مواضيع اليوم

التصدي للإرهاب.. الأمن و السياسة و الدين و المرأة..

إدريس ولد القابلة

2009-10-11 02:00:42

0

في السياسة الأمنية

 

واكب تنامي ظاهرة الإرهاب خلال السنوات الأخيرة، تصاعد وتيرة الردود الميدانية عليها، مما أثار مجموعة من التساؤلات وساهم في حدوث الكثير من التجاوزات.

فعلا، تعاظمت مخاطر الإرهاب بشكل ملفت خلال العقود الأخيرة، سيما وأن المخططين للإرهاب أضحوا يستخدمون خططا دقيقة وطرقا متطورة مستفيدين من التقدم المتسارع للتكنولوجيا الحديثة، مما أدى آخر المطاف إلى خسائر جسيمة، في الأرواح والممتلكات والمنشآت، وأيضا على مستوى العلاقات البينية بين الدول والشعوب.

فقد أصبحت الأوساط الإرهابية تستغل كل ما من شأنه أن يمكنها من بلوغ أهدافها، وبالتالي تنفيذ عملياتها في أي بقعة من العالم، هذا الأخير الذي أضحى قرية صغيرة بفعل انفجار تطور وسائل الاتصال وتدفق المعلومات.

عموما، تصاعدت مخاطر الإرهاب وما زالت تشكل هاجسا اعتباريا أول بالنسبة للحكام كما للشعوب ومحورا مهما في خطاب المجتمع الدولي والمجتمعات المحلية دون استثناء. فكل السياسات أضحت راهنيا محترقة بهاجس القلق جراء الاستعمال المنظم للعنف، بشتى مظاهره المادية والمعنوية، بشكل يثير الرعب والخوف مخلفا وراءه خسائر جسيمة، بشرية ومادية، بغية تحقيق أهداف سياسية أو مآرب شخصية بالشكل الذي يتنافى وقواعد القانون الداخلي والدولي.

إن مواجهة الإرهاب ومكافحته بالمغرب سعت إلى حركية على المستوى الداخلي والمستوى الخارجي؛ فداخليا تم تعزيز المنظومة القانونية الجنائية من خلال تبني قانون الإرهاب ومراجعة بعض الانفلاتات والهفوات في تدبير الشأن الديني والتعاطي معه وتفكيك مجموعة من الجماعات والتنظيمات المتطورة، في أنشطة وصفت بـ "الإرهابية".

أما خارجيا، فقد طغى الاهتمام بالتعاون مع جهات أمنية أجنبية في إطار اتفاقيات ثنائية وجماعية وتبادل المعلومات والمتهمين.
لقد ظل الطابع الأمني والقانوني طاغيا على المقاربة المعتمدة للتصدي للإرهاب ومكافحته، الشيء الذي أدى إلى اقتراف جملة من التجاوزات نالت من الخطوات التي تم تحقيقها اضطرادا في مجال حقوق الإنسان والمواطنة في الفحوى والوسائل.

تظل المعلومة القاسم المشترك بين كل الأجهزة الأمنية. وبالأمس القريب كان اهتمام الأجهزة الأمنية المغربية مصوبا ضد المعارضين السياسيين، أما الآن السائد هو اهتمامها بالشر البارز "الإرهاب" ، فحول الإرهاب بالأساس يتمحور اهتمام تلك الأجهزة الأمنية في الفترة الحالية.

إن الدولة، وحدها، هي التي تحدد سياستها الأمنية، وبالتالي فطبيعتها (أي الدولة) وسياستها الأمنية هي التي تتحكم في اختيار الأشخاص الموكول لهم تنفيذها.

تعمد الدولة في كل مرة وحين إلى تجديد وسائل التصدي سواء بالنسبة للخارجين على القانون الساري المفعول، أو إلى قمع فعاليات المجتمع المنددة بسياستها أو المطالبة بمساءلة القيمين عليها.

 

المقاربة الأمنية


يعتمد المغرب مقاربة أمنية تتنوع أشكالها ومظاهرها حسب الظرفية، فأحيانا تكون مقاربة أمنية بأساليب ناعمة نسبيا، لكنها غالبا ما تصير مقاربة أمنية قمعية شرسة.
وقد أجمع المهتمون بالشأن الأمني بالمغرب، على أن سيادة المقاربة الأمنية ساهمت في النيل من الخطوات المحققة على صعيد السجل الحقوقي المغربي، هذا في وقت سعى الجميع إلى إرساء مبادئ مصالحة مجتمعية للعمل من أجل تفعيل آليات الانتقال الديمقراطي.

كما أن الإفراط في اعتماد المقاربة الأمنية دون سواها من المقاربات، كاد في فترة معينة أن يؤدي إلى قطع العلاقات الودية للمغرب مع بعض منظمات حقوق الإنسان الدولية، منها منظمة العفو الدولية (أمنسيتي)، وأحرجت بلادنا في اللجنة الأممية المعنية بحقوق الإنسان في جنيف التي سبق لها أن نبّهت الحكومة المغربية إلى خطورة استفحال ظاهرة التعذيب والاختطاف والحجز التعسفي بعد أحداث مايو 2003 المهددة لأمن واستقرار البلاد آنذاك، وبعد القمع الذي تعرض له النشطاء الحقوقيون في يونيو 2007. وجرّ أيضا سُخط التقارير الوطنية والدولية على القيمين على السياسة الأمنية، سيما الذين يحظون بدعم استخباراتي دولي خاص.

من الأمثلة التي برهنت بجلاء على محدودية جدوى المقاربة الأمنية أحداث مارس 2007 : "فجر عبد الفتاح الرياضي نفسه... تم الكشف عن غرفة تركيب العبوات الناسفة بحي مولاي رشيد.. تأكدت علاقة الانتحاريين بسعد الحسيني.. أغلبية من شملهم الاعتقال واتضح تورطهم، منحدرون من نفس الأحياء التي أنتجت انتحاريي 16 مايو 2003.. بعد سلسلة من الاعتقالات تم تفكيك خلايا "إرهابية" بكل من الدار البيضاء وسلا وتطوان... بدأ الاستنطاق مع 130 شخصا كانوا قد استفادوا من عفو ملكي... لكن أول درس تم استخلاصه هو بداية ظهور فئة من "الهواة" في الأعمال التخريبية بمقدورهم الاعتماد على أنفسهم، وبتمويل محدود وتواصل دائم، دون الحاجة إلى خبرة أو دراية خاصة أو تدريب طويل ومضن.. ثم أضحت شبكة الانترنيت منطلقا لتفريخ "الإرهابيين" الذين لا يحملون سلاحا ومن غير المستوردين من الخارج، إذ يكفي تحويل ساخط أو منعزل عن المجتمع، بسرعة فائقة إلى شخص سرعان ما يبدأ في التآمر على وطنه ومواطنيه" (1).
(1) ملف أسبوعية "المشعل" ـ مارس 2007.

تأكد مرة أخرى إجماع المتتبعين للشأن الأمني المغربي، القائل إن الإرهاب والتطرف هما نتاج لتظافر جملة من العوامل والظروف المتداخلة. كما تبين بجلاء أن آليات إنتاج وإعادة إنتاج "الإرهاب" كانت قد انطلقت داخليا، وأضحى من غير المفيد الاقتصار على الإجراءات الأمنية وحدها أو الإفراط في تشديدها.

آنذاك انكشفت محدودية نهج تشديد المراقبة على بعض المنشآت والإدارات والبعثات الدبلوماسية وحراستها والاستعانة بآليات متقدمة وتوزيع الهواتف المحمولة على أعوان السلطة و"المخبرين" وإعادة التحقيق مع المعتقلين السابقين وتتبع خطواتهم ومراقبتهم اللصيقة.

وقتئذ نادت أصوات كثيرة بضرورة إعادة النظر، مرة أخرى، في نهج الإعتماد على المقاربة الأمنية، مشيرة إلى أن أطراف كثيرة من المغرب ما زالت
مواتية للمزيد من تعقيد آليات إنتاج وإعادة إنتاج "الإرهابيين المحليين" بفعل انسداد الأفق، علما أن الشعور بالمواطنة وترسيخها على أرض الواقع، متوقف بالدرجة الأولى على انتعاش الأمل في الغد وعلى تحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية والثقافية والتربوية لفضاءات إنتاج وإعادة إنتاج المهمشين الغاضبين.

