التشدد لا يتمدد
ليست المشكلة مع التيار المتشدد في كونه متشدداً فذلك اختياره لكن المشكلة في تمدد ذلك التشدد كأفكار ورؤى وأدبيات , المتشدد يتبع تيار ضارب بجذوره بمستنقع التفسيق والتضليل والتحريم والقذف والسب والشتم , التيار المتشدد كمنظومة فكرية وشخصيات مٌنظرة وأخرى طائشة لا يؤمن بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي ولا يؤمن بالحقوق والحريات ولا يؤمن بالاختلاف الفطري والفكري والفقهي فإيمانهم لا يتجاوز مقولة " ما أريكم الا ما أرى " .
التيار المتشدد متمرس في التلون واستغلال القضايا والملفات والأشخاص فعلى سبيل المثال لا الحصر الحركات الاحتسابية البهلوانية التي يدفعها التيار المتشدد إلى الميدان كورقة ضغط وعصى ترهيب وتخويف وإثبات وجود , الاحتساب كفكرة وممارسة يتعرض لأبشع استغلال من قبل أقطاب ورموزٌ ذلك التيار المتشدد فاحتساب تلك الزٌمرة لا يختلف كلياً عن احتساب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ناحية التضييق والتشكيك في النوايا , لكنه يختلف في أمر مهم وهو أن احتساب التيار المتشدد احتساب غير مصرح به فهو ينطلق من أدبيات وأراء وتفسيرات واجتهادات شخصية عكس احتساب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي مؤسسة رسمية وصورة مصغرة وناعمة للتيار المتشدد .
للتيار المتشدد وجهان وجه ناعم ووجه غير ذلك , التيار المتشدد أصاب الحياة بالشلل وأقطاب ذلك التيار يسرقون زهرة شباب الوطن بطرق مباشرة وغير مباشرة وبعد زمنٍ يتراجعون ويعلنون البراءة وليست فتاوى الجهاد والنفره والنفير الوحيدة فالفنون مٌحرمة والحركات الإحتسابية البهلوانية تضيق بها المهرجانات والفعاليات الترفيهية والثقافية والفنية والسياحية وبوجود جيوب الاحتساب الرسمي فكل تلك الممارسات يعوزوها التيار المتشدد للسلفية التي هي حقبة تاريخية ماضية تستمد وجودها من تراث فقهي غير مٌلزم فذلك التراث "الفتاوى والتفسيرات والاجتهادات " عبارة عن آراء لا قدسية لها وبالتالي فهي غير ملزمة , إلزام الناس بتلك الآراء وتحت بند السلفية لا تفسير له سوى أن السلفية عبارة عن نقل دون عقل وبالتالي فإن مقولة السلفية سلف العقل صحيحة وصائبة خاصةً إذا كانت تلك الآراء مفروضة بالقوة الجبرية على المجتمع !.
بكل تيار هناك المتشدد والمعتدل , لكن التيار الديني متشدد بطبيعته فهو قائم على تراث فقهي قديم يدعو إلى إلزام الناس بما في ذلك التراث دون اعتبار للاختلاف الفقهي أو ظرف الزمان والمكان, التيار المتشدد لا يدرك أن صيغ الأمر والإلزام لم تعد مجدية وأن أساليب القفز والتلون والحركات البهلوانية الاحتسابية و الدعوية لم تعد مجدية أيضاً حتى العالم الافتراضي " مواقع التواصل الاجتماعي " لم يعد حكراً على ذلك التيار ولم يعد يصنف على أنه موطأ القدم المقدس فالمجتمع بات أكثر وعياً والدليل أن ذلك التيار يتعرض للنقد صباح مساء وتتعرض ممارساته التي تنال من الحريات ومساحة الاختلاف الفطري والفقهي والفكري للنقد والاعتراض فالتيار المتشدد باقي لكنه لا يتمدد فالزمن اليوم غير الزمن الماضي فتمدد التيار المتشدد بات ضرباً من ضروب الخيال والفضل للوعي المجتمعي ولمواقع التواصل الاجتماعي التي فضحت نفاق شخصيات محسوبة على ذلك التيار وفضحت أيضاً تناقضات وممارسات كان يظنها المجتمع مقدسة وأكتشف أنها محل خلاف واختلاف واتضحت الصورة أنه لا قدسية للاجتهادات والآراء فالقدسية للنصوص الصريحة والواضحة فقط ومن هنا بدأت عجلة ذلك التيار بالتوقف والانكماش وسوف تبقى كذلك حتى يخلع ذلك التيار بردته ويستبدلها بالوسطية كمفهوم وممارسة وليست كمفردة يرددها بين فينة وأخرى ؟!.
التعليقات (0)