التصوف الفرنكوأمريكي الجديد في المغرب
نوفل بن إبرعندما تقلب المكتبة العربية أو تتصفح مواقع الشبكة العنكبوتية، للبحث عن الدراسات والبحوث العلمية عن الطرق الصوفية، يجد الباحث ركاما هائلا من الكتب والبحوث والمقالات عن الطرق الصوفية وعقائدها وتاريخها وشعائرها، بيد أنه لن يجد شيئا بالعربية تقريبا عن فئة جديدة من الصوفية، برزت بقوة في السنوات الأخيرة في المغرب، والتي يمكن نعتها بالصوفية الفرنكوأمريكية الجديدة.
فهي جديدة لما تتسم به من خصائص عصرانية مخالفة للمعهود من الصوفية، بمختلف طرقهم المشرقة والمغربة.
وهي فرنكوأمريكية لأن القائمين عليها فرنكفونيين مشبعين بالثقافة الفرنسية. ولكنها تشبه حركات العهد الجديد النصرانية في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها تستجيب للمواصفات الأمريكية المطلوبة وتوصيات مراكز البحث الأمريكية المهمة، بدعم التصوف وتكوين دعاته وتدريبهم حتى يكونوا في مستوى مواجهة ما يسمونه بالأصولية الإسلامية، مثل مؤسسة راند ومركز وتصريحات أمريكية متعددة في هذا الصدد.
وقد اعترف المستشرق الشهير (برنارد لويس) -المعروف بصهيونيته وعداوته الشديدة للإسلام والمسلمين- بأن الغرب يسعى إلى تحقيق مصالحة مع (التصوف الإسلامي)، ودعمه ليستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط (فصل الدين عن الحياة)، وإقصاء الإسلام نهائيًا عن قضايا السياسة والاقتصاد، بنفس الطريقة التي استخدمت في تهميش النصرانية في أوروبا والولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري ـ رحمه الله ـ بعد أن يذكر توصية للجنة الحريات الدينية التابعة للكونجرس الأمريكي بضرورة تشجيع حركات الإسلام التقليدي والصوفي: (ومما له دلالته، أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام، يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشارًا الآن في الغرب، مؤلفات محيي الدين بن عربي، وأشعار جلال الدين الرومي).
عندما ترتدي الخرافة ثوب الحداثة:
الثوب الجديد الذي يبرز به التصوف في المغرب خلال السنوات الأخيرة، غريب وملفت جدا للنظر، فهو يزاوج بين قمة الخرافة، فكرا وممارسة وتداولا، والخطاب العقلاني والحداثي العلماني في الوقت نفسه!، وذلك حسب مقام الخطاب!
فإذا كان كلنا أو أغلبنا على الأقل، قد تعود على أن الطرق الصوفية هي ظاهرة تقتصر أو تكاد على أوساط العوام الأميين وأشباه الأميين، حيث ينحصر الخطاب الصوفي في ترديد الخرافات عن كرامات شيوخهم ومجاذيبهم وينحصر نشاطهم الصوفي على الموالد والحضرات والشعوذة والسحر، ويغلب على رموزهم السمت التقليدي في الهيئات واللباس والتظاهر بالتدين، فإن المغرب يشهد منذ سنوات حركة تصوف نشطة تخالف ذلك النمط التقليدي مخالفة شديدة في ظاهرها، وإن كانت تتفق معه في أصوله، فالقائمون على هذا التصوف الجديد، (مثقفون فرنكفونيون وأكاديميون) في مختلف تخصصات العلوم الإنسانية وغيرها.!
والعمل جار على قدم وساق منذ تعيين (أحمد توفيق)، أحد مريدي الطريقة البوتشيشية، المقربين من شيخها على رأس وزارة الأوقاف على اكتساح المجتمع، وخاصة نخبه المثقفة والمتعلمة، وإعادة تصويفه من جديد، بعد أن تراجعت الظاهرة الطرقية في المغرب تراجعا كبيرا نسبيا منذ أيام الجهاد والكفاح ضد المستعمر الفرنسي والإسباني بسبب خذلان أغلب رموزها للجهاد وعمالتها للمستعمر، مما ترك المجال واسعا للصحوة الإسلامية والجماعات والحركات الإسلامية.
