تناسلت في السنتين الأخيرتين جرائم الاعتداء الجنسي على القاصرين بالقنيطرة بشكل ملفت. فلا تكاد تمر فترة دون أن تطفو على السطح قضية تهم استغلال الأطفال جنسيا.
إن هذا النوع من الجرائم يدمي القلب ويوجع النفس، وما يرفع درجة القلق هو أن الحالات التي يتم كشفها لا تهم كل الفضاعات المقترفة في حق الأطفال ولا نعلم النوازل التي تبقى طي الكتمان وقد تكون أفظع وأكثر من حيث العدد والخطورة.
وما يحز في القلب أن بعض الجناة يلقون ضالتهم ويقومون بفعلتهم بكل اطمئنان مستكينين إلى الغطاء الذي قد يوفره لهم مسرح الجريمة وفضاء الاعتداء، إما لبعده عن المراقبة أو لكونه مكانا بعيدا عن الشبهات، وغالبا ما يكون أحد بيوت العائلة أو الأقارب. ويكون المعتدي شخصا تطمئن إليه الضحية. وإن أغلب نوازل التعدي الجنسي على الأطفال تُقترف في الأماكن التي من المفروض أن توفر الأمان الشخصي للأطفال، والطمأنينة لهم ولذويهم، على اعتبار أنها هي الفضاءات الطبيعية والعادية، والتي يقضون فيها جل أوقاتهم في الحياة اليومية: (كالبيت الأسري، بيوت الجيران والأقرباء، في الخيريات والمدارس الداخلية، المخيمات الصيفية وأماكن الشغل بالنسبة لخادمات البيوت...) كما أن المعتدين هم في الغالب أناس تربطهم بالأطفال الضحايا علاقة الدم أو علاقة قرابة أو علاقة ثقة غير مشكوك فيها لا تقترض أي نوع من أنواع الغدر.
وقد أكدت أكثر من جهة أن اليوم مع الدستور الجديد وفي ظل وجود مواد قوية تضمن حق الحياة والكرامة، فأن المنظومة التشريعية أضحت في حاجة ماسة إلى تقويتها وبث الروح فيها حتى لا يفلت مقترفي الاعتداءات الجنسية على القاصرين من المساءلة والمحاسبة و
حتى لا يعرف المجتمع انزلاقات من هذا النوع.
إحصائيات صادمة رغم أنها لا تعكس الحقيقة كاملة
حسب إحصائيات التي كشفتها جمعية "ما تقيش ولدي" عرف عدد قضايا الاعتداء الجنسي على القاصرين المعروضة على القضاء بجهة الغرب الشراردة بني حسن (القنيطرة) ارتفاعا ملحوظا٬ إذ انتقل عدد الملفات المعروضة أمام غرفة الجنايات بالقنيطرة من 101 ملفا سنة 2010 إلى 130 ملفا سنة 2011 ٬ أي بتسجيل زيادة تقدر تناهز نسبتها 30 في المائة. علما أن عدد القضايا التي تم الحكم فيها بالبراءة لم يتجاوز نسبة 2٬30 في المائة سنة 2011 من مجموع الملفات المعروضة على أنظار المحكمة و نسبة 3,96 المائة سنة 2010.
وأبرزت الإحصائيات أنه خلال سنة 2011، بلغ مجموع الملفات المحكومة بالحبس أو السجن النافذ 97 ملفا أي ما يمثل 74,61 في المائة من مجموع الملفات ٬ والمحكومة بالحبس أو السجن الموقوف التنفيذ 18 ملفا (13,84في المائة)٬ بينما بلغ عدد الملفات غير المحكومة 12 ملفا (9,23 في المائة).
في حين بلغ عدد النوازل المعروضة على القضاء سنة 2010، 101 قضية من أصل 484 ملفا معروضا على غرفة الجنايات ٬ أي بنسبة 20,86 في المائة٬ تم الحكم فيها بالحبس أو السجن النافذ في 72 قضية (71,28 في المائة)٬ وبالحبس أو السجن موقوف التنفيذ في 17 قضية (16,83 في المائة) ٬ والحكم بالبراءة في 4 ملفات (3,96 في المائة)٬ وبلغ عدد الملفات غير المحكومة 8 (7,92 في المائة).
وقد عكست هذه الإحصائيات تنامي جرائم الاعتداء الجنسي على القاصرين بالجهة وكذا الوعي المتزايد للأسر التي أصبحت لا تتوانى عن التبليغ عن حالات الاعتداء الجنسي.
