ألإصلاح السياسي مهمة شاقة علي أي مجتمع يكون قد وقع تحت حكم ديكتاتوري لمدة طويلة لأن مجموعة الحكم في مجتمع كهذا تكون قد وضعت نظاما ذاتي الحماية, وصبغت كل الهيكل الحكومي بصبغة الاستئثار وشكلت من الطبقة الحاكمة حائط صد يحجب المستوي الثاني من ذوي المناصب العليا في المجتمع. وحتى طبقة الموظفين العموميين علي مستوي رؤساء الأقلام ومديري الإدارات ورؤساء الفروع علي مستوي المدينة والقرية يكونوا بمساعدة الحكومة أدوات قمع لكل من يخرج عن الخط الذي رسمته السياسة العامة, مستعينين في ذلك بالقوانين التي تطلق يد الرئيس أو المدير إلي التنكيل بمن لا يذعن لسياسة الدولة, ونظرا لتدني المستويين الاقتصادي أولا ثم الثقافي لا يمكن أن تظهر في المجتمع حركات تحرر أو حتي إبداء الرأي المخالف. وبالنظر إلي العامل الأول (الاقتصادي) فإن تدني مستوي المعيشة تجعل الهم الأكبر في الحصول علي الحاجات الأساسية للحياة من مأكل وسكن وتعليم أساسي وعلاج.وغير ذلك, بما يضمن للدولة انصراف هذه الطبقة الشعبية عن أي مطالب سياسية أو اشتراك في العمل الجماعي أو المنظمات الأهلية. وتكون الطبقة الأعظم من الشعب قد حيدت عن إبداء الرأي في المطالب العامة لانشغالها حتي برغيف العيش. وتحييد هذه الطبقة يفسر انصراف الجميع عن أداء دورهم في الانتخابات العامة لإحساسهم أن النتيجة محسومة لصالح الطبقة الحاكمة فلا معني لأن يتكبدوا عناء الذهاب إلي صناديق الاقتراع, ولا شك أن الدولة معنية بصرف الناس عن المشاركة ليتسني لها إعلان ما أعدته سلفا من نتائج الانتخاب أو الاستفتاء.
أما العامل الثاني وهو العامل الثقافي, فيمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي الأمية بمعناها الواسع بمعني الجهل بالقانون والانصراف عن القضايا العامة وعدم معرفة حقوق المواطن علي الدولة والتعمية المقصودة أو غير المقصودة في وسائل الإعلام المحلية وعدم الانفتاح علي العالم الخارجي واقتصار المادة الإخبارية علي أخبار لا تهم المواطن ولا تعود بأي مردود مباشر علي حياته اليومية مما يصيبه بالتنحي والانطواء وربما إلي ,عدم الانتماء في آخر المطاف
وقد غيرت الثورة المصرية هذه الثوابت إلى حد ما ...ولكن التغيير لم يشمل حياة الناس وانشغلوا بقضية أركان النظام السابق ومحاكمتهم وثار الجدل فيما إذا كانت القضية ذات فعالية في مستقبل مصر أم أنها مجرد تصفية حسابات وخاصة أن استعادة الأموال العابرة لن تعود في أكثر الأحوال تفاؤلا...إن مهمة الحكومة الآن هي عمل أي شيء يبعث على اطمئنان الطبقات الدنيا من محدودي ومعدومي الدخل.... ويقابل هذه المهمة عقبة كؤود تمثلت في إبعاد التجار الشعبيين عن أرصفة الميادين لصالح أصحاب السيارات ولم توفر لهم مصدرا للقوت الضروري ...هذه الإشكالية سوف تكون أساس ثورة الجياع القادمة إذا سارت الحكومة على هذا النهج أحادي الجانب
التعليقات (0)