وفي الواقع، فإن دعم المخزن (النظام) في المغرب للتصوف ليس بجديد، وإنما ما نشهده هو تكثيف شديد للدعم، فقد ظل التصوف المدجن دوما مدعوما من المخزن عبر الهبات والذبائح الملكية الموسمية، التي توزع على مشايخ الطرق وسدنة الأضرحة، التي يحرص على تقديمها بحضور الحاجب الملكي، وعامل الإقليم الذي توجد الزاوية في مجال نفوذه.
ذلك الدعم الملكي، الذي يشمل حتى تلك الطرق المجمع على انحرافها وزيغها، حتى بين غيرها من الصوفية أنفسهم، بسبب إيغالها في الشعوذة المفضوحة والطقوس الوحشية، مثل (عيساوة) أصحاب الطقوس الهمجية، الذين يفترسون في موسمهم السنوي أضحيات المعز التي يلقيها إليهم الأغمار من الرجال والنساء من فوق السطوح، وهي حية ترزق دون ذبح شرعي، بعد أن يعملوا فيها أظافرهم الحديدية وأنيابهم، فيما الدماء تسيل على وجوهم وثيابهم، ويستوي في ذلك الرجال والنساء منهم في مشهد همجي ووحشي يفوق الخيال!.
أو (حمادشة) الذين يضربون رؤوسهم بالسكاكين أو القضبان الغليظة الرأس أو الهراوات المطوقة بالمسامير!! والذين صار موسمهم المدعوم بالهبات والأضحيات الملكية، فرصة لتوافد الشاذين جنسيا في أعداد غفيرة من مختلف أنحاء المغرب، ليرتكبوا جرائمهم الفاحشة والمخزية في حماية العرافات اللاتي يزعمن بأن حضورهم لا بد منه لنزول البركة وقضاء الحاجات!
وللتعرف أكثر على أنشطة الطرق الصوفية في المغرب وطقوسها، التي تكرس الجهل وعبودية البشر للبشر والخرافة، وما تلقاه من دعم من المخزن، ومن أحزاب اليمين واليسار، وحتى حزب الاتحاد الاشتراكي التقدمي العتيد: يمكن الرجوع إلى كتاب الدكتور محمد وراضي عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية، الذي صدر في الآونة الأخيرة، ويعد من أفضل ما كتب عن هذه الظاهرة في المغرب وتطوراتها في السنوات الأخيرة، لما بذله مؤلفه من جهد في البحث الميداني، وتتبع الظاهرة، والاطلاع على كتب القوم، ولما اتسم به أسلوبه من طرافة وجرأة على تسمية الأمور بمسمياتها وكشف المسكوت عنه، بعد أن جبن الكثيرون أو انساقوا مع المخزن، ومنهم وعاظ السلطان، ومثقفون مرتزقة، وغيرهم.
إلا أن الدعم تكثف بشدة وصعد صعودا مذهلا، منذ قرار محمد السادس انتهاج سياسة ما يسمى بـ(إعادة تشكيل الحقل الديني) التي من أهم دعاماتها، دعم التصوف تحت شعار:
(عقد الأشعري، ومذهب مالك، وتصوف الجنيد السالك)!
والحرب على السلفية، حيث لم تسلم حتى جمعية دور القرآن، التي كان يشرف عليها الشيخ محمد المغراوي، فأغلقت السلطات كل فروعها، ولم يشفع له منهجه، الذي عرف به من ولاء للمخزن، وبعد عن السياسة، إلا عند مهاجمته لمعارضي المخزن!
ومن مظاهر هذا الدعم، وخاصة منذ تعيين (أحمد توفيق) على رأس وزارة الأوقاف، وشروع المخزن في سياسة ضخ التصوف، الذي اكتسح كل المجالات، هو تكثيف عقد وتنظيم ندوات تعنى بالتصوف والزوايا، بعضها يتم تحت الرعاية الملكية، بحيث لا يمر شهر دون الحديث عن تنظيم ندوة أو تظاهرة عن التصوف، مع ترويج واسع لموضوع التصوف والزوايا من قبل مختلف وسائل الإعلام الوطنية أو المكتوبة والمرئية.
