنة تفتيش من وزارة الداخلية حلت بالمدينة، مؤخرا، من أجل جمع المعطيات حول المشاكل والأسباب التي أدت إلى تعثر المشاريع التي دشنها الملك محمد السادس لرفع التهميش عن هذه المدينة. ووحدها خلاصات ونتائج هذه المفتشية كفيلة بكشف الداء أو الورم الذي يجعل وزان لا تسير في الاتجاه الذي ينشده الوزانيون...
الوزانيون يلجؤون إلى مواقع الأنترنيت للتعبير عن رفضهم الوضع المزري الذي وصلت إليه مدينتهم
اتهام رئيس الجماعة بعرقلة إنهاء أشغال المحطة الطرقية والأخير يحمل المسؤولية للمهندس البلدي
تبدو مدينة وزان، اليوم، «شبه مشلولة»، فكل المشاريع التي أشرف على تدشينها الملك محمد السادس، منذ أكثر من أربع سنوات، لتأهيل المدينة، متوقفة. وقد دفع هذا «الشلل» حزب العدالة والتنمية إلى طلب حل المجلس والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وجاء في بلاغ للحزب في المدينة أنه بسبب «حالة الشلل الذي تعيشه المدينة على مستوى التسيير الجماعي، الناتج عن سوء التسيير واستغلال المال العام في الأمور الشخصية وعن التحالفات المشبوهة»، يطالب الحزب بإطلاع الساكنة على تقارير لجن التفتيش التي حلت بالمدينة وبتقديم المتورطين في نهب المال العام وسوء التدبير للمحاكمة».
أزمة وزان.. أزمة نخبة
يبلغ عدد سكان وزان، وفق الإحصاء العام للسكان لسنة 2004، ما يقارب 57 ألف نسمة. وتغادر نسبة كبيرة من الأشخاص الحاصلين على الإجازة وما فوق المدينة في اتجاه مدن أخرى، للبحث عن العمل. ويعطي محمد العابدي، رئيس جمعية «جذور» للتنمية البشرية، مثالا دالا على أن وزان مدينة «حالة خاصة»، بكل المقاييس، إذ يؤكد أن الإحصائيات تشير إلى أن 98 في المائة من خريجي الاقتصاد يعيشون خارج مدينة وزان، وهذا -في نظره- يؤثر بشكل سلبي على عملية تجديد النخب، القادرة على التسيير والتدبير داخل المدينة. ولا يوجد حاليا في المدينة إلا شخصان حاصلان على الإجازة في الاقتصاد...
أنشئت جمعية «جذور» في ماي من عام 2005 على يد شبان من المدينة، حصل بعضهم على شهادة الإجازة وبعضهم الآخر على الدكتوراه. تتوفر الجمعية على قطب تربوي وقطب اجتماعي وآخر اقتصادي ورابع رياضي. وقد استطاعت الجمعية أن تشكل فريقا لكرة اليد تحت اسم «الترجي الرياضي الوزاني»، استطاع، في ظرف وجيز، أن يحقق أول إنجاز رياضي في تاريخ المدينة بصعوده إلى القسم الأول، رغم حداثة الجمعية ورغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهه من قبيل غياب الدعم المالي أو هزالته وعدم صلاحية الملعب أو حتى الضغوط التي تتعرض لها الجمعية من بعض «الجهات»...
ويعدد رئيس الجمعية أمثلة أخرى تدل على أن وزان هي حالة «فريدة»، مقارنة مع باقي المدن المغربية. وزان مدينة تاريخية، وهي مدينة الشرفاء، ومع ذلك، فهي في نظر محمد العابدي، تعد من أفقر مدن المغرب. كانت مدينة وزان من المدن القلائل في المغرب التي تتوفر على ملعب معشوشب في بداية الاستقلال، لكن البنيات التحتية فيمها تراجعت، فالمعلب البلدي صار أقربَ إلى أرض مهجورة وكذلك المسبح البلدي، الذي كان متنفسا للساكنة، خاصة خلال فصل الصيف. وحسب العابدي، دائما، فإن الأزمة التي تعيشها مدينة وزان، منذ سنوات، هي أزمةنخبة.