وفي قراءة تحليلية لهذه الإحصائيات ، أكد رشيد أيت بلعربي، عضو جمعية "ما تقيش ولدي"، أن الظاهرة عرفت تطورا ملفتا في السنوات الأخيرة من حيث الكم المتصاعد في عدد الضحايا أو من حيث طبيعة وأشكال الاعتداءات الجنسية و الفئات المستهدفة.
وفي هذا النطاق اعتبر مصطفى الرشدي٬ محامي٬ ومستشار قانوني لجمعية "ما تقيش ولدي"٬ أن هذه الإحصاءات صادمة بالنظر إلى تطور هذه الظاهرة٬ معبرا في الوقت ذاته عن ارتياحه إزاء الأحكام القاسية التي صدرت بخصوص هذه القضايا.
في حين أشارت نجاة أنور، رئيسة الجمعية المذكورة، إلى أن التشهير بهذه الإحصائيات وتعميمها تكتسي أهمية كبيرة لخطورة الموضوع الذي تتناوله، و أنها تشكل فرصة سانحة للحديث بصوت مسموع والكشف عن هول جرائم الاعتداءات على قاصرين وقاصرات .
وقد خلفت هذه الإحصائيات استياء لدى الرأي العام المحلي لكن مع ارتياح نسبي بخصوص تعامل القضاء مع تلك النوازل، مما جعل عددا من المتتبعين يطالبون بتشديد العقوبات في حق مرتكب مثل هذه الجرائم الشنيعة، سواء كان مغربيا أو أجنبيا، حتى يكون عبرة للآخرين خاصة مع توالي الحديث عن عدم المساواة بين الأجانب والمغاربة في الأحكام، لاسيما في ملفات الدعارة والفساد.
التواصل يضيق الخناق على المجرمين
ظلت جمعية "ما تقيش ولدي" تُصرّ على ضرورة تسهيل عملية التواصل بين الاباء و الاطفال من خلال تشجيعهم على التبليغ بجميع أنواع الاعتداء٬ بما في ذلك الاعتداء الجنسي٬ سواء داخل البيت أوخارجه ٬ وإدراج التربية الجنسية في المناهج الدراسية٬ وتنظيم حملات للتوعية بالمؤسسات المدرسية حول الاعتداء الجنسي٬ والتنصيص في دفاتر تحملات وسائل الإعلام العمومية على عرض برامج وربورطاجات للتوعية بهذه الظاهرة.
كما ظلت الجمعية تطالب هيئات المجتمع المدني التي تعنى بحقوق الأطفال بإحداث رقم أخضر لتسهيل الاتصال مع الضحايا٬ ٬ وتطبيق مقتضيات القانون الجنائي٬ وتنفيذ أحكام الدستور في المحور المتعلق بسمو المعاهدات الدولية على التشريعات الوطنية٬ ورفض الظروف المخففة في حالات الاعتداء الجنسي على القاصرين٬ ومنح صفة المنفعة العامة للجمعيات ذات مصداقية التي تنشط في هذا المجال لتمكينها القيام بمهامها بفعالية وجدوى أكثر، مع التأكيد على التطبيق السليم للقانون وتوقيع العقوبة على الجاني وتشديدها على الجناة لإعطاء العبرة وتحقيق الردع المطلوب،والتنزيل الفعلي لنصوص الدستور في شقها المتعلق بسمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية والتسريع بملاءمة هذه الأخيرة مع المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الطفل.
إن الطفل بمحض إرادته لا يبوح في الغالب بما تعرض له ، فهو يعرف أن ما تعرض له ضد الطبيعة وهو أمر غير عاد ومشين. ويعتقد إن هو اشتكى قد يتعرض للعقاب من طرف الأب أو الأم أو الاستهزاء والاحتقار من طرف أقرانه وأصدقائه، لذلك يحتمي بالصمت، وينزوي ويتكوم على آلامه. قد يركن الطفل الضحية إلى الانزواء والعزلة وتفادي كل أشكال الاحتكاك بوسطه، كما قد يصبح عدوانيا وكأنه ينتقم من كل ما يحيط به.
جرائم مازالت شاخصة للعيان بالقنيطرة
هناك جرائم شنيعة ترفض الذاكرة الجماعية بمدينة القنيطرة نسيانها.