إضافة إلى تنظيم عدد من المهرجانات الصوفية، التي تتجند وسائل الإعلام للترويج لها، مثل مهرجان (سيدي شقير) في أصيلة، ومهرجان الموسيقى الروحية، ومهرجان الثقافة الروحية، في فاس، والأخيران في الواقع، مهرجانان للغناء والطرب واللهو، يشارك فيهما إلى جانب فرق السماع الصوفي الموسيقية وغيرها: مطربون ومطربات، بعضهم لا علاقة لهم بالتصوف من قريب ولا من بعيد، حتى ولو بالادعاء.
وفي إطار هذه الخطة المحمومة، التي ينتهجها المخزن المغربي، لدعم التصوف في المغرب، وإعادته إلى الحياة، بعد أن كاد ينزوي ويذبل في الزوايا وبين ردهات الأضرحة وروائح البخور وطقوس الشعوذة والسحر، يخترق التصوف اليوم (بقوة المخزن وإعلامه والممولين الداخليين والخارجيين) الجامعات والندوات الفكرية، ويتحدث عن قضايا التنمية والبيئة والسلام العالمي!!!
وكان المنتدى، الذي عقد في مدينتي طنجة وتطوان بين 25 و30 يوليو -تحت عنوان براق ومخادع كما سوف يأتي بيانه- ألا وهو:
المنتدى العالمي الأول للطريقة المشيشية الشاذلية!
وقد تركزت المحاضرات على محور الدور الصوفي تجاه قضايا المجتمع، مثل التصوف والمواطنة والتصوف ووحدة المغرب العربي والتصوف وحوار الأديان، وكأن التصوف صار ملح الطعام لا غنى عنه، وهو الحل لكل مشاكل الإنسان والمجتمع والدولة!
والملاحظ دوماً في كل هؤلاء المحاضرين المثقفين من الصوفية الجدد، سواء في هذا الملتقى، أو في محاضراتهم الأخرى التي يلقونها أمام المثقفين، أنهم يمارسون التقية الشيعية، فهم يتجنبون ذكر الجانب المظلم والخرافي للتصوف، رغم دعوتهم له في زواياهم وحضراتهم ولقاءاتهم الخاصة وطقوسهم.
فتلك المحاضرات التي يتظاهر أصحابها بالحداثة والعقلانية، تخفي ما يمارس في الزوايا، مثل الزوايا البوتشيشية وحليفتها وأمها من الرضاع العليوية، من ممارسات تبلغ المدى في تكريس الجهل والخرافة، وإهانة الكرامة الإنسانية وللعقل، من عبودية البشر للبشر وصراخ هستيري، كلما ذكر اسم الشيخ وترويج للخرافات، التي تمثل انتكاسة للعقل المسلم، ولكتب تنحط بالعقل الإنساني إلى هاوية سحيقة، مثل كتاب الابريز، الذي أملاه الجاهل الأمي عبد العزيز الدباغ على أحد تلاميذه.
وتكفي نظرة على محتواه، ليدرك المرء الهاوية السحيقة والانتكاسة التي تستهدف المجتمع المغربي من جديد، وخاصة طلائعه المثقفة، بما يحويه من الشرك بالله العظيم، والخرافات العجيبة والمذهلة، التي لا يكاد المرء يصدق أن يكون هناك مثقف، يعرف دين الإسلام يمكن أن يصدق بها، فضلا عن أن يدعو لها!
وهو ما يعيد إلى الأذهان ما يؤكده كثيرون ممن يعرفون القوم، وقد سمعت هذا حتى من بعض رموز البوتشيشية أنفسهم، بأن نسبة كبيرة ممن يلتحقون بهذه الطريقة إنما هدفهم تحقيق المصالح الشخصية، وهذا راجع إلى النفوذ الكبير الذي تتمتع به الزاوية في البلاد وفي الإدارة المغربية، مما يجعل الارتباط بها طريقا لتحقيق المصالح الدنيوية والحصول على المناصب والامتيازات، وليس إيمانا خالصا بمعتقدات الطريقة وشعائرها.
وكذلك كتاب التشوف إلى رجال التصوف، لابن الزيات، الذي حققه أحمد توفيق وزير الأوقاف البوتشيشي.