مدينة غضب عليها الحسن الثاني
وزان مدينة تاريخية، غير أن أصولها غير واضحة وغير معروفة بشكل دقيق، فالبعض يرجعها إلى الرومان، غير أن هذا الأمر غير مثبت تاريخيا. ومدينة وزان، هي أيضا، مدينة الشرفاء والقديسين. وتحكى الروايات التاريخية أن القديس اليهودي عمران بن ديوان حل بهذه المدينة ويوجد قبره في منطقة «أسجن»، التي تبعد بعدة كيلومترات عن المدينة. كما تحكي الروايات التاريخية، أيضا، أن مولاي عبد الله الشريف، أحد كبار المتصوفة والذي ينتسب إلى المولى إدريس الثاني، قد حل بهذه المدينة، وهو الأمر الذي جعل من مدينة وزان «مدينة مقدسة»، فقد أقام فيها هذا «الشريف»، سنة 1727، زاويته الشهيرة المعروفة بـ«الزاوية الوزانية»، والتي أصبحت خلال القرن الـ18 والـ19 من أهم المراكز السياسية والدينية في تاريخ المغرب، وأصبحت مدينة وزان منارة للعلم ومحجبة لمريدي المعرفة.
لا يُعرَف، بالتحديد، أصل اسم مدينة «وزان»، ويظل هذا الأصل غامضا، إذ هناك ثلاث روايات، تفيد أولاها أن اسم المدينة هو من أصل لاتيني، إذ يقال إن امبراطورا رومانيا أطلق على المدينة اسم ولي عهده، الذي كان يسمى «أوزينوس».
أما الرواية الثانية فتقول إن اسم مدينة وزان مستوحى من اسم نهر كان يطلق عليه واد الزين، نظرا إلى أنه كان يضفي على المدينة بهاء وجمالا، بينما ترجع الرواية الثالثة أصل اسم المدينة إلى الكلمة العربية وزّان، التي كانت تطلق على شخص كان يلجأ إليه تجار المدينة من أجل وزن بضاعتهم، فأطلقوا عليه اسم وزان، وفي ما بعد، أصبحت المدينة تحمل اسم ذلك الشخص...
يعتقد عدد كبير من الوزانيين أن الملك الراحل الحسن الثاني كان «غاضبا» على المدينة، ولذلك تُرِكت لحالها، «عقابا» لها، وهذا من الأسباب التي تفسر تراجع المدينة بشكل كبير على مستوى البنيات التحتية. ويتذكر هؤلاء الوزانيون مقولة ترسّخت في أذهانهم وما زالت راسخة إلى حد الآن، مفادها «اتركوا أهل وزان في وزانهم، يفعلون ما يشاؤون»...
ويحكي أحد الوزانيين لـ«المساء» أنه كان يتحدث مع وجهاء وزان على حال المدينة، فرد عليه أن حالها وزان لن يتغير ما لم ترض عنها السلطة...
عندما وصل الملك محمد السادس إلى سدة الحكم سنة 1999، عمل على تجاوز سلبيات الماضي، فأعاد الاعتبار إلى مناطق كانت في العهد السابق مهمشة ومقصية و«مغضوبا عنها»، مثل منطقة الريف، التي «غضب عليها» الحسن الثاني منذ انتفاضة 1958، وأطلق فيها الملك محمد السادس عددا من المشاريع التي تتوخى تأهيل المدينة وإعادة الاعتبار إليها وإخراجها من التهميش الذي عانت منه لعقود من الزمن. وكان أهم قرار اتخذته الدولة المغربية هو إحداث عمالة خاصة بوزان، بعدما كانت في السابق تابعة، ولسنوات طويلة، لجهة الغرب، وعين على رأسها محمد طلابي كأول عامل على المدينة.
«مشاريع» موقوفة التنفيذ...
ما زالت المشاريع التي افتتحها الملك محمد السادس في المدينة، منذ سنوات، على حالها ولم تتقدم الأشغال في مجمل المشاريع، مثل تهيئ الحدائق والساحات العمومية والمحطة الطرقية والمركّب التجاري والمركز الثقافي وتهيئة وتقوية شوارع المدينة، خاصة شارعي محمد الخامس والمسيرة الخضراء، وغيرها من المشاريع، التي قد تعيد إلى هذه المدينة التاريخية، والتي تعرضت للإهمال، وهجَها وتألقها.
ويتبادل الفرقاء السياسيون داخل المدنية التهم، فالرئيس الحالي للمجلس البلدي، محمد الكنفاوي، الذي ينتمي إلى حزب الاستقلال، يؤكد أن هذه المشاريع توقفت قبل أن يُنتخَب رئيسا للجماعة، فيما يرى معارضوه، الذين ينتمون إلى أحزاب العدالة والتنمية وقسم منهم إلى التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة، أن سبب تعثر تلك المشاريع الملكية يتحمل مسؤوليتَه الكنفاوي نفسُه.
يؤكد محمد الكنفاوي، الذي التقته «المساء»، كما التقت باقي الفرقاء السياسيين، أنه اكتشف بعدما انتُخِب رئيسا للمجلس البلدي، عدة اختلالات و»أخطاء» ارتُكِبت أثناء إنجاز المشاريع المبرمجة. ولا يوجه الكنفاوي، الذي كان في السابق يعمل مفتشا للمالية، «التهمة» مباشرة إلى المسؤولين الجماعيين عن تدبير الشأن المحلي للمدينة خلال الولاية السابقة، وإنما يوجهها مباشرة إلى المهندس البلدي عبد المجيد السباعي، الذي يرد -بدوره- على الرئيس ويتهمه بكل الاختلالات التي شابت الصفقات التي أبرمتها الجماعة مع مقاولين ومكاتب دراسات ومهندسين معماريين لإنجاز البرنامج الملكي. أوقف المهندس في المرة الأولى وحكمت المحكمة الإدارية لصالحه، وأعيد إلى عمله في بداية شهر دجنبر الماضي، وبعد أقل من أسبوعين من تلك العودة، أي قبل متم عام 2010. ويقول السباعي، في معرض رده على الكنفاوي، إنه -أي الكنفاوي- «يخول للمهندس البلدي اختصاصات واسعة تفوق بكثير مسؤوليته المحدودة قانونيا، حيث جعل منه الرجل الآمر والناهي في ما يتعلق بالصفقات وطلبات القروض من صندوق التجهيز الجماعي ومن يسلم الأشغال ومن يرخص بنقل الأشجار وينجز كل الدراسات المتعلقة بالبرنامج التأهيلي لمدينة وزان».
وقد حلت بالمدينة، في الأيام الأخيرة، لجنة تفتيش من وزارة الداخلية من أجل التحقيق في مآل المشاريع الملكية المتوقفة. وقد يكون للتقرير الذي ستعده تأثير على مجريات الأمور في وزان.
وفي ظل هذه الأوضاع وفي ظل الشلل الذي أصاب المجلس البلدي منذ مدة، إذ أصبح الرئيس الحالي في وضع أقلية (يسانده حاليا أربعة أعضاء من حزب الاستقلال وثلاثة من التجمع الوطني للأحرار)، يعمل عامل إقليم وزان على تدبير عدد من الأمور داخل المدينة ويبحث عن الموارد المادية لتنفيذ عدد من المشاريع، في انتظار أن يجد الفرقاء السياسيون داخل المجلس البلدي حلا يخرج المدينة من حالة «الشلل» شبه التام الذي أصاب المشاريع الملكية.
الحدائق العمومية
بُرمِجت في المخطط الرباعي 11 حديقة، لكن الدراسة اقتصرت على 4 فقط، هي (للا أمينة وحديقة الأطفال وديور جداد وحديقة إكرام) نظرا إلى مون المبلغ المرصود في الاتفاقية غير كاف حتى لتهيئ وتأهيل الحدائق الأربع المذكورة، فبالأحرى لـ11 حديقة. والمبلغ المرصود في الاتفاقية هو 4.666.000 درهم، أما الدراسة، التي تكلف بها مهندس معماري من مدينة سطات، فقد أبانت على أن هناك فرقا كبيرا في المبلغ، قدر بأكثر من 15.000.000 درهم للحدائق الأربع.
غير أن الرئيس الحالي يقول إن المهندس البلدي، الموقوف عن العمل، للمرة الثانية على التوالي، منح «أشغال تهيئة الحدائق العمومية في إطار صفقة واحدة سنة 2008، بدل صفقات عدة مطلوبة قانونا، بعد أن قلّص من عدد الحدائق المبرمجة في إطار شراكة التأهيل الموقعة أمام أنظار الملك من 11 حديقة إلى حديقتين فقط، ثم «نفخ» في المبالغ المرصودة لهاتين الحديقتين وحولها من 1.680.000 درهم إلى 4.405.000 درهم». ويضيف رئيس الجماعة، أيضا، أن نفس المهندس «منح أشغال الساحات العمومية في إطار صفقة واحدة كذلك سنة 2008، بدل عدة صفقات كانت لازمة قانونا، بعد أن قلّص أيضا من عدد الساحات المبرمجة إلى ساحتين فقط، بدل أربع ساحات و«نفخ» في الأشغال و في مبالغ الاعتماد ليوصلها من 2.480.000 درهم فقط إلى 7.356.049 درهم. بل وشجع اللجوء إلى الاقتراض، لإثقال كاهل المدينة لتمويل الزيادة المفرطة في مبلغ الصفقتين المسلمتين لمقاولة المشتكى، التي ميزها عن غيرها. وقد عمدت المقاولة إلى إيقاف الأشغال مباشرة بعد انطلاقها، بعد أن هدمت الحديقتين الجميلتين وحطمت وحفرت الساحتين التاريخيتين في المدينة. وهكذا تم اقتراض مبلغ 8.990.000 درهم لإنجاز حديقتين وساحتين فقط، كانتا قائمتين وجميلتين، مع أن نفس المبلغ كان مخصصا أيضا لتهئية تسع حدائق أخرى كان يجب إنشاؤها ولساحتين أخريين كان يلزم إحداثهما أيضا
المحطة الطرقية
يُتّهَم رئيس الجماعة، محمد الكنفاوي، بعرقلة إكمال أشغال المحطة الطرقية التي أصبحت شبه جاهزة. وحسب تصميم التهئية، فإن المحطة الطرقية تقع فوق أرض في ملكية وكالة التجهيزات العسكرية وأن المبلغ المرصود لبنائها في الاتفاقية هو 9.000.000 درهم تخصص 900.000 درهم منها لاقتناء الأرض. وقد قام المجلس البلدي السابق باقتناء عقارين لبناء المحطة الطرقية وبناء دار الشاب في «حي النهضة»، كما أن المبلغ المرصود في الاتفاقية ضعيف جدا ولم تراع فيه عند برمجة الاعتماد طبوغرافية الأرض الوعرة وكمية الأشغال، كما جاء في تصور الدراسة التي قام بها المهندس المعماري بسطات، حيث حدد المبلغ التقديري لأول مرة في أكثر من 14.000.000 درهم وتم الإعلان عن الصفقة في المرة الأولى ولم ترسو على أي متنافس لتجاوز عروضهم بشكل كبير المبلغ المرصود بالاتفاقية مما دفع بالمهندس إلى حذف بعض محتويات المشروع وإرجاء إنجازها فيما بعد بالاتفاق مع اللجنة التقنية نظرا للصبغة الاستعجالية للبرنامج. وقد رست الصفقة بعد الإعلان عنها للمرة الثانية بمبلغ أكثر من 8.000.000 درهم. وبحسب معارضي الرئيس الجديد للجماعة، فإن توقف الأشغال بهذا المشروع كان في عهده وليس في عهد الرئيس السابق للجماعة.
غير أن محمد الكنفاوي يرد على هذه الاتهامات ويعتبر أن المصادقة على هذه الصفقة تم يوم 30 يونيو 2007 وحصل على قرض من صندوق التجهيز الجماعي في بداية غشت من نفس السنة من أجل تمويلها. غير أن الأشغال فيها لم تتم بشكل فعلي إلا في فاتح غشت 2008. ويعتبر الكنفاوي أن هذا التوقف لمدة سنة كاملة «لغز عصي عن الفهم». ويرد الكنفاوي على معارضيه بالقول إن التصميم الأصلي تم «تحريفه» وتم اعتماد تصميم جديد يخالفه.
وقد نتجت عن هذا التغيير «زيادة في الأشغال وتغيير موقع المحطة وضيق الطريق المؤدي إليها وغير هذا من العيوب»، فضلا على تحميل الجماعة أعباء مالية جديدة، بسبب إضافة قبة فوق المحطة من أجل إخفاء إقامتها تحت الأرض. ويعيب الكنفاوي على المهندس البلدي أنه «لم يتحقق من وضعية البقعة المقامة فوق المحطة، من الناحية القانونية، مما جعل أغيارا يدعون كراءهم هذه القطعة الأرضية ويوقفون الأشغال قضائيا، وكانت وزارة الداخلية ملزمة بمكاتبة المجلس لإيقاف الأشغال، تنفيذا لأحكام القضاء».
المركب الثقافي
الاعتماد المرصود للمركب الثقافي لمدينة وزان في الاتفاقية هو 2.000.000 درهم إلا أن الدراسة التي أنجزها المهندس المعماري المعتمد حدد التكلفة التقديرية لهذا المشروع في 8.695.000 درهم.
وقد أعدت الدراسات الخاصة وتوافرت الاعتمادات المخصصة لهذا المشروع، قبل أن ينتخب الرئيس الحالي على رأس بلدية وزان، غير أن الرئيس الحالي رفض تنفيذ المشروع، بدعوى أنه يرغب في تغيير موقعه، بعدما كان قد تقرر بناؤه قرب القاعة المغطاة في «حي العدير».
غير أن الرئيس محمد الكنفاوي ينفي في رده أن يكون هو السبب في توقف مشروع بناء المركب الثقافي. وقال إن المركب لم ينجز له أي تصميم. كما أن هناك خلافات ومشاكل بشأن المكان الذي من المقرر أن يقام فيه المشروع. فقد كان مقررا أن يقام فوق العقار الجماعي «سيدي سالم» قرب إدارة المياه والغابات، ولكن السلطات المحلية رفضت الاقتراح، لكون العقار موجودا خارج المدينة. ثم تم اقتراح إقامة المشروع في «مدرسة الإمام علي»، المتواجدة أمام حديقة الأطفال.
تهيئة الشوارع
أول ما «يستقبل» زائر مدينة وزان هو كثرة الحفر والشوارع المتآكلة. وقد كان الهدف من المشاريع التي افتتحها الملك محمد السادس هو تهيئة وتقوية الشوارع، خاصة شارع محمد الخامس، في شطره الأول، وشارع المسيرة الخضراء. وقد تم تخصيص ميزانية تصل إلى 5.164.000 درهم لهذه المشاريع، رغم أن تصميم التهيئة يفترض «توسيع» هذين الشارعين. غير أن الدراسة التي أنجزها مكتب دراسات يوجد مقره في الرباط، يحدد التكلفة التقديرية لتهيئة وتقوية وتوسيع الشارعين في مبلغ 44.044.116 درهم، بما في ذلك نزع الملكية. وقرر المجلس البلدي السابق لوزان إعادة النظر في التعويضات التي حددتها لجنة التقويم. إلا أن الرئيس الحالي، منذ توليه مسؤولية تسيير البلدية في سنة 2009، يرفض مشروع التوسيع واقتصر فقط على أشغال التهيئة والتقوية، كما تجاهل الدراسات المنجَزة بهذا الخصوص.
ولرئيس المجلس البلدي لوزان «رأي آخر» ويقدم معطيات بالأرقام تفيد أنه ليس المسؤول عما وقع بشأن التأهيل الحضري لمدينة وزان، إذ يقول إن القيمة المالية التي خصصت للمشاريع الطرقية في المدينة بلغت 109.7 ملايين درهم، تحملت ميزانية الجماعة من هذا المبلغ فقط 5.164.000 درهم أي أقل من 5 في المائة، من أجل إنجاز شارعين هما شارعا محمد الخامس والمسيرة الخضراء، بينما تكلفت المديرية العامة للجماعات المحلية أو المجلس الجهوي بالقنيطرة بتمويل الباقي.
«فايسبوك» والأنترنيت لإسماع صوت الوزانيين
أصبح الوزانيون يلجؤون إلى الأنترنت والمدونات و«فايسبوك» للتعبير عن آرائهم في أحوال المدينة وطريقة تدبيرها من قِبَل المجلس الجماعي الحالي، الذي يعيش حالة من التشرذم والصراع وترك مصالح الناس والمواطنين في مهب الريح. فقد اختار شخص اسمه محمد اطقيطاق أن يوجه رسالة إلى الملك محمد السادس عبر الأنترنت، يطرح فيها عليه «هموم» الوزانيين وانشغالاتهم، جاء فيها: «مولاي جلالة الملك، أعزك الله، إن شباب وزان والمغرب عموما وانطلاقا من الثقة في النفس والاعتزاز بالوطن وتاريخه العريق وأمجاده البطولية، يطمح إلى ثورة حقيقية نحو تحقيق المواطنة الكريمة التي استشرفتم آفاقها الواعدة من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وزيارتكم الميمونة لمدينة وزان وإنعامكم عليها بأن رقيتموها إلى عمالة، والتي لم تجد لها الآذان الصاغية والاهتمام المثمر من لدن المسؤولين في كل المجالات السياسية والتربوية والصحية، في ظل «ثقافة» المقايضة الدنيئة التي لا تعطي إلا لتأخذ أضعاف ما أعطت»...
وكتب شخص مجهول الهوية صفحة على «فايسبوك»، باسم «أصدقاء محمد الكنفاوي، رئيس بلدية وزان». ويوحي اسم الصحفة بأنها تؤيد رئيس البلدية، إلا أنها تسدد له مباشرة سهام النقد وتتهمه بأنه لم يقدم أي شيء للمدينة. ويقول صاحب الصفحة: «راه ما قدم والو لمدينتنا، نهار على نهار، زايدين لّور لور، وزان ماشة فالهاوية»... ويعزز صاحب الصفحة على «فايسبوك» مواقفه ضد رئيس البلدية محمد الكنفاوي بعدد من المقالات التي نُشِرت على صفحات عدد من الجرائد الوطنية، منها على سبيل المثال مقال كتبه رشيد نيني تحت عنوان «الفقيه اللي نترجاو براكتو».. أو المقال الذي نُشر على صفحات «الصباح» تحت عنوان «عامل وزان يكشف خروقات في مشاريع دشنها الملك».
وعلى صفحة أخرى على «فايسبوك»، تحت اسم «مدينة وزان المغربية»، نقرأ تعليقا ساخرا يشير إلى «استياء عميق وسط ساكنة مدينة وزان، نتيجة ما يروج مؤخرا من أنباء عن احتمال سحب رتبة العمالة من مدينة وزان وإلحاقها بإقليم شفشاون، ضمن التقسيم الجهوي الجديد، الذي يدخل في إطار مشروع الجهوية الموسعة». قبل أن يضيف صاحب الصفحة أن الأمر كان مجرد «كذبة أبريل»...
وهناك من خصص صفحة خاصة على «فايسبوك» لتاريخ المدينة. ونقرأ على إحدى هذه الصحفات ما يلي: «لعل مجمل ما كُتِب عن مدينة وزان هو تلك العبارات التي كتبها جاك بيرك عند مروره بالمدينة: «وزان، مدينة جميلة جدا، عتيقة، وفي إطار جبلي مخضر، مكسو بالزيتون وأحواض زهور الريحان، إنها مدينة مقدسة بامتياز، ومركز الطرق الصوفية المتصلة بحرم جبل العلم. كثير من الأسر الشريفة استقرت هنالك، ناشرة نفوذها على منحدرات الريف الجنوبي، وصولا إلى فاس، وبالمقابل، فهي لم تدخل التاريخ إلا في القرن الثامن عشر، إنها المدينة المغربية الوحيدة التي تمثل الصلاح، بشوارعها الضيقة ودكاكين النساجين وبائعي النسيج التقليدي، حيث نجد حليقات الأقمشة الصوفية».
ثم يعلق نفس الشخص على الوصف الذي خصه المستشرق الفرنسي جاك بيرك لمدينة وزان، قائلا: «إن أول ما يثير الانتباه في هذا التقديم للمدينة هو الجمع بين النقيضين، المدينة العتيقة والمدينة التي لم تدخل التاريخ قبل القرن الثامن عشر، فكيف جمعت وزان بين النقيضين، العراقة والحداثة؟»...
إن مثل هذا السؤال، قد لا يستوقف القارئ لعبارات بيرك طويلا، لكن المثير، بالفعل، هو أن الباحث في تاريخ وزان يصطدم أمام ندرة المعلومات حول تاريخ وزان، وهذا ما جعلنا ننطلق في البحث انطلاقا من سؤال أولي: «كيف تبدو وزان في المصادر التاريخية؟ ومن أين لها هذا الاسم؟». ثم يدخل في نقاش حول أصول المدينة في مختلف المصادر التاريخية، إلى أن يؤكد أن «مدينة وزان أسسها بنو مرين حوالي 786هـ، («الإشارة والبشارة في تاريخ بني مسارة»). ويضيف قائلا: «وفي غياب أي دليل يفند ما وجدناه مكتوبا في «دعامة اليقين» وما عرضناه من آراء ليس أمامنا إلا أن نتبنى هذا التوجه بحذر، وتبقى النتيجة التي نخلص إليها هي أن وزان كانت موجودة قبل الزاوية الوزانية، التي أسسها عبد الله الشريف، ظهرا من قبيلة مصمودة، لكن من غير أن يكون لها كيان مستقل، حسب ميشو بيلير أو قرية جبل الريحان، بتعبير مولييراس في كتابه «المغرب المجهول»...
ومهما كثرت المعلومات أو تضاءلت عن وزان، فإن هناك مسلمة منطقية هي أن «وزان لم تظهر بوضوح في كتب التاريخ إلا بعد نزوح مولاي عبد الله الشريف، شريف جبل العلم، إليها، في منتصف القرن الحادي عشر الهجري، فأسس بها الزاوية التي حملت هذا الاسم وحمل هو نفسه نسبه إلى هذه المدينة، وليغير اسمها السابق: قرية جبل الريحان»...
عن المساء- مراد ثابت -
التعليقات (0)