من هذه الجرائم، جريمة مواطن إسباني من أصول عراقية يدعى "دانيال" تجاوز السبعين من عمره، اعتدى جنسيا على مجموعة من الأطفال الذين كان يستدرجهم إلى شقته غير البعيدة عن السجن المركزي بالقنيطرة لممارسة شذوذه . ولم يكن يكتفي بممارسة شذوذه على الأطفال الأبرياء فحسب، بل كان يوثق ذلك بشرائط فيديو ويخزنها في أقراص مدمجة، ولم يكن أمره لينكشف لولا أن الصدفة لعبت دورا حاسما، إذ أن تظاهره بالطيبوبة وحسن المعاملة جعله في منأى عن الشبهات بمحيطه وبالعمارة التي كان يقطن إحدى شققها بالقنيطرة.
افتضح أمر "دانيال" بعدما ربط الاتصال بجاره، الذي اعتاد رعاية شقته في غيابه والاعتناء بمغروساته الداخلية، ليطلب منه إتلاف أشرط فيديو وأقراص مدمجة بعدما أبلغه بمكان بالدولاب وجودها بشقته التي كان يترك مفتاحها لديه. لم يتلف الجار ما طُلب منه إتلافه واحتفظ نه بعد أن طمأنه بأنه قام باللازم، بيد أنه خبأ الأشرطة والأقراص لمدة سنة دون أن يعرف محتوياتها إلى أن قام بمعية أحد زملائه ،جار"دانييل"، بفتح الملفات المخزنة التي لم تكن سوى عدد من الصور لأطفال في أوضاع جنسية صدمتهما. وصُعق الجار حين عاين صورة لطفلته من بين الضحايا مخلة بالحياء وشاذة، فطلب الجار من زميله كتمان الأمر، غير أن هذا الأخير قام بإبلاغ الشرطة، لأنه لم يتحمل تعرض أبرياء لهذه الجريمة التي لا ينبغي السكوت عنها أو التستر عليها. هكذا انكشف الأمر، فتحركت جمعيات المجتمع المدني منددة بما حصل، وقد اعتقل المواطن الإسباني بعقر شقته وهو يتفرج على جرائمه موثقة في أقراص كانت في حوزته. وفتح تحقيق في الموضوع، وتم الاستماع إلى الضحايا وأولياء أمورهم.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم التبليغ فيها عن "دانيال"، بل سبق لخادمة قاصر، كانت وقتها تبلغ 14 سنة، أن بلغت عن محاولة الاعتداء عليها وعلى أختها جنسيا منذ أربع سنوات من قبل الشخص ذاته غير أن تنازل والد الخادمتين جعل المجرم يفلت من العقاب.
وحسب البحث، فإن عدد الحالات التي اعتدى عليها "دانيال" فاق عشرة أطفال وطفلات يتراوح سنهم ما بين سنتين و15 سنة، وقد أثبتت الخبرة الطبية تعرض بعضهم لهتك العرض والاغتصاب.
وقد خلف الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة القاضي بسجنه لمدة 30 سنة، ارتياحا واسعا لدى الرأي العام والجمعيات التربوية والحقوقية المهتمة بحماية الطفولة، لكونه شكل سابقة في تاريخ القضاء المغربي، في ملف الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال التي غالبا ما كان يتم التستر عليها وإقبارها،ولكون على القضاء أن يظل في طليعة حماة الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية. واعتبر الكثيرون آنذاك أن هذا الحكم هو بداية حقيقية للتصدي لهذا النوع من الجرائم التي تظل عالقة بذاكرة الأطفال بالخصوص.
ومن النوازل، قيام شخص بسيدي قاسم بهتك عرض أخت زوجته القاصر بالعنف مع افتضاض بكارتها، حُكم عليه بــ 20 سنة حبسا نافذا. وكانت فصول هذه القضية قد انطلقت، حينما تقدمت الضحية القاصر (15 سنة) بشكاية عرضت فيها، أن زوج أختها طلب منها ذات مرة مرافقته إلى منزل والديه لملاقاة أخته، وهو ما استجابت له، إذ رافقته بحسن نية، لكنها لم تجد أي أحد بالمنزل، وهناك أعرب لها عن إعجابه بها، فقام باغتصابها تحت التهديد بالسلاح الأبيض، وافتض بكارتها، ثم ألح عليها عدم إشعار عائلتها بما وقع، مهددا إياها بأوخم العواقب. وكشفت الضحية في تصريحاتها، أن المتهم ،البالغ من العمر 31 سنة، هو الذي قام باغتصابها وتسبب في حملها، الذي وضعته بالمستشفى الإقليمي بسيدي قاسم، وقالت إن خوفها من الفضيحة هو الذي دفعها إلى إخفاء حقيقة هذا الأمر، قبل أن تنكشف فصول هذه الجريمة، بعدما حاول المتهم، الذي أضحى يعيش معهم في منزل عائلتها، مضاجعتها مرة ثانية، فطردته من غرفتها أمام مرأى ومسمع أمها، التي قررت متابعته قضائيا.