فالمحاضرات التي تلقى لا علاقة لها بالتصوف وممارساته، وإنما هي شعارات براقة مواكبة لثقافة العصر السائدة، يراد بها تلميع التصوف وإكسابه حلة عصرية وعقلانية وحداثية، ولذلك عندما سأل صحفي أحد المحاضرين عن ماهية علاقة التصوف بالتنمية، بعد أن ظل عدد من المحاضرين يكررون الحديث عن الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه التصوف في التنمية! لم يتلق جوابا، لأن الأمر مجرد شعار براق لا أكثر ولا أقل.
أما الحديث عن الأخلاق، وأن معنى التصوف هنا هو الجانب التربوي والأخلاقي، أو ما يسميه بعضهم بـ(التخليق)، الذي تهتم به الصوفية كما يزعمون، فهو شعار أجوف ومخادع، فكل من خالط هؤلاء القوم عرف أن أغلبهم بعيدون عن حسن الخلق والاستقامة، وهم أقل التزاما بالخلق الكريم وأحكام الشريعة مقارنة بكثير من العاملين للإسلام، بمختلف تياراتهم، حتى تلك المعروفة بآفة الجفاف الروحي والضعف التربوي وطغيان التسيس.
وقد حضر المنتدى وحاضر فيه عدد كبير من المثقفين والرموز الصوفية من البلاد العربية والغربية، كان من أبرزهم، الثنائي الصوفي (فوزي الصقلي) أهم مثقفي الطريقة البوتشيشية، وزعيم التيارالفرنكفوني فيها، و (خالد بن تونس) شيخ الطريقة العليوية.
ويعتبران أهم رمزين من المغرب العربي لهذا النوع الجديد من التصوف، الذي يمثل تطويرا وتجديدا للتيار الصوفي الذي عرف في فرنسا والبلاد الغربية منذ عشرات السنين، باسم تيار المدرسة التقليدية، الذين عرفوا بنقدهم الشديد للحداثة الغربية، وعلى رأسهم الفيلسوف الفرنسي، ريني غينون (1886ـ 1951)، الذي كان يؤمن بوحدة الأديان، وتعمق في الهندوسية، بعد خيبة أمله في قدرة الكاثوليكية على مواجهة الحداثة، ثم اتصل بالشاذلية في مصر، وأعلن اعتناق الإسلام، وقد روج للمدرسة التقليدية التي تقوم على مبدأ وجود حكمة أزلية مشتركة بين الديانات الكبرى، مثل النصرانية واليهودية والبوذية والهندوسية والإسلام، فرغم اختلافها الظاهري؛ فهي تمثل طرقا صحيحة وجديرة بإيصال السالك إلى الحكمة الأزلية المطلقة الكامنة في الروح الباطنة لكل الأديان.
ويؤكد البعض بأن اعتقاده الحقيقي كان مذهبا من المذاهب الهندوسية، فمثلا في مراسلة إلى أحد تلاميذه، يقول له، إن الهندوسية هي أقرب إلى الحقيقة، ولكنها بعيدة جدا عن عقلية الأوروبي، ولكن التصوف الإسلامي هو أقرب إلى عقليته!
ولذلك فهو يرشح التصوف الإسلامي طريقا للإنسان الأوروبي، الباحث عن الحقيقة، ومن أهم تلاميذه الذين روجوا لتياره، فريتيوف شوون، السويسري (1907ـ1998)، الذي انضم إلى الطريقة العليوية على يد مؤسسها أحمد بن عليوة المستغانمي، ثم أسس الطريقة المريمية بعد وفاة أحمد بن عليوة.
وقد طفحت كتاباته بفكرة الدين الأزلي والحكمة المطلقة الكامنة في الأديان الكبرى، التي كان يرى صلاحها كلها للوصول إلى الحقيقة المطلقة، ولا زالت طريقته المريمية تنشط إلى يومنا هذا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما، وهي تضم مريدين ينتسبون إلى الإسلام واليهودية والنصرانية، لأن كل سالك يمكن أن يتربى على دينه حتى يصل إلى الحقيقة المطلقة.
