كل أنظار الدنيا متجهة هذه الأيام إلى اليابان، حيث يعيش هذا البلد كارثة حقيقية بعد زلزال الجمعة 11 مارس و التسونامي القاتل الذي تلاه. لذلك كان من الطبيعي أن يلقى هذا الحدث اهتماما إعلاميا واسعا. لكن المتتبع للإعلام العربي في شقه المرئي على الخصوص يلاحظ نوعا من اللامبالاة، أو لنقل: إن الكارثة لم تلق الإهتمام اللائق بها على هذا المستوى. و هذا ما يطرح علامة استفهام حقيقية عن طبيعة الحضور الإعلامي و دوره في نشر القيم الإنسانية.
واضح أن ثقافة العشيرة و القبلية المؤسسة على " الأنا وحدية " مازالت تتحكم إلى حد بعيد في السلوك الإجتماعي. و لأن الإعلام جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة الإجتماعية فإنه يتأثر بهذه المرجعية عن وعي أو بدونه. وذلك رغم أن الرسالة الإعلامية تقتضي قدرا كبيرا من الإنفتاح و تقبل الآخر، بل و استحضار هذا الآخر ليس فقط بوصفه مادة خبرية، بل باعتباره شريكا في الإنسانية بآمالها و آلامها. و من هذا المنطلق يحتم الواجب الأخلاقي أن يشترك الجميع في الدفاع عن بعض القضايا ( كل من موقعه ) تأسيسا على مبادئ الإنسانية التي تتميز بالكونية و لا تعترف بالتصنيفات الضيقة. لذلك فإن التسونامي الياباني يمثل فرصة لتجاوز الإنتماءات العرقية و الإنخراط في تبني المشترك الإنساني سواء من خلال تقديم المساعدة المادية. ( و هذه مسؤولية الدول و منظمات الإغاثة ) أو عبر الإحساس بمعاناة المنكوبين و المتضررين. و تلك مسؤولية كل الأفراد بغض النظر عن مستلزمات الهوية و الدين و العرق... و لا يمكن لهذا الشعور الإنساني أن يتنامى إلا من خلال تسويق هذه المبادئ الإنسانية المشتركة. و لوسائل الإعلام في هذا المقام دور بارز لاسيما في ظل التقدم التكنولوجي الذي أصبح معه العالم مكشوفا أمام الجميع.
تسونامي اليابان شكل منذ عدة أيام حدثا إعلاميا أساسيا في القنوات التلفزيونية العالمية. ففي كل الشبكات الإخبارية المشهورة يلقى هذا الحدث اهتماما كبيرا سواء تحدثنا عن " سي إن إن " أو " السكاي " أو " بي بي سي " أو غيرها. فقد أوقفت هذه القنوات أغلب برامجها المعتادة للتفرغ لتغطية تداعيات الزلزال المدمر في بلاد الساموراي. و هذا يعني أن المشاهد الغربي الذي يتابع هذه الفضائيات يعيش بشكل حقيقي مأساة اليابانيين لأنه مطلع على كل تفاصيلها، وهذا الإهتمام نابع من ثقافة اجتماعية تنتصر لقيم الكونية ( بالرغم من النقاش المرتبط بهذا الموضوع). و هذا ما رأيناه في عدد من الأمثلة المشابهة كتسونامي دجنبر 2004 في إندونيسيا أو زلزال هايتي سنة2010... لكن الوضع ليس كذلك في المحطات الإخبارية العربية. و يكفي أن نتحدث عن قناتي " الجزيرة " و " العربية " باعتبارهما الأكثر متابعة من طرف الجمهور العربي لنستنتج هذه الحقيقة. إذ تكتفي القناتان منذ حدوث الزلزال ببث تقارير إخبارية مقتضبة كشكل من أشكال الخدمات الإخبارية العادية. و الحال أن الزلزال الياباني ليس خبرا عاديا بل هو كارثة إنسانية بكل المقاييس... طبعا فالموضوع الذي يستأثر بالإهتمام هذه الأيام هو الحراك الشعبي المتأجج في أكثر من بلد عربي و خصوصا ما يجري في ليبيا. لذلك اتجهت القناتان إلى تغطية هذه الأحداث بشكل مكثف. و هذا يعني أن المزاج العام هو الذي يفرض نفسه على الإختيارات التحريرية للقناتين.و بناء على ذلك فإن القضايا القومية تحظى بالأولوية. و هذا ما يكرس نفس الثقافة المتمركزة على الذات، و التي يبدو معها كل ما هو إنساني مغيبا و كأنه لا يعنيها من قريب أو بعيد...
هذه الثقافة المنغلقة على الذات عندما تتجسد في الخطاب الإعلامي يكون لها تأثير أكبر، و تغيب معها المعايير الأخلاقية التي تتأثر بطبيعة الحدث و مكان هذا الحدث. نعم من واجب القنوات التلفزيونية المتخصصة أن تسلط الضوء على الأحداث القريبة من نبض الشارع، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون تكريسا لقاعدة " أنا و بعدي الطوفان "... محمد مغوتي.15/03/2011.
التعليقات (0)