وأمام إصرار المتهم على إنكار المنسوب إليه، أصدر قاضي التحقيق بالغرفة الثانية لدى استئنافية القنيطرة، أمرا قضائيا بإجراء تحليل مختبري للحمض النووي للتأكد إن كان الطفل المولود هو من صلب الضحية القاصر والمتهم ، فأُنجز التحليل وكانت النتيجة إيجابية.
ومن الجرائم الجنسية البشعة تلك التي بطلها أب أُتّهم باغتصاب ابنته، بعد أن تدخلت
جمعية متقيش ولدي و دفعت بالملف نحو محكمة الإستئناف ولمساءلة المتهم الذي أدين بــ 30 سنة سجنا نافذا.
ومن النوازل البشعة قدوم حارس مدرسة خاصة بالقنيطرة باغتصاب طفلة داخل المِِؤسسة في وقت الدراسة. انطلقت وقائع هذه القضية، وفق رواية مقربين من الضحية، حينما همت هذه الأخيرة بالذهاب إلى مرحاض المؤسسة التعليمية الخاصة التي تدرس بها، ليلحق بها حارس المدرسة، الذي باغتها وهي تقضي حاجتها ليقوم باغتصابها من الدبر. وحاولت الطفلة إخفاء ما لحق بها من أضرار بالغة، إلا أن حالتها النفسية المضطربة دفعت أبويها إلى استفسارها بإلحاح شديد حول أسباب معاناتها، وهو ما جعلها تكشف لهما تفاصيل واقعة الاعتداء الذي تعرضت له. فسارع والدها بتقديم شكاية في الموضوع إلى مصالح الأمن، التي همّت بإيقاف المتهم والتحقيق معه، قبل أن تحيله في حالة اعتقال على الوكيل العام للملك.
ومن النوازل الغريبة التي عرفتها ضواحي القنيطرة في غضون سنة 2011، تلك النازلة التي هزت منطقة سيدي الطيبي على وقع انتشار خبر حدوث فضيحة جنسية تداولت بين أوساط التلاميذ وأساتذة إعدادية سيدي الطيبي وجمعية آباء وأولياء التلاميذ ، مفادها تورط مدير الإعدادية (54 سنة) في استغلال تلميذة قاصر تدرس في السنة الثالثة إعدادي بنفس المؤسسة جنسيا. حيث تقدمت أسرتها بشكاية لدى مصالح السلطات المحلية في الموضوع بعدما تفجرت القضية في أساط المؤسسة وبين زملائها في المدرسة مما حدا إلى محاولة الانتحار برمي نفسها من الطابق الثاني من مبنى الإعدادية .وكانت الضحية قد أباحت لإحدى أساتذتها بأن مدير المؤسسة استغلها جنسيا وكان يستدرجها إلى منزله الوظيفي.
ومن جهته نفى مدير الإعدادية الاتهامات الموجهة إليه جملة وتفصيلا واعتبر أن تفجير قضية الاغتصاب الملفقة هي مجرد عملية انتقامية دبرتها له إحدى الأستاذات التي كانت له معها مشاكل إدارية ، وصار على هذا المنحى تقرير اللجنة النيابية المحال على الأكاديمية من أجل استكمال البحث في الموضوع ٠
وعاشت المؤسسة التعليمية أوضاع محتقنة بين مناصر للاتهامات الموجهة للمدير وبين الأطراف المحاولة للتغطية على هذا الحدث ،وصل إلى حد استدراج التلاميذ في تنظيم احتجاجات ،وتوقيع العديد من العرائض المنددة لهذه الفضيحة المدوية من قبل عدد من أساتذة التعليم بنيابة القنيطرة ، كما تمت معاينة محاولات تسوية هذا الملف مع عائلة الضحية ودفعها لسحب شكايتها.
هذه مجرد نماذج من الاعتداء الجنسي على القاصرين بالقنيطرة وجهتها وغيرها كثير، رصدناها على سبيل الاستئناس ليس إلا.
على سبيل الختم
كفى لكل أشكال الاعتداء الجنسي على الأطفال واغتصاب البراءة في عقر الأمكنة الآمنة وفي أحضان من يثق فيهم الأطفال ودويهم،وعلينا الاستمرار في كسر جدار الصمت وفضح التواطؤ على طمس معالم جرائم وأفعال شائنة تغتصب البراءة وتنتهك الأعراض في أماكن ا يعتقد الضحية ودويه أنه آمن فيها.
التعليقات (0)