وقد اشتهرت الطريقة بالتهاون بأمر الشريعة، حيث أباح شوون لأتباعه في الولايات المتحدة شرب البيرة وترك الجمعة، بدعوى أنهم يعيشون وسط ضغط المجتمع الأمريكي المعادي، كما أباح لهم تأخير صلاة الفجر، لأنه في عصر الكهرباء يصبح وقت الشروق مع إشعال النور الكهربائي حسب قوله!
وقد ربط طريقته بالعذراء مريم، وجعل لها تمثالا في غرفته في أواخر الأربعينات، كما دعا إلى العري المقدس، بعد أن زعم أن العذراء البتول عليها السلام، قد تجلت له عارية في منامه سنة 1958!
وأقام فترة بين إحدى قبائل الهنود الحمر، التي اتبعت دعوته في الولايات المتحدة، حيث رفعت ضده قضايا بتهمة التحرش الجنسي بالفتيات وانتهاك عرضهن، ومن أهم مؤلفات شوون: الوحدة المستعلية للأديان وعين القلب والأديان بين الجوهر والمظهر.
ويعد الفيلسوف الإيراني حسين نصر ـ أو رجل المناصب المتأله، كما يسميه مهرزاد بروجردي ـ أبرز أتباع شوون في البلاد الإسلامية، وكان شخصية ثقافية مرموقة في البلاط البهلوي، وتقلد مناصب متعددة، من بينها رئيس مكتب الشاه الخاص (1978 ـ 1979)، وسفير إيران المتجول للشؤون الثقافية (1975ـ1979)، وقد غادر إيران بعد الثورة، ويشغل اليوم منصب أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن، ومن أبرز تلاميذه أيضا البريطاني، مارتن لينغس، صاحب الكتاب الشهير في السيرة النبوية، والفيلسوف الفاشي والمنظر العنصري الايطالي يوليوس إيفولا، الذي استلهمت أفكاره العديد من تنظيمات أقصى اليمين الإرهابية في ايطاليا.
فإذا عرفنا هذه الجذور، أدركنا سر التقارب الكبير بين التيار التجديدي للمدرسة التقليدية، الذي ينتمي إليه (فوزي الصقلي) و (خالد بن تونس) ، والذي تصالح مع جانب كبير من مقولات الحداثة والبوذيين وغيرهم من أهل الملل المخالفة لدين الإسلام، وكذلك سبب تحللهما الكبير من أحكام الشريعة، ولذلك فلا عجب أن عُرف هذا الثنائي بتعاونهما الوثيق مع البوذيين، وخاصة رفيق دربهما في فرنسا، البوذي الفرنسي لاما دانيس، وهذا ما يفسر دعوة أحد البوذيين إلى (منتدى المشيشية الشاذلية) المزعومة، ليحاضر فيه!
أما فوزي الصقلي فهو فرنكفوني حتى النخاع، لغة وتفكيرا، إذ لا يكتفي بالمحاضرة بالفرنسية، بل يفضل الحديث بها في حياته اليومية، وخاصة أن زوجته فرنسية، وهي بالمناسبة ليست محجبة، لأن الحجاب والالتزام بأحكام الشريعة ليس له أهمية كبرى عند أغلب البوتشيشية، كما سوف نرى لاحقا، بل يعده مسألة شخصية، رغم ما يرددونه من أن طريقتهم تهتم بأمر الشريعة.
ولكن نكتفي هنا بالإشارة إلى أن زكية زوانات، وهي الأكاديمية المغربية الفرنكفونية المقيمة في المغرب، التي تعد أبرز مثقفة بوتشيشية، وصاحبة عدد من المؤلفات الصوفية بالفرنسية، هي امرأة متبرجة تحاضر عن التصوف وشعرها مكشوف ووجهها مطلي بالمساحيق!
كما أن حفيدة حمزة بوتشيش، شيخ الطريقة، الذي يعتبره أتباعه الولي والشيخ المربي الوحيد الموجود على أرض البسيطة في أيامنا هذه، والمقيمة في الحي المحمدي في الدار البيضاء، امرأة متبرجة أيضا! وهي رغم ذلك تعطي الإذن بأوراد الطريقة، لأنها تنتمي إلى العائلة البوتشيشية المقدسة!
وقد درس الصقلي في مدرسة فرنسية في فاس منذ نعومة أظفاره، ثم واصل دراسته العليا في فرنسا، حيث حصل على الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة السربون، ثم قاده تأثره بقراءاته لريني غينون إلى الاهتمام بالطاوية في البداية (فلسفة دينية صينية)، التي كانت موضة في ذلك الوقت بين بعض الأوساط الفرنسية المهتمة بالروحانيات الشرقية، قبل أن يقرر البحث عن شيخ صوفي مغربي ليرشده، وهو ما أوصله إلى اعتناق البوتشيشية، ويعد الصقلي ـ بعد تجميد الفيلسوف طه عبد الرحمن لنشاطه مع الزاوية البوتشيشية، احتجاجا على اختراق المخابرات المغربية لها حتى العظم، حتى صاروا يتحكمون في كل مفاصلها، وعلى توجهات فوزي الصقلي وأحمد توفيق وأضرابهما من المهيمنين على الزاوية التي تهدف إلى مصالحة العلمانية مع التصوف ـ أهم مثقفي هذه الطريقة التي صارت المفضلة عند المخزن في المغرب، حتى قيل بأنها صارت دين الدولة الجديد!
ويعرف الصقلي بمواقفه وتصريحاته العدائية لمن يسميهم بالأصوليين، الذين يتهمهم بالدعوة إلى الهرطقة، وأنه لا لقاء بينهم وبين الصوفية، وقد لعب الصقلي دورا كبيرا في نشر البوتشيشية في فرنسا، خاصة أنه كان مقدم الطريقة في فرنسا، ومن الذين اعتنقوها على يديه هناك، مغني الراب الفرنسي ذو الأصل الكنغولي، عبد المالك، الذي يصرح في كتابه فليبارك الله فرنسا!، أنه كان من جماعة التبليغ، ثم اختلف معهم لأنهم نهوه عن الاشتغال بالموسيقى، ولأنهم وغيرهم من الجماعات الإسلامية التي تعرف عليها في فرنسا، يعيشون ضمن ثنائية الحلال والحرام، كما ذكر ذلك في كتابه الآنف الذكر، ولم يرق له ذلك، فوجد الحل مع البوتشيشية، التي فتحت له المجال ليفعل ما يشاء، فتحول من نقد الحضارة الغربية إلى نقد دعاة الإسلام وأحكام شريعة الإسلام عن جهل، وهو المسلم الجديد الذي وقع فريسة للتصوف الفرنكوأمريكي الجديد!
وكان قد سافر ضمن وفد يهودي نصراني إلى معسكر أشويتز النازي في ألمانيا، استجابة لنداء وجهه القس العربي الإسرائيلي، أميل شوفاني، دعا فيه أن يلتقي يهود ومسلمون ونصارى في متحف المحرقة النازية في أشويتز في ألمانيا، وقد سانده فيه فوزي الصقلي وخالد بن تونس، وذلك للمساهمة في السلام مع إخوتنا اليهود، كما يقول عبد المالك، ويذكر في كتابه، وهو ما تعلمه من الصقلي، الذي يدعو إلى تقارب الأديان، أنه عندما دخل إلى الكنيس اليهودي، شعر بنفس الخشوع الذي يشعر به عندما يدخل مسجداً !
كما أن الصقلي، هو مؤسس مهرجان فاس للموسيقى الروحية، الذي تخلى عنه لخلافات مع شركائه فيه، ليؤسس مهرجانا آخرا للموسيقى والغناء، سواء منه السماع الصوفي أو الغناء المعتاد المقحم في التصوف، وقد سماه مهرجان الثقافة الصوفية في فاس، بعد أن اشتد الإنكار عليه.
محاضرات يلقيها الصوفية وأصدقاؤهم من بوذيين وغيرهم (في هذا لمهرجان) عن قضايا، لا علاقة لها بالتصوف في كثير من الأحيان كما أسلفنا، مثل الموسيقى! وهذا المهرجان كما توضح النشرة المعرفة به، تساهم في تمويله إلى جانب وزارة الأوقاف (البوتشيشية) وجهات مغربية أخرى رسمية وسياحية، السفارتان الأمريكية والإسبانية في المغرب، إضافة إلى المعهد الفرنسي في فاس، المرتبط بالسفارة الفرنسية في المغرب.
وتشجيعاً لمجهوداته في نحر عقيدة الولاء والبراء وتذويب الإسلام في العقائد الأخرى، فقد أدرجت الأمم المتحدة الصقلي في سنة 2001م، ضمن (12) شخصية عالمية، ساهمت في حوار الحضارات!
ولا شيء في فوزي الصقلي، يوحي بمعنى من المعاني التي توحيها كلمة صوفي أو رمز صوفي في الذهن. فهو حليق اللحية والشارب، ويلبس أحدث الموديلات الفرنسية، كما أنه يتصرف بكل أريحية على الطريقة الفرنسية، فقد كان يتبادل القبلات البريئة بكل أريحية فرنسية مع المريدات اللاتي كن يأتين للسلام عليه أمام أنظار الحاضرين!
وكذلك كان شأن رفيق دربه وحليفه الولي الصالح، شيخ الطريقة العليوية، خالد بن تونس المقيم في فرنسا منذ عقود، وهو من أقارب أحمد بن عليوة، مؤسس الطريقة العليوية في مدينة مستغانم الجزائرية!
ومقابل دعوة البوذيين والعلمانيين وغيرهم إلى الندوات والملتقيات الفكرية التي ينظمونها، فهم حريصون كل الحرص على تجنب دعوة للعاملين للإسلام أو التعامل معهم! رغم أن بعض هؤلاء، وخاصة من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، قد اجتهدوا في مد الجسور مع الطرق الصوفية والحوار معها وعدم تركها فريسة للأمركة -كما قال بعضهم- ووصل الأمر إلى امتناع الأستاذ محمد اليتيم عن نشر مقال لصديقه الدكتور محمد وراضي في جريدة التجديد، ينتقد فيه محاضرة لأحمد توفيق وزير الأوقاف البوتشيشي، افتتح بها الدروس الحسنية في رمضان، وكانت بحضور الملك محمد السادس، تحت عنوان النسب الشريف والسند الصوفي، رأى فيها الدكتور محمد وراضي تزلفا غبيا وإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما استفسره عن سبب امتناعه عن نشرها، أجابه بأن سياسة الحزب تحرص أشد الحرص على تجنب أي صدام مع جماعات إسلامية من أسرة واحدة! فضلا عن كونه يحرص على مواجهة العلمانيين كخصوم حقيقيين للدين!
بيد أن كل ذلك لم يثمر شيئا مع البوتشيشية، إذ إن الحوار يكون مع من يملك زمام أمره، أما عندما يكون المدعو إلى الحوار، تتحكم فيه الدوائر الأمنية المشبوهة، وبعض عناصره ليسوا إلا موظفين دسوا داخل الزاوية، للقيام بمهمة محددة، فيخشى أن يساهم دعاة التطبيع مع هؤلاء وعدم الرد عليهم في دعم هذا التصوف الخرافي القبوري، من حيث لا يشعرون، ومن دون أن تستفيد الدعوة الإسلامية من ذلك شيئا، بل قد تتضرر بتضرر عقائد الناس، ذلك أن المخزن حريص على لعبة التوازنات، وهو لن يسمح باللقاء بين الإسلاميين والصوفية، الذين لا يدعمهم حبا في الصوفية وإيمانا بمعتقداتها، ولكنه يهدف من وراء ذلك إلى العمل على التصدي للمد الإسلامي وإضعافه.
ثم إن الحوار أو الانفتاح يكون أجدى مع الطرق التي تملك زمام أمرها، أو تعمل على ذلك، مثل (الزاوية الريسونية)، وكذلك الطرق التي هي أقرب إلى السنة من غيرها، مثل (الناصرية) التي تعد أقرب الطرق الصوفية المغربية إلى السنة، وتُعرف برفضها للكثير من البدع التي يعرف بها الصوفية.
ونعود إلى الطريقة الشاذلية المشيشية المزعومة، التي عقد تحت يافطتها هذا المنتدى العالمي! لنؤكد بأنه لا وجود لهذه الطريقة المزعومة، وأن جميع القائمين على هذا المنتدى يعلمون حقيقة اللعبة، وأنه لا توجد طريقة اسمها الطريقة المشيشية الشاذلية في المغرب، وذلك ليس فقط لأن عبد السلام بن مشيش، شيخ أبوالحسن الشاذلي، لم يؤسس طريقة، ولكن لأنهم يعلمون جيدا أن هذه الطريقة وهمية لا وجود لها، وليس لها أي مريدين، اللهم إلا شيخها المزعوم، وإنما هي لعبة تقف وراءها أطراف مشبوهة داخلية، وقد يكون بعضها خارجي أيضا، للوصول إلى أهداف معلومة.
فالذي يزعم أنه شيخ الطريقة، ويسمي نفسه نور الهدى، واسمه الحقيقي نبيل الإبراهيمي، هو رجل في بداية الأربعينات من عمره، كان عضوا في جماعة العدل والإحسان، المعروفة بتوجهاتها الصوفية المعارضة، وكان يمارس ما يعرف بالرقية الشرعية، ثم تمادى به الأمر، فادعى (المهدوية) منذ سنوات قليلة، وهو ما أدى إلى فصله من الجماعة، غير أنه تمادى في طموحاته، ليراسل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، عارضا عليهم مهدويته، أو ربما خدماته، ليتحول في وقت وجيز إلى صاحب أموال، بعد أن كان متواضع الحال، ويشتغل معلما في التعليم الابتدائي، وهو متهم بالاستيلاء على مبلغ مليون وأربعمائة ألف درهم مغربي عبر النصب والاحتيال في شكوى رفعت ضده لدى الشرطة، وقد افتتح موقعا على الانترنيت باسم طريقته المزعومة، ويمتلأ الموقع بالأكاذيب المضحكة والمبالغ فيها عن فضل الشيخ المزعوم وعن انتشار طريقته في مختلف الأصقاع، وكذلك بالغلو الرافضي في الأئمة الذين يقدمهم الروافض، بعد أن اعتنق التشيع.
الملفت للنظر أن تصوف هذا الدجال المحتال هو من التصوف التقليدي المعتاد، سواء في سمته، حيث إن الرجل يطلق لحية كثة وطويلة، أو في لباسه التقليدي المغربي، كما أن لغته بعيدة عن الخطاب الحداثي، الذي يتبناه التيار التصوف الجديد، وهو يصف نفسه في مدونته بصفات عجيبة وغريبة.
وهكذا نرى تحالف التصوف التقليدي مع التصوف الفرنكوأمريكي البوذي الجديد، في سبيل تحقيق الأهداف المشتركة، ويبقى السؤال المطروح:
عن أية حداثة وتنمية يتحدثون ؟!
وإلى أين يسير الإسلام البوذي الفرنكوأمريكي الجديد في المغرب؟
وهل سوف ينجح في التوسع إلى البلاد العربية والإسلامية، كما يخطط القائمون عليه؟
وخاصة أن البوتشيشية –مثلا- قد تمكنت من اختراق بعض دول غرب إفريقيا، وتحديدا مالي، التي حققت فيها نجاحا معتبرا، وبدأت طلائعها تنشط في تونس، وخاصة في مدينة طبلبة في فيلا يملكها أحد الأثرياء المنضمين إليها، أم أنها سوف تواجه عراقيل في البلاد العربية، بسبب تنامي الوعي، وكذلك بسبب ارتباطها الوثيق بالمخابرات المغربية، مما قد يعرضها إلى مضايقات الأجهزة الرسمية في بعض البلاد العربية؟
وهل يتحول هذا التيار الصوفي المعادي للصحوة الإسلامية والعمل الإسلامي إلى ما يشبه جماعة الأحباش في المستقبل، بعد أن يتنامى أكثر، ويلجأ إلى العنف في مواجهتها (أي حركة الصحوة الإسلامية)؟
سيما وأن العديد من مريديه يتميزون بالتعصب الشديد للشيخ وطريقته، والعداء المكين للعاملين للإسلام من أبناء الصحوة الإسلامية، الذين ينعتونهم بالوهابية وبعدم الإخلاص للملكية، بمن فيهم المنتمون لحزب العدالة والتنمية كما أسلفنا!
كانت تلك لمحات عن ظاهرة التصوف الجديد بالمغرب، عسى الله أن يوفقنا لإخراج دراسة علمية وافية عن الموضوع.
التعليقات (0)