كما أكد العديدون أننا في حاجة أكثر من أي وقت مضى، ليس إلى سياسة أمنية متشددة، وإنما نحن، في حاجة ماسة، أولا وقبل كل شيء، إلى استراتيجية واضحة المعالم ومحددة المقاصد من أجل البناء الديمقراطي الشامل، الكفيل وحده بضمان دمج اجتماعي واقتصادي وثقافي، يهم كل المواطنين، سيما نقل ساكنة الفضاءات المهمشة إلى مستوى "مواطن فعلي" وليس الاقتصار على التعامل معه كمشروع مواطن قيد الإنجاز أو مجرد "مواطن افتراضي"، علما أن أغلب شباب تلك الفضاءات قد وصلوا إلى درجة من اليأس فتحت الأبواب على جميع الاحتمالات، وليس من باب المصادفة أن ينحدر أغلب "الانتحاريين" من تلك الفضاءات التي تعيش على هامش مسار حياة العصر وخارج تغطيته (1).

(1) "التصدي للإرهاب يستوجب فعلا الشمولية" إدريس ولد القابلة ـ موقع الحوار المتمدن.

ومن انعكاسات الإفراط في الاعتماد على المقاربة الأمنية بمعزل عن مقاربة شمولية، أن المسؤولين الأمنيين لا يكتفون بتنفيذ سياسة الدولة الأمنية، بل يمعنون أحيانا في التنكيل بالمواطنين عن عمد وسبق إصرار، ناهيك عن الشطط في استعمال السلطة. هذا في وقت لا يتعرض هؤلاء للمساءلة القضائية زجريا، ولا إداريا، مع ما يترتب عن ذلك من إعفاء من المسؤوليات حال وقوع المتابعات القضائية الزجرية، من جهة، ومن جهة أخرى استمرار الاعتقاد أن البطش في القيام بالمهام الأمنية يعتبر أقصر الطرق نحو الترقي الأمني والتقرب من صناع القرار الأمني والسياسي، علما أن معيار التفاضل المتعارف عليه هو الإخلاص للوطن من أجل رقيه وضمان حرية المواطن.

 

في الفحوى

بإلقاء نظرة سريعة على الجهود المبذولة والمرتبطة بمكافحة ظاهرة الإرهاب، يلاحظ أن جلها اتخذت طابعا استعجاليا، أي أن التصدي والمكافحة يأتيان وينصبان على ما بعد الحادث الإرهابي، وحتى الجهود الضئيلة المرتبطة بالمعالجة الوقائية غالبا ما تقارب الظاهرة أمنيا، ولا مجال هنا للاستغراب، ذلك أن مخاطر الإرهاب غالبا ما تجعل القيمين على الأمور وصناع القرار يهتمون أكثر بأسئلة متكررة وغير ذات جدوى أضحت عادية وتقليدية عقب كل نازلة إرهابية، تنصب أساسا على من قام بالأفعال الجرمية، وكيف خطط لها وأعدها وقام بتنفيذها؟ ويظل الاهتمام محكوما بمقاربة أمنية محضة ومقتصرا عليها، مقابل إهمال ـ عن قصد أو عن غير قصد ـ الأسئلة الرئيسية الأخرى وعلى رأسها السؤال المحوري: لماذا تم القيام بمثل تلك الأفعال؟

إن أغلب النشطاء الحقوقيين بالمغرب وكافة القوى الديمقراطية ما فتئت تندد بالسياسة الأمنية وبالشطط المعمول به من طرف المسؤولين عنها وتجاوزاتهم. وغالبا ما ظلت الدولة متشبثة برؤوسها الأمنية رغم اضطرارها أحيانا لتغيير مواقفهم في دواليب تنفيذ سياستها الأمنية، كما أن الدولة ما زالت لم تتشبع بعد بثقافة حقوق الإنسان ولم تختر الديمقراطية كمنهج رغم شراكتها في الأرضية المواطنة لنشر حقوق الإنسان (1).

(1) محمد خطاب، عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

ونكرر مرة أخرى ما ظل الكثيرون يدعون إليه، أن مكافحة الإرهاب والتصدي له يتطلبان بلورة أساليب وسبل ناجعة وفعالة تقف على مسبباته ودواعيه المتعددة والمتداخلة للحد من تداعياته، وذلك بموازاة مع البحث والتقصي عن وسائل علاجه بأشكال زجرية وأمنية، وأحيانا باعتماد أساليب وطرق لا تقل "إرهابا" عما يستهدف محاربته باسم الإرهاب. علما أن مثل هذه الأساليب قد تزيد من تفاقمه وتطوره واتساع دوائره عوض تطويقها وتضييق الخناق عليها.

لهذا دعت أصوات أصحاب تزكية ومباركة المقاربة الأمنية أن ينتبهوا إلى أن الإجراءات الأمنية المحضة، مهما توافرت لها الإمكانيات البشرية والتكنولوجية والمادية لا يمكنها وحدها، الحد من ظاهرة الإرهاب والتصدي لها، خصوصا بعدما أصبحت الدوائر "الإرهابية" والقيمون عليها بإمكانهم تطوير آلياتهم ووسائلهم وطرق عملهم ونهج تدبيرهم باستمرار، كما أنهم يستغلون بتركيز كبير وبتحليل أكبر، أضيق الفرص والفجوات لتنفيذ أعمالهم (1).

(1) إدريس لكريني، باحث مغربي موقعه الشخصي.


في الجدوى

رغم كل التدابير التي اتخذت والجهود التي بذلت، فإن الواقع أكد بما لا يدع أي مجال للشك أن ظاهرة الإرهاب في تزايد مستمر.

لقد أظهر الواقع والممارسة إلى حد الآن، أن مكافحة الإرهاب تتطلب، أكثر من أي وقت مضى، آليات وسبل أكثر فعالية وشمولية، تتجاوز المقاربات القانونية والأمنية إلى مقاربات اجتماعية واقتصادية تروم تجفيف منابع الإرهاب وجعل التربة التي يترعرع فيها عاقرا حتى يتم فعليا استئصال جذوره من العمق، خاصة وان الإرهاب ينطوي على أسباب عدة، متداخلة فيما بينها تتحكم فيها عوامل مختلفة تتمفصل بين أطرافها بدورها، منها ما هو اقتصادي واجتماعي، ومنها هو تربوي وسياسي، وما هو حضاري وثقافي، وما هو إعلامي أيضا.. (1).

(1) للمزيد من التوضيحات انظر كتاب الأستاذ إدريس لكريني :"التداعيات الدولية الكبرى لأحداث 11 شتنبر".

فلم يعد خاف على أحد حاليا أن التصدي لظاهرة الإرهاب ومكافحته تستوجب بلا شك المزواجة بين المقاربة القانونية والأمنية والمقاربات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية، وأيضا مقاربة الحوار وفعل التواصل.

الأكيد حاليا هو أن نهج الاقتصار على المقاربة الزجرية للحد من تصاعد ظاهرة الإرهاب ومكافحتها، لم تعلن فقط عن محدوديتها، وإنما أعلنت وبالملموس، عن عجزها ومن ثم فشلها في مهمتها.

بعد أحداث سنة 2007، سيما تفجير 11 مارس وتفجيرات 10 مايو، وضعت المقاربة الأمنية موضع التساؤل، وتبين بجلاء آنذاك في خضم حديث المسؤولين بخصوص سيطرتهم على الوضع الأمني وترويجهم للتنويه العالمي بالسلطات الأمنية المغربية، غير أنه طفت على السطح مرة أخرى تلك الأحداث لتؤكد من جديد، أن التعاطي الأمني القمعي وسياسة المداهمات والاعتقالات والمحاكمات السريعة لا تجدي نفعا في وقت زحف الإرهاب المحلي وترعرع من جديد، لكن بقوة أكثر إلحاحا هذه المرة بخصوص التساؤل حول ضرورة إعادة النظر من جديد في اعتماد المقاربة الأمنية ووجوب اعتماد مقاربة شمولية تتأسس بدورها على إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، سيما بخصوص آلياتها التي تساهم في نشر وترسيخ العنف والفقر والكراهية، ما دام الإرهاب ينبت منطقيا في تربة الإقصاء والتهميش وينمو في غياب العدالة الاجتماعية والاستبداد ويتناسل في ظل انغلاق آفاق المستقبل، بدل الاقتصار على نتائج ظرفية عابرة مهما بدت إيجابياتها المؤقتة أو العابرة.
وجاءت نازلة خلية بلعراج لتأكيد ز جود آليات داخلية لإنتاج "الإرهابيين"، علما أن الكثير من التساؤلات رافقت هذه النازلة و حول اتساع نطاقها، سيما ما تم اعتباره سابقة في المغرب، ارتباط الإرهاب بالسياسة بعد حل حزب البديل الحضاري.

