قد يظن المدون أن لا مسافة تفصل بينه وبين لوحة المفاتيح وشاشة الكومبيوتر سوى بضع نقرات و يجد نفسه منفتحاً على العالم بأسره.. من هنا كان سحر التدوين ومكمن خطورته أيضاً ..
فالكتابة ليست مقصورة أو محصورة في (كراسة) المدون أو في جريدة إقليمية مغمورة لايطالعها سوى بعض الناس.. أو حتى جريدة يومية شهيرة يخفت وهجها بنهاية اليوم لتتوهج من جديد مع التباشير الأولى من صباح اليوم التالي ..
التدوين يختلف كثيراً .. خاصة إذا كان القدر قد وضع المدون أمام نافذة بقدر ضيقها الظاهر إلا أنها دائرية تطل على جميع أنحاء العالم وصارت أقرب إلى (الفنار) الإعلامي في بحر الكتابة الالكترونية ...
وعندما تكون هذه النافذة كمثل المشعل أو الفنار الذي يعد المدون أحد أفراده فإن ثمة ضوابط يجب فرضها لضمان استمرار هذا الفنار أو ذاك المشعل في أداء مهمته على أفضل وجه ممكن ..
ليس ذلك فحسب ولكن أيضاً بحث سبل التطور والارتقاء لضمان التفوق والتميز .. ولو كانت هذه الضوابط ذاتية نابعة من المدون فإنها توفر كثيراً من جهد الإدارة بل وتصم العلاقة بينهما بالانسيابية التي تتيح حرية ذاتية أكبر للمدون ما دامت الرقابة عنده ذاتية وتنشئ الثقة بل وتدعمها بين الإدارة وبينه وتجعل فرص التدخل والتداخل بينهما أقل حدة إلى الحد الذي تكاد تكون معدومة بحسب مساحة (الثقة) التي يتمتع بها المدون والقدرة على خوض غمار التدوين بما يتمتع به من مسئولية تدعمها ثقة الإدارة في تعاملها مع مدون يضيف إلى رصيدها الإعلامي لا ينقص منه ..
هذا ما فهمناه عندما ولجنا( مدونات إيلاف) تلك النافذة التي صارت فناراً ومشعلاً في بحر التدوين و الكتابة الالكترونية .. وضعت إيلاف ضوابط لكل من أراد أن يطل من نافذتها ويتحدث من منبرها ويكتب في صحيفتها ويمشي على بساطها ... ضوابط وشروط يقف عندها كثيراً كل مدون وهو يملأ خانات البيانات لينشئ موقعه فيها ..
وترتفع هذه الضوابط والشروط من أمام عين المدون كلما ترسخ في التدوين وصار له خط معلوم وملامح مستقلة و زملاء و قراء يتابعون ويتواصلون معه سواء بالاتفاق أو حتى بالاختلاف حول ما يكتب من آراء وأفكار ونظريات وغيره وغيره ..
وهكذا يندمج المدون مع نافذته (إيلاف) يربطهما خيط واحد هو (الثقة) و يسيرهما خط واحد هو نشدان النجاح المبني على قاعدة من الرصانة والرزانة والتنوع والتميز ...
لذا تستشعر الإدارة الأسف حين تضطر إلى التدخل في كتابة المدون سواء بالتنبيه أو بحذف كلمة أو مقال أو المدونة بكاملها تحت وطأة التأذي من اتخذها هذا المسلك بسبب (رؤيتها ) لوجود مخالفة لقواعد النشر ..
هذا ما حدث مع عديد من المدونين والعديد من المدونات الذين طالهم (مقص الإدارة) وأنا من بينهم بالطبع حين تم حذف مقال ( قم للإسرائيلي وفهِ التبجيلا .. ذهب الرافعي وجاء عاموس بديلا) الذي نشرناه اعتراضاً على قرار وزارة الثقافة بترجمة ونشر أعمال كاتب اسرائيلي في خطوة ضد الإرادة الشعبية بحظر التطبيع مع الصهاينة لحين إعادة الحقوق للشعب الفلسطيني الشقيق .. وربما مقال آخر لا أذكره ..
ثم كان الحذف الأخير من نصيب مقالنا ( "نعلاكِ" أطهر من أوربا كلها .. إن كان يزعجها الحجاب) وهو المقال الذي تضمن مقطعاً من قصيدة تتناول هذا الشأن للشاعر العراقي الكبير ( أحمد مطر) والعنوان مأخوذ من القصيدة نفسها .. والتي جاء فيها ..
نَعلاكِ أوسعُ من فرنسا
نعلاكِ أطهرُ من فرنسا كلها
جَسَدًا ونفْساً
نعلاك أجْملُ من مبادئ ثورةٍ
ذُكِرَتْ لتُنسى
مُدي جُذورَكِ في جذورِكِ
واتركي أن تتركيها
وقد أثارت لفظة (نعلاك) غضب البعض وثائرة آخرين قاموا بإبلاغ الإدارة عن تلك اللفظة باعتبارها إساءة لشعوب أوربا وبالفعل تم حذف اللفظة من العنوان وإبقاء باقي المقال ..
ولم يثر فينا هذا الأمر شيئاً باعتباره من إطلاقات حق الإدارة في متابعة الكتابة والنشر وفقاً للقواعد و الضوابط والشروط والتي من بينها كما أشارت الإدارة في آخر توضيح منها لنا بهذا الشأن وما يخصنا منه الآن ما نصه :
(المدون الكريم ....بخصوص كلمة نعلاك نحن لا نقبل الإساءة لشعب أو عرق ... ما رأيكم لو كتب أحد ما نعلاك أشرف من العرب أو من مصر أو الجزائر... الخ هذا الأمر يسري على كل الشعوب والمعتقدات والدينات لا نفرق بينها..) ..
هنا لا تثريب ولا لوم ولا عتاب على وجهة نظر الإدارة إذا نحت هذا المنحى لأنها تحركت من واقع الإبلاغ (المستميت) من " مدون " عما يعتبره إساءة... ضارباً نفس المثل وذات وجهة النظر دون أن يشفع للعنوان أنه بيت في قصيدة شعر .. والشعر حمال أوجه .. والشعر يذهب بمعانيه وتذهب به المعاني كل مذهب ..
وكم من معارك أقيمت للدفاع عن شعراء وكتاب ومفكرين من الذين تجاوزوا بأشعارهم وكتاباتهم وأفكارهم إلى المساس ليس بأوربا ولكن بالذات الإلهية نفسها بدعوى حرية الإبداع وعدم جواز المساس بها ...
ومع ذلك .. ومع كل ذلك سنسلم بوجهة النظر تلك .. ونعتبر أن كلمة ( نعلاكِ) تجاوزت المعنى الشعري إلى المساس بمشاعر وأحاسيس شعب فرنسا أو أوربا عموما وهو ما لا يسمح به تحت أي ظرف ...
فما القول في مقال منشور لذات المدون المتشاكي دوماً بعنوان ( صدام حسين ابن عاهرة ) ؟!!
هل تعرفون من يقصد صاحب الموضوع ؟!
نعم صدام حسين الرئيس العراقي الراحل .. رئيس دولة العراق السابق ..
رئيس دولة عربية كبيرة وضع عنه ذلك المدون مقالاً بعنوان (صدام حسين ابن عاهرة)!!!!
سيقول قائل .. أن العنوان ليس من عندياته ولا من بنات أفكاره بل هو ناقل لخبر عن جريدة اليوم السابع عن جريدة معاريف الاسرائيلية على لسان جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي الذي أهان وسب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بألفاظ نابية فى أحد قصوره السابقة فى العاصمة بغداد خلال زيارة قام بها بايدن للعراق بقوله "إن صدام حسين ابن عاهرة يتعذب ويبكى فى قبره" وهذا لعدم توقع الجنود أن يتخلى نائب الرئيس الأمريكى عن دبلوماسيته التى يفرضها عليه منصبه، ويقوم بسب رئيس سابق بمثل هذه الألفاظ الخارجة والشديدة الوقاحة.
وذلك المدون قد ذيل الخبر ببضع كلمات مفادها (يبدو انه في بعض الأحيان، يتغلب الصدق على الدبلوماسية)
بمعنى أن بايدن صدق في وصفه الرئيس العربي الراحل صدام حسين بأنه ابن عاهرة ..
وهذه بعض فقرات من تعليقاته على موضوعه المعنون ( صدام حسين ابن عاهرة)
(1) يعني أخرجوه من من حفرة لا تعيش فيها إلا الحشرات جبان مذعور يملا رأسه القمل كأنه إنسان من عنصر النياندرتال وداسوا فوق رأسه بأحذيتهم كما يدوسون أي حشرة حقيرة..
(2) صدقني ان اللقب الذي أطلقه عليه بايدن قليل بحقه.
(3) الحقيقة انه من النادر أن يصعد أولاد العاهرات إلى سدة الحكم في الدول ولكن يبدو انه من سوء حظنا وحظ العراق أن يتقلد شؤونه واحد منهم..
(4) من السخرية أن تطردوا الاستعمار من بلادكم ثم تهاجرون بمئات الآلاف سنويا إلى فرنسا تقبلون يديهم كي يقبلون بكم لاجئين تنظفون شوارعها وتغسلون الصحون في فنادقها ومطاعمها..
(5) وليذهب وليسب اينما ذهب ولكن هنا فليحترم على الاقل الارض التي وفرت له الحماية والماوى من نظام (الكلب ) صدام حسين ..
وآخر تعليق هو الجملة الأخيرة ضمن تعليق طازج لذات المدون لدى مدونة الزميل محمد المغوتي يصف فيه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالكلب .. فهل هذا الوصف من أدبيات التدوين أيضاً ؟!
.. وهنا يكون بيت القصيد ...
فلفظة (نعلاك) رغم أنها مقتبسة من نسيج القصيدة المنشورة بذات المقال ..
هل هي أشد وطأة وفحشاً للدرجة التي توجب حذفها بينما وصف رئيس عربي مسلم بعنوان من نفس الخبر (صدام حسين ابن عاهرة) لا شيء فيه .. ولا شية فيه ؟؟!!
إذا كنا نعتبر أن كلمة نعلاك فيها مساس بالغير .. ألا يعتبر إطلاق وصف ابن العاهرة على رئيس عربي راحل له ما له وعليه ما عليه ولو منقولاً عن خبر فيه مساس كبير ؟!!..
لو نعت أو وصف من أراد صدام حسين بالمستبد أو الديكتاتور أو القاتل أو الطاغية ما كنا نرى في ذلك شيئاً ...
لكن أن ينعته (نقلاً) عن رأس الاحتلال أنه ابن عاهرة ويصدق على هذا الوصف ويروج له ما شاء وكما شاء في تعليقاته وبأسوأ مما ورد في الوصف ...
فما الرأي في هذا ؟؟ ..
عنوانان أمام عين القارئ ...
أولهما ( نعلاك أطهر من أوربا كلها .. إن كان يزعجها الحجاب )
والآخر ( صدام حسين ابن عاهرة)
تحذف كلمة (نعلاك ِ) للإساءة البالغة لشعوب أوربا ..
ويبقى وصف رئيس عربي راحل في عنوان أنه (ابن عاهرة) وتعليق يقول فيه المدون ( أنه من سوء حظنا أن يتقلد شئون العراق العراق واحد من أولاد العاهرات؟!!!
لسنا نشكو .. ولسنا نتشكى ..
ولكننا نريد أن نعرف ما هي مقاييس ومعايير التجاوز والإساءة حتى نعرفها ونعلمها ونقف عند حدودها ..
وهل لو أنزلتُ مقالاً بعنوان خبري أو منقول أو من كتاباتي بعنوان أصف فيه الرئيس الأمريكي أو الإسرائيلي بأنه (ابن عاهرة) هل سأكون متجاوزاً ومسيئاً أم سيمر المقال مروراً حسناً.؟!..
نحن نتمنى أن نجعل الإدارة آخر من يتدخل في كتاباتنا ولا نستدعيها في كل كلمة وكل حرف وكل مقال وكل نزاع وكل خلاف ينشب بيننا .. ولكن لأن البعض الذين ما فتئوا يتحدثون دوماً أنهم يبلغون دوماً عن الإساءات وهم من طالبوا أو أيدوا حذف مقالنا ( نعلاك أطهر من أوربا كلها .. إن كان يزعجها الحجاب ) كله بينما اكتفت الإدارة بحذف كلمة (نعلاك) من العنوان وأبقت على الموضوع كاملاً بدون تدخل منها فيه ...
أولئك هم من نقلوا أيضاً خبراً جعلوا له عنواناً صادماً ( صدام حسين ابن عاهرة) ولا زال منشوراً عندهم بعنوانه وبكافة تعليقاته ...
فهل سب وقذف رئيس عربي ونقل هذا السب والقذف كعنوان موضوع ونشره والتأكيد على تأييد وصفه بابن العاهرة مهما كانت درجة الاختلاف من حوله .. هل يعتبر ذلك من حرية التدوين المسموح بها ولا إساءة فيها ؟؟!
هذا المقال مطروح للزملاء للمدونين حتى نتفق على حدود وفواصل لمسئولية المدون عما يكتبه أو عما ينقله ..
ومدى حريته ونهايتها التي تبدأ عندها حرية الآخرين .. ونظرة المدون لكتابات غيره المختلف معه سواء بالرأي أو بالفكر أو بالعقيدة أو بالمبدأ .. ومدى حقه في الاعتراض على كتاباته أو المداخلة معه ..
نريد أن نحدد الخيط الذي يمكننا نسير عليه من الخيط الذي نسير بجانبه ..
وهو الخيط الفاصل بين الحرية والإساءة ...
رابط مقال ( صدام حسين ابن عاهرة)
http://www.elaphblog.com/posts.aspx?u=698&A=21518
رابط مقال ( نعلاك أطهر من أوربا كلها.. إن كان يزعجها الحجاب)
http://1234.elaphblog.com/posts.aspx?U=1455&A=49549
التعليقات (0)