يقول المثل الشعبي المغربي " فاتك الغرس قبل مارس " ، ومعناه التداولي عند الفلاح أو من له "ثقافة" فلاحيه أن كل ما يزرع في الأرض من حبوب وقطاني وأشجار يستحسن، بل يجب "في الثقافة الفلاحية" أن يتم زرعه خلال الثلاثة الأشهر الأولى من السنة، حيث التساقطات المطرية القوية وبرودة المناخ في جو يعتبر مناسبا للبذور حتى تنمو وتينع وتعطي أكلها كل حين بإذن ربها سبحانه وتعالى.
في المغرب المعاصر نلفي أن السياسة تستمد معجمها دائما من الفلاحة، ولا عجب في ذلك لأن النخبة السياسية المغربية التي تحكمت في تدبير الشأن السياسي ما بعد الاستقلال حصلت على ضيعات فلاحية شاسعة في أحسن المناطق المغربية من حيث الإنتاج الفلاحي، ولا غرو إذن أن نجد أن النخبة لا تفرق ما بين المحصول الفلاحي والمحصول السياسي،فهما سيان، الشيء الذي جعل السياسي المغربي يستعير مصطلحاته السياسية من الفلاحة لتسهيل التواصل مع القاعدة الجماهيرية التي تتكون أساسا من سكان القرى والبوادي التي يتحكم فيها الأعيان الموالين للسلطة المركزية أو ما يسمى بالمخزن،وأيضا من أجل إعطاء المفهوم الحقيقي للسياسة بالمغرب المعاصر والذي يصبو إلى خلق نخبة مستعدة لأن تخدم المخزن وتمتلك ولو بصيصا قليلا من أدوات الإنتاج والإكراه. ولذلك كتب ريمي لوفو كتابا عنونه بـ " الفلاح المغربي مدافع عن العرش". خلافا لنخبة مدينية نشأت على هامش الحركة الوطنية، وكان لها مشروعها الخاص المعارض لخيار "السلطة المركزية" فتعرضت لقمع منظم من لدن القصر وقوته الثالثة بتعبير محمد عابد الجابري.
إن استعارة مصطلحات السياسية من "الثقافة الفلاحية" نشأ وترعرع مع نخبة معروفة ومحددة من نقابيين وسياسيين و"مقاومين" وعسكريين، ويكفي أن نمثل بالسيد المحجوبي أحرضان والدكتور الخطيب والدليمي والقادري... والصدر الأعظم الراحل إدريس البصري الذي كان يعتمد مصطلحا فلاحيا صرفا للتعامل مع المعارضين السياسيين، فكان يقول والحسن الثاني رحمهما الله " الفاكهة خصها حتى الطيب وطيح راسها". وقد طبق هذا المفهوم حرفيا مع المعارضة اليسارية، فانطلقت من معارضة النظام القائم إلى معارضة الحكومة..إلى التماهي مع خيارات المخزن إلى درجة الحلول والاتحاد بلغة المتصوفة " المخزن أنا وأنا المخزن وما في الجبة إلا المخزن "يا سبحان مبدل الأحوال !!
لكن، دعونا، يا أحبابي، نقرر أن هذا المنطق ليس صحيحا، فالصدر الأعظم الحالي السيد عالي الهمة يختلف في تصوره عن الصدر الأعظم السيد إدريس البصري رحمه الله، ولو أن الهمة اتخذ من "التراكتور" شعارا لحزبه الذي لا زال فصامه في عامين يرضع من ثدي المخزن، ودليلي في هذا هو أن المناضل والرفيق الملتزم بقضايا الوطن ، والأخ الكريم الذي يعتبر حب الوطن من الإيمان ( من الأصالة والمعاصرة طبعا التي تجمع بين الإسلام والحداثة) لم يعد في حاجة الى أن يستمد معجمه السياسي من الضيعات والخيول..، لأنه لو فعل هذا لكان الفشل نصيبه !!
تصورا أن السيد الهمة له سطوة جد قوية في منطقة الغرب في كل من سيدي قاسم وسيدي سليمان وسيدي يحيى، يتوفر على جيش عرمرم من المرشحين غالبتهم من البوادي، هذا الجيش سيدافع عن "الواجب الوطني" بتعبير وزارة الداخلية يوم 12 يونيو القادم ضمن لائحة "التراكتور".، وتصورا أيضا لو أن عالي الهمة لو طبق المثل الفلاحي القائل " فاتك الغرس قبل مارس" لفشل فشلا ذريعا، لأنه كما تعلمون أن هذي المنطقة عرفت فيضانات أسفرت عن خسائر الممتلكات والأرواح، وكشفت للعالم أجمع حجم التهميش الذي يعانيه سكان القرى المنكوبة، قرى ودواوير أشبه بـ"قندهار" في أفغانستان، السكان انتقلوا للسكن في غابات معمورة مع الذئاب والحلوف..، وأنا متوجس من كون أنفلونزا الخنازير ربما ستبدأ شرارتها الأولى لا سمح الله من منطقة وسهول الغرب، وليس من الشمال ناحية السبليون.
السيد عالي الهمة لم يزر هذه المناطق المنكوبة في بداية شهر مارس، ولم ينظم شاعره "الوديع" قصائد شعرية للتفجع على الضحايا أو رثاء "الشهداء منهم" أي ضحايا الأمطار وسيول الأنهار... ولم يواس واحدا بالرغم من له سطوة في دار ليوطي التي خرج منها يركب تراكتوره.
ومع ذلك فالسيد الهمة وزع تزكيات حزبه الجديد يمنة وشمالا على شباب هذي القرى من منطقة الغرب وأصبح الناس يحجون لحزبه من أجل الانضمام له طواعية والركوب في التراكتور من أجل حرث سهول منطقة الغرب بدون أسمدة ولا قلب..." إذا اعطاك العاطي لا تحرث ولا تواطي".
التعليقات (0)