وقد تبين بشكل جلي عدم تناسب العقوبات الصادرة مع حجم الاتهامات الموجهة للكثير من الأشخاص ضحايا قانون الإرهاب، وهو ما يؤشر على طغيان سيادة المقاربة الأمنية، كما يساهم في إبراز عدم جدوى هذه المقاربة، والتي تساهم باستطراد في إنتاج مشاكل أكبر من التي اعتقدت أنها وجدت لها حلولا شافية.

الكثير من المؤشرات والدلائل تدفع نحو اعتماد مقاربة شمولية ما دام هناك إجماع على أن أسباب الإرهاب الرئيسية تعود في غالبيتها إلى الانفراد بالسلطة وصناعة القرار وتدبير الشأن العام واحتكار موارد الثروات الوطنية وضعف قنوات رسمية أو مؤسساتية لتصريف المطالب وتدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وضعف وتهلهل منظومة التنشئة الاجتماعية والسياسية وغياب درجة مقبولة لتأثير الفاعلين في الركح السياسي والفاعلين في المجتمع المدني، ناهيك عن الضعف الرهيب للتواصل والحوار عبر القنوات المعنية بهذه الأمور.

فإذا كان من الصعب إخضاع المقاربة الأمنية للمقاربة الشمولية من أجل التصدي للإرهاب حاليا، فمن الضروري، إذن، عدم السماح بإخضاع الثانية للأولى.
وفي هذا الصدد يرى الكثير من الخبراء المهتمين بهذا الشأن مغاربيا، إلزامية تفعيل المقاربة الشمولية موازاة مع المقاربة الأمنية في انتظار سيادة الأولى على الأخيرة، وذلك باعتبار أنه اتضح بما فيه الكفاية، أن مكافحة الإرهاب تتطلب شجاعة الوقوف على الأسباب الحقيقية الكامنة وراءه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وتربويا أيضا.


قانون الإرهاب


انطلاقا من الترتيبات الأمنية الدولية التي فرضتها أمريكا على المجتمع الدولي، اضطر المغرب للانخراط في الحرب ضد الإرهاب، بالرغم مما كلفه من تراجعات خطيرة ومجتمعية مختلفة عموما. سيما وأن الصيغة الأمريكية للحرب ضد الإرهاب فرضت تصور معين دون استحضار مصالح الدولة المغربية والمغاربة، وهذا ما أدى إلى تعطيل انطلاقة آليات الدمقرطة عبر اعتماد اختيارات وإجراءات تشريعية وأمنية سرعان ما تسببت في أضرار على أكثر من مستوى وصعيد. وبذلك، وبشهادة الجميع، شكل قانون مكافحة الإرهاب انتكاسة تشريعية وسياسية وحقوقية واجتماعية... ومجتمعية، وساهم في ظرف حساس إلى إضعاف الجهاز القضائي بتوريطه في محاكمات حظيت بإجماع على كونها محاكمات غير عادلة، بعد تكريس، بشكل صارخ التخلي عن مبدأ البراءة هي الأصل، وتبني محاضر الضابطة القضائية بشكل مطلق وتغييب منطق الدليل القطعي والإثبات الجنائي.

وبذلك يكون المغرب، في رأي العديد من المحللين، خاض معركة لم يساهم في تحديد تصورها العام واستراتيجتها وأهدافها ووسائلها، مما أنتج نتائج عكسية بدأت تداعياتها تخيم الآن بفعل مجاراة أمريكا دون اعتبار ضرورة الانطلاق من حاجيات المغرب وخصوصية مجتمعه بغية الحفاظ فعلا على استقراره وحماية حقوق أفراده.

ومن الخلفيات المستترة في الإعداد لقانون الإرهاب، الذي أسقط العديد من الرؤوس في أكثر من مجال وميدان، أن الأجهزة الأمنية الأمريكية عملت على توظيف الأجهزة الأمنية العربية لخدمتها بذريعة محاربة الإرهاب في سياق استراتيجية أمنية أمريكية الصنع والبلورة، تقوم على مبدأ توطيد الارتباط مع الأجهزة الأمنية الأجنبية (1).

(1) "إل. إيه تايمز" و"واشنطن بوست" افتتاحيات ومقالات شهر أكتوبر ونونبر 2001-2002.


المقاربة الشاملة

في إطار الانتقادات الموجهة إلى سيادة المقاربة الأمنية وطغيانها في نهج التصدي للإرهاب ومكافحته هاجم البعض تصريح أحد وزراء حكومة عباس الفاسي الذي دعا المغاربة إلى الاستعداد للتعود على التعايش مع الإرهاب.

وردا عليه تساءل بعض المهتمين بالإشكالية، كيف واجهت وتواجه الحكومات والشعوب الغربية الإرهاب؟

وكان الجواب، بمقاربة شمولية، أمنية وبيداغوجية وتربوية وثقافية وفكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية، أي مجموعة من المقاربات المؤسسة على احترام حقوق الإنسان والمواطنة، مادام الهدف المتوخى ليس انتصارات ظرفية لمعارك ضمن حرب طويلة النفس ومتعددة الأطوار، وإنما المتوخى هو انتصار القيم والمبادئ الديمقراطية واختيار الشعوب التي تعاقدت بخصوصها مع حكوماتها المسؤولة أمامها، وبذلك ظلت إشكالية الأمن مطروحة في نطاق الحق والقانون،باعتبار أن أي اختيار أو توجه خارج هذا النطاق سيشكل مشكلا إضافيا في حد ذاته.

على هذا المسار أقر مصطفى معتصم بإمكانية هزم الإرهاب والإرهابيين في المغرب شريطة احترام السلطة والحكومة حقوق الانسان ومعاملة الحكومة للمغاربة كمواطنين كاملي المواطنة، أي بالمقاربة الشاملة التي تجعل كل مغربي يحس أنه سيخسر الكثير إن طغى الرعب والخوف والتطرف وانتصر، وعليه أن يتصدي للإهاب لأنه بفعله ذلك سيدافع عن حريته وحياته وأمنه وطمأنينته ويحفظ مستقبله في مجتمع يحميه ويضمن كرامته ويصونها. ويحس أنه يتعامل مع سلطة وحكومة ومؤسسات يثق فيها ومع قضاء منصف ومستقل ونزيه ومع أجهزة أمنية محايدة يطمئن إلى دورها في السهر على أمن البلاد والمواطنين (1).

(1) انظر مقال "لن نقبل بالإرهاب.. حتى نقبل بالتعايش معه". ـ مصطفى معتصم ـ أسبوعية "الحياة" عدد 18 بتاريخ 7-13 يوليوز 2008.

عموما بعد أحداث 11 شتنبر 2001، زادت مخاطر "الإرهاب" في مختلف المناطق التي كانت تعد في منأى عنه، مما فرض ضرورة التعامل مع هذا الخطر المحدق بجدية وصرامة، وبلورة آليات وضوابط قانونية دولية فعالة للتصدي له ومكافحته، وهذا ما حملته العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية، منها اتفاقية طوكيو لسنة 1967 واتفاقية لاهاي لسنة 1970 واتفاقية مونتريال لعام 1971 المتعلقة بحماية الملاحة الجوية وبروتوكول 24 فبراير 1988 المكمل لها والاتفاقية الدولية لمناهضة خطف الرهائن الموقعة في نيويورك بتاريخ 17 دجنبر 1989 والاتفاقية الخاصة بقمع الأعمال غير المشروعة ضد الملاحة البحرية الموقعة في روما بتاريخ 10 مارس 1988 (1).

(1) حوار صحيفة "الصباح" المغربية عدد 1701 بتاريخ 24 و25 شتنبر 2005 مع الباحث إدريس لكريني

من هذا المعين للشريعة الدولية اغترف قانون الإرهاب المغربي العديد من مضامينه وآلياته وكذلك من جملة من المؤتمرات واللقاءات الدولية التي اهتمت بهذا الشأن، منها قمة "صانعي السلام" المنعقدة بشرم الشيخ بمصر بتاريخ 13 مارس 1997 ومؤتمر قمة مجموعة الدول الصناعية السبعة المنعقد في ليون الفرنسية بتاريخ 28 يونيو 1997، وأيضا الإعلان الصادر بمناسبة الذكرى الخمسينية لإنشاء هيئة الأمم المتحدة في أكتوبر 1995، والذي أكد على أهمية التعاون الدولي في القضاء على الإرهاب (2).

