مواضيع اليوم

التضامن الدولي، والسلام

Ahmad Ahmad

2009-10-12 11:30:26

0

 بالطبع يحرجهم التضامن

مقتطفات من مقالة في الخليج الإماراتية


عزمي بشارة


تتميز المرحلة الراهنة على الساحة الدولية بمجموعة تحركات سياسية في مرحلة أوباما تهدف إلى تحريك عملية السلام أكثر مما تهدف إلى السلام العادل ذاته. مع التحفظ أن مؤتمراً قد يعقد بعد أشهر ثلاثة، بحسب مسؤولين عرب، يعيد “أمجاد” كامب ديفيد الثانية، ولكن من دون ياسر عرفات الذي يرفض التنازل عن القدس، ومع نتنياهو الذي نعتمد على وطنيته “الإسرائيلية” كي يرفض المقترحات إياها، التي رفضها عرفات. فهو يرفض حتى أقل منها. ولا تخرج الإدارة الأمريكية الحالية في سلوكها عن القواعد التي أرستها الإدارات الأمريكية السابقة بخصوص ما يسمى “عملية السلام”. ورغم أن هذه الإدارة هي نتاج فشل سياسات المحافظين الجدد، بما في ذلك التنازل عن خطاب تصدير الديمقراطية والاعتراف بالفشل في العراق، إلا أن وضع الدول العربية السياسي لم يمكّنها من استغلال ضعف هذه الإدارة في السياسة الخارجية. وهي، أي الدول العربية، وخاصة أقطاب ما يسمى بمحور الاعتدال، غير راغبة أصلاً في خوض صراع بشأن فلسطين، بل تكتفي بالاحتفاء بتخلي هذه الإدارة عن خطاب نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومن هنا يصعب الفهم لماذا لا يُترجَم ضعف الإدارة الأمريكية وتراجعها بصيغة ضغط عربي عليها. ويظهر أن بعض العرب قد ضغطوا عليها كي تتراجع عن فكرة تجميد الاستيطان وتركز جهودها على تجديد المفاوضات للحل الدائم. “ففي إطاره تحل قضية الاستيطان أصلا”، كما يقولون.

 


 

ومن هنا، وفيما ثرثر العرب ب”خيال شرقي جامح” (بلغة المستشرقين) عن ضغط أمريكي على “إسرائيل”، لم يخرج التحرك الأمريكي عن الروتين المعروف. وقد تلخصت المفاوضات خلال زيارات ميتشل المكوكية أولاً بطلب التطبيع مع “إسرائيل” على شكل مبادرات حسن نية عربياً، وثانياً الضغط على الدول العربية من أجل المساهمة في تمويل سلطة أوسلو، الممولة أوروبياً بشكل رئيسي، وذلك لتوريط الموقف العربي رسمياً بالانحياز الكامل لها ضد سلطة غزة.

 

ويحاول أوباما بواسطة التحركات الأخيرة أن ينهي ما بدأه بوش وكلينتون بإقناع “إسرائيل” والعالم العربي بتحويل مشروع الدولة الفلسطينية إلى صفقة شاملة، أو “اتفاق رزمة”. وهذا يعني قيام دولة فلسطينية في مقابل تنازل العرب عن قضية اللاجئين وحق العودة وعن الانسحاب الكامل إلى حدود 4 يونيو/حزيران عام ،1967 بما في ذلك شرقي القدس. وهذا لا يعني فقط التنازل عن قضية فلسطين بالمعنى التاريخي المعروف، بل يعني أيضاً التنازل حتى عن سقف مبادرة السلام العربية. أما “إسرائيل” فباتت تقبل بالمعادلة هذه منذ شارون، ولكنها تحاول أن تحصر الدولة العتيدة في أصغر مساحة ممكنة من الأرض، وبأقل سيادة ممكنة. وتقوم “إسرائيل” باستغلال تنازل السلطة الفلسطينية والنظام الرسمي العربي عن كافة أدوات إدارة الصراع، عدا المفاوضات ذاتها، لفرض “سلام الأمر الواقع” على الأرض، بما فيه تحويل ظروف معيشة السكان والحواجز وغيرها إلى الأمر الرئيسي، واستغلال مفهوم حل الدولتين لتمرير اعتراف عربي بيهودية “إسرائيل”، بما يتضمنه هذا الاعتراف من:

 

1 التنازل عن حق العودة

 

2 الاعتراف بالصهيونية بأثر رجعي

 

3 الاعتراف ب”إسرائيل” ليس كأمر واقع، بل الاعتراف بحق “إسرائيل” التاريخي والأخلاقي، وعملياً الاعتراف بصوابية الموقف “الإسرائيلي” وخطأ الموقف العربي تاريخياً، وبأثر رجعي.

 

ولقد اختارت الولايات المتحدة إزاء ذلك أن تُظهِرَ تميّز الإدارة الجديدة بمطلب تجميد الاستيطان الموجه ل”إسرائيل”. وتبعها العرب بمن فيهم الفلسطينيون، بطرح هذا المطلب. والحقيقة أن المراجعة لتاريخ بناء المستوطنات تثبت أن أغزر السنوات بناءً هي السنوات التي أعلن فيها التجميد. والحقيقة أن كل من يعرف “إسرائيل” وسياساتها يدرك أن سياسات “التخطيط والبناء” هي نشاط مركزي لدولة قامت على التخطيط والبناء. وهي تخطيط لأكثر من عشرين عاماً مسبقاً. وإن أي تجميد يستثني البناء المخطط له قبل التجميد يعني استمرار البناء لعشرين عاماً أخرى.

 

ولكن الحكومة “الإسرائيلية” لم تتحمل حتى التجميد الشكلي، لأن الحكومة “الإسرائيلية” الحالية، خلافاً لسابقتها، تستند إلى قوى ترى أنّ مجّرد الإعلان عن تجميد الاستيطان، حتى لو كان إعلاناً كاذباً، يتضمن تنازلاً مبدئياً. فعلى “إسرائيل” برأي اليمين أن تعلن عن حقّها الشرعي في الاستيطان، لا أن تخفيه أو تقوم به سراً. والواضح أن النقاش الذي جرى في “إسرائيل” لم يكن موضوعه هو التجميد (إذ لا تجميد) بل إعلان التجميد من عدمه. ومن هنا فإن دخول الإعلام العربي في هذه التفاصيل وتعويم المزاج السياسي العربي على هذه الموجة، موجة تجميد الاستيطان، هو أمر محزن وكارثي ويُنسِي الناس أن الاستيطان جارٍ، وهو على أشده في القدس حالياً، وأن الحصار على غزة مستمر كاستمرار للحرب بوسائل أخرى.

 

ونعود إلى جوهر الطرح الذي ما زال تنفيذه يصطدم بالمطامع “الإسرائيلية” أعلاه. ونسأل السؤال التالي: ماذا بالنسبة لحق العودة؟

 

 

لا بد من التأكيد أولاً على أن حق العودة لا ينبع حتى من قرار دولي، وأن الشعب الفلسطيني ومجمل الأمة العربية يتمسك به حتى من دون قرار دولي، فما بالك والقرار الدولي قائم؟ لا يمكن تحقيق حق العودة من خلال تسوية مع “إسرائيل”، بل في إطار تراجع أو اندحار “إسرائيلي”، في سياق الصراع العربي الصهيوني. ولكن إذا تنازل العرب عن هذا الصراع سلفاً، بل وحتى عن خطة للصراع، فهذا يعني التنازل عن حق العودة. وما ترْك حق العودة للفلسطينيين، كشأنٍ فلسطيني، إلا تنازلاً عنه. فحتى لو وُجِدَت منظمة التحرير كمنظمة مناضلة، وحتى لو كانت السلطة الفلسطينية “سلطة مقاتلة على أي منطقة تحرر”، لا يمكنها تحقيق حق العودة في سياق تفاوضي مع “إسرائيل”، لأن الأخيرة باختصار وببساطة تعتبره نفياً لها. ومن هنا نجد أن الكثير من العرب قد انتقلوا من خطاب تحقيق حق العودة في سياق الانتصار على “إسرائيل”، إلى مقولة رفض التوطين في سياق التسوية. وغالباً ما يعني رفض التوطين توطيناً، و”لكن ليس عندنا”، أو “ليس في بلدنا” بالمنطق القُطْري أو الطائفي البغيض.

