التشفي من الضحايا!
من مرادفات التشفي هي الشماتة وهي الاكثر استخداما...والمعنى المختصر لها هي الفرح والسعادة فيما يحصل على الاعداء من بلاء!...
تنتشر في الادبيات الاسلامية العديد من النصوص التي تذم حالة التشفي حتى في حالة الاعداء ثم التعوذ من شماتة الاعداء...وهي صفة تنتشر بين البشر(ما اكثر الصفات الرذيلة التي يمتلكها البشر!) وتختص بهم ومهما حاول الانسان التخلص منها الا انه يستحضرها بعبارة اللهم لا شماتة! بينما هو في الحقيقة غارق في مستنقعها الى حد الذوبان! مما يعني صعوبة استئصال تلك الصفة ولكن مع ذلك يمكن تحجيمها الى حد تقتصر على استحضارها خلال فترات بعيدة،ومن يدري قد يكون هنالك نسبة كبيرة من البشر تكون عندهم صفة التشفي ضعيفة او شبه مندثرة كونهم منعزلين عن الحياة والاختلاط مع اخرين او منشغلين بأمور المعيشة الى درجة تشل لديهم القدرة الذهنية القادرة على استحضار الماضي بكل آلامه...
اصناف ودرجات التشفي:
للتشفي اصناف ودرجات! مما يعني ان أثر تلك الصفة في داخل النفس يكون على مقدار تلك الدرجات وشدة تأثيرها في النفس والسلوك العملي...
من ناحية الاصناف فأكيد هنالك صنف ايجابي وسلبي! ولكن يبقى الصنف الاخير اي السلبي هو السائد مما يعني محدودية الصنف الايجابي!...وهو يكون في حالة الشعور بالفرح والسعادة مما يحصل لانسان ارتكب من الجرائم بحق الانسانية مما يجعل الفرح بهلاكه او عذابه شرعيا او اخلاقيا كونه قد ظلم عدد كبير من البشر بضمنهم ابرياء كثيرون وبدون ان يرتدع او يقف،وكما هو معروف ان الظلم جرم كبير يستحق فاعله اقصى العقوبات البدنية والنفسية في حياته او بعد مماته حتى يكون عبرة لغيره لان الظلم سبب مباشر في تأخر الحضارة الانسانية وتمزقها الى مانراه الان من تشرذم وصراعات تعود في الاساس الى حدوثها على نطاق واسع وبشرعية دينية او قانونية مزيفة!كما هو اساس كل الرذائل التي يتصف بها سيد المخلوقات:الانسان!...فأذن تكون للمظلومين هذه الفسحة من حرية الانتقام ولو نفسيا فهل هو يحق له استعبادهم وظلمهم ثم لا يحق للاخرين حتى مجرد التشفي منه؟!...تلك من محدوديات الصنف الايجابي!...
اما درجات التشفي فتختلف بالتأكيد من انسان لاخر! مما يعني انه قد يكون هنالك انسان غارق في بحره الى درجة تجعله يعيشه دون ان يرى غير ذلك مما يؤدي الى ابتلائه بمختلف الامراض النفسية التي تؤثر على سلوكه السوي فيصبح عندها محتاجا للرعاية والعناية بغية الخلاص من تلك الصفة،وقد يكون آخر هي توجد لديه ولكن لا يستحضرها الى في المناسبات التي تحصل معه!...
تنتشر صفة التشفي السلبي بين العاطلين عن العمل او الذين لديهم اوقات فراغ طويلة مما يعني ان العمل الشاق يجعل الانسان ضعيف التفكير بالكثير من الافكار والاراء والذكريات لكون الجسد مؤثر كبير على الدماغ والذي يختزن عادة كل الموروثات والمكتسبات والذكريات...
ورغم ان المستوى الثقافي مؤثر في تقبل تلك الصفة الا انه لايمنعها نهائيا! لان حالة الصراع مع الاخر هي صفة ازلية بين البشر بغض النظر عن انتماءاتهم واعراقهم ومستوياتهم!...الا انه من المحتمل ان المستوى الثقافي المرتفع قد يكون حاجز يضعف تاثير تلك الصفة مما لدى الجهلاء الذين يسيرون وفق منهج فوضوي...ولكن اصحاب الروحانيات العميقة يكونوا في مأمن منها كونهم يبتعدون عن الرذائل بشكل عام ويجاهدونها مع انفسهم لابعاد آثارها عليهم وبالتالي يصبحوا قدوة مثالية لبقية البشر...
التشفي المنحط!:
اقصى حالات التشفي المنحط عندما يكون جماعيا وموجه بشكل خاص الى ضحايا ابرياء لا حول لهم ولا قوة...وهذه الصفة مع الاسف الشديد تنتشر في العالم الاسلامي اكثر من غيره كما يظهر لنا ذلك من خلال وسائل الاعلام والتعايش السلمي مع مختلف الاقوام، ويعود سبب ذلك الى شدة الصراعات العرقية والمذهبية والسياسية في العالم الاسلامي مما يعني ان الاسلام لم يهذب الكثيرين في سلوكياته مما يحولهم الى مسلمين اسما دون واقعا!هذا بالاضافة الى حالات التخلف الثقافي والاجتماعي والتي تنتشر بين صفوف الكثيرين على نطاق واسع دون ان تستطيع تيارات التحديث والتجديد من الحد من تأثيراته السيئة!...
والتشفي المنحط يكون في اعلى درجاته اذا اجتمعت فيه صفات الجماعية والعلنية والتوجه بها الى ابرياء الطرف الاخر! وبدعم من جهات رسمية او دينية او ثقافية!...
ومن الاسباب الظاهرة هي ان تأثير النظم السياسية في المجتمعات الاسلامية هو اكثر منه في المجتمعات الغربية لكون الاولى تمتاز اغلبيتها بالتسلط مما يعني انعدام التحرر من اثر السلطة التي تمتع اي شعور تحريري من سلطتها وخاصة في الجانب الثقافي! بينما في الحالة الثانية جرى تقليم اظافرها الى اقصى مدى!...وبما ان النظم السياسية في العالم العربي في حالة صراع بيني تفوق الصراعات الاخرى فأن تأثير الصراع على الشعوب المحكومة يصبح واقعا معاشا الى درجة الاشمئزاز! (والمثير للسخرية ان بعض تلك النزعات هي شخصية بحتة!)بينما المفروض ان تكون الشعوب خارج حلبة الصراعات السياسية المتغيرة لان دخولها الحلبة بسهولة ليس معناه الخروج منها بسهولة كما تفعل الانظمة التي تورطها في ذلك مما يستدعي انتباه الجميع لذلك!وهو درس قاس لمن يريد التحرر من التشفي المنحط والسلوك غير العقلاني في الفكر والسياسة...
امثلة خفيفة للتشفي المنحط!:
يمكن الاستدلال على الكثير من حالات التشفي المنحط ولكن بصورته المخففة! لكونه جماعيا وعلنيا ويحضى بالرعاية من لدن القيادات الرسمية والشعبية...ومن الامثلة ماحدث من مباريات لكرة القدم بين مصر والجزائر اواخر 2009 عندما شعر بالغبطة والسرور الكثيرين من غير الجزائريين مما حدث للمصريين من هزيمة كروية! بسبب الصورة السياسية السيئة المتبناة بينما في الحقيقة ان الكثير من مشاهد الصورة السيئة هي من انتاج النظام المصري والمعروف بطبيعته المنحرفة مما يعني تحميل الشعب المصري تبعة ذلك وهو بريء منه...او لسوء سلوك افراد مصريون في بلاد اخرى الى اخره من الاسباب الواهية...الا ان تلك المبررات هي هزيلة لكون الشعوب الاخرى ايضا خاضعة لنظم مستبدة وبالتالي هي ايضا مسلوبة الارادة مما يعني ان ظروف الشعوب متقاربة فعلام هذا التشفي والتمييز؟!...او التشفي من عدم حصول مصر على رئاسة اليونسكو بسبب الموقف من المرشح التابع للنظام!...او التشفي من ايران في صراعها مع الغرب حول برنامجها النووي!او الرغبة في حصول ضربة اسرائيلية – امريكية عليها مع نسيان ان اسرائيل نفسها تمتلك برنامج نووي سري منذ الخمسينات من القرن العشرين!!...
امثلة ثقيلة للتشفي المنحط!:
لا يوجد اسوأ في الانحطاط من التشفي بمقتل او جرح ضحايا ابرياء لدى الخصم او ما يفترض انه خصم والرغبة الذاتية في المشاركة بقتلهم او تعذيبهم! ...وتشمل الحالة ايضا حدوث حالة الكوارث الطبيعية او انتشار الامراض المميتة الى اخره من الحوادث الانسانية المؤسفة...وافظع تلك الحالات اذا اصابت فئة تكون المشتركات الدينية او اللغوية او العرقية في اعلى درجاتها...وهذا ما لاحظته في حدوث الكثير من الاعمال الارهابية البشعة ضد الشيعة خاصة في اثناء ممارساتهم لشعائرهم الدينية التي لا يجادل ادنى صاحب حق ومنطق بحريتهم فيها كغيرهم من الملل الاخرى... وكما هو معروف ان تلك الاعمال الشريرة يقوم بها انتحاريون تائهون من الجماعات التكفيرية المتعصبة والتي تتخذ من افكار ومبادئ المذاهب السنية منطلقا لاعمالها الاجرامية في حدود تفسيراتها الضيقة بالطبع! لكون هنالك الكثيرين ايضا يرفضون ذلك السلوك...ونتائج تلك الاعمال الاجرامية سقوط عدد كبير من الضحايا من ضمنهم اناس خارج حدود الصراعات التقليدية ونقصد بهم الفئات الثلاث الضعيفة وهي الاطفال والنساء والشيوخ وبطريقة رهيبة يندى لها الجبين الانساني وضميره الحي...ويكون التشفي في اقصى حالات انحطاطه عندما تنتشر اساليب الفرح والسعادة والسرور على مؤيدي تلك الاتجاهات المنحرفة مما يعني خروج مرعب ليس عن المثل الدينية والاخلاقية العليا بل هو خروج من الملة الانسانية برمتها التي تحث دائما على التعاون في الشدائد خاصة مع سقوط الضحايا الابرياء...ويمكن ملاحظة ذلك من خلال وسائل الاعلام الالكترونية التي اصبحت خير معبر عن كوامن النفس لدى جموع عديدة من البشر وبخاصة في جوانب الشر!... والمصيبة الكبرى ان تلك تكون بدون استنكار او شجب من رجال دين يفترض بهم الوقوف ضدها بينما يقف الكثير من العلمانيون ضدها دون مراعاة للفروقات الثقافية والدينية! وتلك حالة تستدعي الانتباه...وفي مثال يثير السخرية ما ذكر عن الشيخ طنطاوي شيخ الازهر عندما كان مفتي الديار المصرية عام 1991 عندما كان يتعرض العراق للقصف الجوي بطريقة وحشية والذي كانت اغلبية ضحاياه من المدنيين الابرياء عندما قال بطريقة التشفي المنحط انهم يستحقون ذلك! على اعتبار انهم لا يقفون ضد نظامهم في سلوكه المشين!!متناسيا ان غالبية الشعب المصري هي تقف ضد السلوك المشين لنظامه الاستبدادي الفاسد الذي يمثله دون ان تستطيع هي نفسها ان تغيره! وخاصة في جريمته الحالية والمستمرة في حصار قطاع غزة حتى اصبح الغرباء ارحم على الفلسطينيون من المصريون! فهل يستحق الشعب المصري التشفي؟!...الجواب: اكيد لا!...لانه مسلوب الارادة السياسية والاجتماعية الضروريتان للتغيير ولكنه يرفضه بصورة سلمية!.
وهنالك مثال التشفي الجمعي والمؤيد من اعلى المستويات الرسمية والدينية والثقافية حتى اصبح من الصعب التفريق بين من يقف ضده وبين من يؤيده في الكويت لشيوعه بطريقة مثيرة للاشمئزاز!! لكل ما حصل للشعب العراقي من كارثة الحصار الجائر الطويل والاعمال الارهابية التي تلت سقوط نظامه عام 2003 مما يعني ان الحالة ثابتة في هذا السلوك برغم تغير الظروف!...ووسائل الاعلام بكافة انواعها هي خير شاهد لتلك الحالة المنحطة من التشفي الجمعي والتي جمعت تيارات متعددة نادرا ما تجتمع على شيء كأجتماعها على التشفي الجمعي المنحط الذي يصل الى حد التمني في ابادة الطرف الاخر نهائيا! دون ان يتذكروا انه قد تنتقل اليهم كل حالات الكوارث بفعل المتغيرات التي تحدث دائما مما يجعلهم عرضة لنفس الحالة التي لا تدوم على احد!...
وهنالك امثلة اخرى عندما تحصل زلازل في ايران والتي تخلف عدد كبير من الضحايا،فقد انتشرت حالة التشفي المنحط الى درجة اثارها الملك السعودي عبدالله بطريقة التعجب والاستنكار في اوائل عام 2004 عندما علق على بعض المقترحات الاجرامية الشريرة لدعاة التكفير ومؤيديه والتي ذكر من بينها التبرع بدم ملوث بالايدز حتى يباد كل الجرحى في زلزال مدينة بام!!...نعم،لقد وصل التفكير الاجرامي الى اقصى مداه في هذا العصر الملقب بالتنويري! وبمعونة عدد كبير من رجال الدين الذين يثيرون زوبعات تكفيرية وطائفية بين الحين والاخر تجعل العوام الجهلاء يرقصون طربا لها!...
ومن الامثلة الاخرى عندما حصلت كارثة سبتمبر 2001 او عندما تحصل الكوارث الطبيعية في امريكا بصورة خاصة او في بقية بلاد الغرب،حيث تنتشر حالات التشفي المنحط الى درجة تعتبر سقوط الابرياء هو عيدا لها ويتباركون به! كتعبير عن رفض سلوك الحكومة الامريكية في تحالفها مع اسرائيل! مع العلم انه في تلك الدول يكون رفض السياسة شائعا لدى الغالبية العظمى مما يعني برائتهم المؤكدة فضلا عن طبيعة اعمالهم المدنية البحتة والبعيدة عن العمل العسكري وضرورياته...
لا يمكن الخروج من حالات التشفي وبجميع انواعها الا من خلال الخروج من دوائر الحقد والكراهية وبحملة يشترك فيها رجال الدين بالدرجة الاولى مع كافة العقلاء من جميع التيارات وخاصة المثقفة منها...والا فالعيش في ظلالها لا يختلف عن همجية العيش في كهوف العصور الحجرية، بل هو اسوأ !...
التعليقات (0)