(2) المصدر السابق

علما أنه في مناسبات عديدة أخرى اعتبرت ظاهرة "الإرهاب" بمثابة شكل جديد من أشكال تهديد السلم والأمن الدوليين التي تستوجب وتتطلب تدخلات زجرية لمواجهتها والتصدي لها، ولعل أشهر القرارات بهذا الخصوص، قرار مجلس الأمن رقم 1373 الصادر بتاريخ 28 شتنبر 2001 والقاضي بضرورة مواجهة الإرهاب الدولي بكل الوسائل السياسية والعقابية بما في ذلك تجميد أموال المشتبه في علاقتهم بالإرهاب. وتلاه القرار رقم 1624 بتاريخ 14 شتنبر 2005 الصادر في أعقاب القمة العالمية للأمم المتحدة بمناسبة ذكرى إنشائها والذي حظر كل أنواع التحريض على الإرهاب.


وقد أقر أغلب المتتبعين للشأن الأمني بكون التنظيمات السياسية بالمغرب بمختلف تلاوينها أرغمت على مباركة قانون "الإرهاب" اعتبارا للظرفية الخاصة التي أربكت الجميع، سيما وأنه قانون ضيق الخناق على الحريات وسمح بتجاوزات خطيرة في مجال حقوق الإنسان وكرامة المواطنين. وهذا ما تنبهت له تلك الأحزاب بعد فوات الآوان.

 

 

 

 

 

 


في الإعلام


ساهمت أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء و ما تلاها إلى انكشاف خلية بلعراج، في طرح أكثر من تساؤل حول دور الإعلام في المجتمع، سيما في ظل اجتيازه لمرحلة انتقالية، باعتبار أن الإعلام لا يقتصر على نقل الحدث وإنما يساهم كذلك في صناعته وإنتاج دلالاته وإسقاط خلفياته في ذهن المتلقي.

ففي مساء يوم الجمعة 16 مايو 2003 أدرجت القناة الثانية أسفل الشاشة، إشارات عاجلة عن وقوع انفجارات بالدار البيضاء.

أما القناة الأولى فاكتفت فقط ببث تصريح وزير الداخلية، في حين أن الصحافة فلم تشرع في تتبع الأحداث إلا ابتداء من 18 مايو، عبر المواكبة الإخبارية واستكناه ظاهرة الإرهاب وتتبع المحاكمات المارطونية، كما أن الدولة وأجهزتها سارت في نفس الاتجاه، خلافا للسابق، ولأول مرة انتظم مثول وكيل الملك في الدار البيضاء أمام الصحافة لبيان وتتبع سير التحقيق، بل حدثت جملة من التسريبات المدروسة لفائدة وسائل الإعلام، مختارة لإمدادها دون غيرها بمعلومات دقيقة عن سير التحقيقات مع الواقعين في قبضة أجهزة الأمن.

وفي البداية كان التركيز على الفكرة القائلة إن " الإرهاب ليس صناعة مغربية" وإن هناك أياد أجنبية وراء ما حدث بالدار البيضاء، غير أنه ابتداء من يوم الاثنين 19 مايو 2003 تبين بجلاء أن كل الانتحاريين مغاربة ينحدرون من أحياء مهمشة تتراوح أعمارهم بين 19 و23 سنة، وبذلك توضح أن الحدث مغربي، وهو راجع في جذوره وخلفياته إلى شروط الواقع المعيش، وهكذا برز أن هناك بؤرتين لفكر التطرف بالمغرب، جماعة السلفية الجهادية وجماعة الصراط المستقيم.

وفي 25 مايو 2003 كانت مظاهرة الدار البيضاء ضد الإرهاب والتي لم يسمح لأعضاء حزب العدالة والتنمية المشاركة فيها باعتبار أنهم كانوا من بين الذين تسامحوا مع مروجي أفكار التطرف، كما تم أيضا استبعاد هذا الحزب من المشاركة في النقاش عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية بالمغرب.

وفي هذه الفترة شهدت عدة دراسات وتحليلات حول خطر التطرف، طريقها إلى النور والنشر عبر مختلف وسائل الإعلام المغربية، كم جاء الخطاب الملكي ليوم 29 مايو 2003 ليؤكد من جديد على التعايش في ظل المشروع الديمقراطي الحداثي الذي لا رجعة فيه.
وبعد ذلك اعتكفت وسائل الإعلام المغربية على مواكبة المحاكمات التي شملت ما يناهز 1050 متابعا، بينهم أكثر من 630، متورطون مباشرة في تفجيرات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء، حيث عرضت ملفاتهم على عشرين محكمة عبر التراب الوطني " الدار البيضاء، الرباط، فاس، تطوان، آسفي، القنيطرة، تازة، سلا، اليوسفية وغيرها ".

وكل هذا صب في اتجاه واحد لا ثاني له، وهو التساؤل بصدد الواقع الفعلي للمجتمع المغربي والظرفية العامة للبلاد، هذا الواقع المتميز بعجز بنيوي حاد، عمّر أكثر من أربعة عقود منذ الاستقلال، وهو عجز مختلف المستويات، لأنه عجز في قدرة المجتمع المغربي وأجهزته وآلياته على تحسين الأوضاع عموما، سيما الاجتماعية منها، ولا أدل على ذلك التصاعد المتزايد للفقر المادي والتقلص الفظيع لقاعدة الفئات الوسطى التي أضحت هي الأخرى متضررة أيضا من جراء الفقرقراطية،حسب تعبير الدكتور المهدي المنجرة.

لقد أثير الكثير من الجدال بخصوص التعامل مع الصور والمشاهد في إطار تغطية الأحداث الإرهابية بالمغرب وغيره ، سيما فيما يرتبط بمسؤولية الإعلامي التي تفرض عليه أن لا يخدم أهداف الإرهابيين، من حيث يدري، أو لا يدري أو النيل بشكل أو بآخر من الكرامة أو الحياة الخاصة للأشخاص خصوصا الضحايا منهم.

وإذا كان الكثيرون جدا يعتقدون انه لا يحق تقليص حرية الصحافة والإعلام بدعوى الحرب ضد الإرهاب ومكافحته، فلا يحق أيضا استغلال الأحداث الإرهابية وأفعال الإرهابيين للبحث عن الإثارة دون مراعاة قواعد المشاعر.

ومن القواعد التي يدافع عنها أصحاب هذا الرأي، عدم نشر أو بث الصور الصادمة أو تلك التي من شانها الإساءة للكرامة والحياة الخاصة للأشخاص.

وكاد المتتبعون لتغطية وسائل الإعلام للأحداث الإرهابية أن يجمعوا على :

- أن اغلب الأفعال الإرهابية تستهدف بعث الرعب والخوف في صفوف
السكان. إلا أن مدى بلوغ هذا الهدف بانتشار هذا الشعور وسط مختلف الفئات يظل مرتبطا بدرجة كبيرة بطرق ونهج تغطية وسائل الإعلام لهذه الأحداث وتتبعها و"الصورة" المكتوبة أو المسموعة أو المرئية التي يقدمها الإعلاميون وهذا أمر قل ما تم الانتباه إليه بالمغرب بفعل دوافع اللهث وراء السبق الإعلامي أو البحث على الإثارة بهدف تحقيق ربح تجاري.

- إن مكافحة الإرهاب أدت أحيانا كثيرة إلى تجاوز حدود احترام حقوق الانسان أو استعملت كمبرر للتساهل مع انتهاكها والدوس عليها .

- أن حدة التنافس والبحث عن الإثارة ساهمت أحيانا في خدمة "الإرهابيين" عوض التصدي لهم وكشف حقيقتهم ودواعي الأفعال المقترفة.

من خلال الجدال المصاحب لتغطية وسائل الإعلام للعمليات الإرهابية بالمغرب انبثقت جملة من الأفكار المرتبطة بما يمكن تسميته قواعد التعاطي مع هذه الإشكالية ومن أبرزها:

-الإخبار الحر

- تغطية الأحداث بدقة

- الحرص على الموضوعية

- إعطاء فرصة التعبير لمختلف الأطراف والآراء

- تمكين المتلقين من مصادر المعلومة قصد توفير الشروط لتشكيل قناعات حرة وغير موجهة (مخدومة)

- اعتماد الشفافية بخصوص إجراءات وقنوات الحصول على المعلومة

- الحرص الدقيق في استعمال الأوصاف والنعوت "مجرم" "عدو"
"متطرف"....

- الانتباه لقواعد احترام الحياة الخاصة والكرامة الإنسانية

- الحرص على تصحيح المعلومات الخاطئة في إثباتها دون مدرارة ولا تستر ولا خشية.