 

وهو في الواقع موقف عنصري يمس بالانتماء العربي الواحد مثله كمثل الطائفية وغيرها. فالكلام عن رفض التوطين في دول حققت السلام مع “إسرائيل” من دون أن تضع حق العودة كجزء من اتفاق السلام، والحديث عن رفض التوطين في دول أخرى ترهن السلام باستعادة أراضيها التي احتلت عام 1967 وبعده، لا يعني حق العودة. فبأي معنى يتم التعبير عن رفض التوطين، ومن تطالب هذه الدول بحق العودة، اذا لم يكن شرطاً في اتفاقياتها للسلام مع “إسرائيل”؟ هل يُترَك حق العودة لسلطة عباس- فياض؟ لقد تنازلت عنه الأخيرة منذ فترة طويلة، وحتى لو لم تتنازل عنه لا يمكنها فرضه في سياق علاقتها المتبادلة مع “إسرائيل”.

 

 

 

كيف تكون الدولة الفلسطينية صفقة شاملة أو اتفاق رزمة؟ هنا ندخل طبعاً مجال الخيال الأمريكي- العربي بغض النظر عن الموقف “الإسرائيلي”. ويذهب هذا الخيال الأمريكي إلى أن واقعية العرب سوف تقودهم إلى قبول تبادل الأراضي من دون عودة إلى حدود عام ،1967 وأن قضية القدس تحتاج إلى “حلول ابداعية” للأماكن المقدسة من دون انسحاب “إسرائيلي” من القدس العربية، وأن قضية اللاجئين تحل تلقائياً بوجود دولة فيتحولون من لاجئين الى مغتربين من تابعية هذه الدولة في دول أخرى، فيحملون جوازات سفر دولتهم الفلسطينية. وطبعاً بموجب هذا الخيال الواقعي تبقى الكثير من القضايا من دون حل، ولكن وضعهم القانوني على الأقل يجد له حلاً، وذلك من دون عودة ومن دون توطين.

 

 

وهنا مصدر الاستخفاف بما تعتبره حركات التحرر عادة في صلب خطابها، مثل تعبئة العالم ضد جرائم الاحتلال لتقييد يديه في المستقبل على الأقل مثلاً. وهنا أيضاً يكمن مصدر التخلي عن مجرد فكرة الصراع مع الدولة الاستعمارية. فهؤلاء يعتبرون أنفسهم نداً افتراضياً للدولة الاستعمارية في خطاب الدولة، يتبنون مصطلحات الدول ولغتها الواقعية واستخفافها بالعدل والإنصاف والحقوق. لقد حلّوا على منطق الدول من آخره، فاستخفوا بجرائم الحرب وبذلك التصويت في جنيف. فسدوا مالياً، وينسقون أمنياً مع الاحتلال، وأقاموا كياناً قمعياً ميليشياوياً يمنع حتى التعبير عن “تضامن” الناس مع أنفسهم، ويشاركون بالحصار ضد شعبهم، وصاروا يتصرفون كجزء من النظام الدولي الذي يكذب بشأن جرائم الحرب. وكل هذا الانحلال في أوساط لا يمكنك أن تعظها، لأنها كانت هناك. وتعتبر نفسها نضجت، وتعتبرك ساذجاً. فهي تنتمي لجيل عرف حركة التحرر، وقد حل بها هذه الانحلال قبل أن تقود دولة. وهذا تميّزها الذي لا ينافسها فيه أحد.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !