في العام 1979م بدأت الصين خطواتها نحو الانفتاح على العالم الخارجي وفي ذات الوقت بدأ العالم يتجه من كل صوب وحدب بانظاره الى الصين التنيين الاسيوي الذي خرج من قمقمه كالطود الشامخ الأشم وهو يحطم عزلة استمرت اربعة قرون ونصف القرن ،الصين تخوض غمار تجربة "الاصلاح الاقتصادي"والتي مكنته خلال فترة قصيرة من تحويل الاقتصاد الصيني الضعيف الخاضع لسيطرة الدولة الى اقتصاد يحقق اعلى معدل نمو في التاريخ وهو يمتلك باطراد الوسائل التي تكمنه من تشكيل اي بيئه دوليه في المستقبل وهنا نتذكر نقولة نابليون بونابرت الشهيرة :"الصين مارد نائم فدعوه نائماَ لانه اذا استيقظ هز العالم".
تعتبر عملية التحديث والاصلاح والانفتاح التي تقوم بها الصين في هذه المرحله المعاصره هي في حقيقتها عملية تأريخيه عمرها تجاوز المائه وخمسين عاماَ حيث ظل الصينيون يتمسكون بطبيعة الحياة الصينيه بالأنسجام والاستقرار ومقاومة التغيير بالفطرة فهم يجنحون بالحنين الى الماضي ويميلون الى التذكير بالمآثر والمفاخر والمجد التليد ولابد من ان نتطرق الى الارهاصات التي عاشتها حركة التحديث التي عرفتها الصين اول مره بعد حرب الأفيون عام 1840م التي ايقظت الصينيين من احلامهم التي كانوا يغوصون في اعماقها فهم مزجوا بين الاصاله والمعاصره في مواجهة التصادم والتعارض مع الثقافة الغربية والبحث عن منفذ وبوابة لأنقاذ الأمة الصينية من الاضمحلال ومحاولة البقاء في مواجهة الاستعمار الغربي من هنا لم تكن عملية الاصلاح والتحديث عملية طبيعية انما هي عملية اصطناعية ولم تكن وليدة التطور الذاتي انما هي وليدة صدمة مع قوة خارجية دكت مدافعها وأساطيلها ثغور الصين واستعمرت بعض اجزائها حيث كان التحديث الصيني في ذلك الوقت صراعاَ ضد الغرب وضد عدوانه واحتلاله واذلاله للأمه الصينيه وقد ارتبط منذ اللحظات الاولى بقضية مصير الامه ووحدتها في مواجهة الاستعمار الغربي وشاغولية حركتها بين البقاء والفناء.
حرب الأفيون "1840 م– 1842م" التي شنها الغرب على الصين" حروب الأفيون هي حربين ، سميتا بحرب الأفيون، قامتا بين الصين وبريطانيا. في الثانية، انضمت فرنسا إلى جانب بريطانيا. وكان السبب هو محاولة الصين الحد من زراعة الأفيون واستيراده، مما حدا ببريطانيا ان تقف في وجهها بسبب الأرباح الكبيرة التي كانت تجنيها بريطانيا من تجارة الأفيون في الصين.قامت حرب الأفيون في عام 1888م، وكان من نتائجها أن أصبحت "هونغ كونغ "مستعمرة بريطانية. اهتمت بريطانيا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي بفتح أبواب الصين امام تجارتها العالمية،فطلب الملك جورج الثالث من الامبراطور الصيني شيان لونج توسيع العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن الامبراطور اجاب : ان امبراطورية الصين السماوية لديها ماتحتاجه من السلع. وليست في حاجة لاستيراد سلع أخرى من البرابرة، فلم تستطع بريطانيا في ظل هذه الظروف تصدير الا القليل جدا من سلعها إلى الصين. وفي المقابل كان علي التجار البريطانيين دفع قيمة مشترياتهم من الصين من الشاي والحرير والبورسلين نقدا بالفضة.. مما تسبب في استنزاف مواردهم منها.. لذلك لجأت بريطانيا إلى دفع إحدى شركاتها..وهي شركة الهند الشرقية البريطانية "East India Company" التي كانت تحتكر التجارة مع الصين،الي زرع الافيون في المناطق الوسطي والشمالية من الهند وتصديره الي الصين كوسيلة لدفع قيمة واردتها للصين.