وقد حصلت جملة من الجدالات حول تغطية العمليات الإرهابية بالمغرب من طرف وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة إلى بروز مجموعة من الإشكاليات نسوق منها ما يلي :

- على المستوى السياسي :
إشكالية حرية التعبير وإبداء الرأي من جهة ومن جهة أخرى عدم المساهمة في خدمة هدف "الإرهابيين" وتمكينهم من دعاية إعلامية واسعة النطاق .

- على المستوى الإعلامي:
إشكالية استغلال واستخدام الصور والمشاهد المرفوقة بتعليقات توضح بدقة ونزاهة إطارها وظرفيتها وسياقها دون أي لي لعنق الحقيقة لأي اعتبار من الاعتبارات .

- على المستوى الشعوري:
إشكالية العلاقة بين الالتزامات الشخصية وإلزامية التعاطي والتعامل مع الأحداث والمعلومات بطريقة مدروسة ومفكر فيها .

- على المستوى الأخلاقي:
إشكالية الدوافع التجارية و"الميركانتيلية"والمسؤولية المهنية والتعالي عن دوافع وإكراهات المنافسة وتداعياتها .

- على المستوى الاجتماعي:
إشكالية الضغط الشعبي الرامي إلى ضرورة اتخاذ ما يستلزمه الظرف بسرعة واعتماد النزاهة بخصوص الإمكانيات المتاحة للتصدي والمواجهة .

- على مستوى الإثارة:
إشكالية إلزامية إمداد المتلقي بالأخبار والمعلومات والمعطيات الجديدة وبوجهات نظر مختلفة باستمرار واتخاذ الحذر من أحكام القيمة المتسرعة والمفبركة احيانا.

- على مستوى لغة الخطاب:
إشكالية استعمال المفاهيم والأوصاف والنعوت والتعابير الدقيقة والمناسبة.

- على مستوى قنوات تمرير وتصريف المعلومات:
إشكالية نشر ومتابعة تعكس تعددية وجهات النظر دون الاقتصار على نظرة وحيدة تبدو أنها تحظى بالجماع بخصوص التصدي للإرهاب ومكافحته.


ومن القضايا التي استأثرت باهتمام المتتبعين لتعاطي وسائل الإعلام مع الإرهابية قضية ضرورة إدماج دروس خاصة بالثقافة الإعلامية في البرامج الدراسية النظامية لتكريس شروط مقاربة نقدية في التعامل ما تنشره وتبثه وسائل الإعلام، بخصوص الإرهاب والتصدي له، لتنشئة جيل مؤهل مبكرا للانخراط تلقائيا وعن بينة في سيرورة مكافحة الإرهاب.

 

 

 


رها إلى الصراع بين الإسلام الرسمي وإسلام العموم إلى فترات متباعدة، علما أن ظهور خلخلة في البنيات التقليدية المهيكلة للحقل الديني بالمغرب يؤثر مباشرة وبالضرورة على وظائف مؤسسة النظام والدولة، لاسيما وأن هناك رمزية قوية مستمدة من الدين. كما أن بنية الملكية المغربية مرتبطة بالدين ما دام هناك تداخل بين السلطة الروحية والزمنية.

وتزداد أهمية الشأن الديني على اعتبار أنه كان دائما عنصرا أساسيا لضبط التوازن السياسي في المغرب.

فالسياسة قامت دائما على حفظ التوازنات. والكل لازال يتذكر كيف كانت تنشأ الأحزاب السياسية وتتناسل قصد تفعيل مواجهة أحزاب أخرى، وقد ظل نفس النهج حاضرا بامتياز بخصوص تدبير الشأن الديني. وهكذا دأبت الدولة على تشجيع فاعلين دينيين في مواجهة آخرين، سيما عن طريق استعمال الصوفية والإسلام السياسي والإسلام السلفي، على أنه خلال السنوات الأخيرة تم إخراج الإسلام السلفي من الحساب ضمن هذه التوازنات لاعتبارات خارجية أساسا، وباعتبار أنه لم يعد مرتبطا بالتوازنات الداخلية، خصوصا وأنه صارت له ارتباطات مع الخارج ابتداء من إعلان تنظيم القاعدة عن حربها على الغرب وظهور السلفية الجهادية. وهذا ما تسبب في اختلال على مستوى التوازنات القائمة على امتداد سنوات خلت.

ففي السابق كان حفظ التوازن على صعيد الحقل الديني يتم بين المذهب المالكي السائد والاستعانة ببعض التيارات ذات التأثيرات الحنبلية لمواجهة تيار الإسلام السياسي والتصدي له.

وما دامت الدولة المغربية قد اتجهت نحو تبني مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي غير منفصل عن الهوية الدينية، فقد اضطرت إلى تطعيم المذهب المالكي السائد باجتهادات المذهب الحنفي، بغية تحقيق محاصرة مختلف التيارات المتطرفة المعتمدة أساسا على المذهب الحنبلي المعروف بتشدده. وهذا يعني أن الدولة حاليا وعلى صعيد الحقل الديني ليست بصدد تدبير تناقض بنيوي مع خصومها، وإنما هي أساسا بصدد تطويق التيار السلفي الجهادي، الشيء الذي سيفرض عليها تدبير التناقضات الأقل أهمية حاليا مع الجماعات الإسلامية التي لا تتفق مع أطروحاتها وتصورها. وفي هذا الصدد يبدو حاليا أن الدولة أخذت وجهة البحث عن تذويب خلافاتها مع الجماعات الإسلامية بغية محاولة تشكيل جبهة لمواجهة التطرف بالمغرب، سيما التطرف الذي تجسده السلفية الجهادية، هذه الأخيرة التي تشكل بؤرة لها امتدادات أكيدة داخل المجتمع، خاصة وسط الشباب المغربي المهمش.

كان الجميع يعتقد حتى الأمس القريب أن التطرف الديني لا وجود له بالمغرب، ولم يكن أحد يتصور أن يتطور التطرف الديني بذلك الزخم الذي عرفه خلال السنوات القليلة الأخيرة وبتلك الوتيرة المتسرعة والمتسارعة، وحتى الحركات الإسلامية، كان يعتقد أنه من الممكن التحكم فيها لكي لا تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي القائم بالمغرب.

ويكاد المحللون السياسيون يجمعون على أن التيار الديني المتطرف قد تجلى بالمغرب بشكل واضح مع بداية تسعينات القرن الماضي، إذ تزامن مع حرب الخليج الأولى سنة 1991، آنذاك شرع بعض المغاربة العائدين من أفغانستان وبعض الشباب يخوضون صراعا واضح المعالم مع مكونات الحركة الإسلامية بالمغرب.

وأول بروز على صعيد الركح السياسي والمجتمعي لهذه الجماعات كان في صيف 2002 عندما تم اعتقال العديد من أعضائها، علما أن أكبر بروز لهذه الجماعات كان يوم الجمعة 16 مايو 2003 بالدار البيضاء، عندما قدم الإنتحاريون على تفجير أنفسهم مخلفين 44 ضحية، وقد تعرف المغاربة على التيارات الدينية المتطرفة تحت تسميات مختلفة، من ضمنها السلفية الجهادية والصراط المستقيم والتكفير والهجرة وغيرها، وهي كلها جماعات توحدها جملة من ثوابت التطرف الديني والتي يمكن إجمالها في الحاكمية والجاهلية المعاصرة والجهاد وتكفير المجتمع والتصدي للحداثة وقيمها دون استثناء. و مع مرور الوقت برزت آليات إنتاج الارهاب داخليا و هذا ما انكشف مع أحداث 2007 و خلية بلعرج.

علما أن شيوخ تلك التيارات الدينية المتطرفة بالمغرب لا زالوا يعتبرون انه ليست هناك جماعة سلفية جهادية بالمعنى الكامل والصحيح للكلمة، وإنما هناك تيار دعوي يتميز بشموليته واستناد منهجه إلى الشرع وإلتزامه بهدي الأنبياء والمرسلين، وهذا النهج يفرض على هذا التيار الدعوي اتخاذ مواقف من السلطة ومن سياستها وخططها وبرامجها. كما يعتبر شيوخ التيارات المتطرفة بالمغرب أن السلطة تصفها بالتيارات المتطرفة محاولة لعزلها وإظهارها أنها خارجة عن الأمة.

والمتتبع لمحاكمات الإرهاب بالمغرب لاحظ أن أغلب المتهمين الرئيسيين نفوا نفيا قاطعا وجود تنظيم يحمل اسم السلفية الجهادية، بل هناك منهم من اعتبرها تسمية ألصقت بهم من أجل الفتنة، غير أنه تبين فعليا من خلال الاعترافات والشهادات أن هناك جماعات دينية متطرفة، يترأسها شيوخ وزعماء وأمراء يزودون أعضاءها بالأفكار والمواقف حول جملة من القضايا ذات الحساسية الكبيرة، مثل الجهاد ضد المرتدين وتكفير المجتمع وتغيير المنكر بالقوة واستعمال العنف ورفض الديمقراطية ونبذ المؤسسات والهيئات السياسية.

وفق شهادات الجميع شكلت أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء حدثا استثنائيا ومفاجئا، بل صادما في تاريخ المغرب الحديث اعتبارا لدلالاته السياسية والفكرية، إنه حدث خلخل البلاد خلخلة عميقة تغذت بإفلاس سياسي عام، كما أن هذا الحدث الدرامي الذي أودى بحياة عدة أبرياء شكل مناسبة لفتح حوار وطني خص كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والثقافيين بالمغرب، وهو حوار همَّ بالأساس مغرب الغد مادام اليأس قد تغلل في النفوس حتى أوصل فئات من الشباب المغربي إلى تحويل أنفسهم إلى قنابل بشرية، لا تقضي على نفسها فقط، وإنما تجر في أذيالها عددا من الأبرياء ليس لهم من ذنب اقترفوه سوى أنهم وجدوا في المكان واللحظة غير المناسبين. ولعل ما لاحظه الجميع بامتياز هو التوظيف السياسي والحزبي الضيق لأحداث الدار البيضاء و ما تلاها من نوازل وصفت بالارهابية، دون الاهتمام الوافي بالنظرة الإستراتيجية لمستقبل المغرب أو استثمار فاجعة الدار البيضاء في إعادة قراءة التاريخ المغربي الحديث.

كيف لا وقد ساد خوف رهيب من الذهاب بعيدا في اتجاه استنطاق الأسباب الفعلية، والحقيقية الكامنة وراء ما جرى بالدار البيضاء يوم الجمعة 16 مايو 2003 وما كان مقررا بالنسبة لمدن مغربية كبرى حملتها لائحة المتفجرين، ولعل الخوف من الدعوة لإعادة ترتيب الأوضاع وإعادة النظر في توزيع السلط وآلياتها وبالتالي الخوف من مساءلة القائمين على الأمور والفاعلين في الدولة والأحزاب السياسية.

لهذا اجتهد العديد في الترويج للأطروحة القائلة بأن ما حدث بالدار البيضاء يعتبر نغمة نشاز خارج السمفونية، من دون أصول، لا اجتهادية ولا سياسية ولا ثقافية بالمغرب، ومع الأسف راجت هذه الأطروحة وسادت. ثم جاءت نازلة خلية بليرج لتعيد من جديد طرح إشكالية إنتاج و إعادة إنتاج الإرهاب محليا و تقعيد علاقاته بالخارج. مما دعا إلى الإقراريضرورة إعادة النظر في نهج التعاطي مع الشأن الديني و في دور العلماء.


في السابق عندما لاحظ علماء الدين بالمغرب صيرورة التهميش التي أصابتهم عقدوا مؤتمرا وأحدثوا رابطة لهم تسعى إلى إعادة إحياء وظيفتهم في الدعوة وتمكين موقعهم ضمن الوظيفة العمومية. وهكذا شكلت هذه الرابطة جماعة ضغط لها دورها في تحديد الخط الديني للدولة.

لكن تحول دور العالم من دور فاعل إلى دور رمزي استشاري. كما عمل القائمون على الأمور على تقنين حمل صفة العالم بالمغرب، والتي كانت تقرر من طرف الأقران أو بالانحدار من عائلات تقليدية معروفة بعلمائها إلى أن أصبح الوضع في نهاية المطاف يحدده قانون ومؤسسة تراقبها السلطة السياسية (شهادة تمنحها المؤسسة التي كانت سابقا تزود البلاد بأطر الوظائف العليا في القضاء والوظائف المخزنية).
وكان ذلك قبل إحداث دار الحديث الحسنية بالرباط سنة 1964 على إثر القطيعة بين القصر والحركة الوطنية آنذاك. وهي مؤسسة ألحقت بإدارة تكوين الأطر. وبعد ذلك تم تأسيس المجلس الأعلى للعلماء الذي يترأسه الملك والمجالس العلمية الجهوية ويختص الملك أيضا بتعيين أعضائها، ولهذه المجالس دور في مراقبة وتعيين خطباء المساجد.

و هكذا ذهب المسار في اتجاه تضييق مجال العمل أمام العلماء بالمغرب بعد أن تأكدت مراقبتهم عبر تحديد اختصاصاتهم والتحكم في مؤسساتهم تحكما حديديا.
و كانت هذه نتيجة طبيعية نظرا للنهج السياسي المتبع من طرف الدولة المغربية، التي عملت بالأساس على تقليص دور ووظيفة العلماء وتدجينهم حتى أضحوا بصفة إطلاقية على هامش الحركية التي يعرفها المجتمع المغربي.

لقد اختير للعلماء لعب دور الوسيط، ينشرون باسم أمير المؤمنين شروط الانسجام من أجل التعايش واستمرارية المنظومة السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية القائمة بالمغرب، وبالتالي انحصرت مهمتهم، حسب الكثيرين، على الوظائف الأخلاقية باعتبار أنهم حماة الانسجام الملي (نسبة للملة) والاجتماعي، ودرعا للتصدي لمسببات الفتنة ولكل ما من شأنه خلق أو إحداث الانشقاق.

وشكلت نوازل الإرهاب بالمغرب مناسبة لتكرار طرح التساؤلات حول دور ومصداقية العلماء، وهل هم فعلا أهل حل وعقد؟

بهذا الخصوص برزت فكرة، أقرها العديدون، وهي القائلة إن العالم مجرد موظف بالمغرب، يظل ينتظر من إمارة المؤمنين رسم معالم الطريق حتى تكون مبادراته منسجمة وروح السياسة الرسمية، أي بتحديد مجالات عمله والفضاءات التي يجب أن يتحرك فيها.هدا في وقت تعتمد السياسية الدينية بالمغرب الأطروحة القائلة إن علاقة الدين بالدولة محسوسة في ظل تنصيص الدستور على أن المملكة المغربية دولة إسلامية وأن أمير المؤمنين مؤتمن على حماية الدين.

فقد سعت الدولة مبكرا إلى مأسسة وظيفة العلماء ولجعلها مكلفة بحماية "الأرثودوكسية" الدينية. وقد نجحت في ذلك عن طريق ضبط مراكز إنتاج وإعادة إنتاج علماء الدين لضمان احتوائهم داخل المؤسسات الرسمية وتأطيرهم في تنظيمات في تنظيمات تحسبا لأي انفلات.

و بعد فترة من الفراغ، غاب فيها العلماء، و عندما برزت حركات متطرفة في عيون الدولة، منها الماركسية ومنها الإسلامية، فكرت الدولة في تجديد المجالس العلمية، وبذلك حاولت مأسسة دور العالم بالمغرب عبر إعادة تحديد وظيفة لمراقبة الحقل الديني والسياسي، وهكذا تحول العلماء إلى إجراء قائمين على تدبير العبادات، وأضحت المؤسسات الدينية غريبة عن سيرورة المجتمع المغربي. و انكشفت محدودية جدوى السياسة الدينية المعتمدة مع بروز المشروع الحداثي في العهد الجديد.

مع حلول العهد الجديد بدت رغبة واضحة في إعادة هيكلة الحقل الديني ضمن مؤسسة محددة الأهداف والتنظيمات، سيما وأن المؤسسات القائمة فشلت في أن تكون مصدرا للاجتهاد قصد التصدي للإشكالات والأسئلة المطروحة على ركح الواقع المعيش اليومي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بغية تحصين المجتمع من مختلف أنواع التطرف الفكري عبر إشاعة جوهر الإسلام القائم على الوسطية والاعتدال والتسامح. وأول ما كان يتطلبه هذا هو محو الأمية ـ لاسيما الأمية الدينية ـ ورفع الحصار عن المساجد قصد المساهمة الفعلية في تنظيم الحقل الديني وفق منظور أريد له أن يكون حضاريا ومنفتحا على قضايا وشؤون المجتمع وليس اعتماد إصدار فتاوى من بروج عاجية مقامة على هامش المجتمع وخارج دائرة اهتمامه.