تم تصدير أول شحنة كبيرة من الافيون الي الصين في عام1781م وقد لاقت تجارة الافيون رواجا كبيرا في الصين. وازداد حجم التبادل التجاري بين البلدين، وبدأت بشائر نجاح الخطة البريطانية في الظهور،إذ بدأ الشعب الصيني في ادمان الافيون، وبدأ نزوح الفضة من الصين لدفع قيمة ذلك الافيون. وبدأت مشاكل الادمان تظهر على الشعب الصيني مما دفع بالإمبراطور" يونغ تشينج Yong Tcheng" في عام 1829م بأصدار أول مرسوم بتحريم استيراد المخدرات، غير أن شركة الهند الشرقية البريطانية لم تلتفت لهذا المنع واستمرت في تهريب الأفيون إلى الصين.
تصاعدت حركة التهريب للأفيون إلى الصين بصورة تدريجية حيث لم يهرب إليها في عام 1729م سوى 200 صندوق تحوي 608 كيلوجراما من الأفيون قدرت تكلفتها بخمسة عشر مليون دولارا. ثم في عام 1792م وصلت المهربات إلى 4000 صندوق حوت 272 طناً، انزعجت الصين لهذه الظاهرة،ووللخطر الذي يمثله تعاطي الافيون الواسع علي صحة المواطنين.. والذي يسبب تدمير المجتمع الصيني،كان الصيني يبيع ارضه، ومنزله، وزوجته، وأولاده، للحصول على الافيون.
لذلك اصدر الامبراطور الصيني قرارا آخر اشد وطأة بحظر أستيراد الافيون إلى الامبراطورية الصينية،بل وذهبت الامبراطورية إلى ابعد من ذلك عندما ذهب ممثل الامبراطورالي مركز تجارة الافيون واجبر التجار البريطانيين والامريكيين علي تسليم مخدراتهم من الافيون الذي بلغ الف طن، وقام باحراقه..في احتفالية كبيرة شهدها المناوئون لهذا المخدر.
عندها قررت بريطانيا وكانت في اوج قوتها في ذلك الوقت،اعلان الحرب على الصين لفتح الأبواب من جديد امام تجارة الافيون للعودة من جديد.. وبحث البريطانيون عن ذريعة لهذه الحرب غير الشرعية وغير الاخلاقية..فهداهم تفكيرهم إلى شعار جديد هو "تطبيق مبدأ حرية التجارة" في ذلك الوقت كانت بريطانيا قد خرجت منتصرة علي منافسيها من الدول البحرية في حروب نابليون.
وقامت الثورة الصناعية فيها، وأصبحت الدولة الرأسمالية الاقوي في العالم فلجأت الي فتح اسواق لتصريف منتجاتها الصناعية.. والبحث عن مصادر رخيصة للمواد الأولية التي تحتاجها لصناعاتها.. وكان النظام العالمي في ذلك الوقت يقوم علي مبدئين هما حرية التجارة ودبلوماسية السفن المسلحة. ارسلت بريطانيا في عام1840م سفنها وجنودها الي الصين لاجبارها علي فتح أبوابها للتجارة بالقوة..
استمرت حرب الافيون الأولى عامين من عام1840 الى عام1842..واستطاعت بريطانيا بعد مقاومة عنيفة من الصينيون،احتلال مدينة دينج هاي في مقاطعة شين جيانج.. واقترب الاسطول البريطاني من البوابة البحرية لبكين. دفع ذلك الامبراطور الصيني للتفاوض مع بريطانيا وتوقيع اتفاقية نان جنج في اغسطس1842م"
الشعار الذي رفعه "وي يوانWei Yuan "1794م-1857م الذي تألف كثيراَ لهزيمة الصين في حرب الافيون بسبب تخلفها عن الثقافه العلمية وطالب بضرورة ان تواكب الصين التقدم في العالم الخارجي اذا ارادت ان تثبت اقدامها في العالم الحديث وتضطر الى التعليم من الثقافه العلميه في الغرب من اجل مقاومة الغزاة الغربيين وتعد افكاره بمنزلة اول نظريه تطالب بالتعليم من الغرب وقدمت بصورة رسميه في العصر الحديث وكان لها تأثير ايجابي في مناهضة الاقطاع وفي التحرر الثقافي والتقدم.
ان دراسة موضوع الصينيين التقليديين تتسم بالتاريخ الطويل وليس بالبعيد فنحن نتحدث عن تاريخ منذ حركة 4 مايو عام 1919م فتوجد العديد من المؤلفات المهمه والابحاث والدراسات حول دراسة الصينيين مثل قصة "أكيو الحديثه"للأديب الصيني "لوشيون" و"الصينيون " للكاتب "لين يوي تانغ"و"الأمريكيون والصينيون "للكاتب "شي ليانغ توانغ" و "المشكله الصينيه"من تاليف" لاي شيا ار " والعديد من المؤلفات التي لها التأثير الكبير في دراسة موضوع الصينييم التقليديين والمشكله في هذه الدراسات انها متفرقه وغير مترابطه .
يعد تحديث الانسان بمنزلة الشرط الرئيسي والهدف الاساسي المهم من اجل تحقيق تحديث المجتمع ومانقصده بتحديث الانسان هو القيام بتعديل وتجديد الشخصية القومية وصفات الأمه وهو مطلب اساسي ذاتي لتحديث الصين ،ان دراسة شخصية الصينيين القوميه وهو مايعني دراسة "القومية"التي يطلق عليها علم ثقافة الاجناس او هيكل الشخصيه الرئيسي ويشمل تشكيل شخصية الصينيين القوميه وتكوينها الاولي والتطور التاريخي والتجديد في حركة التحديث.
وكان من رواد الاتجاه الجديد "لين ته شيو، وقونج تسي تشين، ووي يوان" الذين أرسوا فكرة دراسة العلوم الغربية بالصين، وبالنسبة إلى وي يوان فيعتبر من مؤسسي مدرسة التعليم الغربي الحديث، إذ جسد حتمية التغيير من خلال رؤية تقدمية علمية. وأدركت الصين بعد حرب الأفيون أهمية العلوم الأجنبية وتعلمها والاقتباس منها لدفع العدوان الاستعماري وصيانة البلاد واستقلالها حتى تظل قوية، فكانت أول دفعة سافرت إلى أمريكا مكونة من ثلاثين طالبًا في عام 1872م، كما استقبلت كل من إنجلترا وألمانيا واليابان عددًا كبيرًا من الطلاب الصينيين، وشملت الثقافة التي تلقوها في الجامعات الغربية العلوم الإنسانية والطبيعية الجديدة. كما تم إنشاء مدرسة تنج وين كيوان كأول مدرسة للغات الغربية في بكين عام 1862، وتبعها إنشاء دائرة الترجمة في شنغهاي عام 1865 لترجمة الثقافة الغربية، وخطت الصين نحو الغرب خطوات واسعة بإنشائها في عام 1893 أول مدرسة حديثة في ووهان ضمت أقسام الرياضة والعلوم الطبيعية والتجارة. وشهدت الصين بعد حرب الأفيون بسنوات ترجمات صينية عن الغرب في الرياضيات والميكانيكا والكهرباء والكيمياء والصوت والضوء والفلك والجغرافيا وعلم الحيوان والنبات والطب.
ان التعريف الاولي بالذات يخص هيكل المفاهيم التي قدمتها الثقافه التقليديه وتوقف عند التركيب التنظيمي السطحي للمجتمع والوسائل بمعنى ان التفكير يدور حول الثقافه السطحيه للأشكال الثقافيه وبالرغم من ان بعض المفكرين مثل "ليانج تشي تشاو "من مجموعة حركة الاصلاح الذي طرح فكرة "تجديد اسلوب الشعب "مؤيداَ تجديد الخصائص القومية من اجل تقوية الأمه وهي من سلسلة افكار "اعادة تنظيم الاخلاق"والولوج في البحث عن الاصل الفكري والقوه المعنويه لتجديد الخصائص القوميه من خلال الثقافه التقليديه وهنا لابد من الاشاره الى مرحلة "4مايو"التي اتسمت بمعرفة ذات وكينونة الامه الصينيه وقد تميزت بالعديد من الخصائص فقد كانت المعارضه الكامله للتقاليد حيث مرت الصين اثناء مرحلة "4 مايو"بحركة التغريب Westernization Movement "وحركة الاصلاح والتجديد وثورة 1911م وفي النهاية لم تتمكن الصين من تعزيز القوه الوطنيه الذاتيه وتفاقمت ازمة الامه والثقافه بصورة خطيره يوماَ بعد يوم مما ارغمت هذه الظروف الناس على التفكير في التركيب الاساسي للثقافه التقليديه ،ان تخلف الصين والاهانات والهزائم التي تعرضت لها ليست نتيجة تخلف الوسائل والهيكل التنظيمي الاجتماعي فقط بل هناك ايضاَ النقائض التي ظهرت في التكوين العميق للثقافه في نظام الثقافه التقليديه وفي هذه المرحله فقد رفع المفكرون راية معاضته التقاليد وشنو اعنف الهجومات والانتقادات على افكار المذهب "الكونفوشيوسي" الذي كان محور الثقافه التقليديه وبموجب نداء "الأطاحه بدار كونفوشيوس" فقد شن زعماء "الحركه الثقافيه الجديدة"والتي ظهرت في عام1915م ورفعت شعار "العلم"و"الديمقراطيه"لتجسد الطموحات والمثل العليا للثقافه الديمقراطيه وذلك بعد ان ارتأت ان تخلف الصين يكمن في افتقارها الى العلوم الحديثه والديمقراطيه ومن ثم قادت حرب شعواء للأطاحه ب"دار كونفوشيوس"ومقاومة التيار الرجعي وعبادة "الكونفوشيوسيه"ومعارضة العوده الى الطرق القديمه الباليه وتحرير الشعب الصيني ايدلوجياَ، وكان من قادة وزعماء تلك الحركة الثقافيه الجديده "تشين دوشيو" الذي ساهم في نشر المد الايدلوجي الجديد لهذه الحركه و"لي داجاو"الذي قاد حملة مناهضة الكونفوشيوسيه في اثناء الحركه الثقافيه الجديده و"لوشيون Lu Xun"وهو اديب الصين العظيم ةمؤسس الادب الصيني الحديث ويعتبر من ابرز كتاب الواقعيه في العصر الحديث حمل لواء "التنوير"و"الديمقراطية"اثناء حركة "4مايو"عام 1919م و"هوشي" وهو من ابرز المفكرين الصينيين الذين ينتمون الى الطبقات العليا ادخل المذهب البراغماتي في الصين واستخدامه كسلاح لتوجيه المد الايديولوجي وأيد شعار الحركة الثقافيه الجديده ولكنه كان يفضل مثالية البراغماتية على العلوم واعلن تأييده "للكوزموبوليتانيهCosmopolitanism "العالمية واثنى عليها اكثر من القوميه وتبنى شعار "ترتيب تاريخ الأمه"والتركيز على النقد التاريخي لمقاومة انتشار الماركسية في الصين ، بالأضافه الى اخرين من الذين شنو نقداَ هداماَ على نظام واسلوب عمل الحكومه من خلال المؤسسات الاجتماعيه والمثل العليا للشخصيه ومقاييس القيم ،وقد كان هيكل المفاهيم الثقافيه الجديده نقطة انطلاق لمعرفة ذات الامه الصينيه في مرحلة "4مايو".
ان القرن العشرين يعتبر "العصر الكبير"للصينيين وشهدت الصين في هذا العصر الكبير اعظم التغييرات وهي تغيير "البشر الصينيين"وتغيير طبيعتهم الفكرية وتغيير الشخصيه القوميه وشخصية الامه ومكمن اسباب هذه التغييرات في ان القرن العشرين قد اعاد رسم الصوره النموذجيه الكبرى للصينيين والحقيقه فأن الصينيين قبل القرن العشرين كانوا يعيشون داخل هيكل مفاهيم الثقافه التقليديه وشبكة المعاني وأعتبروا اسلوب الانتاج الزراعي التقليدي والهيكل التنظيمي لمجتمع نظام المشيخه العشائريه وافكار الكونفوشيوسيين الروح المرشده لنطاق المباديء الاخلاقيه ،وهنا لابد من القول ان الشخصيه الصينيه التقليديه تعاني من الامراض والتشوهات لاتتناسب مع التحديث بل انها كانت قوة تعيق عملية التحديث وقد تمت معالجة هذا الموضوع على مراحل للتحول من الشخصيه التقليديه الى الشخصيه المعاصره ،ومن ثم اثيرت مسألة "اصلاح القومية" بحيث كان الهدف تغيير الافراد القابعين في نطاق مفهوم نظام الثقافه التقليديه الى افراد يتحلون بمفهوم التحديث وتأسيس نقطة النمو لتجديد الامه والسير على درب التحديث من خلال تغيير الطبيعه الفكريه للأفراد.
انهار صرح نظام الثقافه التقليديه عندما ارتطم بالتحديث خلال دخول القرن العشرين وحدث تصادم بين انهيار النظام القديم لعمل الحكومه من خلال المؤسسات الاجتماعية والتأسيس التدريجي لنظام المجتمع الحديث من جهه والتبادل الثقافي العالمي من جهة اخرى وتغيير هيكل المفاهيم فقد حدثت كل التغييرات الثقافيه والاجتماعية في الصين خلال القرن العشرين بمقتضى الموضوع الكبير للتحديث وقد خاض الصينيون في هذه العمليه الطويله الحروب والثورات وحرب المقاومه ضد اليابان وانقاذ الامه من الاضمحلال والهدم والبناء وتجديد اختيار السلطه السياسيه وتغيرات تركيب التنظيم الاجتماعي وتعديل اسلوب الانتاج واسلوب الحياة واعادة تنظيم شبكة المعاني وهيكل المفاهيم ويعتبر ذلك بمثابة السير قدماَ في عملية التحديث رغم انها عملية طويله شهدت مصاعب ومتاعب كبيره ودفع لها الثمن الغالي على المستوى السيكولوجي.
ان هدف التحديث قد ظفر بالتاييد والاجماع والرغبه الكبيره من جانب الشعب الصيني باجمعه واصبح الامل الكامن لازدهار الامه الصينيه،الآن وقد ادرك الصينيون ان مايسمى التحديث ليس تحديث العلوم والتكنلوجيا وزيادة سرعة تحقيق الاهداف الاقتصاديه وتطوير مستوى القوى الانتاجيه الاجتماعيه فقط بل انه مضمون ثري يتخلل مختلف جوانب الحياة الاجتماعية وان عملية تغيير الثقافه الاجتماعية ذات المستويات المتعدده هي في حد ذاتها عملية تقدم مجتمع ماقبل التحديث وهو المجتمع التقليدي في اتجاه المجتمع الحديث الذي يتمتع بالعمومية على نطاق واسع المدى.
يقول" لويس هنري مورغان Lewis Henry Morgan " ان كل مرحله في تطور البشريه تشتمل على الثقافه المختلفه وتمثل اسلوباَ محدداَ في الحياة ،وان المجتمع الصيني الحديث باعتباره مرحله خاصه في عملية تطور التاريخ الصيني فقد قررت طبيعة انتقال ذلك المجتمع وثنائية منح الأنشطه الحياتيه لدى الصينيين مزايا الثقافه الصينيه الحديثه من مغزى القيم والدعم الفكري ويعد تكوين الثقافه الصينيه الحديثه بمنزلة "نموذج الانتقال الثقافي"الذي يتناسب مع عصر الانتقال ونموذج المجتمع الانتقالي .
ان الصينيين التقليديين هم ماضي الصينيين الحاليين وقد انبثق الصينيون من الماضي ويختلف حاضرهم عن ماضيهم اختلافاَ كبيراَ ولكن لايعد الماضي تاريخ الصينيين الذي رحل فقط بل انه اساس حياة حاضرهم ومصدر فكرهم لقد انبثق الصينيون من الماضي وعدم وجود الماضي يعني عدم وجود "حاضرهم"ولاوجود لمستقبلهم ايضاَ.
تعد محاولات الاصلاح التي خاضتها الصين عبر تأريخها هي في حقيقتها النواة والبذره التي جنت ثمارها الصين فيما بعد وما ان جاء العام 1978م حتى صدرت شهادة ميلاد الصين الجديده التي اطلت على العالم وهي ترتدي ثوب التغيير والأستعداد للأندماج مع العالم والذي حدث في لبدوره الثالثه الموسعه للجنه المركزيه للحزب الشيوعي الصيني والتي قصمت ظهر جناح المحافظين داخل الحزب معلنة انتصار تيار الاصلاح والانفتاح على مجمل التيارات الفكريه الاخرى وهو مااعتبر بحد ذاته "تطهير ايدلوجي" لم تشهده الصين في كل تأريخها والتي بدأت العوم في تجربة الاصلاح الاقتصادي والانفتاح على العالم الخارجي منذ ذلك الوقت من هنا منذ تلك الدوره والتي انتقدتها التيارات المتشدده داخل الحزب فقد اشرقت شمس التطور في الصين بالرغم من ان المتشددين اعتبروا ذلك الانفتاح بانه اتجاه نحو الرأسماليه،الشيء المميز هو محاولة الصين صياغة منظومتها الخاصه في التنميه التي تختلف عن التنمية الغربية فهي تحافظ على روح حضارتها القديمه الممتده الى الالف العاشر قبل الميلاد وتكتشف جذورها في ضوء الواقع الموضوعي الذي تمر به في الوقت الحاضر وهي تسعى الى اختيار نوذجها الخاص بها من خلال ادراكها ان التحديث لايعني اضفاء الطابع الغربي حيث ان كل دوله تختلف عن الدولة الاخرى من حيث الظروف التاريخية والبيئه الجغرافيه والثقافيه وهو ماصار يطلق عليه "التحديث ذي الخصائص الصينيه" اي الانطلاق من احوال الصين الواقعيه والتحديث بالشروط الصينيه الملائمه لاسيما الظروف الاساسيه الذاتيه للأمه الصينيه وبهذا فأن الصين لن تتحول الصين الى النظام الديمقراطي الغربي وهي ترفض ان تكون جزءاَ من العالم الغربي ولاتهتم بنظرة الغرب لها فالتحديث الصيني ينطلق من معرفة احوال الصين التي تشتمل على العديد من الركائز وتلك الركائز هي التاريخ الصيني والاحوال المعاصرة والجغرافيه الصينية وقوة الدولة والثروات الطبيعية وانتشار الصناعه بالاضافه الى الثقافه التقليديه الصينيه والطبيعه السيكولوجيه للصينيين وخصائص السكان والموروث والعادات الشعبيه والمشاعر الوطنية وترى الصين انه ليس هناك نهضه ولاتحديث من دون الاصول وهي تريد الارتكاز على تراثها وتقاليدها القديمه وتعاليم"كونفوشيوس Confucius" وهو مذهب يتضمن كل التقاليد الصينيه عن السلوك الاجتماعي والاخلاقي وفلسفتها قائمه على القيم الاخلاقيه الشخصيه وعلى ان تكون هناك حكومه تخدم الشعب تطبيقَ لمثل اخلاقي مبني على تعاليمه وفلسفته وقد تأثر بعمق الفكر والحياة الصينيه وقد سميت بهذه التسميه نسبة الى الفيلسوف "كونفوشيوس"والذي يعتبر اول فيلسوف صيني يفلح في اقامة مذهب يتضمن كل التقاليد الصينيه،عموماَ لم تستند الى ذلك فحسب انما الى جانب استيعاب العلوم الحديثه والتكنلوجيا الغربيه للأنطلاق باتجاه المستقبل وبناء دوله غنيه وجيش قوي للأنضمام الى مصاف الدول الكبرى في العالم.
تعد التجربة الصينية إحدى التجارب التي تركت بصماتها وأثرت وأحدثت تحولات جذرية في حياة شعوبها، وفي ظل ظروفها كدولة نامية نجد أنها قدمت نموذجًا للتنمية وتجربة مميزة يمكن أن تفيد منها بقية الدول النامية، وليس أدل على انتشار الحضارة الصينية وثقافتها في أرجاء العالم، من انتشار الصناعات الصينية التي باتت الآن تدخل كل بيت على وجه المعمورة، وتثبت وجودها وجودتها وكفاءتها، وأيضًا انخفاض أسعارها لتمحو من أمام المستهلك العالمي منتجات خصمها الأول صاحب السيادة الحالية، ليس ذلك فقط، بل أصبحت المدارس الثانوية في الولايات الأمريكية تتنافس في إدخال اللغة الصينية كلغة ثانية في مناهجها الدراسية، وبات وجود اللغة الصينية ضمن مناهجها ميزة تحسب لها، كما أصبحت الشركات الأمريكية تفضل تشغيل العاملين الذين يجيدون الصينية، بل وأصبح من يتحدث الصينية في أمريكا هو شخص متميز يسير على خُطى الموضه ويُساير إيقاعات العصر.
فنهضة الأمه الصينيه تعتبر نموذج فريد من نماذج التنميه الذي استطاع ان ينمو بأستقلاليه وبغير انعزاليه فهي تنتهج ماتسميه"السوق الاشتراكي"وتحاول ان تستكمل بناء نفسها من الناحيه التكنلوجيه وتحقيق التحديث الاشتراكي او ما تطلق عليه "العصرنات الاربعFour Modernization "والتي تشتمل على احراز التقدم في الصناعه والزراعه والعلوم والتكنلوجيا والدفاع ،اذاَ فهي نموذج يعد مزيج يجمع بين الاشتراكيه والرأسماليه من خلال ادماج المفهوم الصيني للأشتراكيه مع المفهوم الغربي للرأسماليه.
التعليقات (0)