من علامات الفشل البارزة في التعامل مع الحقل الديني بالمغرب، أن خطط الدولة كانت دائما بمثابة مجرد محاولة مأسسة هيئة العلماء وتطويعهم لدعم القيم الدينية والرمزية والسياسية، في إطار احتكار مؤسساتي للمعرفة الدينية ساهم في جعل الحقل الديني ليصبح مجالا لرهانات استراتيجية، خصوصا بعد بروز دينامية قوية في المجتمع المغربي ترفض احتكار الدولة للدين ومؤسساته.

إن تدبير الشأن الديني ما زال مطبوعا بمعالجات ظرفية وقطاعية في ظل غياب تصور شامل لإدارة الشأن الديني، فرغم الخطوات المحققة على مستوى البحث على سبل الانفتاح والتحديث وإشراك المرأة في المجال مازالت بلادنا تفتقد لرؤية واضحة المقاصد تعرض بشفافية لتمكين جميع الفاعلين، كل موقعه، خدمتها وتكريسها على أرض الواقع.

وكسبيل لفك دواليب الاحتكار الرسمي للشأن الديني دعت جهات إلى أحداث جبهة دينية تجمع الدول وجماعات الإسلام السياسي لمناهضة التطرف الديني، وذلك رغم أنه ظل باديا بجلاء أن الدولة لن تسمح باقتسام تدبير الشأن الديني بالمغرب، باعتبار أنه أن شأن من اختصاص إمارة المؤمنين، وفي هذا المضمار نادى البعض بتحدثيها هي كذلك.

فقد ذهب أصحاب هذا الرأي إلى طرح تطوير مؤسسة إمارة المؤمنين في اتجاه الملكية البرلمانية العصرية ودولة حامية لكل الأديان، في حين دعا البعض الآخر اختزالها في البعد المادي الزمني الصرف (1).

(1) محمد عابد الجابري.

عموما تندرج السياسية الدينية المعتمدة ضمن الإطار العالمي لمحاربة الإرهاب والتطرف والانفلات، هذه السياسة بحثت على سبيل من التفتح وحاولت تكريس تداخل المذاهب والثقافات مع التشبث بالمذاهب المالكي كنهج لتطبيق الدين.
ويظل أكبر إشكال بالمغرب، اعتقاد فئة أنها تملك الحقيقة وأن إسلامها هو الإسلام الحق وغيره ليس إسلاما، ناهيك عن اللخبطة التي من شأنها أن تبرز بين الإسلام الرسمي والإسلام "الشعبي" والإسلام الحركي. وهناك الآن من يسير على درب أن الإسلام المعتمد رسميا ينبني على فكر ظلامي ديني
(1).

(1) الدكتور محمد وراضي ـ عرقلة الفكر الظلامي للنهضة المغربية ـ مطبعة بني بزناسن ـ سلا (الطبعة الأولى 2008).


و يرى الدكتور سعيد العلوي، أن المشروع الحداثي هو مشروع متكامل وكلي، والحقل الديني كموضوع اجتماعي يحد من منظور التفكير والبحث والتحليل والنقد أحيانا. ويعتبر الباحث أن تخلف الوعي الديني داخل الأحزاب والمنظمات الدينية، يرتبط أساسا بمستوى وعي وثقافة الإسلامويين أنفسهم
(1).

(1) يستعمل د.سعيد بن سعيد نصطلح الإسلامويين لتمييزها عن لفظ المسلم الذي ينصب بمنطق الدراسات الدينية والسوسيولوجية على كل من يعتنق الإسلام ومبادئه العقدية والعباداتية والمعاملاتية.

فأغلب المهتمين بالشأن الديني بالغرب يذهبون إلى القول إنه ما زالت السياسة الدينية المعتمدة في غالبيتها تدير وجهها إلى الخلف لكي ترى الماضي التاريخي لتجربة المسلمين منذ عهد النبوة إلى خلافة عثمان باعتباره تجربة تاريخية مشعة، لكنها في نفس الوقت تغض الطرف عن رواية مستقبل المسلمين في عالم يتغير بسرعة.

و إذا كان "الإسلام يعتبر المرجعية الثقافية الأساسية في تكوين الهوية المغربية، وهو الأمر الذي تطرحه مجموعة من فعاليات الحركة الأمازيغية موضع التساؤل. علما أن الدولة اجتهدت منذ الاستقلال لاستمرار المرجعية الدينية من أجل إضفاء الشرعية على اختياراتها وتوجهاتها، وكذلك عبر احتكارها لكل الرموز والشعائر الدينية وتأويل النصوص الدينية (1).

(1) أطروحة الباحثة المغربية آمال الوردي، "تنظيم الحقل الديني بالمغرب: العلماء نموذجا".

 

 

الجالية

 

عملت الدولة على اتخاذ جملة من القرارات الرامية إلى تحصين الجالية المغربية بالخارج من مخاطر الإرهاب، وأعدت مخططا هم الدول الأوروبية المستقبلية للمغاربة.

وقد تبنت الوزارة المكلفة بالجالية، بتنسيق مع وزارة الأوقاف، برنامجا خاصا لفائدة مغاربة الخارج، سنة 2008، تقرر رفع عدد المؤطرات والمؤطرين الدينيين الذين توجهوا إلى الخارج، وناهز عددهم 180.

أعدت الوزارة برنامج، ضمن مخطط الحكومة المتعلق بالشأن الديني، بعد الكشف على أن المغرب من البلدان القليلة التي لا تتوفر على فضاءات ثقافية في الخارج تكون مركز إشعاع للحضارة والثقافة المغربيتين.
في هذا الإطار تم الإقرار بخلق خمسة مراكز ثقافية، وأولها عرف النور في بروكسيل وتلته مراكز أخرى بباريس وبرشلونة
(1).

(1)حوارمع وزير الأوقاف "الصباح" المغربية ـ عدد 589 بتاريخ 9-10 غشت 2008.


اهتمت الدول بالجانب الاجتماعي للجالية المغربية بالخارج، وتعتبره من بين الأولويات التي تراهن على دعمها وتطويرها، سيما وأن ظروف العولمة أدت إلى ظهور فئات اجتماعية في ظروف صعبة في حاجة إلى العناية والمواكبة وإلى مساعدات حقيقية، مما يتطلب خلق مصالح اجتماعية لدى التمثيليات الدبلوماسية المغربية بالخارج، الشيء الذي سيجعل القنصليات تضطلع بدور مواكبة العمل الجمعوي داخل الجالية.

هذا، في وقت يشتكي فيه الكثير من المهاجرين من جمود التمثيليات الدبلوماسية ولا يخفي القيمون على الأمور بوزارة الجالية وجود مشاكل بهذا الخصوص في بعض الدول الأوروبية، سيما بإيطاليا، حيث عدد القنصليات قليل، وكذلك الشأن في الديار الاسبانية.

علما أن هناك ضغط كبير ممارس على التمثيليات الدبلوماسية، إذ أن الأرقام المتوفرة تشير إلى تزايد أعداد الجالية المغربية بالخارج بمعدل 70 إلى 75 ألف نسمة، وهذا التزايد لم يواكبه توسيع خارطة التمثيليات الدبلوماسية المغربية (1).
(1) تصريح محمد عامر، الوزير المكلف بالجالية المغربية بالخارج ـ صيف 2008.

إن الضغط البشري يؤثر إلى حد كبير على مردوية الأداء القنصلي، إذ أن بعض القنصليات باسبانيا مثلا تستقبل يوميا ما يناهز 700 شخص في المعدل وقد يتجاوز العدد 1000 مواطن في أوقات الذروة.

إلا أن الشأن الاجتماعي بخصوص الجالية لا يقتصر على مكان إقامة مغاربة الخارج وإنما يشمل ما يمهما بالداخل سيما فيما يمس الشأن الإداري بصفة عامة بالنظر إلى خصوصيتها (أي الجالية)، وإكراهات الزمن المرتبط بضيق الوقت، علما أن الأمر لا يتعلق بإقامة نظام إداري مواز خاصة بالجالية، وإنما التفكير في مبادرات جديد لتلبية حاجاتها، خصوصا المرتبطة بقطاع العدل والأحوال الشخصية، قصد التقليل من المشاكل المطروحة وفي هذا الإطار خلدت الوزارة المكلفة بالجالية يوم الجالية المغربية المقيمة بالخارج (يوم تاسع غشت) سنة 2008 تحت شعار "الإدارة الالكترونية في خدمة مغاربة العالم".

ومن المشاكل التي ما زالت الجالية تعاني منها تعدد المؤسسات المعنية بقضايا مغاربة الخارج، وغياب التنسيق والانسجام بينها، سيما الوزارة والمجلس ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وجهات أخرى.

في الوقت التي يعتبر الخطاب الرسمي اليوم الوطني للجالية يوما للتكريم وللتقييم والتفكير في المستقبل بشكل متضامن، خلدته مجموعة من الجمعيات تحت شعار "الحكرة"، احتجاجا على اجترار الماضي بعد مرور أكثر من سنة ونصف على تأسيس المجلس الأعلى للجالية الذي تشكل اعتمادا على نهج التعيين وليس الاختيار بالانتخاب الديمقراطي كما ينص على ذلك نص التأسيس الأصلي.

ومن الإشكالات التي ظلت شائكة، ضمان الجالية هويتها الأصلية وللغة العربية وفي هذا الصدد، عمدت الدولة إلى إعادة النظر في نهج تدخلاتها في هذا المجال، بعد وعيها بضرورة التدخل لتلبية حاجيات أبناء الجالية في مجالات حساسة، وعلى رأسها مجال الدين واللغة، سيما إن ظل هناك فراغ سيكون هناك فاعلون يقومون بذلك ويضطلعون بالتأطير الديني واللغوي خدمة لأهداف لا يعلمها أحد.

وفي غضون سنة 2008، سبق لمحمد عامر، الوزير المكلف بالجالية المغربية بالخارج، أن صرح قائلا إنه لا يجب التعامل مع الجالية كصنبور لجلب الأموال، مما استوجب إعادة النظر في مقاربة جديدة بخصوص الجالية لتجاوز هذه النظرة ممارسة وليس خطابا.
عموما مازالت الجالية المغربية بالخرج تشكو من استمرار وجود الاعتقاد الطي يتهم المسلمين بالصمت حيال ما يحث ـ بل أحيانا بدعم من الإرهاب ـ علما أن مختلف فعاليات الجالية كانت الجهة المخططة لها، سيما النوازل التي تورط فيها عناصر من أصول مغربية أو مغاربية، ومما لا شك فيه أن مواقف الحركات الإسلامية من الآخر يشوبها نوع من الالتباس والغموض وتتراوح بين القبول والانفتاح والتواصل والقطعية والتعايش والنفور، والرفض والانغلاق والتحفظ، ومغاربة الخارج يشعرون بهذا بشكل جلي ومقلق أحيانا منذ سنوات.

إن صورة النمطية للإسلام في الأوساط المغربية لا يمكن تحميل المسؤولية فيها لجهات غربية فقط، إذ أن هناك أصواتا من أصول عربية وإسلامية تروج لأفكار وتقترف سلوكات باسم الإسلام ودفاعا عنه تسيء لسمعته، وبالتالي تذكي التصورات الخاطئة للإسلام والمسلمين في أذهان الغربيين.


في الشباب والمرأة والتربية


كاد المهتمون أن يجمعوا على أن أول خطوة وجب ترسيخها بخصوص تمكين المرأة من المساهمة الفعالة في التصدي للإرهاب تكمن في مواجهة الأمية النسائية وتأكيد حق تعليم المرأة في مختلف التخصصات إضافة إلى حق العمل في الميادين المختلفة وبناء شخصيتها الاقتصادية المستقلة..إلغاء المظالم الأسرية والاجتماعية وتحريم قانوني صريح لكافة إشكال الاعتداء...وإلغاء كافة أصناف التمييز ضدها ..وذلك باعتبار إن إحياء المرأة يعني أحياء النصف الآخر من المجتمع والمعطل (في غالبيته) إنتاجيا واجتماعيا.


أما فيما يخص الشباب بعد إجراء عملية تقاطع بين جملة من الأبحاث الميدانية المتفرقة المنجزة من طرف وسائل إعلام مغربية سيما الصحافة المستقلة منها تبين أن البطالة ابرز الدوافع المسهلة للارتماء في أحضان العنف والإرهاب تليها التربية والتنشئة .

لقد أبرزت عملية التقاطع أن الأوضاع الاقتصادية التي أفرزت البطالة ووقعت دوائرها وارتفاع تكاليف المعيشة والتفاوتات الاجتماعية إلى جانب وجود نظرة مجتمعية إقصائية لبعض الفئات مع وجود إحساس بالتمييز لفئات أخرى والاضطهاد المجتمعي لبعض فئات الشباب والجهل والعنف الأسري كلها تكمن وراء ظاهرة الإرهاب بنسب متباينة حسب الظرفية وخصوصية بيئة التنشئة.

اتجهت نتائج تلك الأبحاث الميدانية نحو اعتبار الحلول الاقتصادية عاملا أول في التصدي للإرهاب وتأتي بعده الدعوة للعمل على تأسيس منظومة فكرية تشجع ثقافة التسامح والاعتدال وتقبل بالاختلاف في مستوياته الدينية والمذهبية والفكرية.

لقد اجمع الباحثون أن ظاهرة الإرهاب ومظاهر العنف لها تأثير كبير ينعكس على
واقع المجتمع حاضرا ومستقبلا، من الناحية النفسية والمادية على مستوى البحث عن الحلول الجذرية لهذه الإشكالية قصد انتشال الشباب من أوحال الضياع التي تداهمهم في وقت تتقاذفهم تيارات حضارة هذا العصر وأنجع سبيل، في رأي الأخصائيين، هو فتح المجال لمشاركة الشباب في هموم المجتمع، وذلك انطلاقا من عقلية تستوعب معاناتهم في هذه الظرفية الصعبة التي يجتاز منها العالم.

ويكاد المهتمون بإشكالية الشباب بالمغرب يجمعون على ضرورة زرع الإحساس لذا الشباب بأهميتهم وحاجة المجتمع إليهم ومكافحة الفراغ السلبي لديهم من خلال الحرص على توفير العمل المناسب على أساس الكفاءة والمواطنة.
وهناك توجه عالمي تأكد منذ بداية سنة 2009 يسعى إلى منح القادة الشباب فرص لفهم لظاهرة الإرهاب وبحث جذورهم وأسبابه ودوافعه، كما يهدف إلى تمكينه من رفع أصواتهم عالية للمساهمة في صنع السلام العالمي، إضافة إلى بناء شبكات عمل شبابية عبر العالم لتحقيق هذا الهدف أو ما يصب في التقرب منه.

وفي هذا الصدد تمت برمجة أكثر من نشاط وتظاهرة دولية أو إقليمية تدور مواضيعها حول الشباب كجناة وضحايا للإرهاب ووسائل الإعلام ودورها في الإرهاب ومكافحته وغيرها من الإشكاليات، سيما وأن مفهوم ومصطلح "الإرهاب" ما زالا شائكين بفعل الموافق السياسية المسبقة وارتباط هذه الإشكالية بتوعية الشباب كونهم الفئة المستهدفة في تنفيذ عملياته (أي الإرهاب) وتبني أفكاره (1).

(1) أعمال مؤتمر "الشباب والإرهاب" كوالالمبور ـ فبراير 2009.


وإذا كانت إشكالية إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب من القضايا المطروحة لجدة منذ سنوات وما زالت تداعياته موضوع جدال واسع النطاق بفعل الفشلات المتراكمة في هذا المجال. فان الكثيرون أضحوا حاليا يطالبون بإعادة النظر في دور التربية والتعليم في التصدي للإرهاب ومكافحته وذلك من خلال برامج مدروسة وتفعيل دور المؤسسات التعليمية في ترسيخ وعي الطفل ليعي مبكرا مخاطر الإرهاب والمخاطر التي تحدق به عند مرحلة الشباب لكي يقوم بدوره كاملا غير منقوص في مرحلة البناء والتنمية. وتتطلب المعالجة الحضارية لهذه الإشكالية نفسا طويلا في سياق عملية تعليمية و تثقيفية وتربوية مديدة تشارك فيها الدولة بمؤسساتها المتنوعة إضافة إلى مكونات المجتمع المدني وفعالياته متمثلة بايجاز، حسب الأخصائيين التربويين، في أولوية التربية والتعليم ووسائل الثقافة لبناء أسس متينة لنشر طريقة التعامل والتعايش على أساس سلمي ، وتأكيد دور وسائل واليات التربية والإعلام بالتركيز على ثقافة التعددية والتثاقف الاجتماعي لتكريس صيرورة إشعاع القيم الدينية والإنسانية في اتجاه المحبة والمساواة مع تأكيد أهمية الإقناع والاقتناع من خلال الحوار والتواصل ونبذ كافة أشكال الكراهية واللفظ والعنف والتهميش والإقصاء.

 

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات